الصـــدقة في رمضــان
الثلاثاء-8رمضان 1434 الموافق16 تموز/ يوليو.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
عن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ : ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ” . رواه البخاري
وصف الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف بوصفين هما الجواد والريح المرسلة والجواد أعلى درجات الكرم أما الريح المرسلة فلها مواصفات وهي التعميم والشمولية والسرعة والتتابع فخيره عليه الصلاة والسلام يشمل الصغير والكبير والغني والفقير والتابع والوزير وكذلك أيضاً السرعة في الاداء والتنفيذ بلا تردد فليس هناك تباطؤ وتأخير بل حاضراً بحاضر , وكذلك التتابع والاستمرارية ومواصلة العطاء بلا انقطاع فهو لم يعطِ مرة وانتهى الخبر بل عطاؤه مستمر ومتواصل
ولو عدنا إلى كتاب الله تبارك وتعالى لوجدنا أمر الله عزَ وجل للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والناس بالإنفاق فقال تعالى :
” قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ ” .
قل لعبادي الذين آمنوا يشكروا ربهم بإقامة الصلاة , فالصلاة أخص مظاهر الشكر لله , وينفقوا مما أنعمنا عليهم به من الرزق سراً وعلانية .
سراً حيث تصان كرامة الآخذين ومروءة المعطين , فلا يكون الإنفاق تفاخراً وتظاهراً ومباهاة , وعلانية حيث تعلن الطاعة بالإنفاق وتؤدى الفريضة , وتكون القدوة الطيبة في المجتمع . وهذا وذلك متروك لحساسية الضمير المؤمن وتقديره للأحوال .
قل لهم : ينفقوا ليربو رصيدهم المدخر من قبل أن يأتي يوم لا تنمو فيه الأموال بتجارة , ولا تنفع كذلك فيه صداقة ; إنما ينفع المدخر من الأعمال : ” من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال ” . في ظلال القرآن (سيد قطب)
وفي الأحاديث النبوية الشريفة عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ” . رواه مسلم
ولو تأملت هذا الحديث قارئي العزيز تجد أن الإنسان المؤمن والكافر على حدٍ سواء سوف يلقى ربه يوم القيامة ويقف هذه الوقفة الرهيبة العظيمة التي لا مناص منها , وأنت تقف بين يدي جبار السموات والارض وسيدور بينكما من الحديث ما سيكون بلا ترجمان أو واسطة فهل أنت جاهز لهذه الوقفة الرهيبة ؟ هل أعددت نفسك جيداً لتخرج من الموقف بسلام ومرفوع الرأس ؟ أم انت لديك التفريط الكثير ؟ أرجوك جهِز نفسك وهيأها لتنجح في هذا الاختبار الرهيب وتنجو يوم القيامة .
أما رؤية الله عزَ وجل فهذه للمؤمنين في الجنة دون غيرهم حيث ينفردوا بهذا النعمة والفضل ويرون ربهم في الجنة كما قال تعالى : ” وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة ” .
أيهما أحب إليك العطاء أم الأخذ ؟ أسمعني إجابتك على سؤالي قبل أن اُخبرك على ما اتفق عليه أغلب الفلاسفة وهي أن سعادة الإنسان في العطاء أحلى من سعادته في الأخذ .
أوحى الله لإبراهيم عليه السلام : أتعرف لماذا اتخذتك خليلًا يا إبراهيم ؟ فقال : لم يا رب ؟ فقال : لأنك تحب العطاء أكثر مما تحب الأخذ .
تعلم أن تكون معطاءً أكثر مما تكون أخَاذاً تُسعد ويعلو شأنك ويرفع قدرك عند ربك وخلقه لا تنسَ هذه الوصية من محب صادق .
النبي يوسف عليه السلام الذي أصبح وزير مصر كان يُكثر من الصيام فلما سئل عليه السلام : لم تكثر من الصيام وأنت على خزائن الأرض ؟ فقال : لأعاني الجوع وأشعر بالجياع .
فكم منا من امتلأت بطنه ونسي الجياع وكأن الارض ليس فيها فقيراً أو جائعاً ؟ وهي الآن تشهد آلآف البشر لا يجدون لقمة تسد رمقهم بل رأينا المئات منهم تأكلهم الغربان والطيور بعد إن ماتوا بسبب الجوع وهذا ما رأيته في الاعلام والمنظور وقرأت عنه في المسموع وما خُفي كان أعظم ؟ .
لو اُخرجت الزكاة بصورة صحيحة لما بقي على وجه الارض فقيراً وخير دليل تجربة الخليفة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله .
هناك حكمة تقول : إذا رأيت فقيراً فأعلم أن هناك غنياً سرق حقه .
نعم الزكاة والصدقات هي حق الفقراء والمحتاجين فاذا لم تخرج فقد سُرقت حقوقهم .
فضائل وفوائد الصدقة :
1- إنّ في الصدقة دواء للأمراض البدنية فقد ثبت من الأدلة الشرعية في دفع البلاء بالصدقات حديث الصحيحين في الكسوف الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم : ” فإذا رأيتم ذلك فأدعو الله وكبروا وصلوا وتصدقوا ” .
قال ابن دقيق العيد في شرحه : وفي الحديث دليل على استحباب الصدقة عند المخاوف لأستدفاع البلاء المحذور .
2- الصدقة تمحو الخطايا وتكفِر الذنوب والسيئات والهفوات : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ : ” والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ” . رواه الترمذي
3- الصدقة سبباً لزيادة المال والبركة والنماء فهي لا تنقصه بل تحفظه وتزيده : قال تعالى : ” وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ” .
وقال الله جل وعلا في الحديث القدسي : ” يا ابن آدم أَنفقْ أُنفق عليك ” . رواه مسلم
4- أنّ المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة : وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول : ” كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس ” . رواه ابن حبان والحاكم
5- الصدقة وقاية وحصن حصين للعبد يوم القيامة من النار التي لا تنطفئ : عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، قَالَ : ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّارَ ، فَتَعَوَّذَ مِنْهَا ، وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ ، فَتَعَوَّذَ مِنْهَا ، وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ ، قَالَ شُعْبَةُ : أَمَّا مَرَّتَيْنِ فَلا أَشُكُّ ، ثُمَّ قَالَ : ” اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ” . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
هكذا فوائد الصدقة تنفع في الدنيا وفي الآخرة , بعد ان عرفنا فضلها فلنتصدق لنكتب عند الله من المتصدقين ولا تستحِ من إعطاء القليل فإنه خير من الحرمان .
الكاتب: ازهر اللويزي
المصدر :أزهر اللويزي