منافسون بلا أخلاق

الأحد-20 رمضان 1434 الموافق28 تموز/ يوليو.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

عبدالرحمن الدويري

عظيمةٌ الثورة المصرية المشتعلة في وجه العسكر، وكومة القش العلمانية، وأعظم منها أولئك الذين يشعلونها، ويُسرجون قِنديلها بدمائهم البريئة، في الزمن المنافق، والفم الناعق، والعين الغادرة.
عظيم هذا الصمود والثبات في الميادين على القناعات، والمبادئ والثوابت الفكرية والأيدلوجية، التي آمنوا بها، وخاضوا على أساسها معركة الصندوق، بينما نكص عنها أربابها ومدّعوها ومحتكروها، في أول تجربة سياسية نزيهة لها.
كم أسقطت التجربة من أقنعة!! وهتكت من ستور!! أزالت من حُجُب!! وكشفت مِن حقائق!!!
هذا الكمّ المركوم من القِيم التي جمعتها حاوية التيارات العلمانية واليسارية والقومية واللبرالية، كلها تبخرت مع أول لفحة من شمس الحقيقة، وأول دورة ون دورات الحياة المدينة، إذ انكشفت كل تلك التيارات، ومشت منتوفة الريش خالية من ألوان الطواويس الخادعة، بينما ظهرت التيارات الإسلامية المتَّهمة دوما بالظلامية والغيبة والانسلاخ عن الواقع، بجمالها الفطري، وحُسنها الطبيعي غير المزيف أو المصبوغ.
الكذب والافتراء، والاختلاق والتزييف، والخداع والفبركة، والشعوذة والسحر، التي تعوم في بحر من الكراهية والحقد، والتشنج والعُصاب والهستيريا – هي ملخص المشهد الديمقراطي الذي تصنعه قوى اللّاخلق واللّادين واللّاحياء، بسطوة العسكر على شرعية الصندوق!!! وهي بضاعة لا يمكن لأتباع التيار الإسلامي تعاطيها؛ لأنها عندهم نقيض العقيدة، وعدو الإيمان، وواحدة منها كفيلة بإسقاط المصداقية.
تُديرُ القنوات وتُقلِّبُها فلا ترى إلا هذه القوى تُطل من نافذة العسكر، والأمن الداخلي والمخابرات لتصنع ديمقراطيتها الخاصة بعد أن فشلت في تحقيقها في الصندوق، وطالما تشدقت بها، على مدى 70 سنة من التنظير والتبشير الذي ظل يدور في الحلوق، ويعجز أن يجد سبيله إلى الواقع!!
تُصيخُ السمع، فتعجب كيف انتقل هؤلاء من ساحة العقل والعلم والمنطق، إلى ظُلمة السحر والشعوذة والدجل!! وتتّقي بيديك هذا القدر المبخوخ بوجهك من القذر عبر الفضاء، وتتساءل: هل هذا الكَمُّ من السموم الذي احتشى به هذا الفريق، ثمرة التنافس، والشعور بالفشل والخذلان في الصناديق؟! أم هو غيرة الأقران، وحسد الفاشلين؟! أم هو أصل ثابت وقديم في منطلقات هذا الفريق؟! أم هي جميعا؟!
لقد كشف الميدان عن الفرسان الحقيقيين، الذين يعتلون الخيول الأصيلة، وفضح الذين يركبون الحمير المبردعة، ويقفزون من حمار إلى بردعة إلى بغل. وكيف يمكن لمن خُلق حَمَّارا أن يَعرف طبائع الخيل، أو يتحلى بأخلاق الفرسان؟!!
بالكثير من الحيرة تنظر إلى قامات سياسية وإعلامية وفكرية كبيرة، كانت ملء السمع والبصر، تتضاءل بسرعة البرق؛ لتكون في حجم الحشرة، حين تنقلب 180 درجة في القضية نفسها في ذات الزمن، فتجد أنَّ كل المحرمات والكبائر التي اُتُّهم بها مرسي – كذبا وزورا وبُهتانا وهو الرئيس المنتخب – تتحول إلى حلال مباح لصالح العسكري، والدُّمى المعينة بشرعية البسطار!!
لم يكن بمقدور الرئيس المنتخب أن يُصدر إعلانا دستورا، أو يحاكم إعلاميا كاذبا، أو يغلق قناة عهر سياسي، أو يحمي مؤسسة عامة أو حزبية، أو يحظر مظاهرة مخالفة، أو يكتم صوت معارض، وبينما ارتكبت كل هذه الشنائع بحق أصحاب الحق في نصف ساعة، وبمباركة الرخص والنفاق التّقدمي، في حين تُركت كل القوى الفوضوية – إعلامية وسياسية وشعبية – عاملة باعتبارها جزءا من الوضع الجديد وأداة من أدواته.
لا تستغرب، فهذه النخب(الخِرَب)المزورة المزيفة المصبوغة بالدّجل، موجودة بالأساس لتغريب الأمة عن ذاتها، ومسخ هويتها، وإخضاعها لأعدائها، واستباحة مقدراتها، وهذا هو برنامج مرتزقة الفكر، ومتسولي السلطة بأي ثمن، وإن كان من شرفهم وكرامتهم، وقد فضح الفيلسوف محمد إقبال أمرهم، وكشف سترهم في الهند إبّان الاستعمار البريطاني، الذي كان يُجندهم لذبح روح الهنادك باسم الحداثة والتحرر والوطنية:
ليس يخلو زمانُ شعبٍ ذليلٍ *** من عليمٍ وشاعرٍ وحكيمِ
فرَّقتهُم مَذاهبُ القولِ، لكن *** جمعَ الآراءَ مقصدٌ في الصّميمِ
«
علّموا الليث جفلة الظبي، وامحوا *** قَصصَ الأُسْدِ من الحديثِ القديمِ»
همُّهم غِبطةُ الرّقيقِ بِرِقٍّ *** كلّ تأويلهم خِداعُ عليمِ
نعم لا تخلو الأمم الذليلة من شعراء وحكماء وعلماء وسحرة – على رأي الرئيس الشرعي مرسي – يسلكون مسالك شتّى، ولكل منهم أهدافه الذاتية؛ لكنهم يتوحدون لغاية واحدة هي: أن يروّضوا الأمة على الخضوع، ويمحوا من سجاياها الإقدام، حتى ترضى بالرق، وتستبدل بسطار العسكر الديمقراطي، بديمقراطية البسطار الانقلابي على الشرعية، ما دام يضمن لهم حصصهم في السلطة.
يا أحر مصر، أيها الشرفاء في الأمة، معركتكم واحدة؛ لكنَّ ابتلاءكم عظيم، لا يصبر عليه إلا من صبّره الله على عهده وميثاقه، لأنكم تخوضون معركتكم بأخلاق الفرسان، وليس في خصومكم فارس يعرف قدر الفروسية، ويلتزم بشروط الميدان، بأخلاق الفرسان.
أنتم أمام كتائب من الحمَّارين والبغَّالة، وسرعان من سيغيبون عن البصر، وتنشغل عنهم عيون الناس في المضمار، خلف غباركم، وأنتم على خط النهاية بإذن الله.

اقرأ أيضا  سؤال الأمة الواحدة في القوميات المتصارعة


المصدر:السبيل

 

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.