الاطمئنان الاقتصادي طريق التخلص من الفقر
الأربعاء-30 رمضان 1434 الموافق07 آب/ أغسطس.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
إعداد: علي الطالقاني/مركز النبأ الوثائقي
مع احتفاء العالم باليوم العالمي للقضاء على الفقر، قال بيان صادر عن الأمم المتحدة أن آخر التقديرات تشير إلى أن الأزمة الاقتصادية العالمية أدت إلى خسارة ما لا يقل عن 50 مليون شخص مصدر رزقهم هذا العام فيما يتوقع أن ينضم إلى قافلة من هم دون خط الفقر ما قدره 100 مليون شخص آخر في عام 2009.
وعلى صعيد مواز، قال برنامج الأغذية العالمي إنه سيوفر الطعام هذا العام لنحو 108 ملايين شخص في 74 بلدا إلا أن العجز في الميزانية قد يعني التقليل من الحصص للكثير من الجياع وتعليق بعض برامج الغذاء في العديد من الدول.
تعريف الفقر
يمكن تعريف الفقر على أنه عدم القدرة للوصول إلى الحد الأدنى من الاحتياجات المهمة المادية كالطعام والسكن والملبس ووسائل التعليم والصحة… وحاجات غير مادية مثل حق المشاركة والحرية الإنسانية والعدالة الاجتماعية..
ويعرف أيضا هو عدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة.
أو أنها تلك الدول التي تعاني من مستويات منخفضة من التعليم والرعاية الصحية، وتوافر المياه النقية صحيا للاستهلاك البشري والصرف الصحي و مستوي الغذاء الصحي كماً أو نوعاً لكل أفراد المجتمع ويضاف إلى ذلك معاناتها من تدهور واستنزاف مستمر لمواردها الطبيعية، مع انخفاض مستوي دائرة الفقر.
ويعرف الفقر في قواميس علم الاجتماع بأنه مستوى معيشي منخفض لا يفي بالاحتياجات الصحية والمعنوية والمتصلة بالاحترام الذاتي لفرد أو مجموعة من الأفراد. (وينظر على المفهوم نظرة نسبية نظرا لارتباطه بمستوى المعيشة العام في المجتمع وبتوزيع الثروة ونسق المكانة والتوقيعات الاجتماعية)، هذا ويعرف خط الفقر عادة بأنه الحالة التي يكون الفرد فيها عاجزا عن الوفاء بتوفير متطلبات الغذاء، الملبس، والمأوى الضروري لنفسه.
ويعرفه فليب عطية: يعتبر الفقر بشكل عام بأنه ندرة المادة أو تبديدها أو توزيعها على نحو غير عادل.
وعرف البنك الدولي الدول منخفضة الدخل أي الفقيرة بأنها تلك الدول التي ينخفض فيها دخل الفرد عن 600 دولار، وعددها 45 دولة معظمها في أفريقيا، منها 15 دولة يقل فيها متوسط دخل الفرد عن 300 دولار سنويا• برنامج الإنماء للأمم المتحدة يضيف معايير أخري تعبر مباشرة عن مستوي رفاهية الإنسان و نوعية الحياة Livelihood هذا الدليل وسع دائرة الفقر بمفهوم نوعية الحياة لتضم داخلها 70 دولة من دول العالم، أي هناك حوالي 45% من الفقراء يعيشون في مجتمعات غير منخفضة الدخل، أي هناك فقراء في بلاد الأغنياء، ويكتفي هنا بذكر أن 30 مليون فرد يعيشون تحـت خط الفقـر في الولايـات المتحـدة الأمريـكيـة (15 % من السكـان).
الفقر في العالم
برنامج الإنماء للأمم المتحدة يضيف معايير أخرى تعبر مباشرة عن مستوي رفاهية الإنسان و نوعية الحياة Livelihood هذا الدليل وسع دائرة الفقر بمفهوم نوعية الحياة لتضم داخلها 70 دولة من دول العالم، أي هناك حوالي 45% من الفقراء يعيشون في مجتمعات غير منخفضة الدخل، أي هناك فقراء في بلاد الأغنياء، ويكتفي هنا بذكر أن 30 مليون فرد يعيشون تحـت خط الفقـر في الولايـات المتحـدة الأمريـكيـة (15 % من السكـان)
و احتلت ظاهرة الفقر مكانة بارزة داخل البحث العلمي وقد كانت أغلب اهتمامات الباحثين على معرفة المشاكل المترتبة أو الناتجة من ظاهرة الفقر مثل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية والصحية وتأثيرها على المجتمع ومحاولة إيجاد حلول لهذه الظاهرة والفقر ليس ظاهرة تجارب في جيل واحد وإنما هي ظاهرة عميقة الجذور في كل مجتمع ويعتبر الفقر مصدر المشكلات وكافة الشرور والتي يعاني منها الأفراد في أي مجتمع.
وتضم دائرة الفقر بلـيون فرد في العالم بعد استبعاد الصين والهند يقل فيها دخل الفرد عن 600 دولار سنويا منهم 630 ملـيون في فقر شـديـد (متوسط دخل الفرد يقل عن 275 دولار سنويا )،وإذا اتسعت الدائرة وفقا لمعايير التنمية البشرية لشملت 2 بليون فرد من حجم السكان في العالم البالغ حوالي 6 بليون فرد، منهم بليون فرد غير قادرين علي القراءة أو الكتابة، 1.5 بليون لا يحصلون علي مياه شرب نقية، وهناك طفل من كل ثلاثة يعاني من سوء التغذية، وهناك بليون فرد يعانون الجوع، وحوالي 13 مليون طفل في العالم يموتون سنويا قبل اليوم الخامس من ميلادهم لسوء الرعاية أو سوء التغذية أو ضعف الحالة الصحية للطفل أو الأم.
الفقر في العالم العربي
على رغم القفزة الهائلة في الاقتصاد والإنتاج التي حققتها البشرية في العقود الأخيرة من القرن العشرين في موازاة الثورة العلمية والتقنية الحديثة وارتفاع الناتج الإجمالي العالمي من ثلاثة آلاف بليون دولار عام 1960 إلى 40850 بليون دولار عام 2006، يظل الفقر واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء من أعقد الإشكالات الموروثة من القرن الماضي والتي تواجه الإنسانية في بداية هذا القرن مهددة بالمزيد من الصراع والتناقضات المربكة على كل الأصعدة، حتى أن القضاء على الفقر لم يعد تحدياً إنمائيا فحسب.
إذ إن أكثر البلدان العربية ذات الثقل السكاني تقع في مرتبة متأخرة من حيث التنمية البشرية بين دول العالم الـ177، وفق تقرير التنمية البشرية لعام 2006 – الجزائر 102، مصر 111، المغرب 123، السودان 141، اليمن 150، وتشير دراسات معاصرة إلى انهيار الطبقة الوسطى العربية التي شكلت شريحة أساسية في المجتمعات العربية أواسط القرن الماضي، ما أدى إلى تراكم الفقراء في أحزمة البؤس المحيطة بالمدن العربية التي باتت تشكل أكثر من 56 في المئة من العرب، والى تفاقم الهوة بين الأغنياء والفقراء منذ الثمانينات بسبب تراجع الدولة عن بعض فضاءات القطاع العام وبسبب الخصخصة وحرية السوق. فوفقاً لتقرير التنمية البشرية لعام 2006 يبلغ نصيب الـ10 في المئة الأفقر من السكان العرب قياساً إلى الـ10 في المئة الأغنى – 2.7 إلى 30.6 في الأردن، 2.3 إلى 31.5 في تونس، 2.8 إلى 26.8 في الجزائر، 3.7 إلى 29.5 في مصر، 2.6 إلى 30.9 في المغرب، 3 إلى 25.9 في اليمن.
أما تفاصيل الفقراء في العالم العربي
15% من سكان تونس
15% من سكان الأردن
10% من سكان لبنان
24% من سكان الجزائر
23% من سكان مصر
14% من سكان المغرب
29% من سكان العراق
26% من سكان اليمن
19% من سكان موريتانيا
45% من سكان الصومال
34% من سكان أرتيريا
33% من سكان السودان
1.5 بليون نسمة تقل مداخيلهم اليومية عن دولار أمريكي واحد
840 مليون جائع أو مفتقد للتأمين الغذائي
50 مليون أمريكي يعيشون تحت خط الفقر
30 مليون من سكان روسيا يعيشون تحت خط الفقر
33% من سكان العرب يعيشون تحت خط الفقر
الفقر والأطفال
9% من أطفال العالم العربي يموتون تحت سن الخامسة بسبب الفقر وسوء التغذية
15% من أطفال العالم العربي ناقصي الوزن
ثلث سكان الدول النامية لا يتوقعون العيش أكثر من أربعين عاماً نتيجة سوء التغذية
46% من أطفال روسيا هم تحت الخامسة عشر فقراء
65% من أطفال أفريقيا يموتون بسبب سوء التغذية
40% من أطفال الهند ودول جنوب شرق آسيا يشتغلون بالدعارة نتيجة سوء الحالة المعيشية.
وعبرت مصادر من الإتحاد الأوربي عن قلقها من انتشار ظاهرة الفقر في أوربا فقد بلغت نسبة الفقراء في القارة الثرية حوالي 12% بين الكبار و 14% بين الصغار
وفي بعض الإحصاءات أن سكان الأرض يتوزعون بين 800 مليون ثري و4 مليارات فقير و 400 مليون متوسط الحال
معاني الفقر
المعنى الأول: هو التعوذ من الفقر وهو معدل للفقر يضع الإنسان قلة وذلة ويجعله يشعر بالظلم.
المعنى الثاني: تجاوز الفقر بالصدفة وضع مؤقت والمساواة بين الناس وضع دائم وهي مسؤولية الحاكم قبل المحكومين.
المعنى الثالث: يشير مفهوم الفقر إلى غياب أو عدم ملكية الأصول أو حيازة الموارد أو الثورة المتاحة المادية منها وغير المادية، فإذا كان هذا النقص في الثروة المادية أو الدخل حيث يكون الفقر اقتصاديا يتمثل في عدم القدرة على إشباع الحاجات البيولوجية (المأكل – الملبس – المسكن) بصورة كلية ويسمى (بالفقر المطلق) أو في مستوى إشباع الحاجات الأساسية وتدني المعيشة ونوعية الحياة وخصائص وقدرات الأفراد والجماعات داخل المجتمع (فقر نسبي) وتدعى عناصر الثقافة الخاصة أو المحلية في الفاعلية الاجتماعية وهنا يأخذ الفقر بعدا ثقافيا واجتماعيا وسياسيا، وهكذا يصبح الفقر ظاهرة متعددة الأبعاد تظهر في أي مجتمع على مستويات وفي صور أشكال مخالفة تكشف عن مجمل أوضاع البناء الاجتماعي.
يمكن التميز بين ثلاث معاني للفقر وهي:
– المعنى الأول: الفقر الاجتماعي وهو لا يعني عدم المساواة الاقتصادية الناتجة عن نقص الدخل ولممتلكات وانخفاض مستوى المعيشة وإنما يشمل أيضا عدم المساواة الاجتماعية والدونية الاعتمادية والشعور بالنقص والاستغلال. وهذا يكون الفقر نسبيا لا يوضع مستوى معين من الدخل أو حجم الملكية.
– المعنى الثاني: العوز والحاجة ويقصد به فئة من الناس غير القادرين على تأكيد وجودهم على المستوى التقليدي الذي يعتبر أدنى مستوى دون أي مساعدات خارجية في أي وقت من الأوقات فهو يحدد المستوى الأدنى الذي يؤدي بالإنسان إلى الهاوية كما يحدد نموذجا للعلاقات الاجتماعية التي تشير إلى من هم المحتاجين الذي يطلبون المساعدة ومن الذي يساعدهم وتميز المجتمعات بين أشكال ذوي الحاجة الذين يستحقون المساعدة.
– المعنى الثالث: الفقر الأخلاقي يحدد مكانه في نسق القيم في المجتمع أو في أحد جماعته الفرعية ويشير هذا المعنى إلى ما إذا كان الفقر مقبولاً أخلاقيا وإلى المكانة التي يشغلها الفقير وتحول دون استمتاعه لذا فإن التعريف المناسب للفقر هو ذلك التعريف الذي يصف الفقراء وهذا الوصف يختلف من مجتمع إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى.
ويمكن القول أن الفقر لا يعبر فقط عن عجز الإنسان عن إشباع حاجاته البيولوجية كما يقرر رجال الفكر الاقتصادي بل يعني كذلك عجز البناء الاجتماعي عن توفير مستلزمات الإنسان المادية والمعنوية وتأثير ذلك على عمليات الاندماج والعلاقات الاجتماعية وتكوين شخصية الفرد في المجتمع وتشكيل قيمته وثقافته بل تحديد دوره ووزنه السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
فالفقر يجب أن ينظر إليه على أنه حالة يعجز فيها الإنسان بسبب مجموعة من العوامل الموضوعية والذاتية عن تلبية حاجاته المادية والمعنوية في ظل نظام اجتماعي وثقافي محدد.
ويحمل الفقر معاني مختلفة باختلاف رؤى الباحثين منها ما هو مادي أو اجتماعي أو ثقافي ولذلك فالفقر ظاهرة مركبة تجمع بين أبعادها ما هو موضوعي (كالدخل والملكية والمهنة والوضع الطبقي) وما هو ذاتي (أسلوب الحياة ونمط الإنفاق والاستهلاك وأشكال الوعي والثقافة).
إن تحليل وفهم الفقر كظاهرة اجتماعية يعتمد على تحليل كيفي لظاهرتين أساسيتين تتعلق الظاهرة الأولى بعملية التفاوت في توزيع الدخل وإعادة توزيعه على الفئات الاجتماعية وترتبط الظاهرة الثانية بقضية التفاوت الطبقي والتمايز المعيشي وتشير الظاهرة الأولى إلى اختلاف واضح بين رجال الفكر في رؤية الفقر وتحليله وتحديد العوامل المساهمة في انتشاره وبينما يرى فريق منهم أنه يجب التركيز على مفهوم المركز النسبي للفقراء في إطار السياسات الاقتصادية للدولة.
ونجد أن الفقر ظاهرة متعددة الأبعاد يمكن التعبير عنها من خلال مفهومين للفقراء هما:
– فقر الدخل (الذي ينصرف إلى عدم كفاية الموارد لتأمين الحد الأدنى لمستوى المعيشة المناسب اجتماعيا).
– فقر القدرة (الذي ينحرف إلى تدني مستوى قدرات الإنسان إلى حد يمنعه من المشاركة في عملية التنمية).
ويرى مارك فريد إلى أن الفقر حالة واقعية وليست وحدة تصورية وأنه يمثل مجموعة مشكلات غير مترابطة مثل تفشي البطالة والبطالة المقنعة واللامساواة في الرفاهية وتفاوت الخدمات في البيئة الحضرية أي أن الفقر واقع اجتماعي يتطلب التفسير.
وهكذا يتبين لنا أن مضمون الفقر لا يرتبط فقط بالحرمان والعوز المادي فقط وإنما هو ظاهرة مركبة تتضمن معايير متعددة.
وبعد كل هذه التعريفات الخاصة بالفقر نستخلص منها أن الفقر ليس فقط عجز إمكانية الفرد لتلبية حاجاته الأولية فقط ولكنها تشمل عدة أبعاد هناك بعد اقتصادي وأحيانا اجتماعي وأخر سياسي وسيكولوجي وكل تلك الأبعاد تؤثر على الفرد وتنمية المجتمع ككل.
الفقراء هم ضحايا الفساد
من جهة أخرى اشار استطلاع للرأي قامت به منظمة الشفافية الدولية إلى إن الفساد أكثر انتشارا في الدول الفقيرة وان الفقراء هم ضحايا الفساد في الدول الفقيرة والغنية.
وقد جاءت الدول الإفريقية على رأس الدول الأكثر فسادا حيث اشار أكثر من 42 بالمائة ممن شاركوا في الاستطلاع إلى انه طلب منهم دفع رشى مقابل الحصول على خدمات تقدمها الدولة بشكل مجاني.
وقد شارك في هذا الاستطلاع 63199 شخصا من 60 دولة قامت به مؤسسة غالوب لصالح منظمة الشفافية العالمية المعنية بمحاربة الفساد حول العالم ومقرها المانيا.
وقالت المنظمة في تقرير لها تحت عنوان “مؤشر الفساد العالمي لعام 2007” إن الفقراء حول العالم هم غالبية ضحايا الفساد اذ يضطرون إلى دفع رشى مقابل الحصول على خدمات تقدم دون مقابل مثل الحماية والتعليم والقضاء.
وجاءت القارة الأسيوية في المرتبة الثانية بعد أفريقيا حيث أشار أكثر من 22 بالمائة ممن شاركوا في الاستفتاء إلى انه تم الطلب منهم دفع رشى وتلتها روسيا ومولدوفيا واوكرانيا بنسبة 21 بالمائة ثم أمريكا اللاتينية بنسبة 13 بالمائة وجنوب شرق أوروبا بنسبة 12 بالمائة تلتها دول الاتحاد الأوربي بنسبة 5 بالمائة وأمريكا الشمالية بنسبة 2 بالمائة.
وقالت رئيسة المنظمة هيويت لابيل في تصريح لها إن التقرير يشير بما لا يدع مجالا للشك إلى أن في كثير من الأحيان على الفقراء التنازل عن جزء من الأموال التي حصلوا عليها بمشقة من اجل الحصول على الخدمات التي يفترض إن يحصلوا عليها دون مقابل.
علاقة الفقر بالجريمة
إن مفهوم الجريمة مفهوم عريض جدا ومتعدد وإن كان أول ما نسمع كلمة الجريمة نميل إلى التفكير بالجرائم التقليدية، والضحايا التقليدية مثل ضحايا السرقات والقتل والاغتصاب..الخ، لقد شغلت الظروف الاقتصادية والاجتماعية للأفراد والجماعات وعدم المساواة الاجتماعية اهتمام آخر من العلماء والمفكرين والمصلحين الاجتماعيين ونسبوا إليها كثيراً من الأمراض والعلل الاجتماعية وفي مقدمتها ممارسة الجريمة وقد اعتقد بعضهم أن الأمراض الاقتصادية والاجتماعية في بعض البلدان المتطورة كأمريكا مثلاً هي المسؤولة إلى حد كبير عن الجريمة وعن تزايد معدلاتها.وقد أسهم عدد كبير من علماء الاقتصاد وآخرون غيرهم بمن فيهم علماء الاجتماع بدراسات متعددة لتوضيح اثر العوامل الاقتصادية وعدم المساواة الاجتماعية في تشكيل العوامل الأساسية للانحراف والجريمة.
وفي إطار هذا الاتجاه فقد أكد “روبرت ودسن R. wodson” أنه حيث تكون معدلات الجريمة مرتفعة تكون البنية الاقتصادية ضعيفة ويتمثل هذا الضعف في إهمال المشاريع الاقتصادية الحيوية ونمو البطالة وتزايد معدلات الخراب وتدمير الأشياء والممتلكات بسبب الافتقار إلى الخدمات العامة والدعم المالي، ويوضح “! جيفري Ray Jefferey” أهمية العوامل الاقتصادية في الدافع إلى ارتكاب الجريمة بقوله (أن المدخل الأساسي للسيطرة على الجريمة ومحاولة منعها أو ضبطها له صلة قوية بما أصبح يعرف اليوم بالتحليل الاقتصادي للجريمة).
وقد حاولت كثير من الدراسات التي أجريت في الآونة الأخيرة أن تبين أن الفقر هو السبب الأساسي في الجريمة وربما تكون الدراسات التي قام بها وليام “بونجر w.Bonger” من أهم الدراسات الحديثة التي تتبنى هذا الاتجاه وقد حاول أن يثبت – عن طريق البحث والدراسة – أن الحالة العقلية للمجرمين ترجع إلى الانحطاط الاقتصادي من ناحية والى التفكك الطبقي من ناحية أخرى،غير أن الدراسات التي قام بها بونجر اقتصرت على المجتمعات الأوروبية فقط، ولذلك فإنه ليس من السهل تعميمها على مجتمعات أخرى تتمتع بخصائص اقتصادية واجتماعية مختلفة وقد حاولت إحدى البحوث الحديثة أن تبين أن اغلب الجانحين وغيرهم من المنحرفين ينتمون إلى طبقة الفقراء والعمال غير المهرة.
الفقر والانحراف الجنسي
إن مناقشة ظاهرة الانحراف الجنسي، أو البحث في أسبابها وتداعياتها كآفة اجتماعية سلبية تستحق منا ومن كل إنسان يعتز بإنسانيته وبأخلاق الآباء والأجداد أن لا نقف منها موقف متفرج بل يجب التصدي لها قدر الإمكان، حيث يقول النبي محمد (ص) “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه، وذلك اضعف الإيمان”.
لذا إن إظهار أسبابها ومسبباتها ودوافعها وتداعياتها وخاصة إفرازاتها الضارة الكبيرة على مستوى المجتمعات أو حتى الدول، تستدعي دراستها دراسة مستفيضة لما لهذه القضية الأثر الضار على بنية المجتمع وتماسكه بشرائحه وطبقاته المتدرجة، إلى جانب كل هذا فإنها تقوم على تخريب الحالة الاجتماعية من أساسها، لأنها آفة خطيرة كما لها تشعباتها الكثيرة، فهي تتغلغل لتفعل فعلتها وخاصة بتفكيك الأسرة وأواصرها الودية والروحية والدينية والإنسانية، من ثم تقودها إلى الانزلاقات الأخلاقية المشينة حتى تسقط به إلى الدرك الأسفل من الانحطاط الإنساني والديني ليتعرى من جميع القيم والأخلاقيات النبيلة.
الدعـارة والفقر
إن للدعارة ارتباطا وثيقا بظاهرة الفقر، فنجد أرباب هذه المهنة يستغلون مساحة الفقر المنتشرة في الفقيرة، والظروف المعيشية الصعبة لبعض فئات المجتمع.
ويدفع الفقر الكثير من العائلات، الفاقدة المعيل أو التي يكون دخلها ضعيف أو منعدم بحيث لا يلبي حاجياتها، إلى هوة الدعارة وإغراءاتها في ذات الآن، إذ تبرر الكثير من العاهرات عملهن بالحاجة للمال من أجل توفير الغذاء واللباس وحاجيات اخرى.
كما أن ثقافة الفقر التي شرحتها بعض الدراسات بأنها انخفاض في مستوى التعليم يؤدي إلى نقص في الخبرة المهنية ما يدفع إلى العمل في مهن لا تحتاج إلى الخبرة ما ينتج عنه الحصول على أجر زهيد لأعمال تتصف بالتذبذب ما يولد حالة من البطالة والفقر، تؤدي إلى حالة يتدنى فيها المعيار السكني والعمراني ما ينجم عنها انتشار الأمراض البدنية والنفسية والاجتماعية، ما يؤدي لاحقا إلى ضعف القيم الأخلاقية وتدني الطموح ما ينعكس سلبا على أفراد الأسرة، حيث يقوم الفقير بتوريث أفراد الأسرة ثقافة الفقر ما يدفعهم إلى العمل في أعمال حقيرة ومتواضعة بأجور زهيدة، حيث يؤدي عملهم إلى التسرب من الدراسة وامتهان حياة الشارع بكل أشكالها.
الرفاه الاقتصادي
المقصود من الرفاه الاقتصادي عدم جعل الإنسان أسيرا لحاجاته الأساسية: المسكن، المأكل، الملبس، الجنس بالشكل الذي يحصر همته في هذه الحاجات ولا يتمكن من إشباع حاجات أخرى أكثر أهمية كالتعليم والرقي الفكري، وإنشاء المشاريع الطموحة، والسفر… لذا سيتم التطرق إلى هذا الموضوع من خلال المفردات الآتية:
– الفقر سلاح الطغاة والمستبدين جاء في كتاب السياسة لأرسطو ما معناه: إن الحاكم المستبد يحكم شعبه وفقا لثلاث قواعـد هي: العمل على إفقار الرعايا، العـمل على تجهيــل الرعايا، العمل على تخفيض المستوى الأخلاقي للرعايا، ويبدو إن القاعدتين الأخيرتين ما هما إلا نتاج طبيعي للقاعدة الأولى، فكل حكومة مستبدة تجعل نصب عينيها سياسة العمل على إفقار شعبها ومنعه من التمتع بالرفاه الاقتصادي وقد يقول البعض إن هذه السياسة ناتجة من انجراف الحكومة المستبدة وراء مشاريع وسياسات ضخمة تستنزف إمكانات الشعب الاقتصادية وبالتالي فان الإفقار ليس هدفا تسعى إليه هذه الحكومة وهذا الرأي وجيه في جزء منه، ولكن الواقع يشير إلى أن سياسة إفقار الشعب هي هدف أساس في برامج الدول المستبدة، وإذا حققت هذه الدول بعض الرفاه الاقتصادي لشعوبها في مرحلة ما، فان ذلك مشروط بجعل الرفاه سبيلا إلى مزيد من تقييد هذه الشعوب وربطها بحكوماتها إذ يكون الرفاه عبارة عن عطايا ومكارم يجود بها الحاكم على شعبه (عبيده) وليس حقا يجب أن يتمتع به الشعب فالاستبداد يحرص على جعل المواطنين عبيد للسلطة، وان مقتضيات العبودية تتطلب عدم تمتعهم بالرفاه الاقتصادي المستقل ذلك إن الأخير كلما نمى اتسعت آفاق الحرية حيث إن (الاكتفاء الاقتصادي، والفراغ للتفكير هما الشرطان الأساسيان للرجل الحر).
إذاً، تنبع أهمية الرفاه الاقتصادي من انه سيعطي للإنسان وقتا للتفكير فيما يصلح حاله وحال قريته، ومدينته، وبلاده، وهذا سوف يؤدي إلى انكشاف عورات مجتمعه وحكومته، مما يحفزه على المطالبة بالتغيير والإصلاح، وهو ما تخشاه الحكومات المستبدة، لذا هي مجتهدة في جعل شعوبها فقيرة تجري وراء لقمة العيش فقط فتصبح الحاجات الأساسية للإنسان أهدافا حياتية صعبة المنال، وتدخل قضايا المصلحة العامة، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم إلى زاوية عدم اللامفكر فيه.
* الفقر والسلم الاجتماعي:
من اشد الأخطار التي تهدد السلم الاجتماعي الفقر، فكلما تصاعدت مؤشراته بين شعب من الشعوب، كلما ازداد العنف والإرهاب بمستوياتها المختلفة. وهذه الحقيقة أدركها عدد من الباحثين والمفكرين، فقد أشار إليها (موريس دوفرجيه) بالقول:(…عندما يرتدي شعب ثيابه الرثة، ويكو قابعا في مجاعة حقيقية، ويعيش في أكواخ، وتلطخه سيارات الأغنياء الفاخرة…عندها يغدو الشعور بالظلم أقسى والرغبة اكبر، في هذه الحالة العنف وحده أو الاستسلام الذي يولده البؤس والجهل بإمكانهما أن يبقيا هذا الوضع…) ، أما (هارولد لاسكي) فقد قال(…ولكن هؤلاء الذين يعرفون حياة الفقير العادية، وخوفها الدائم من الغد وإحساسها المرتعب بالكارثة الوشيكة، وبحثها المستمر عن جمال دائم التهرب، سوف يفهمون إن الحرية بدون الاطمئنان الاقتصادي لا تستحق الحصول عليها، فالناس قد يكونون أحرار بالفعل، ولكنهم يظلون عاجزين عن تحقيق أهداف الحرية).
كما أشار إلى ذلك (توماس بين) بالقول: “إن الفقر ليتحدى كل فضيلة وسلام، لأنه يورث صاحبه درجة من الانحطاط والتذمر تكتسح أمامها كل شيء، ولا يبقى قائما غير هذا المبدأ كن أو لا تكن، ويقول السيد محمد الشيرازي في هذا الصدد:”الفقراء فحيث لا مال لهم لابد أن يلتجئوا إلى الحرب لحل مشكلاتهم…إن إمكانات السلام في الفقراء اقل من إمكانات السلام في غيرهم، وعليه، فالفقر سبيل إلى خلق العنف والتطرف لدى الإنسان، وهذا يقود إلى سيادة الاحتراب الاجتماعي بدلا من السلم، وان التنامي الخطير في تيارات العنف في البلدان الإسلامية عموما، لا تنبع مصادره من أفكار مستوردة أو استفزازات وتدخلات أجنبية فقط، بل إن طبيعة الحكومات التي حكمت هذه البلدان لقرون طويلة من الاستبداد والقهر والإفقار، أنتجت شعوبا فقيرة ماديا وفكريا تبحث عن سبب بؤسها في ميادين خاطئة وتوجهات أيديولوجية اقصائية للآخر، دون أن تدرك إن السبب الحقيقي في بؤسها هو غياب العدالة الاجتماعية في ظل الحكومات المستبدة التي تحكمها.
الإسلام يحارب الفقر: إن الإسلام ليس دينا للفقراء، بمعنى انه لم يأت لجعل الناس فقراء معوزين مكتفين بالتقوى والزهد ،بل العكس هو الصحيح، فقد جاء ليحرر الإنسان من قيود العوز وسلاسل الحاجة التي تجعله عبدا لغير الله من الحكام، والأغنياء، والأهواء، والشهوات، وتكفي الإشارة إلى إن عبادة الله التي هي هدف الإسلام الأساس، قد اقترنت بتوفير رغد العيش والأمن للبشر من خالقهم سبحانه وتعالى، كما في قوله تعالى:”فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع¯وآمنهم من خوف”قريش:3-4.
لذا يصر الإسلام بمصدريه الأساسيين:القرآن والسنة على جعل الفقر عرض طارئ في حياة الإنسان لابد أن يتجاوزه لما فيه من المخاطر على كرامته ونمط تفكيره، وانه (أي الفقر) سبيل من سبل الشيطان المنحرفة، فقد قال تعالى: “الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة من الله وفضلا والله واسع عليم”}البقرة :268{ بل إن دعوة الله سبحانه لعباده للتمتع برغد العيش تتضح في قوله تعالى في الآيات الآتية:
“فقلت استغفروا ربكم انه غفار، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا”}نوح:10-12{.ألم ترَ إن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بأذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم”}الحج:65.
“ألم تروا إن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير”لقمان:20.
وفي الحديث الشريف ورد عن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) قوله:
– من لا معاش له لا معاد له.
– الفقر سواد الوجه في الدارين.
– نعم العون على طاعة الله الغنى.
– الفقر يخرس الفطن عن حجته.
– ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند الله ، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء إتكالا على الله.
– الفقر يخرس الفطن عن حجته.
– إنما الفقر والغنى بعد العرض على الله.
– والله لو كان الفقر رجلا لقتلته.
ويوصي الإمام علي ولده الحسن (ع) يا بني استعذ با لله من الفقر،فإنه منقصة للدين وداعية للمقت ومدهشة للعقل.
– يا بني مارست كل شيء فغلبته، ومارست الفقر فغلبني لأني إن أذعته فضحني وإن كتمته قتلني، فكاد الفقر أن يكون كفرا.
مشكلة الفقر والغنى في نظر الإمام علي (عليه السلام)
إن الفقر الذي هو عجز إنسان أو جماعة من الناس في المجتمع عن وجدان ما يوفر مستوى الكفاية في العيش – إن الفقر بهذا المعنى ظاهرة حار بها الإسلام في تشريعه ووصاياه كما سنرى ذلك فيما يأتي من أبحاث – واعتبرها شراً إنسانياً باعتباره يسبب حرمان الإنسان من أحد حقوقه الذي هو الكفاية في العيش، وشراً اجتماعياً باعتباره يعوق المجتمع عن التقدم المادي والمعنوي، واعتبر الإسلام أن المجتمع الأمثل الذي يسعى إلى تكوينه هو المجتمع الذي لا فقر فيه ولا فقراء.
ومن هنا فإننا حين نستعمل كلمة (طبقات) في سياق الحديث عن الإسلام فإنما نقصد بذلك الفئات الاجتماعية، وليس الطبقات بالمعنى الذي شاع استعماله في الأدب السياسي في العصر الحاضر، وإنما حرصنا على استعمال كلمة طبقات لأنها وردت في كلام الإمام علي بمعنى فئات اجتماعية، ولم تكن في ذلك الحين قد تضمنت معناها الذي تعنيه الآن.
لقد اعترف الإسلام كما اعترف الإمام بالطبقات الاجتماعية (الفئات) القائمة على أساس اقتصادي أو مهني أو عليهما معاً، وذلك لأن وجود هذه الطبقات (الفئات) ضرورة لا غنى عنها ولا مفر منها في المجتمع، فلابد أن يوجد تصنيف مهني يقوم بسدّ حاجات المجتمع المتجددة، ولابد أن يوجد أناس لديهم مال كثير وآخرون لا يملكون من المال إلاّ قليلاً لأن التحكم التام في توزيع الثروات على نحو متساوٍ أمر مستحيل إطلاقاً. وإذا اختلفت المهن وتفاوتت الثروات فلابد أن يختلف مستوى المعيشة ويتفاوت طراز الحياة المادي والنفسي وحينئذ توجد الطبقات.
وقد رأينا أن التفاوت الطبقي يصير منبعاً للصراع الطبقي إذا جعل الاقتصاد مثلاً أعلى للحياة. وإذن، فالتفاوت الطبقي الناشئ عن التفاوت الاقتصادي خطر بقدر ما هو ضروري، وإذا لم يوضع للمجتمع نظام يذهب بالخطر من هذا التفاوت ويستبقي جانب الخير فيه فإنه خليق بأن يسبب للمجتمع بلبلة تقوده إلى الدمار.
وهنا تتجلى عبقرية الإسلام وعبقرية الإمام.
وعند الحديث عن التدابير الحكيمة التي وضعها الإسلام لوقاية المجتمع من شرور التفاوت في المستوى الاقتصادي يجيء الحديث عن المثل الأعلى للحياة في للإمام قبل كل حديث.
وحديثنا عن المثل الأعلى للحياة في الإسلام يسوقنا إلى الحديث عن المثل الأعلى للحياة عند الإمام. وما نهج البلاغة إلا انعكاس الإسلام في نفس الإمام. ومن هنا كان الحديث عن أحدهما يلزمه الحديث عن الآخر كما تستهدى العين بخيوط الشعاع على مركز الإشراق.
إن المثل الأعلى للحياة في الإسلام وعند الإمام هو التقوى. فقلّ أن ترد سورة في القرآن لم يرد فيها الأمر بالتقوى، تقوى الله. وقل أن ترد خطبة أو كلام في نهج البلاغة لم يرد فيه الأمر بالتقوى، تقوى الله. فالقرآن أمر بالتقوى، وفصلها، ومدح المتقين، والإمام أمر بالتقوى، ووصفها، ومدح المتقين.
الإسلام حين جعل الفضيلة مصدر القيمة الاجتماعية، وأراد أتباعه أن يحملوا أنفسهم على هذا المركب، صوناً للمجتمع من أخطار التفاوت الطبقي لم يغفل أمر الواقع النفسي والشعوري للإنسان.
فحين تحتد الفروق الاقتصادية، فتتسع وتعمق، تغيض منابع الفضيلة من المجتمع وتسوده نوازع الحيوان.
فأنت لا تستطيع أن تطلب من جائع لا يجد القوت أن يصير فاضلاً، لأن الحرمان لا يدفع إلى الفضيلة وإنما يخلق تصورات الحرمان التي تدفع إلى التمرد والإجرام حين لا يجد المحروم اليد البارّة الوصول.
إن الجائع الذي لا يجد ما يسد جوعته وإن خشن وهان، والعاري الذي يجد للريح مثل لسع السياط، وللشمس مثل مس الحميم، والمريض الذي لا يجد ثمن الدواء ولا الخلاص من اللأواء – هؤلاء لا يستطيعون أن يتغنوا بالفضيلة حين يرون الغني الكاسي الصحيح الذي لا يعرف معنى للجوع، فالفضيلة ليست طعاماً ولا كساء ولا دواء، إن هؤلاء ينقلبون إلى قتلة ومجرمين ولصوص حين لا يجدون ما يسدون به حاجاتهم الأولية من طريق مشروع.
وهكذا يظهر إلى العيان الصراع الطبقي بالرغم من أن المثل الأعلى هو الفضيلة ومكارم الأخلاق.
وعى الإسلام هذا الواقع فلم يكل أمر صيانة المجتمع من أخطار التفاوت الطبقي إلى المثل الأعلى وحده، وإنما أولى الاقتصاد ما له من الأهمية في أمر الصيانة والعلاج.
فشرع الله تعالى أحكاماً تحول دون تكوُّن الثروات بطريق غير عادل وغير مشروع وتحول بين أصحاب الثروات بعد أن تتكون لديهم الثروة بطريق مشروع وبين أن يستخدموها في استغلال الآخرين.
وشرع نظاماً للضرائب (الزكاة، الخمس) والمواريث يفتت هذه الثروات تدريجياً، ويحول بينها وبين التراكم والتعاظم، وأعطى للحاكم حق وضع اليد على ما تقضي به المصلحة العامة من أموال الأغنياء إذا قضت بذلك حاجة طارئة تعجز عن الوفاء بها المصادر التقليدية لتمويل النفقات العامة.
وشرع نظاماً للأموال العامة يغذّى من الضرائب ومصادر الثروة العامة، يضمن مستوى الكفاية في العيش لجميع الناس. وبذلك يحول بين المجتمع الإسلامي وبين أن توجد فيه ظاهرة الفقر بالمعنى الاقتصادي الاجتماعي المعروف، وإن كان هذا لا يعني أن يتساوى الناس في دخلهم وفيما يملكون، لأن هذا أمر مستحيل في أي مجتمع يتخيله الإنسان على الإطلاق. ويدخل في باب الأحلام والتصورات الطوباوية التي تاباها واقعية الإسلام.
وبذلك يشعر الفقراء أنهم ليسوا مهملين: لا عين ترعاهم، ولا يد تمسح جراحهم، وتقيلهم عثرات الزمان.. بل يشعرون أنهم ملء سمع المجتمع وبصره، فتختفي دوافع الإجرام من أنفسهم، وحينذاك يقول لهم الإسلام: إن المثل الأعلى هو الفضيلة، ويطلب إليهم أن يكونوا فضلاء… وأن يجعلوا الأرض أختاً للسماء.
فقد وعى الإمام أن الإنسان الجائع، المستغل، المحروم، المصفد بالأغلال لا يستطيع أن يكون فاضلاً، وأن من اللغو أن يوعظ بالوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، وإن إنساناً كهذا ينقلب كافراً: كافراً بالقيم، والفضائل والإنسان.
إن معدته الخاوية، وجسده المعذّب، ومجتمعه الكافر بإنسانيته، المتنكر له، وشعوره بالاستغلال، وميسم الضعة الذي يلاحقه أنى كان – هذه كلها تجعله لصاً، وسفاحاً، وعدواً للإنسانية التي لم تعترف له بحقه في الحياة الكريمة.
ووعى أن المجتمع القائم على سيادة فريق وعبودية فريق، وعلى استغلال الأسياد للعبيد، والأحرار للمصفدين بالأغلال، مجتمع لا يمكن أن توجد فيه فضيلة ولا يمكن أن يوجد فيه فضلاء. إنه ليس إلا مجتمع لصوص ومجرمين وعبيد، تسيّر أفراده الأحقاد والمكر والاستغلال، وما كانت اللصوصية والعبودية وما إليها يوماً فضائل تشرف الإنسان.
على أساس من هذا الوعي جعل الإسلام الإصلاح الاقتصادي أساساً للإصلاح الاجتماعي.
ولقد كان من الطبيعي جداً – حتى عند المفكرين والمصلحين – في عصر الإمام وقبله أن يوجد أناس جائعون فقراء، وأن يوجد أغنياء يحارون كيف ينفقون أموالهم، فلم يكن الفقر بذاته والغنى بذاته مشكلة اجتماعية تطلب حلاً، لأنها في نظرهم أمر طبيعي لا محيد عنه. إنما المشكلة هي: كيف السبيل إلى إسكات الفقراء وحماية الأغنياء؟ فكان الإمام – بعد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) هو أول من كشف أن الفقر والغنى مشكلة اجتماعية خطيرة، ونظر إليها على أساس أفاعيلها الاجتماعية.
إن فلسفة الفقر عنده تجتمع في هاتين الكلمتين:
(إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء فما جاع فقير إلا بما متع به غني).
و (ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع).
ومن هنا أصبح من أبرز المشاكل التي حفل بها منهجه الإصلاحي يوم وليَ الحكم، مشكلة الفقر والغنى.
ولقد كان مجتمعه إذ ذاك يعاني جراحاً عميقة بسبب هذه المشكلة، فقد وليَ الإمام الحكم والتفاوت الطبقي في المجتمع الإسلامي على أشد ما يكون عمقاً واتساعاً.
ففي العهد السابق على ولاية الإمام (عليه السلام) للحكم كانت الطريقة المتبعة في التقدير وإظهار الكرامة هي التفضيل في العطاء. وقد اتبعت هذه الطريقة في بعض الحالات بصورة خارجة عن حدود المعقول والمقبول، ففُضِّلَ من لا سابقة له في الدين ولا قِدم له في الإسلام على ذوي السوابق والأقدار.
وقد أوجد هذا اللون من السياسة المالية طبقة من الأشراف لا تستمد قيمتها من المثل الأعلى للإسلام، وإنما تستمدها من السلالة والغنى والامتيازات التي أسبغها عليها الحكم القائم، وطبقة الشعب التي ليس لديها مال، ولا امتيازات، ولا ماض عريق، وكان من عقابيل ذلك أن أحس الفقراء الضعفاء بالدونية واستشعر الأشراف الاستعلاء، وحرم الفقراء المال الذي تدفق إلى جيوب الأغنياء.
فلما ولي الإمام الحكم ألفى بين يديه هذا الإرث المخيف الذي يهدد باستئصال ما غرسه النبي في نفوس المسلمين.
وقد عالج هذا الواقع الذي سبق إليه بالتسوية بين الناس في العطاء، فالشريف والوضيع، والكبير والصغير، والعربي والعجمي، كلهم في العطاء سواء. فلم يجعل العطاء مظهراً للتفاضل بين الأفراد والأفراد والطبقات والطبقات. وبهذا أظهر للناس أن القيمة ليست بالمال، وحال بين الفقراء والضعفاء وبين الشعور بالدونية، وبين الأشراف والأقوياء وبين أن يشعروا بالاستعلاء. وأهاب بالناس أن يثوبوا إلى الله فيجعلوا التقوى مناط التفاضل ومقياس التقويم.
وقد ثارت الطبقة الأرستقراطية لسياسة المساواة المالية التي قام بها الإمام فأشاروا عليه أن يصطنع الرجال بالأموال، فقال:
(أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه؟ والله ما أطور به ما سمر سمير، وما أمِّ نجم في السماء نجماً، لو كان المال لي لسويت بينهم، فكيف وإنما المال مال الله. ألا وأن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف..).
ولم يكن هذا كل ما ينتظر الطبقة الأرستقراطية على يديه يوم أمسك بالزمام، لقد كانت أموال الأمة تتدفق – تحت عينيه – قبل أن يتولى الحكم إلى جيوب فريق من الناس، فأخذ على نفسه عهداً بمصادرتها، بردها إلى أهلها، وكان أن أعلن للناس يوم ولي الحكم مبدأ من جملة المبادئ التي أعدها لمحاربة الفقر الكافر في مجتمعه الموشك على الانهيار، فقال:
(ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله، فهو مردود في بيت المال. فإن الحق لا يبطله شيء. ولو وجدته قد تزوج به النساء، وفرق في البلدان لرددته، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه الحق فالجور عليه أضيق).
ولا يعالج الفقر عند الإمام بالمواعظ والخطب، وإنما يعالج بحماية مال الأمة من اللصوص والمستغلين، ثم بصرفه في موارده.
وبهذا عالجه الإمام، فكان عيناً لا تنام عن مراقبة ولاته على الأمصار، وعن التعرف على أموال الأمة وطرق جبايتها وتوزيعها. وكم من وال عزل وحوسب حساباً عسيراً لأنه خان أو ظلم أو استغل.
ولقد كان يكتب إلى ولاته: (إن أعظم الخيانة خيانة الأمة). وليس الولاة أعضاء في شركة مساهمة هدفها أن تستغل الأمة وإنما هم كما كان يكتب إليهم (خزان الرعية، ووكلاء الأمة، وسفراء الأئمة).
وكون الأموال العامة هي أموال الأمة مفهوم لم يأخذ صيغته الحقة إلا على لسان الإمام (عليه السلام) وفي أعماله. لقد جاءه أخوه عقيل يطلب زيادة عن حقه فرده محتجاً بأن المال ليس له وإنما هو مال الأمة، وجاءه ثان يطلب إليه أن يعطيه مالاً، بما بينهما من رابطة الحب فرده قائلاً: (إن هذا المال ليس لي ولا لك وإنما هو فيء للمسلمين).
بهذا كله لم يكفل الإسلام ولا الإمام أمر التزام الفضيلة في السلوك إلى الضمير وحده وإنما جعلا لها سنداً من القانون يكفل لها أن تصير واقعاً اجتماعياً تنبني عليه العلاقات الاجتماعية والسلوك الإنساني. ولكنهما لم يجعلا القانون كل شيء في حياة الإنسان لئلا يكون آلة مسيَّرة لا تملك اختيار ما تريد، وإنما أناطا جانباً من سلوكه بملزمات الضمير بعد أن أيقظا هذا الضمير. ولم يكلا أمر صيانة المجتمع من أخطار التفاوت الطبقي إلى الفضيلة وحدها، لأنها لا تسد حاجات الإنسان التي لا يقوى بدونها على التزام الفضيلة ومكارم الأخلاق، وإنما أناطا جانباً من مهمة الصيانة بالاقتصاد لأنه هو الذي يسد حاجات الإنسان.
وهكذا، بين الضمير اليقظ والقانون الواعي لحاجات الفرد والمجتمع ينمو الإنسان المسلم، ويأخذ سبيله إلى الكمال النسبي الذي يتاح للإنسان.
أسباب الفقر في رؤية الأمام الشيرازي
يقول السيد محمد الحسيني الشيرازي أن الفقر والعوز وما يرافقه من ظلم وتنكيل على طول التاريخ هو ما كان ملازما للإنسانية منذ القديم على أن العقل البشري تصدى آلاف المرات إلى حل هذه المعضلة المزمنة وذلك بان التمايز الطبقي الحاد وضع ليس في مستوى أخلاق أي مرحلة تاريخية مهما كانت توغل في الجهالة فكانت أفكار المتنورين أخلاقيا أو ممن هم متأثرين بالدين تطرأ فوق ساحة الواقع الاجتماعي والسياسي رغم أن هناك محاربة قوية لتلك الأفكار وقد راح ضحيتها كثير من المفكرين الذين أرادوا الخير للإنسان، وعلى هذا ظهرت كثير من الفلسفات والأطروحات الفكرية من اجل أن يحيا البشر بسعادة ولا يستغل الإنسان أخاه الإنسان. على أن تلك الأفكار تبقى أفكارا بشرية في معالجاتها أي بمعنى أنها لا تستند على الروحانية في المعالجة واتخذت على طول الخط الجانب المادي الصرف، وهذا احد الأسباب الجوهرية في عدم ديمومتها ونجاحها في آخر مطاف المرحلة التاريخية التي ظهرت فيها.
ويضيف الإمام الشيرازي ظهرت النظرية الاشتراكية على الساحة العملية وشكلت نظيرا معاكسا للنظام الرأسمالي وتمتاز النظرية الاشتراكية أنها ذات فلسفة وعلم راقي بدرجة عالية ولذا فقد لقيت قبولا منقطع النظير في شتى بقاع العالم لكن ذلك الانبهار سرعان ما تأثر في واقع الحياة وأثناء التطبيق، بكونها أغفلت التركيب التكويني للفكر والعاطفة البشرية، والميول الأصيلة المخلوقة معه لكن النظرية كانت تصر على إعادة إنتاج الإنسان وفق رؤيتها وليس النظرية وفق التكوين البشري.
وكان البديل للاشتراكية يتمثل من خلال الديمقراطيات الحديثة وهي مهما تفاعلت في الوجه الاقتصادي والسياسي تظل أسيرة بحكم مصدرها الأساسي وهو رأس المال العالمي أو أنها متشبثة بذيوله على اقل تقدير.
أي بمعنى أنها نظم مشتقة من الهيمنة العالمية لرأس المال أن لم تكن وجه من وجوهه المتسربة بهذه الصيغ. فالنظم الديمقراطية قد تفاعلت على الساحتين السياسية والاقتصادية إلا أنها لم تقضي على الفقر في العالم فلا زالت الحروب والهيمنة والدكتاتوريات وما يرافقها من فساد منتشرة في أرجاء العالم. ثم نعود إلى الاقتصاد الإسلامي كنظرية غير مطبقة عمليا في واقع الحياة إلا في زمن اقتصادي قديم ولفترة محدودة من الزمن، إلا انه كنظرية اقتصادية فأنها نظرية راسخة ورصينة في معياريها الفلسفي والعملي، وسبب رصانتها أنها تنتمي إلى عالمين العالم المادي والعالم الروحي ومتفقة تماما مع الميل البشري التكويني وان الخلاص البشري والتطبيقات الإنسانية داخلة في جدليتها، وقبولها التطبيق في أي زمن.
يقول آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي لو أن ماركس ما كان منشغلا بمظالم الكنيسة أو انه علم عن النظام الإسلامي بصورة جيدة لكان اهتدى إلى أعظم نظرية في تاريخ البشرية ولكان الحال غير هذا الحال.
أما عن أسباب الفقر في العالم يراها السيد محمد الحسيني الشيرازي (قده)، والذي يتمحور كلامه حول العقدة الأساسية في عدم الأخذ بالنظرية الاقتصادية الإسلامية بكونها الطريقة الوحيدة لخلاص الإنسان من المظالم وما تعانيه الإنسانية من الفقر والعوز والأمراض والجهل.
فما زالت المجتمعات البشرية تعاني من مشكلة الفقر وهي اليوم تعد الأشد فتكاً وضرراً بالشعوب الفقيرة والمحرومة بل حتى الدول المتقدمة والتي تعتبر رمزاً للغنى والرفاهية وذلك بسبب السياسات الخاطئة التي تنتهجها الأنظمة المتسلطة على رقاب الشعوب والتي لا تسير وفق المنهج الإلهي الذي ارتضاه الله للإنسان بل تعمل وتسير وفق ما ترسمه هي وتراه صحيحاً لتأمين مصالحها وتمريرا لسياستها التوسعية غير آبهة بمصلحة الشعوب.
إن كثيراً من الدول المتقدمة مادياًُ أخذت تعمد إلى إخفاء حالة الفقر التي تعصف بها والتي تجتاح حياة شرائح كثيرة من المجتمع للإبقاء على صورتها الدعائية في العالم إلا أنها لم تكن قادرة على إخفاء تلك الحقيقة بالمرة فأخذت الحقيقة تظهر إلى العلن وعلى ألسنة المسئولين من هنا وهناك.
ففي سويسرا مثلاً كشف إحصاء حكومي أحيط بشيء من التحفظ بأن عدداً كبيراً من المواطنين هم فقراء حقيقيين وأن 6% من العمال هناك لا يحصلون على دخل كافي لمعيشتهم في الوقت الذي تتجمع أموال معظم أغنياء العالم الكبار والتجار الدوليين في المصارف السويسرية وتجني الحكومة مبالغ خيالية جراء الفوائد والعوائد المالية الكبيرة التي تفرضها القوانين المالية السويسرية على المشاريع والأعمال التي تقوم بها الشركات فقد بينت أرقام الإحصاء الرسمي بأن عدد الأفراد السويسريين الذين يعيشون تحت عتبة الفقر أزداد بنسبة 50% خلال بضع سنوات وأن هذه النسبة في حالة ازدياد.
وأما في بريطانيا فيوجد 12 مليون فقير يعيش فيها وفي أمريكا انعقد المؤتمر القومي باسم مؤتمر الجوع القومي في شكاغو عام 1999م وفي هذا المؤتمر صرح وزير الزراعة الأمريكي بأنه يوجد في أمريكا واحداً من كل عشيرة أشخاص يعاني الجوع
أي أن 10% من الشعب الأمريكي يعتبر فقيراً وأما في ألمانيا فقد بلغ عدد الذين يعيشون في حالة فقر 3 مليون إنسان بينما يعتبر 45% من سكان أمريكا الجنوبية والكاريبي من الفقراء وأما في العالم العربي فأن أكثر السكان يعتبرون من الفقراء ويعيشون تحت خط الفقر بالرغم من تنوع مصادر الثروات لديهم بالإضافة إلى الأراضي الشاسعة ووفرة المياه وعلى كل حال فان عدد فقراء العالم 1500 مليون إنسان يوجد حالياً في العالم 840 مليون جائع أو فاقد للأمن الغذائي وقد كشف التقرير السنوي الذي أصدرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) عام 2002م بأن عدد المصابين بسوء التغذية في العالم النامي يناهز 50مليون نسمة.
وأما في أفريقيا فأنها تشهد وضعاً مأساوياً في الكثير من مناطقها وأن الأطفال يموتون جوعاً وعطشاً أو يجندون كمقاتلين لإذكاء نار الحرب هناك وقد أشار تقرير التنمية البشرية إلى إن بعض الدول الأفريقية لن تتمكن من الخروج من دائرة الفقر حتى عام 2165م.
وعلى الرغم من وجود مجموعة من الأسباب الموضوعية التي تقف وراء ظاهرة الفقر والجوع وانتشار الإمراض في الدول الفقيرة والنامية إلا أن العديد من الخبراء والدارسين لهذا الظواهر يؤكدون أن الدول الغنية هي المسئولة بشكل مباشر عن هذه المشكلات ووصولها في الكثير من المناطق إلى حدود الكارثة الإنسانية وان المعالجات الدولية كانت وما تزال قاصرة في التعامل مع هذه الكوارث الإنسانية السائرة في طرق الانفجار ويرجع السبب في ذلك إلى.
1: الحروب فقد كانت وما زالت هذه الدول ولفترات طويلة ساحات حرب مدمرة تعذبها وتقف وراءها الدول الغنية وأطماعها ثروات هذه الدول وخاصة في العالم العربي والقارة الأفريقية وأمريكا الجنوبية.
2: ارتفاع الديون الخارجية لهذه الدول والتي وصلت إلى مستويات خطيرة تهدد نموها الاقتصادي.
3: إهمال عمليات الإصلاح الاقتصادي مما أرت إلى تفاقم ظاهرة الفقر والجوع والبطالة وغيرها.
4: الفساد الإداري إذ تمثل هذه الطاهرة القوة الخفية التي تستنزف الموارد المالية بطريقة عجيبة وعدم الرغبة في مكافحتها بالرغم من خطورتها.
5: تدمير القطاع الزراعي لهذه الدول ونعها من تصدير منتجاتها بسبب السياسات التي تطبقها الدول المتقدمة.
6: تزايد مشكلة التصحر وفقدان الأراضي الزراعية وهو ما ينعكس بشكل مباشر على أصحاب هذه الأراضي وبالتالي على إنتاج وتوفير الغذاء.
7: ضعف المساعدات التنموية والإنسانية التي تقدمها الدول الغنية لهذه الدول.
8: زيادة الإنفاق العسكري في هذه الدول إذ تخصص هذه الدول ميزانيات كبيرة للدفاع وشراء الأسلحة والمعدات الحربية وغيرها من لوازم الأمن.
على أن الإسلام قد وضع الحلول الجذرية لمعالجة طاهرة الفقر والحرمان التي أخذت تعصف الإنسان أينما كان والقضاء عليها قضاء مبرماً وتجفيف منابعها وهذا ما سيلمسه القارئ في هذا الكتاب (من أسباب الفقر الحرمان في العالم) لسماحة المرجع الديني الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي قدس سره والذي عالج المشكلة من جهة نظر فقهية بالإضافة إلى الدعوة بالالتزام بالمنهج الإسلامي الكفيل باض فاه حياة السعادة والخير و لرفاه على الإنسان في الدنيا والآخرة. ويمكن من هذه الزاوية أن نتبيّن أسبابا داخلية وأخرى خارجية.
1 – الأسباب الداخلية من أهم الأسباب الداخلية طبيعة النظام السياسي والاقتصادي السائد في بلد ما. فالنّظام الجائر لا يشعر فيه المواطن بالأمن والاطمئنان إلى عدالة تحميه من الظلم والعسف. ويستفحل الأمر إذا تضاعف العامل السياسي بعامل اقتصادي يتمثل في انفراد الحكم وأذياله بالثروة بالطرق غير المشروعة نتيجة استشراء الفساد والمحسوبية، فيتعاضد الاستبداد السياسي بالاستبداد الاقتصادي والاجتماعي، وهي من الحالات التي تتسبب في اتساع رقعة الفقر حتى عندما يكون البلد زاخرا بالثروات الطبيعية كما حدث ويحدث في عدة بلدان إفريقية أو في أمريكا اللاتينية، هذا فضلا عن الحروب الأهلية والاضطرابات وانعدام الأمن.
2 – الأسباب الخارجية الأسباب الخارجية متعددة، وهي أعقدُ وأخفى أحيانا. من أكثرها ظهورا الاحتلال العسكري.
ومن الأسباب غير الظاهرة للعيان نقص المساعدات الدولية أو سوء توزيعها في البلدان التي يسود فيها الفساد في الحكم.
ونجد أن أهم أسباب الفقر تندرج تبعا لأسباب أو أبعاد رئيسية وهي أما بعد سياسي أو اجتماعي وتعتبر تلك الأبعاد ذات تأثير قوي على الفرد والمجتمع ككل.
1- البعد السياسي:
نجد في هذا البعد أن التوزيع الجغرافي لبعض البلاد قد يؤثر على مستوى المعيشة بالنسبة لأفراد المجتمع وذلك بسبب قلة الموارد المتاحة للأفراد وبالتالي يؤثر على مستوى المعيشة نظرا لسوء التوزيع الجغرافي.
نجد أيضا الحرب قد تؤثر على مستوى معيشة الفرد وتجعله يعيش في مستوى أدنى للمعيشة وذلك لأن الحروب تؤثر على النشاط الاقتصادي وعلى الموارد الموجودة والحصار الذي يفرض على أي بلد على الأفراد أيضا لأنه يوقف أي نشاط أو استثمار وبالتالي لا يجد أفراد المجتمع أمامهم إلا الموارد المتاحة لهم وبالتالي يصلوا إلى مرحلة الفقر المطلق وهي عدم القدرة على إشباع الحاجات الأولية (كالمأكل – والملبس).
ونجد أيضا أن بعض السياسة في بعض المجتمعات تكون السبب في ظهور ظاهرة الفقر والتي ترجع إلى امتلاك بعض من أفراد المجتمع الثروات وأيضا السلطة والبعض الآخر لا يستطيع أن يملك شيئاً من هذا.
2- البعد الاقتصادي:
يظهر من خلال بعض الأزمات الاقتصادية في بعض المجتمعات التي تؤثر على طريقها على أفراد المجتمع مثل: عدم الاستفادة من الموارد التي تساعد على رفع المستوى الاقتصادي للبلد أو المجتمع.
كما أن التطورات الاقتصادية مثل الجات والعولمة والخصخصة والتمويل الاقتصادي لا يعتبر نجاحاً اقتصادياً في بعض المجتمعات وإنما سيعمق مشكلة الفقر.
عدم استغلال الموارد الطبيعية الموجودة في المجتمع مثل (البترول – الزراعة – الأنهار) وبالتالي يكون استهلاك أفراد المجتمع أكثر من الإنتاج وزيادة الإنتاج.
عدم الاهتمام بإنشاء أنشطة جديدة داخل المجتمع مما تزيد وتحسن من دخل المجتمع وأفراده.
عدم الاهتمام بتكوين علاقات جيدة مع العالم الخارجي للمجتمع لتبادل الأنشطة التجارية بين المجتمعات وبعضها البعض.
3- البعد الاجتماعي:
ويظهر من خلال ثقافة المجتمع والمبادئ التي يقوم عليها هل هي المساواة أم اللامساواة بين أفراد المجتمع.
عدم تقديم الخدمات مثل الرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل بالنسبة لأفراد المجتمع تعتبر من أهم الأسباب المؤدية لظهور الفقر.
ظهور النظام الطبقي والتمايز بين الطبقات والذي يؤدي إلى عدم وجود مشاركة فعالة بين أفراد المجتمع أيضا من أهم أسباب الفقر.
أيضا عدم الاهتمام بالتنمية الثقافية بالنسبة لأفراد المجتمع قد يكون ضمن الأسباب المؤدية لظهور الفقر.
نجد من خلال طرح الأبعاد الثلاثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع اختلاف الأسباب الناتجة من خلال هذه الأبعاد إلا أنها تعتبر مرتبة ببعضها وذو تأثير قوي على هذه الظاهرة وهي الفقر.
المشكلات المترتبة على هذه الأبعاد الثلاثة:
(السياسية – الاقتصادية – الاجتماعية) الخاصة بالفقر هي:
1- البقاء في دائرة الحروب مما يؤدي بدمار أفراد المجتمع وانهياره ككل.
2- انعدام أو تدني في مستويات الدخل.
3- انتشار البطالة.
4- انخفاض مستوى المهارة وظهور الأمية (الجهل).
5- ظهور وانتشار الأمراض وانخفاض مستوى الرعاية الصحية مما تؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفيات.
6- نقص وسوء التغذية والتي تؤدي لانتشار الأمراض.
7- تدني مستوى الإسكان.
8- ظهور المشكلات الاجتماعية مثل التفكك الأسري الناتج عن عدم قدرة رب الأسرة على تحمل المسؤولية لباقي أفراد الأسرة والتي تؤدي إلى:
– اللجوء إلى نزول الأطفال إلى مجال العمل وترك الدراسة لمساعدة سد احتياجات الأسرة من مأكل وملبس.
– انتشار الجرائم مثل القتل والسرقات والاختلاس الناتج من انخفاض الدخل ومستوى المعيشة والرغبة في الثراء أو الحصول على المال لسد احتياجات الأسرة.
– قلة فرص التعليم بالنسبة لأفراد المجتمع.
– نقص القدرة والضعف الجزئي والكلي عن المشاركة بفاعلية في الحياة الاجتماعية والاستمتاع بثمار التطور الحضاري والتنمية.
كيفية مواجهة الفقر:
يمثل الفقر أيا كانت أبعاده عائقا رئيسيا أمام كافة الجهود الإنمائية والاستثمار في البيئة أو المجتمع ورفع معدلات النمو والأداء الاقتصادي والاجتماعي كما يشكل تهديداً للاستقرار السياسي والاجتماعي في كافة البلدان ومصدرا رئيسيا للقلق وعدم اطمئنان الفرد على حاضره ومستقبله.
طرق مواجهة الفقر:
1- ضرورة تبني الدولة لسياسات يكون من شأنها مواجهة الفقر والحد منه.
2- أن تتبنى الدولة سياسات تكفل الحد من الفقر.
3- تنظيم الدور الاجتماعي لرجال الأعمال وتعميق مفهوم التوازن بين المصلحة العامة والخاصة.
4- توفير فرص العمل وتنمية القدرات والموارد الطبيعية. (وهي توازن بين الأعداد البشرية وبين ما لدى المجتمعات من قدرات).
5- إعادة توزيع الدخول ثم الحاجات الأساسية.
6- تثبيت الاقتصاد سواء الإنفاق سواء بخفض الإنفاق الحكومي وتزايد الإنفاق الاجتماعي.
7- تكثيف العمالة (وذلك من خلال إقامة المشاريع التي تحتاج إلى أيدي عاملة).
8- توفير المنح من أجل تزايد الاستثمار.
9- زيادة توفير فرض التعليم (وذلك من خلال توفير التعليم مجانا).
10- تعدد الأنشطة الاقتصادية للفرد الواحد داخل الأسرة.
11- تدعيم المشاريع الصغيرة (حيث أحد أهم السبل للحد من الفقر ويعني ذلك أن يتم إقامة المشاريع الصغيرة والاهتمام بها).
12- تعدد مصادر الدخل داخل الأسرة الواحدة.
13- توفير الخدمات الأساسية مثل الصحة والتغذية والتعليم والسكن وذلك لتنمية مستوى حياة الأفراد.
14- الاهتمام بالدعم وتقديم وسائل التكافل والضمان الاجتماعي.
15- التأثير على وسائل الإنتاج التي يمتلكها الفقراء.
16- الاهتمام بخلق وتنمية فرص العمل المنتج بما يتناسب مع قدرات الفقراء.
17- توفير القروض الصغيرة وتسهيل الإجراءات الخاصة بالحصول على هذه القروض.
18- تمكين الفقراء من الحصول على الطرق المختلفة التي تساعدهم على استهلاك السلع والخدمات.
19- توفير المساعدات الفنية والتدريب لتمكينهم من القيام ببعض المشروعات الصغيرة.
20- القيام ببعض التدريبات التي تساعدهم للقيام ببعض الأعمال الحرفية التي تساعد على زيادة دخلهم.
21- السعي إلى الاستغلال المكثف للقدرات الذاتية والاستفادة من الموارد المحدودة والطاقات المتاحة إلى أقصى حد ممكن.
………………………………………………………………………….
المصادر
– وكالة CNN الأمريكية.
– مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية: الدكتور خالد العرداوي مقال الحرية والرفاه الاقتصادي.
– شبكة النبأ المعلوماتية: شيهب عادل مقال الفقر والانحراف الجنسي، مفهوم الجريمة و المجرم و الضحية.
– مركز النبأ الوثائقي: علي الطالقاني: مقال الفقر والفساد عاملان يعجلان من إبادة الشعوب.
– موسوعة ويكيبيديا.
– موقع المعصومين الأربعة عشر.