مهمات من أحكام زكاة الفطر
الخميس-24 رمضان 1434 الموافق01 آب/أغسطس.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
1معنى زكاة الفطر:
أْي: الزكاة التي سببُها الفطر من رَمضان، وتُسمَّى أيضًا صدقة الفطر، وبكلا الاسمَيْن وردت النصوص.
وسُمِّيت صدقة الفطر بذلك لأنها عند الفطر عطيَّةٌ يُراد بها المثوبة من الله، فإعطاؤها لمستحقِّيها في وقتها عن طيب نفس يُظهِر صدقَ الرغبة في تلك المثوبة، وسُمِّيت زكاة لما في بذلها خالصةً لله من تزكية النفس وتطهيرها من أدرانها، وتنميتها للعمل، وجبرها لنقصه.
2- تاريخ مشروعيَّتها والدليل عليها:
وكانت فرضيَّتها في السنة الثانية من الهجرة؛ أي: مع رَمضان، وقد دَلَّ على مشروعيَّتها عمومُ القرآن، وصريحُ السُّنة الصحيحة، وإجماع المسلمين؛ قال – تعالى -: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾ [الأعلى: 14]؛ أي: فاز كلَّ الفوز، وظفر كلَّ الظفر، مَن زكَّى نفسه بالصدقة فنمَّاها وطهَّرها.
وقال عكرمة – رحمه الله – في الآية: “هو الرجل يقدِّم زكاته بين يدي – يعني: قبل – صلاته”؛ أي: العيد، وهكذا قال غيرُ واحدٍ من السَّلَف – رحمهم الله – في الآية هي زكاة الفطر.
ورُوِي ذلك مرفوعًا إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- عند ابن خزيمة وغيره، وقال مالك – رحمه الله -: هي – يعني: زكاة الفطر – داخلةٌ في عموم قوله – تعالى -: ﴿ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 43].
وثبَت في الصحيحين وغيرِهما من غيرِ وجهٍ: “فرَض رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- زكاةَ الفطر”[1]، وأجمَعَ عليها المسلِمون قديمًا وحديثًا، وكان أهلُ المدينة لا يرَوْن صدقةً أفضل منها.
3- حكمها:
حكى ابن المنذر وغيرُه الإجماع على وجوبها، وقال إسحاق – رحمه الله -: “هو كالإجماع”.
قلت: ويَكفِي في الدلالة على وجوبها مع القدرة في وقتها تعبيرُ الصحابة – رضِي الله عنْهم – بالفرض، كما صرَّح بذلك ابن عمر وابن عباس؛ قال ابن عمر – رضِي الله عنْهما -: “فرَض رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- زكاةَ الفطر…” الحديث، وبنحوه عبَّر غيرُه – رضِي الله عنْهم.
4- حكمة مشروعيَّتها:
شُرِعَتْ زكاة الفطر تَطهِيرًا للنفس من أدرانها، من الشح وغيره من الأخلاق الرَّدِيئة، وتَكمِيلاً للأجر، وتنميةً للعمل الصالح، وتَطهِيرًا للصيام ممَّا قد يُؤثِّر فيه ويُنقِص ثوابَه من اللغو والرفث ونحوهما، ومُواسَاة للفُقَراء والمساكين، وإغناءً لهم عن ذلِّ الحاجة والسؤال يوم العيد.
فعن ابن عباسٍ مرفوعًا: “فرَض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاةَ الفطر طُهرَةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمةً للمساكين”[2]؛ رواه أبو داود والحاكم وغيرُهما.
وفيها إظهارُ شكر نعمة الله – تعالى – على العبد بإتمام صيام شهر رَمضان وما يَسَّر من قيامه، وفعل ما تيسَّر من الأعمال الصالحة فيه.
وفيها إشاعة المحبَّة والمودَّة بين فِئات المجتمع المسلم.
5- على مَن تجب الفطرة؟
زكاة الفطر زكاة بدن، فتجب على كلِّ مسلم ذكَرًا كان أو أنثى، حُرًّا كان أو عبدًا، وسواء كان من أهل المدن أو القرى أو البوادي، بإجماع مَن يُعتَدُّ بقوله من المسلمين.
ومن أدلَّة وجوبها حديثُ ابن عمر – رضِي الله عنْهما – قال: “فرَض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاةَ الفطر صاعًا من تمرٍ أو صاعًا من شعير، على العبد والحرِّ، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمَر بها أنْ تُؤدَّى قبلَ خروج الناس إلى الصلاة”؛ متفق عليه.
ونحو هذا الحديث ممَّا فيه التصريحُ بالفرض والأمر، وإنما تجب على الغني، وليس المقصود بالغنيِّ في هذا الباب الغني في باب زكاة الأموال، بل المقصود به في زكاة الفطر مَن فضل عنده صاعٌ أو أكثر يومَ العيد وليلته من قوته وقوت عياله، ومَن تجب عليه نفقَتُه.
6- أنواع الأطعمة التي تخرُج منها زكاة الفطر:
ثبَت في الصحيح عن أبي سعيدٍ الخدري – رضِي الله عنه – قال: “كُنَّا نُعطِيها – يعني: صدقة الفطر – في زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- صاعا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من الزبيب))؛ متفق عليه[3]، وفي روايةٍ عنه في الصحيح، قال: ((وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر))[4].
فالأفضل الاقتصارُ على هذه الأصناف المذكورة في الحديث ما دامَتْ موجودةً، ويُوجَد مَن يَقبَلُها ليَقتات بها، فيُخرِج أطيَبَها وأنفَعَها للفقراء؛ لما في البخاري أنَّ ابن عمر – رضِي الله عنْهما – كان يُعطِي التمر[5].
وفي “الموطأ” عن نافع كان ابن عمر لا يُخرِج إلا التمر في زكاة الفطر، إلا مرَّة واحدة فإنَّه أخرج شعيرًا لَمَّا أعوز أهل المدينة من التمر – يعني: لم يوجد في المدينة – فأعطى شعيرًا”[6].
وفي هذا تنبيهٌ على أنَّه ينبَغِي أن يُخرِج أطيبَ هذه الأصناف وأنفَعَها للفقراء والمساكين، ومذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور أنَّ البُرَّ أفضلُ ثم التمر؛ قال – تعالى -: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، فإخراجها من أحد هذه الأصناف إذا وجد مَن يَقبَلُه ليَقتات به أفضل؛ لأنَّ فيه موافقةً للسُّنة واحتِياطًا للدين، فإن لم توجد فبقيَّة أقوات البلد سواها.
وذهَب بعضُ أهلِ العلم وهو قولُ مالكٍ والشافعي وأحمد وغيرهم إلى أنَّه يُجزِئ كلُّ حبٍّ وثمرٍ يُقتات، ولو لم تعدم الخمسة المذكورة في الحديث، وهو اختيارُ شيخ الإسلام ابن تيميَّة، واحتجَّ له بقوله – تعالى -: ﴿ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ﴾ [المائدة: 89]، وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((صاعًا من طعام))[7]، والطعام قد يكون بُرًّا أو شعيرًا، وقال: “هو قولُ أكثر العُلَماء، وأصحُّ الأقوال، فإنَّ الأصل في الصدقات أنها تجب على وجه المساواة للفقراء”.
وقال ابن القيِّم – رحمه الله -: “وهو الصواب الذي لا يُقال بغيره؛ إذ المقصود سَدُّ خلَّة المساكين يومَ العيد، ومواساتهم من جنس ما يقتات أهل بلدهم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- ((أغنوهم في هذا اليوم عن الطواف))[8].
7- المقدار الواجب في الفطرة:
ثبَت في الأحاديث الصحيحة أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ((فرَض زكاةَ الفطر صاعًا))، والمراد به صاعُ النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أربعة أمداد، والمدُّ ملء كفَّيِ الرجل المتوسِّط اليدين من البر الجيِّد ونحوه من الحبِّ، وهو كيلوان ونصف على وجه التقريب، وما زاد على القدر الواجب فهو من الصدقة العامَّة؛ وقد قال – تعالى -: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7].
8- وقت إخراج الزكاة:
لإخراج زكاة الفطر وقتان:
الأوَّل: وقتُ فضيلة، ويبدأ من غروب الشمس ليلةَ العيد إلى العيد، وأفضله ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد؛ لما ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر – رضِي الله عنْهما – قال: “فرَض رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- زكاةَ الفطر…” الحديث، وفيه قال: وأمَر أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة”، وتَقدَّم تفسيرُ بعض السَّلَف لقوله – تعالى -: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الأعلى: 14 – 15]، أنَّه الرجل يُقدِّم زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته.
الثاني: وقتُ إجزاء، وهو قبل العيد بيومٍ أو يومين؛ لما في “صحيح البخاري – رحمه الله” قال: “وكانوا ” يعني: الصحابة – يعطون – أي: المساكين – قبلَ الفطر بيومٍ أو يومين))[9]، فكان إجماعًا منهم.
وفي حديث ابن عباس – رضِي الله عنْهما -: ((فمَن أدَّاها قبلَ الصلاة فهي زكاةٌ مقبولة، ومَن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات))؛ رواه أبو داود وغيره.
قال ابن القيِّم – رحمه الله -: “مُقتَضاه أنَّه لا يجوز تأخيرُها عن صلاة العيد”، قلت: يعني: من غير عذرٍ، وأنها تفوت بالفراغ من الصلاة.
وقال شيخ الإسلام: “إنْ أخَّرها بعد صلاة العيد فهي قضاء، ولا تَسقُط بخروج الوقت”.
وقال غيرُه: اتَّفَق الفُقَهاء على أنها لا تَسقُط عمَّن وَجبَتْ عليه بتأخيرها، وهي دينٌ عليه حتى يُؤدِّيها، وأنَّ تَأخِيرها عن يوم العيد حرامٌ، ويَقضِيها آثِمًا إجماعًا إذا أخَّرَها عمدًا.
9- لِمَن تُعطَى صدقة الفطر؟
في حديث ابن عباس – رضِي الله عنْهما – قال: “فرَض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاةَ الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمةً للمساكين”.
ففي هذا الحديث أنها تُصرَف للمساكين دون غيرهم، وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة – رحمه الله -: “لا يجوز دفعُها إلا لِمَن يستحقُّ الكفَّارة، وهم الآخِذُون لحاجة أنفسهم”.
ويجوز أن يُعطِي الجماعةُ أو أهل بيت زكاتهم لمسكينٍ واحد، وأن تقسم صدقة الواحد على أكثر من مسكين للحاجة الشديدة، ولكن ينبَغِي أن تُسَلَّم لنفس المسكين أْو لوَكِيله المفوَّض في استلامها من قِبَلِه.
10- إخراج قيمة زكاة الفطر:
لا يجوز إخراجُ قيمة زكاة الفطر بدلاً عنها؛ لنصِّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على أنواع الأطعمة مع وجود قيمتها، فلو كانت القِيمَةُ مُجزِئةً لبيَّن ذلك النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فإنَّه لا يجوز تأخيرُ البَيان عن وقت الحاجة، وكذلك فإنَّه لا يُعلَم أنَّ أحدًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أخرج زكاة الفطر نقودًا مع إمكان ذلك في زمانهم، وهم أعرَفُ بسنَّته، وأحرص على اتِّباع طريقته، وأيضًا فإنَّ إخراج القِيمَة يُفضِي إلى خَفاءِ هذه الشَّعِيرة العظيمة، وجهل الناس بأحكامها، واستهانتهم بها.
قال الإمام أحمد: “لا يُعطِي القيمة، قيل له: قومٌ يقولون عمر بن عبدالعزيز كان يأخذ القيمة؛ قال: يَدَعُونَ قولَ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ويقولون: قال فلان، وقد قال: ابن عمر: “فرَض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاةَ الفطر”.
11- نقل زكاة الفطر من بلد الشخص إلى بلدٍ آخر:
الأصل أنَّ الشخص يَدفَعُ زكاة فطره لفُقَراء البلد الذي يُدرِكه عيد الفطر وهو فيه، وهي إنما تجب بغروب الشمس ليلةَ العيد، ونقلها إلى بلدٍ آخر يُفضِي إلى تأخير تسليمها في وقتها المشروع، وربما أفضى إلى إخراج القيمة، وإلى خَفاء تلك الشعيرة، وجهل الناس بسنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها، ولم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحدٍ من خُلفائِه الراشدين ولا عن أحدٍ من أصحابه – رضِي الله عنْهم، فيما أعلَمُ – أنهم نقلوها من المدينة إلى غيرها.
وبناءً عليه: فنقلُها في هذا الزمان من مجتمعٍ إلى آخر، والذي يدعو إليه بعض الناس ويُرغِّب فيه – معدودٌ من الأعمال المحدَثة التي يجب الحذَرُ منها والبعدُ عنها، وتنبيه الناس على ما فيه من المخالفة، والله المستعان.
أمَّا كون الإنسان يُوكِّل أهلَه أن يُخرِجوا الزكاة في بلدهم وهو في بلد آخر، فليس من هذا الباب، فإنَّ الكلام في نقل زكوات بعضِ أهل بلدٍ إلى بلدٍ آخَر، فإنَّه هو الذي قد تترتَّب عليه المحاذير السابقة.
[1] أخرجه البخاري (1504) ومسلم (984)، عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما.
[2] أخرجه أبو داود (1609) وابن ماجه (1827)، والدارقطني (2/138) والحاكم (1/409)، والبيهقي (4/163) قال الحاكم: صحيحٌ على شرط البخاري ولم يُخرِجاه، وقال الدارقطني: ليس فيهم مجروحٌ، وقال الألباني في “الإرواء” (3/332): حسن.
[3] أخرجه البخاري (1510).
[4] أخرجه البخاري (1510).
[5] أخرجه البخاري (1511).
[6] أخرجه البخاري (1511) ومالك في “الموطأ” (1/284).
[7] جزءٌ من حديث أبي سعيد الخدري.
[8] أخرجه سعيد بن منصور في “سننه” والدارقطني (2/153) والبيهقي (4/175)، وضعَّفه الألباني في “الإرواء” رقم (844)، عن ابن عمر – رضي الله عنه.
[9] أخرجه البخاري (1511)، قال مالك: وذلك واسِعٌ – إنْ شاء الله – أن تُؤدَّى قبل الغدوِّ من يوم الفطر وبعده، “الموطأ” (1/285).