من أخذ وأعطى بالحق أراح واستراح

الخميس-24 رمضان 1434 الموافق01 آب/أغسطس.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه وتعالى ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله ربُّه بالهدى ودين الحق؛ ليُظهره على الدين كله ولو كرِه المشركون، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعدُ:

فإن الناس في هذه الحياة لا بدَّ لهم من آمرٍ ومأمور، وكل فرد من الجميع لا بدَّ له من إيمان صادق يَعرف ما يلزمه من حقٍّ لله، وما يلزمه من حق للبشر؛ حتى يسير في هذه الحياة على بصيرة، فيُريح نفسه، ويُريح من حوله من مجتمعه، وفي هذه الأزمان كَثُرت المشاكل، وتنوَّعت الخصومات، وأصبح الكل – إلا من قلَّ – يشتكي من تعثُّر حلِّ مشاكله وطول الزمان المستغرق في ذلك، ولو رجَع الناس إلى أنفسهم، لعرَفوا من أين أُتُوا، ولتوصَّلوا إلى راحة أنفسهم، وأراحوا غيرهم.

إن الله – سبحانه وتعالى – خلَق العباد ليعبدوه، وتكفَّل بأرزاقهم، وبيَّن في كتابه لعباده ما ينبغي عليهم فعْلُه، وما ينبغي عليهم ترْكُه، وبيَّن الحلال والحرام، فقال – جل وعلا -: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38]، وقال: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ﴾ [الأنعام: 153]، وقال: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43].

إن علاقة البشر بعضِهم مع بعض متنوعة، فقد تكون العلاقة أُسرية؛ فقد بيَّن الله حقَّ الوالدين على الأولاد، وحقَّ الأولاد على الوالدين، وحق الرَّحم، وحق الزوجين بعضهما على الآخر، وقد تكون العلاقة مالية في بيع أو شراء؛ فلا بد من الصدق والوضوح وعدم الغش والتدليس، واجتناب الربا وكل معاملة محرَّمة؛ حتى تَطيب لُقمة العيش، ويُقبل الدعاء، وقد تكون العلاقة تبادُلَ منافعٍ كعمل الأجير مقابل مبلغ أو منفعة صريحة واضحة، لا كما يفعله البعض من تبادُل المنافع بوسيلة الرِّشوة؛ كما قيل: (شد لي، وأقطع لك)، فتكون رِشوةَ مَنفعةٍ.

اقرأ أيضا  الموعظة الحسنة في الحوار

وقد تكون العلاقة بين آمرٍ ومأمور في عملٍ ما؛ فلا بد من إخلاص العمل، والمحافظة على الوقت المحدَّد من قِبَل العامل، ولا بد من الآمِر أن يختار الكفء، وإذا نجَح في عمله وأخلَص فيه، أثنى عليه وشجَّعه؛ حتى يُميَّز الأكْفاء، ويُوَلَّوا الأعمال المهمة، ويَقتديَ بهم غيرُهم، لا كما يحصل في كثير من الأعمال، فيولَّى غير الأكْفاء ويُحرَم الأكْفاء والمخلصين، فيقل التنافس في الأعمال المفيدة والنافعة، ما دام أن المميَّز هو اللَّعَّاب وصاحب الواسطة، ويقل المميزون والمُبرزون، والقياديون المفيدون، ويَكثر الفاسدون والمفسدون، ويتأثَّر المجتمع بالأخلاق الفاسدة والمفسدة، ويحتاج الإصلاحُ إلى جهود ووقت طويلٍ.

وقد تكون العلاقة بين صاحب حاجةٍ ما مما يحتاجه العامة، وبين موظف في دائرة ما، فيَتعب هذا المراجع، ويُمضي الوقت الطويل في المراجعة، مع عدم إحساس بعض الموظفين بالمراجع، وعدم المحافظة على الدوام؛ مما يضطر بعض المراجعين إلى بذْل شيء من ماله؛ ليحصل على حقِّه المشروع، ولا يخفى ما يترتَّب على ذلك من وعيد شديد، وأكْل للمال الباطل، وظلم لأصحاب الحقوق، وانتشار المعاصي التي قد يعمُّ ضررها الكثير إذا لم تُنكَر ويُؤخذ على يد المفسد.

وقد تكون العلاقة بين دول، فلا يُنصِف القويُّ الضعيفَ، بل يتجبَّر ويطلب أكثر من حقه، فيطول النزاع، ويتضرَّر الضعيف لعدم العدل والإنصاف، فيشقى الضعيف على حساب القوي، وقد يكون القوي بارزًا ومتقدِّمًا في علم من العلوم الحربية، فيُنفق الأموال الطائلة في صناعة آلات مدمِّرة للحرث والنسل، في حين أن الكثير من البشر في حاجة إلى لقمة العيش والمأوى، وما يقي جسمه من الحر والبرد، ويستر عَورته.

اقرأ أيضا  اختلافاتنا الفقهية لا تؤثر في علاقاتنا الأخوية

ولا ينبغي أن نغترَّ بما تزعمه الدول الكافرة – سواء غربية أو شرقية – بما يسمونه الديمقراطية، ولا الصداقة للدول الإسلامية، بل هم أعداء ولا يَعنيهم إلا مصالحُهم، ولو كانت على حساب الكبير والصغير، والرئيس والمرؤوس، ولا يجوز أن يُسَمَّوا أصدقاءَ؛ فالله – سبحانه وتعالى – قد أخبرَنا عن عداوة الكافرين؛ حيث يقول – سبحانه وتعالى -: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة: 120].

فكيف يُسَمَّون أصدقاءَ؟!

ولعل ما حدَث في بعض الدول في هذه الأيام يُنبِّه مَن اغترَّ بهم، فهم أصدقاء الدولار، لا أصدقاء الدول والأشخاص، وحتى لو قصَد مَن سماهم أصدقاءَ أن المقصود أصدقاء مصالح؛ فهم لا يستحقون أن يُسَمَّوا أصدقاءَ واللهُ قد بيَّن عداوتَهم.

وقد تكون العلاقة بين دولة وشعب؛ فلا بد من الإخلاص لله من الجميع، فعلى الوالي أن يقيم العدل، فالوالي العادل أحد السبعة الذين يُظِلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه، ولا بد من طاعة الرعية في غير معصية الله؛ حتى تستقيم الأمور، وتحصُلَ المحبة بين الراعي والرعية، ويَسُود الأمن والاستقرار، ويكون الجميع يدًا واحدة على من عاداهم، وعلى الوالي أن يكون أمينًا على ما وُلِّي عليه، مخلصًا في عمله، مستشعرًا أن الولاية تكليف لا تشريف، كلٌّ بحسب ما وُلِّي عليه، ويكون القدوة في ذلك نبيَّنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- الذي قال الله – جل وعلا – عنه: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، وقال – سبحانه -: ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((تركتُكم على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يَزيغ عنها إلا هالك))

اقرأ أيضا  هل لماء زمزم ميزة على غيره في التركيب؟

وقد أكمل الله لنا الدين، وأتَمَّ علينا النعمة؛ قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

فالمسلمون ليسوا في حاجة إلى تعاليمِ غيرِهم، فعندهم كتاب الله المحفوظ وسنة نبيِّه محمد -صلى الله عليه وسلم- خاتم الرُّسل، فدين الإسلام صالح لكل زمان ومكان، ومُصلِح للبشرية، وهو المُتفق مع ما يُسعدها في الدنيا والآخرة. 

وقد ابتُلي المسلمون ببعض أبنائهم ممن شذَّ وجهِل أو تجاهَل، وأصبح مِعْوَل هدمٍ وتنفير، فلا ينبغي أن يُغترَّ به، فالحق أحقُّ أن يُتَّبع، وما بعد الحق إلا الضلال.

أرجو الله أن يهدي ضالَّ المسلمين، وأن يُولِّي عليهم أخيارهم، ويُبعد أشرارهم؛ حتى تسير الأمور على ما يُرضي الله، ويسعد الجميع في ظلِّ الإسلام وتعاليمه السامية، ويعم الأمن والاستقرار، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصدر : الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.