القائد مرسي يدخل سجل الزعماء الخالدين

الأحد-20 رمضان 1434 الموافق28 تموز/ يوليو.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
أحمد الزرقان

في التاريخ ندرة قليلة من الزعماء والقادة والعلماء الذين وقفوا بوجه الظلم والاستبداد بكل ثبات وهمّة وعزيمة ورجولة وتحدٍ، وسجل لهم التاريخ صفحات مشرقة من المجد الأثيل والعزة السامقة والكرامة الأخاذة، بحيث أصبح هؤلاء منارات مضيئة في تاريخ الأمة تهتدي بها الشعوب الحرة، وتقتدي بها الأجيال ويتطلع لها أصحاب الهمم العالية والقامات الكبيرة، الذين يبحثون عن الصلاح والإصلاح والمجد والعزة والكرامة.
فهذا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله الذي وقف صامداً صابراً محتسباً كجبل شامخ في وجه القادة الذين عذبوه في محنة خلق القرآن، وورّى كثير من علماء زمنه لينجوا بأنفسهم، ولكن الإمام أحمد صبر وتحمل كل الأذى حتى لا تفتن الأمة في زمنه ومن بعده، ومات كل هؤلاء العلماء الذين وروا ولم يذكرهم التاريخ رغم علمهم الذي قد يفوق علم الإمام أحمد، وبقي الإمام أحمد بن حنبل علماً على الثبات والصبر والالتزام بالحق مهما كانت التكاليف مما جعل معظم الخلق يتتلمذون عليه وينشرون علمه ومذهبه في الآفاق.
ويذكر التاريخ العالم الرباني سيد قطب رحمه الله الذي وقف في وجه الطغاة يشهر سيف كلمته بالحق ضد الباطل، ولما سُجن وحُكم بالإعدام طلب منه أن يسترحم طاغية مصر، فقال كلمته المشهورة (إن كنت محكوماً بحق فأنا أرتضي حكم الحق وإن كنت محكوماً بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل)، ولما طلب منه أن يكتب كلمات ترضي الطاغية رفض بعنف التزلف للباطل وقال كلماته المشهورة (إن إصبع السبابة الذي يشهد لله في اليوم خمس مرات يرفض أن يكتب حرفاً واحداً يقر به حكم الطاغية والباطل)، واستشهد سيد قطب وهو يبتسم مرفوع الرأس من أجل فكره ومبادئه، وبقي علماً على الثبات واستعلاء الحق على الباطل، والتضحية بالنفس من أجل أن يعيش فكره وعلمه، وكتب كلماته الخالدة (تبقى كلماتنا عرائس من شمع حتى إذا متنا من أجلها دبت فيها الحياة).
وقبل سيد قطب كان أستاذه العالم الرباني الشهيد حسن البنا الذي بذل روحه من أجل مواقفه الجريئة في القضية الفلسطينية ومبادئه وفكره النير الذي أخرج الأمة من ظلمات الجهل إلى نور الإسلام وعدله.
ويذكر التاريخ الملة محمد عمر القائد الأفغاني الذي رفض الدنية في دينه، ولم يخضع لتهديدات أمريكا وحلف الناتو لكي يسلم الشيخ المجاهد أسامة بن لادن لأمريكا، وخسر دولته وملكه في سبيل الحفاظ على حياة مجاهد التزاماً بمبادئ الحق والرجولة ونصرة المظلوم، وسيبقى التاريخ يذكر له هذا الموقف المشرف النبيل وعدم خضوعه لتهديدات الغرب وأمريكا رغم الكلفة الباهظة التي تحملها.
واليوم يقف العالم مشدوهاً مذهولاً للموقف البطولي الرجولي المبدئي للرئيس محمد مرسي، حافظ القرآن الكريم، وابن الحركة الإسلامية، الجريء الشجاع الذي تتلمذ في مدرسة حسن البنا وسيد قطب، حيث واجه مؤامرة عالمية صهيوأمريكية، وأدواتها المخالب العسكرية المصرية وزمرة الفلول واليسار والبلطجية، ولم تثنِه على أن يقف شامخاً متعالياً على باطلهم بثبات الجبال الرواسي وبكل وشموخ واعتزاز يرد على سفه العسكر وتهديداتهم وهو يبتسم ابتسامة الرضا وابتسامة المؤمن الواثق بربه ومعتقده وحقه، فقد ذكر على صفحات الشبكة العنكبوتية تحت عنوان (خطير جداً: عبد الباري عطوان) ينقل ماذا حدث داخل وزارة الدفاع في (72) ساعة الأخيرة قبل مذبحة فجر الاثنين 29شعبان1434هـ 8/تموز/2013م، ففي يوم الجمعة بعد اجتماع السيسي والبرادعي مع السفيرة الأمريكية، ثم مع قادة الأفرع للقوات المسلحة توجه الفريق صدقي صبحي رئيس أركان حرب القوات المسلحة والفريق الطيار يونس السيد حامد المصري قائد القوات الجوية الساعة الثانية صباح السبت وقابلوا الرئيس محمد مرسي وعرضوا عليه التنحي، ورغم التهديد والإلحاح رفض الطلب بشدة وأصر على موقفه، ثم عرضوا عليه أن يرجع إلى الرئاسة بشرط أن يعين البرادعي رئيساً للوزراء ويفوضه بصلاحيات سياسية واقتصادية واسعة مع عدم تدخله في عمل القوات المسلحة لا في تسليحها ولا في شؤونها، فضحك الرئيس مرسي وقال: (سامحكم الله أضعتم مني قيام الليل هباءً) مما أثار الغضب الشديد للفريق صبحي وقال: (والله لنقتلكم واحداً واحداً وستكون بركة للدماء ولن تعود إلا على جثثنا ونهايتك أنت وجماعتك أقرب مما تتخيل) ولما يئسوا منه وفي يوم الأحد العاشرة مساءً اتصل اللواء ممدوح شاهين بالمرشد العام محمد بديع وطلب التفاوض معه فرفض وقال تفاوضوا مع رئيسي ورئيسكم محمد مرسي.
وفي يوم الأحد الساعة الثانية عشرة صباح الإثنين توجه الفريق صبحي إلى الرئيس مرسي وأبلغه بأن شهداء جماعة الإخوان تجاوزوا المئات في محافظات مصر بسبب البلطجية والشرطة وأن الجيش لم يتدخل بعد، فإذا استمريت على عنادك فلسوف نذبحكم جميعاً وستتدهور الأمور، فإما أن يتم تسجيل التنحي أو قبول العودة المشروطة، أو دمك ودم أنصارك، فقال مرسي: لو قبلت اليوم بعد كل من ماتوا وتحدثني عنهم فقد خنتهم إذن وخنت دماءهم وخنت قسمي أمام الله وأمام الشعب، ولو قبلت اليوم فلا مستقبل لبلادي تحت سيطرتكم، فلتقتلوني والله هذا عندي أهون، ثم اتفق الفريق السيسي والفريق صبحي وقائد الحرس الجمهوري ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة اللواء أركان حرب محسن الشاذلي على ضرورة إحداث أمر دموي صادم يلزم الجميع بالعودة إلى التفاوض، وقبول الشروط فكانت مجزرة فجر الاثنين أمام الحرس الجمهوري، ورغم ذلك بقي مرسي ثابتاً صابراً محتسباً لا يتزعزع ولا ينثني، ولا يهادن ولا يساوم مما جعل السيسي يقول (حال مرسي مذهل ويخاطبنا وكأنه يملك كل الجيوش ولم نستطع استمالته في شيء الرجل عنيد للغاية(.
وهكذا هم الرجال الأبطال النوادر في تاريخ الأمة.

اقرأ أيضا  مقتل 1343 مدنياً خلال شهر في سورية.. وتراجع حدة المعارك غربي حلب

المصدر: السبيل

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.