الأربعاء-9 رمضان 1434 الموافق17 تموز/ يوليو.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
الحمد لله الذي شرع صوم رمضان الكريم، وجعله موئلا للسلامة من كل داء ومغفرة من كل ذنب صغير وكبير، ورحمة لأمة محمد – صلى الله عليه وسلم-، وامتحانا لصبر المؤمن وامتثاله، ومقياسا للطاعة والمطيعين من عباده. أحمده حمد الشاكرين المطيعين المنيبين المخبتين. وأشهد أن لا إله إلا هو من رب كريم بر غفور رحيم، وأصلى وأسلم على خاتم أنبيائه ورسله إمام الأولين والآخرين – صلى الله عليه وسلم- من عبد وحد الله وصلى وزكى وصام وحج واعتمر، وقام بعبادة ربه خير قيام. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه نجوم الهدى وأقمار المعارف ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
قراءة المزيد: المتسابق السابق في موتو2 يسير على الأقدام من إسبانيا إلى باكستان: يعترف برغبته في التحرر من أعباء الحياة
فيا أيها الإخوة المسلمون المؤمنون الصائمون، اتقوا الله حق تقاته في كل أمر مما تأتون وتذرون. واعلموا رحمني الله وإياكم أن دولة الإسلام من عهد محمد – صلى الله عليه وسلم-، وعهد صحابته من بعده وعهد الصالحين من العباد الذين تأسوا بمحمد رسول الهدى ونبي الرحمة في القول والفعل والعبادة والعمل. اعلموا أن دولة الإسلام ما قامت- منذ فجر تاريخها- إلا على الإيمان برسالة الإسلام وتطبيق أحكامه التعبدية والعملية وفق ما هدى إليه القرآن الكريم، وصح عن رسول الإسلام من قول أو فعل أو تقرير.
وإذا علمنا- أيها الإخوة أن المجتمع الإسلامي ما قام ولا تحقق وجوده إلا بالتمسك بمصدري التشريع:
القرآن الكريم والسنة النبوية، إذا علمنا ذلك فلنعلم أن المقصد الرئيسي من خلق الإنسان ووجوده في الأرض أن يكون خليفة فيها، ومفهوم الخلافة أن يعمل المستخلف كل أعماله، وحركاته وسكناته وهواجسه وخواطره ونظرته للكون ومن عليه أن يعمل فيها وبها وفق حكم مشروع من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأمة. ولنعلم أنه مهما حاول الإنسان الوصول إلى الكمال فلن يستطيع، لأن الكمال المطلق إنما هو صفة الله وحده؛ ولذلك صار الإنسان بحكم قصوره ونقصه محتاجا- في استخلافه في الأرض- إلى ما يقيم أوده، ويسد حاجته ويعينه على الامتثال والعمل والتطبيق لأوامر الله الذي استخلفه في الأرض. ومن هنا صار الإنسان في وجوده- بحكم الله وحكمته- محتاجا إلى الماديات حاجته إلى المعنويات أو أشد، فقد ابتلاه الله تعالى بشهوة البطن لبقاء الحياة، وبشهوة الفرج للتكاثر ودوام النسل البشري، وابتلاه بحاجته إلى النوم لينشط بعده للعمل، وابتلاه بدوام حاجته إلى هذه الأمور واستمرارها في حياته. وجعل ما في الأرض من الثمرات والمكاسب والمناصب عونا على استمرار شهوات الإنسان، ثم قيد هذه الشهوات بالعقل والروح والعبادة.
والذي يعنينا أيها الإخوة- أن نعرف قيد العبادة لشهوات الإنسان التي ربما تودي بحياته وتعطل استخلافه في الأرض.
قراءة المزيد: عوامل ثابتة حول انهيار الكيان الصهيوني الإسرائيلي
من العبارات التي تعين على كسر حدة الشهوة عموما صوم شهر رمضان المبارك، تلك الأيام الغرر التي من الله بها على عباده. وها أنتم- أيها الإخوة- تعيشون أول هذا الشهر الكريم وأول أيامه، فاعلموا أنه إذا ملك الواحد منكم الأشياء، وصار خليفة فيها كما أمره الله، وتحرر من سيطرة الشهوات عليه، فهو ذلك الإنسان المسلم السوي الصالح للعمل في المجتمع الإسلامي، لأن التعبد بالصيام هو سبب زكاء المسلم، وتشذيبه وتهذيبه، وسباب تربية الخوف من الله وحده، وسبب تربية الإيمان بالله وحده، أما إذا استغرق ولج هذا الإنسان في شهواته فإنها تملكه ولا يملكها، وحينئذ لا يصلح أن يعمل وينتج في المجتمع الإسلامي لأنه أصبح أسير شهواته كلها. وبذلك نفهم أن من أرقى وظائف الصوم وغاياته أن يرقى بالإنسان إلى درجات الكمال والفضيلة في كل ما يقوم به من عمل سواء كان هذا العمل بمعاشه أو قعاده.
فالصوم- أيها الإخوة- فيه قطع مادة الهوى، وفيه تحرير الإنسان من عبوديته لمتع الحياة، وفيه وضعه في الحالة السلوكية الصحيحة التي تناسب خلافته في الأرض. إذا يجب أن نفهم أن ليست الغاية من الصوم وجوب الامتثال فقط، وإنما الغاية حصول المسلم على ما بعد الامتثال. وصدق الله وقوله الحق: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].
فيجب على المسلم المؤمن الصائم أن يتنبه إلى ما خص الله به العمل التعبدي في هذا الشهر الكريم، وما رصد فيه لعباده المتقين الصالحين من الأجر والثواب، حيث جعل الجزاء بالمثوبة والأجر مضاعفا؛ فالحسنة في هذا الشهر كله بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة. وإذا فهذه الأيام الرمضانية موسم عظيم لمن يغتنم الفرصة ويعمل ليحوز رضا الله به وأجره الذي لا يعطيه إلا هو.
أيها المسلمون، هذا هو شهر رمضان المبارك ابتدأتم في التوجه فيه إلى بارئكم فأعدوا العدة وشدوا الحزام، وضاعفوا الخطوات في المسير إلى الله، فإنه إذا صام المسلم كما ينبغي أن يصوم، وبالنية الخالصة لوجه الله تعالى، ولم يبطل ثمرة صومه بالتهالك على الشهوات في ليل رمضان، والتهالك والتجافي إلى المنازعات والمعاملات التي لا تليق بالمسلم في نهار رمضان، وقنع بما أكرمه الله به من الرزق، إذا سار على هذا المنوال فقد صام رمضان حقا فحق له أجر الصائمين الذين تكون صحبتهم لله وفي الله، لأنهم جميعا متجهون إلى الله اتجاها واحدا على حسب ما أمروا به.
قراءة المزيد: ستاربكس وماكدونالدز.. المقاطعة تكبح إيرادات العلامات الكبرى الداعمة لإسرائيل
وإذا لم يفرق الصائمون بين ما يجب أن يعملوه في هذا الشهر وبين ما يعملونه في الأشهر قبله والأشهر بعده، فإن المشكلات الإنسانية التي تلاحق المسلم لانصرافه عن الله لن تنقضي أبدا، فانظروا إلى القضايا المكدسة في المحاكم، وانظروا عظم الجهود التي يبذلها رجال الأمن للسيطرة على ما يجب أن يتبعه المسلم من خلق قويم يقضى فيه على الجريمة أيا كان نوعها.
ما سبب هذه القضايا والمشكلات؟
إنه الانصراف والبعد عن الله، ومتى عدتم إلى الله بصيامكم وقيامكم كان حقا على الله أن يثيبكم ويوفقكم إلى كل خير وصلاح، وهذا الأجر وهذا التوفيق من الغايات التي يخولها الصوم للصائم.
عباد الله، ليس مفوم الصوم أن تصوم بطوننا ثم نسب ونتشاجر ونحقد ويسيء بعضنا إلى بعض، فتنطلق أبصارنا وآذاننا وألسنتنا وجوارحنا هائمة فيما حرم الله، وإذا حان وقت الإفطار انطلقنا إلى موائد الطعام متناسين الفقير الجائع، متجافين عن البر ولو بالكلمة الطيبة. إن هذا ليس بصوم وإنما هو استهزاء بشرائع الله، إنما هو صوم عادة لا عبادة. ألم تعلموا أن رسولكم – صلى الله عليه وسلم- كان يفطر على تمرات وشربة ماء، وأن عليا والزهراء أعطيا طعامهما الذي كان يفطران عليه- أعطياه لمسكين ويتيم وأسير، ثلاثة أيام متتالية. فنزل القرآن يثني عليهما ويتلى أبد الدهر، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 8 – 12].
قراءة المزيد: خبير تكنولوجي: تشويش إسرائيل على “GPS” لبنان يعرضها لعقوبات دولية (مقابلة)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم. أقول هذا القول واستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه بر رؤوف غفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي من علينا بنعمة الإسلام، وشرع لنا فريضة الصيام، وجعله رابع أركان الإسلام. نحمده ونستعينه ونسأله المزيد من فضله وإنعامه، ونسأله الإغاثة والتوفيق إلى صيام أيام رمضان، وإحياء لياليه على الوجه الذي يرضيه عنا وهو أرحم الراحمين.
ونشهد أن لا إله إلا الله المتفرد بالجلال والكمال، ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله خير من صلى وزكى وصام، وقام بشرائع السلام خير قيام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
قراءة المزيد: بين الأكاذيب والحقائق.. قراءة في خطاب نتنياهو بالكونغرس
أما بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون الصائمون، قد عرفنا ما يجب أن يكون عليه الصائم من التشبه بصفة الكمال التي هي من صفات الله العلى، فمتى صام المسلم عن كل ما يخدش صيامه ويفسده، فقد صامت جميع جوارحه عن المنهيات حسيها ومعنويها والله سبحانه وتعالى قد وعد الصائمين جزاءهم اللائق بهم “الصوم لي وأنا الذي أجزي به”
بقي أن نعرف أيها الإخوة- عظمة التشريع الإسلامي من خلال فريضة الصيام. إن الصيام أيها الإخوة علاج يغسل الباطن ويطهره، ويزين الظاهر ويعمره. إن الصوم في مفهومه يورث النفس المسلمة غنى وقناعة من خلال الصبر على أثر الجوع والظمأ، وهذا الغنى، وهذه القناعة تربي في المسلم حب إخوانه المسلمين وتراحمهم والتعاطف معهم، ويختفي العداء والتشاحن والبغضاء والضغينة والحقد، لأن هذه الأخلاق الذميمة إنما يسلطها إبليس بين المسلمين، وإبليس اللعين وذريته مصفدون في الأغلال طوال أيام هذا الشهر ولياليه. فاغتنموا- رحمكم الله- هذه الفرصة واذرعوا لأنفسكم من أعمال الخير في هذا الشهر ما يرضي الله عنكم ليرضيكم.
وبعد هذا على المسلم أن يسأل نفسه، وعلى المسلمين أن يسألوا أنفسهم.
لماذا لا تتغير حال المسلم أثناء صيامه؟ ألم نؤمر بالإنفاق المشروع في الطرق المشروعة من غير إسراف ولا تبذير. ألم يطلب منا أن نكون على مستوى من الأخلاق الإسلامية الرفيعة، بلى والله طلب منا كل هذا سواء في رمضان أو في غير رمضان، ولكنه في رمضان أكد وأحق؛ لأن الجزاء فيه مضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
قراءة المزيد: المغرب: أكثر من 11 ألف مظاهرة في البلاد خلال 2023
وإهمالنا للاستقامة في رمضان دليل على تنقصنا أحكام التشريع وهي كاملة من عند الله ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].
الله الله أيها المسلمون الصائمون شدوا الرحال إلى الله، توجهوا إليه في رغبة ورهبة. طلقوا الدنيا وارغبوا في الآخرة، فإنها الحياة الباقية الحقة. ألم يكفكم أن الله إذ شرع لكم الصوم جعل فيه من المميزات ما يغري المسلم بالعمل الصالح المتواصل. فجعل الحسنة الواحدة مضاعفة، وجعل فيه ليلة العمل فيها خير من العمل في ألف شهر. ألم يكف أن الله يمنن على العبد فيمحو عنه ما اقترفه طوال عامه من الخطايا والذنوب، حتى يكون كيوم ولدته أمه.
فاللهم يا رحمن يا رحيم اقبل صيامنا واقبل توبتنا ولا تردنا خاسرين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمر أو أعداءك أعداء الدين. اللهم من أراد المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، وتدبيره في تدميره يا ذا القوة المتين. اللهم احفظ لنا قادتنا وولاة أمورنا وأعنهم على القيام بما يحفظ الإسلام والمسلمين.
قراءة المزيد: تضامن واسع مع نائبة أسترالية علق البرلمان عضويتها لدعمها فلسطين
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالين. وصلوا وسلموا على أكرم نبي وأشرف هاد، واذكروا الله العلي العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأقم الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا.
المصدر : الألوكة
قراءة المزيد: غزة.. موجة نزوح من شرق خان يونس بعد إنذار إسرائيلي