ازمة المياه .. بين دول المنبع والمصب
الجمعة-18 رمضان 1434 الموافق26 تموز/ يوليو.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
اعداد: سميحة عبد الحليم
في خطوة أثارت قلق دولتي المصب، مصر والسودان، أعلنت الحكومة الإثيوبية بدء تحويل مجرى النيل الازرق أحد روافد نهر النيل تمهيدا لبناء سد “النهضة” الإثيوبي والذى قد يؤثر سلباً على حصتيهما من مياه النيل .
اثيوبيا دشنت العمل لبناءها سد النهضة قبل انتهاء اللجنة الفنية الثلاثية المشكلة من الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، لتقييم آثار السد على دولتي المصب. مما أثار ردود فعل رسمية وشعبية واسعة وغضب فى الأوساط المصرية التي تخشى تجفيف نهر النيل، ذلك الينبوع الحيوي الذى تحصل منه مصر والسودان على نحو 85 % من احتياجاتهما من المياه .
وتحصل مصر على 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل سنوياً، فيما تحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب، وذلك بموجب اتفاقية أبرمت بين البلدين في العام 1959، ولم تكن اثيوبيا طرفاً فيها .
وكانت مصر وإثيوبيا قد اتفقتا على “ضرورة مواصلة التنسيق بينهما في ملف مياه نهر النيل، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين، واستنادًا إلى التزام كل طرف بمبدأ عدم الإضرار بمصالح الطرف الآخر”.
وكانت الأحاديث تصاعدت فى الاونة االاخيرة حول ملف الأمن المائي لدول حوض النيل وتزاديدت خطورته بصورة خاصة بعد أن أعلنت إثيوبيا نيتها إقامة خمسة سدود متتالية على النيل الأزرق الأمر الذي قد يهدد مستقبل التعاون الجماعى بين دول الحوض.
ويظل ملف الأمن المائى هو الركيزة الأولى فى أى توجه مصرى نحو القارة السمراء، وبالتأكيد ستبقى السياسة المائية على رأس أولويات السلطة الحالية بعد عقود من الإهمال فى التعامل مع جميع أطراف المنظومة الأفريقية.
معلومات عن نهرالنيل
يعتبر نهــر النيل أطول أنهار العالم حيث يمتد من منابعه الاستوائية حتى مصبه في البحـر المتوسط مسافة 6650 كم (4157 ميلا)، و يمر نهر النيل بمساره ب11 دولة يطلق عليها دول حوض النيل وهي الدول التي لها مصلحة في مياهه وتستفيد منها بأي صورة من الصور وهي مصر والسودان وجنوب السودان دول المصب ، وإثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية وأرتيريا دول المنبع .
ومسمى حوض النيل يطلق على هذه الدول سواء تلك التي يجري في أراضيها أو تلك التي يوجد على أراضيها منابع النهر أو التي تجري عبر أراضيها الأنهار المغذية له .
وينبع نهر النيل من العديد من البحيرات والنهيرات الإفريقية مثل بحيرة فيكتوريا الاستوائية، بحيرة إدوارد الاستوائية، بحيرة ألبرت (موبوتو) وبحيرة تانا ثــم يخترق النيـــل أراضى السودان حيث يلتقى النيل الأبيض بالأزرق ثم إلى نهر عطبرة ثم إلى أرض مصر.
جدير بالذكر أن النيل الأزرق يشكل 80-85% من مياه النيل الإجمالية، ولا يحصل هذا إلا أثناء مواسم الصيف بسبب الأمطار الموسمية على مرتفعات إثيوبيا، بينما لا يشكل في باقي أيام العام إلا نسبة قليلة، حيث تكون المياه قليلة.
أما آخر ما تبقى من روافد نهر النيل بعد اتحاد النيلين الأبيض والأزرق ليشكلا نهر النيل، فهو نهر عطبرة الذي يبلغ طوله 800 كلم وينبع أيضا من الهضبة الإثيوبية شمالي بحيرة تانا.
ويلتقي عطبرة مع النيل على بعد 300 كلم شمال الخرطوم، وحاله كحال النيل الأزرق، وقد يجف في الصيف. ثُم يتابع نهر النيل جريانه في الأراضي المصرية حتى مصبه في البحر الأبيض المتوسط.
ويشغل حوض النيل في بعض الدول كجمهورية الكونغو الديمقراطية 0.7%، وبوروندي 0.4% أي ما يساوي نصف مساحتها الإجمالية، ورواندا 0.7% أي ما يساوي 75% من مساحتها الإجمالية، وتنزانيا 2.7%، وكينيا 1.5%، والكونغو 0.7%، وأوغندا 7.4%، وإثيوبيا 11.7%، وإريتريا 0.8%، والسودان 63.6%، ومصر 10%.
ومن الجدير بالذكر أن مساهمة النيل الأزرق تساوي ضعف مساهمة النيل الأبيض في مياه نهر النيل، ولكن تبقى هذه النسبة متغيرة، إذ تخضع للمواسم المطرية القصوى والدنيا على مدار السنة، مع العلم بأن جريان النيل الأبيض يبقى شبه ثابت خلال الفصول الأربعة، وبذلك تصبح مساهمة النيل الأزرق 90% والنيل الأبيض 5% عند الذروة، في حين تصبح 70% للأول و30% للثاني عند الحالات الدنيا.
يشار الى ان معظم الدول المتشاطئة في الحوض -ما عدا السودان ومصر- تملك حاجتها من المياه لكثرة البحيرات العذبة والأنهار ولكثرة هطول الأمطار فيها، بينما يعتمد السودان بنسبة 77% ومصر بنسبة 97% على مياه نهر النيل.
و تعتبر حصة مصر محصلة تاريخية وقانونية وهندسية وتعاون مشترك تجسدت مــع دول حوض النيل من خلال جهود الاستفادة القصوى من مياه النيل واستقــر الرأى على أن تكون حصة مصر سنويا بواقع 55,5 مليار متر مكعب سنويا ونظمت حصة مصر من خلال عدة معاهدات واتفاقيات (معاهدة أديس أبابا 1902- معاهـدة لندن 1906 – معاهدة 1925 بين بريطانيا وإيطاليا – اتفاقية 1959 بين مصر والسودان)
الإتفاقيات الدولية بين دول حوض النيل..
وقَّعت مصر عددًا من الاتفاقيات الخاصة بمياه النيل، وكانت جميعها تدور حول عدم إقامة أي مشروعات على مجرى النهر أو فروعه تقلِّل من نسبة تدفُّق المياه إلى مصر، وهذه الاتفاقيات حسب ترتيبها الزمني كما يلي:
– 1891..أبرمت بريطانيا بإسم مصر والسودان إتفاق مع إيطاليا التى كانت تحتل إريتريا في ذلك الوقت تعهدت بمقتضاه الحكومة الإيطالية بالإمتناع عن إقامة آية أعمال أو منشآت على نهر عطبرة يكون من شأنها التأثير بدرجة محسوسة على مياه نهر النيل .
– 1902..أبرمت بريطانيا نيابة عن مصر والسودان إتفاق مع إثيوبيا تعهدت إثيوبيا بمقتضاه عدم القيام بأعمال على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو السوباط تؤدى إلى التأثير في مياه النيل إلا بعد موافقة الحكومة البريطانية والسودان .
– 1906 ..أبرمت بين بريطانيا ممثلة للسودان،والكونغو تلتزم بمقتضاها الكونغو بعد إقامة أي منشآت بالقرب من أو على نهرى السمليكى وتانجو من شأنها أن تقلل من المياه التى تصب في بحيرة البرتا بدون موافقة حكومة السودان .
– 1925 .. أبرمت بين إيطاليا وبريطانيا ويتضمن إعتراف إيطاليا بالحق المسبق لمصر والسودان في مياه النيل الأزرق والأبيض وتتعهد بألا تقيم عليهما أو على فروعهما أو روافدهما أى إنشاءات من شأنها أن تؤثر تأثيرا ملحوظا فى المياه التى تصل إلى النهر الرئيسي .
– 1929 ..أبرمت بين مصر وبريطانيا نيابة عن السودان وكينيا وتنزانيا وأوغندا فيه إعترفت بريطانيا بحق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل وإعتبار المحافظة عليه مبدأً أساسيا ، كما تقرر عدم إقامة أو إجراء أى أعمال بخصوص الري أو توليد الطاقة على النيل وفروعه أو البحيرات التى ينبع منها والتي قد تمس بأية صورة مصالح مصر ، سواء بتقليل كمية المياه أو تعديل منسوبها أو طريق وصولها إلا بإتفاق مع الحكومة المصرية .
كما أبرمت مصر إتفاقا مع بريطانيا نيابة عن أوغندا بخصوص إنشاء سد على شلالات “اوين” لتوليد الطاقة ولرفع مستوى المياه في بحيرة فيكتوريا لكي تتمكن مصر من الإستفادة منها وقت التحاريق على أن تدفع النفقات اللازمة وتعويض الأضرار التى تصيب أوغندا من جراء إرتفاع منسوب المياه في البحيرة .
– 1959 ..تم عقب الإستقلال السوداني وإنفصاله عن مصر ويعد مكملا لإتفاق 1929 وتضمن :
الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة إلى كلا البلدين (84 مليار متر مكعب) تخصص منها 55.5 مليار متر مكعب لمصر، و18.5 مليار متر مكعب للسودان، ولكن دول حوض النيل الثمانية رفضت الاتفاقية.
– مبادرة 1999م: وقد تمَّ الإعلان عن مبادرة حوض النيل، وهي تمثل الآلية الحاليَّة التي تجمع كل دول الحوض تحت مظلة واحدة تقوم على مبدأين أساسيين؛ هما: تحقيق المنفعة للجميع ، وعدم الضرر، إلا أنها آلية مؤقتة لا تستند إلى معاهدة أو اتفاقية دائمة وشاملة تضم دول الحوض جميعًا، لكن الحاجة أبرزت ضرورة قيام إطارٍ قانونيٍّ ومؤسَّسيٍّ يكون بمثابة دستورٍ مُلزِمٍ دولَ الحوض.
– يونيو 2007م: تمَّ عقد مؤتمر لوزراء المياه في دول الحوض في “عنتيبي”؛ حيث تمَّ الاتفاق على رفع بند الأمن المائي إلى رؤساء الدول والحكومات بحوض النيل لحل الخلافات حول الصياغة، وإحالة بند الإخطار المسبق عن المشروعات إلى الهيئة الفنية الاستشارية لدول الحوض.
– مايو 2009م: اجتماع وزراء دول حوض النيل في “كينشاسا”؛ حيث فوجئ الوفد المصري بأن دول المنبع السبع قد نسَّقت فيما بينها للضغط على دولتي المصب، وخاصةً مصر.
– 5 يوليو 2009م: أصدرت الدول والجهات المانحة لدول حوض النيل بيانًا مشتركًا حدَّدت فيه موقفها من نتائج اجتماع كينشاسا على أساس قيام مبادرة تستهدف حوض النيل بكامله، على أن تلتزم الجهات المانحة بدعم المبادرة.
– 26/27 يوليو 2009م: اجتمع المجلس الوزاري السابع عشر لدول حوض النيل في الإسكندرية؛ حيث سعت دول المنبع إلى فرض إقامة “مفوضية” لحوض النيل، بغض النظر عن مشاركة دولتي المصب (مصر والسودان)، عوضًا عن الاتفاقيات القديمة لتوزيع المياه، ولما اشتدَّت الخلافات بين دول الحوض قرَّر المؤتمر الاستمرار في المفاوضات والتشاور لمدة 6 أشهر قادمة، على أن يتم الانتهاء من حسم نقاط الخلاف للوصول إلى اتفاقية موحدة تجمع دول حوض النيل أو مبادرة دول حوض النيل.
– وفى 2013 فى الاسكندرية اجتمعت واتفقت دول حوض النيل بإستثناء مصر والسودان على خروج مصر والسودان من دول حوض النيل بأعتبارهم ليسو دول منبع للنيل وتسعير المياه على اساس انه بعد تسعير المياه من الممكن ان تزيد حصة مصر من المياه ورفضت مصر واكدت على ان اى اتفاق توافق عليه مصر يجب ان يضمن ثلاث شروط :
1. عدم المساس بالحق التاريخى لمصر
2. اى مشروعات تقام يجب اخطار مصر بها والموافقه عليها
3. اجماع العشرة دول على اى اتفاق يبرم
اتفاقية عنتيبى ..
وتعود أزمة تحويل مجرى النيل إلى مايو 2010 عندما قررت 6 من دول منابع النهر التوقيع في مدينة “عنتيبي” الأوغندية على معاهدة جديدة لاقتسام موارده، ومنحت القاهرة والخرطوم مهلة عاما واحدا للانضمام إلى المعاهدة.
وتنص “اتفاقية عنتيبي” على أن التعاون بين دول مبادرة حوض النيل يعتمد على الاستخدام المنصف والمعقول للدول.
واتخذت الدول الأعضاء مؤخرا إجراءات التصديق عليها من برلماناتها، وبمجرد سريانها تنتهي الحصص التاريخية لمصر والسودان وفقا لاتفاقيات 1929 و1959 التي بموجبهما تحصل مصر حتى الآن على 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا، والسودان على 18.5 مليار.
ووقعت على هذه الاتفاقية 6 دول هي إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندي، بينما رفضت كل من مصر والسودان والكونغو الديمقراطية الانضمام إليها.
– وفي مارس 2013، أعلنت دولة جنوب السودان أنها ستنضم إلى الاتفاقية.
واعتبرت القاهرة والخرطوم أن الاتفاقية “مخالفة لكل الاتفاقيات الدولية”، وأعلنت أنها ستخاطب الدول المانحة للتنبيه على عدم قانونية تمويل أي مشروعات مائية، سواء على مجري النيل أو منابعه وإقناعها بعدم تمويل المشروع الذي سيتكلف نحو 4.8 مليار دولار أميركي، حسب رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل مليس زيناوي.
لكن إثيوبيا، وباقي دول اتفاقية عنتيبي، لم تعر احتجاجات القاهرة والخرطوم اهتماما ومضت بخطى حثيثة، ودشنت في أول أبريل 2011 مشروع “سد الألفية الكبير” أو “سد النهضة” لإنتاج الطاقة الكهرومائية بولاية بني شنقول الإثيوبية القريبة من الحدود السودانية.
ومن المتوقع أن يحجز السد، المزمع انشاؤه، خلفه نحو 63 مليار متر مكعب من المياه.
جذور المشكلة ..
البداية من دولة اثيوبيا باعتبارها الدولة المحورية من بين دول المنبع، والتى تزعمت التحرك باتجاه إعادة النظر فى تقسيم المياه بين دول المنبع ودول المصب فى سياق ما يعرف باتفاقية عنتيبى “الإطارية “وتدعو إثيوبيا من خلال الاتفاقية إلى تأسيس «مفوضية» للإشراف على بناء السدود، وتطوير عملية الرى فى دول الحوض، وإعادة تقاسم مياه النيل بين دول المنبع ودول المصب، وفقاً لما سمى «التوزيع العادل للمياه»، باعتبار أن الوضع القائم حالياً غير عادل، حيث ترى إثيوبيا ومعها الدول النيلية الثلاث الموقعة على الاتفاقية، رواندا وتنزانيا وأوغندا، أنه ليس من العدل أن تحصل مصر والسودان، دولتا المصب، على نحو 90% من مياه النهر، مقابل 10% فقط تذهب لدول المنابع، ومن ثم فإن الدول الموقعة تسعى بموجب هذه الاتفاقية إلى تخفيض نصيب مصر من مياه النيل بمقدار خمسة بالمائة.
ولعل أبرز ما استندت إليه إثيوبيا فى جولات التفاوض بشأن الاتفاقية الإطارية، يتمثل فى التأكيد على حق دول المنبع فى الخروج من دائرة الفقر الغذائى، وتحقيق التنمية المستدامة .
ويرى المحللون لتوجهات الدولة الإثيوبية ان هناك أبعاداً أخرى تفرض نفسها على لغة المفاوض الإثيوبى تتعلق بمبدأ السيادة الوطنية، والمصلحة العليا، ورفض ما تصفه بـ«الوصاية المصرية» على دول النيل، على خلفية حقوقها التاريخية فى مياه النهر، ومن ثم فهى ترفض المنهجية المصرية أو التعاون وفقاً للرؤية المصرية التى تعتبرها مجحفة وغير عادلة.
ما يثير الشك فى النوايا الإثيوبية بحسب المحللون واضطلاعها بتسييس قضية المياه فى حوض النيل، حيث حقائق الجغرافيا والمناخ، تؤكد أن الزراعة فى إثيوبيا ودول المنابع تعتمد بشكل أساسى على الهطول المطرى، ولا تعتمد على مياه النيل، إذ تمثل الزراعات المطرية فى دول حوض النيل نحو 95% من إجمالى الأراضى المزروعة فى تلك الدول.
ومن ثم يرى المحللون السياسيون إن ادعاء إثيوبيا ودول المنبع أن مصر برفضها اتفاقية «عنتيبى» إنما هى تعرقل خططها المستقبلية للتحول إلى الزراعات المروية لضمان إنتاج أكبر من القطاع الزراعى، لسد فجوة غذائية عميقة جعلتها تتربع على قائمة الدول الأكثر تلقياً للمعونات الغذائية – يقول المحللون انه ادعاء يجافيه منطق الجغرافيا وحقائق المناخ، لأن التنمية بالأساس إنما ترتبط بتنمية العنصر البشرى وتهيئة البنية التحتية اللازمة مثل شبكات الترع وشبكات الصرف الزراعى، وهو ما لم تضطلع به تلك الدول، ومن ثم فقد وجدت من تلك الأزمة المفتعلة مخرجاً لها أمام شعوبها من معضلة التنمية وجدلية الفقر.
ويرى المراقبون ان خطورة الامر بالنسبة لمصرهو اعلان اثيوبيا من قبل أنها تخطط لاقامة عدد من المشاريع يشتمل إقامة وتوسيع سدود إثيوبية على النيل الأزرق، أهمها أربعة سدود كبرى، وهى، كارادوبى، وبيكو أبو، ومندايا، وبوردر، بسعة إجمالية تقدر بحوالى 150 مليار متر مكعب أى ما يقرب من ثلاثة أضعاف إيراد النيل الأزرق، وقدرة كهرومائية 7100 ميجاوات، مما يضاعف من آثاره السلبية حصة مصر المتدفقة من مياه النهر، والإشكالية الأكبر فى هذا المقام أن التصميمات والدراسات التى أجريت لإتمام هذه المشاريع تمت فى سرية تامة، ودون علم مصر بما يخالف الاتفاقيات الدولية المبرمة بين دول حوض النيل باعتباره نهراً دولياً لا يحق لأى دولة إلحاق الضرر بأى من الدول الأخرى أو المساس بحصتها المائية وفقاً لقواعد القانون الدولى للأنهار.
قراءة فى العلاقات المصرية – الإثيوبية
ولعل القراءة المتأنية فى واقع العلاقات المصرية الإثيوبية، خلال النصف الثانى من القرن الماضى ، تكشف لنا عن حقيقة مفادها أن إثيوبيا دائماً ما كانت تهدف إلى تشكيل جبهة معارضة لمصر فى دائرتها الإفريقية، مستخدمة المياه كسلاح سياسى، الأمر الذى دفع مصر فى كثير من الأحيان إلى تصعيد خطابها ضد التوجهات الإثيوبية، وإن كان بدرجات متفاوتة من ضبط النفس، وفقاً للحقب الرئاسية الثلاث التى مرت بها مصر ما بعد ثورة يوليو 1952.
حقبة عبد الناصر ..
ففى حقبة مصر الثورية إبان حكم الرئيس عبدالناصر، تجاوزت الاهتمامات المصرية دائرة حوض النيل، لتشمل الدائرة الإفريقية إجمالاً، لاسيما فى مرحلة التحرر من الاستعمار، ولم تخرج العلاقات المصرية الإثيوبية عن هذا الخط ، فقد تطورت العلاقات الشخصية بين الرئيس عبدالناصر والإمبراطور “هـيلا سيلاسى” بما تلاشى معه استخدام قضية مياه النيل كورقة ضغط سياسى على مصر، بيد أن هذا الوفاق لم يستمر طويلاً، فسرعان ما نشبت الخلافات بين البلدين على خلفية قيام مصر ببناء السد العالى دون أن تستشير دول المنبع، وهو ما عارضته إثيوبيا.
حقبة السادات ..
ومع رحيل الإمبراطور “هيلا سيلاسى”، وتولى “منجستو هيلا ماريام” اشتعلت قضية مياه النيل بين مصر وإثيوبيا، خاصة بعد أن أعلن الرئيس السادات عن مشروع لتحويل جزء من مياه النيل لرى 35 ألف فدان فى سيناء، وهو ما رفضته إثيوبيا باعتباره خطراً يهدد مصالحها المائية، وتقدمت بشكوى إلى منظمة الوحدة الأفريقية فى ذلك الوقت تتهم فيها مصر بإساءة استخدام مياه النيل، واحتدم الخلاف إلى حد تهديد الرئيس الإثيوبى «منجستو» مصر بتحويل مجرى نهر النيل، فيما وجه الرئيس السادات خطاباً حاداً إلى إثيوبيا معلناً أن مياه النيل «خط أحمر» مرتبط بالأمن القومى المصرى، وأن المساس به قد يدفع مصر إلى استخدام القوة المسلحة لضمان أمنها المائى.
حقبة الرئيس السابق مبارك
ومع بداية الثمانينيات، وتولى الرئيس السابق حسنى مبارك مقاليد الحكم فى مصر، بدأت مرحلة جديدة من العلاقات المصرية – الإثيوبية، خفت فيها حدة الخطاب السياسى بين البلدين، وسادت علاقات من التعاون والتفاهم، توجها تكوين تجمع (الأندوجو)، الذى نشأ عام 1983، وهو يعنى (الإخاء) باللغة السواحلية، وذلك كإطار إقليمى للتشاور والتنسيق بين دول حوض النيل، رغم أن إثيوبيا لم تنضم إليه إلا بصفة مراقب مع كينيا.
ورغم حرص الرئيس السابق مبارك على وجود علاقات طيبة لمصر فى محيطيها العربى والإفريقى، ووجود زيارات متبادلة له فى عقد الثمانينيات من القرن الماضى مع الجانب الإثيوبى، فإن ثمة خلافات برزت بين الجانبين بشأن خطط نظام “منجستو” لإقامة مشروع كبير فى منطقة “تانا بيليز”، لمضاعفة الإنتاج الكهربائى الإثيوبى، وهو مشروع بدأت مرحلته الأولى عام 1988، وبلغت ميزانيته 300 مليون دولار أمريكى، وكان من المقرر أن يتم من خلاله إقامة خمسة سدود لتوفير المياه لحوالى 200 ألف مزارع فى إثيوبيا. فعارضت مصر وتصدت لمحاولة حصول إثيوبيا على قرض من بنك التنمية الأفريقى، مما زاد من توتر العلاقات بين الطرفين وصولاً إلى مرحلة الفتور.
وفى 1995 انقلب الفتور إلى قطيعة مع محاولة الاغتيال التى تعرض لها الرئيس السابق مبارك بأديس أبابا إبان زيارته لحضور مؤتمر منظمة الوحدة الأفريقية المنعقد هناك، بعد تصاعد لهجة التصريحات الرسمية والإعلامية العدائية المتبادلة بين البلدين، وقد استمر الفتور فى العلاقات بين الجانبين طوال العقد الأخير من حكم الرئيس المخلوع، وهى الفترة التى تصاعدت فيها حدة الخلافات بين مصر ودول المنبع بشأن إعادة النظر فى اتفاقيات تقاسم مياه النهر.
سد النهضة الإثيوبي في سطور..
– هو أحد أكبر السدود في قارة افريقيا، ويسمى في بعض الأوقات بسد ”الألفية العظيم”.
– تكلفة إنشاءه تقدر بحوالي خمسة مليارات دولار.
– ارتفاع السد يبلغ 145 مترا، وطوله نحو 1800 متر.
– يقطع السد مجرى النيل الأزرق قرب الحدود مع السودان في ولاية بنيشنقول قماز الإثيوبية،
– وتصل قدرة سد النهضة حينما يكتمل بناءه إلى توليد 6 آلاف ميجاوات من الطاقة الكهربائية، ما يعادل ثلاثة أضعاف الطاقة الكهربائية المولدة من محطة سد أسوان الكهرومائية.
وتنظر إثيوبيا إلى السد بأمل شديد في سد حاجتها من الكهرباء.
ويرى خبراء أن سد النهضة يقام على هضبة شديدة الوعورة لا تصلح لتنفيذ مشروعات زراعية.
وتكمن مشكلة هذا السد في الفترة المطلوبة بملء خزانه؛ حيث ستحول كميات كبيرة من مياه النيل الأزرق التي تنتهي إلى السودان ثم مصر والسودان (دولتي المصب).
ومن المتوقع أن تقل حصة البلدين من تدفق النيل بشكل ملحوظ خلال تلك الفترة.
لذا تسعى الدولتان إلى تنظيم عملية ملء الخزان على نحو يقلل من حجم الضرر المائي عليهما.
ويرى الخبراء أن القاهرة والخرطوم ستدفعان باتجاه تقنين فترة ملء الخزان، وجعلها لا تقل عن 15 عام، تحت إشراف خبراء من البلدين، فضلا عن التوقف عن عملية الملء في حال تراجع المنسوب إلى أقل من المتوسط العام.
قراءة فى سيناريوهات المستقبل
ويرى المحللون انه من قراءة الواقع واستشرافاً للمستقبل يمكن الوقوف على مجموعة من السيناريوهات في ظل تعقد الأمور ودخول أطراف جديدة في المعادلة الصعبة .
فالسيناريو الأول يرجح استمرار التعاون بين دول حوض النيل، وتجاوز الخلافات الشكلية الحالية وتغليب المصلحة الجماعية على التنافس والصراع والمصالح الفردية مع تحييد الخلافات “السياسية والاجتماعية” تأسيساً على وجود آلية للتفاوض يمكن من خلالها البناء على ما تحقق من قبل.
أما السيناريو الثاني فربما هو الأقرب للتحقيق، ويدور حول موافقة الأطراف على تأسيس مفوضية عليا، يتم من خلالها تنسيق المواقف وبدء إدارة المشروعات والاستثمارات المتفق عليها برعاية الأطراف المانحة لهذا السيناريو.
وقد تكون الأجندات الفردية المدعومة بمصالح خارجية لبعض دول المنبع هي أحد الخيارات المطروحة والتي تقود إلى احتدام الصراع بين دول حوض النيل مما يؤثر على خطورة الوضع المائي المصري، إلا أن مصر لن تقبل بأي حال من الأحوال إنقاص حصتها من مياه نهر النيل، بل تحتاج لزيادة تلك الحصة ولن توقع على أية اتفاقيات جديدة قبل أن تتأكد من حصولها على حقوقها كاملة.
وعلى اية حال فلا بد لمصر والسودان وإثيوبيا، أطراف المعادلة الرئيسيين الوصول إلى مقاربة تنموية شاملة لا تحفظ حقوق الدول التاريخية فقط ولكن تقود إلى تنمية موارد كافة الدول على نحو يرتقي بمنطقة حوض النيل..
ويجب ان تقوم العلاقات الدولية في منطقة حوض النيل على أسس من التكامل والمنفعة المتبادلة، وهذا لن يتحقق سوى بالابتعاد عن الخطابات العدائية وجهود نحو تقليص الفجوة بين الأطراف، ومصر عليها دور كبير لأن تلعبه في هذا الشأن تحديدا، فيكفيها سنواتها العجاف السابقة في أفريقيا.
وفي النهاية، لابد لنا من التأكيد على ضرورة دعم البعد الإفريقي – المصري من خلال تدعيم المحاور الاقتصادية والشعبية والثقافية بدول حوض النيل من خلال إنشاء المدارس والجامعات بها، وكذلك المراكز الثقافية ومحاولة مساعدة هذه الدول وتنميتها عن طريق البعثات الصحية وإقامة المستشفيات هناك؛ ولأن نهر النيل لا يتوقف فإن المفاوضات والاهتمام المصرية يجب ألا تتوقف هي الأخرى مع هذا الملف الخطير.
المصدر : أخبار مصر