ستبقى مصر إسلامية رغم أنف الصليبية الحاقدة والدُّهرية الجاحدة
الجمعة-09شوال 1434 الموافق16 آب/ أغسطس.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
د.علي العتوم
إنّ المحاولات العدائية المحمومة, والتحركات الواصِبة المجنونة التي نراها اليوم تذرُّ بقرنها في مصر كما تذرُّ الشياطين بقرونها, مُناوِئةً للإسلام فيها ومناكِفةً لأهله, تثير العجب الشديد في النفوس السوية من أهل مصر وهم الكثرة الكاثرة ومن غيرهم من أُناس هذا العالم الذين يستعملون عقولهم الحرة, ويقرأون التاريخ بعيون نيِّرةٍ, إذ كيف يريد هؤلاء الفاسدون من أبنائها وهم شراذِمُ متناثرة, قد استغوتهم أبالسة الإنس والجن, أنْ يُخرِجوها بليلةٍ ليلاء من دائرتها الإسلامية, فتعود إلى جاهلية أبي لهب, أو رِدَّة الأسود العنْسي، أو ألوهية فرعون اللئيم؟!
مصر, هذا البلد العظيم الذي أراد الله له الخير فبعث فيه موسى بالتوحيد الذي صرع الكفر وكبّهُ على وجهه, وبعث فيه يوسف بالعدالة التي طهّرته من جشع قادتها وسرقاتهم, وردتْه بلدَ رخاء ونماء ورغد عيشٍ, مصرُ التي تحرّرت من ظلم الرومان وخزعبلاتهم على يد محمد بن عبد الله الذي بعث برسائله إلى حاكمها المقوقس ففتح أبوابها لنور الإسلام وحقيقة التوحيد اللذين رُكِّزا فيها على يد الفاتح العظيم عمرو بن العاص والتي أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهلها خيراً, فإنّ لهم نسباً من جهة هاجر أم إسماعيل, وصِهراً من جهة ماريّة القبطية أم ولده إبراهيم.
مصر باحة مسجد عمرو بن العاص الذي كان منارة حقٍّ وهداية, ومَعْلماً للعلم والعرفان, وبلد الأزهر الشريف أعظم جامعة إسلامية في عصره وما يزال, مصر التي أَرَزَتْ إليها يوماً الخلافةُ الإسلامية من أبناء العباس, ومنها انتقلت إلى بني عثمان حملة رايات الدعوة والفتح, مصر التي ردّت أعظم غارتين على العالم الإسلامي على أعقابهما خاسرتين ذليلتين، تمثّلتا بغزوات الصليبيين وهجمات التّتار, ثم كنست من على أرضها بقايا حملات الفرنسيين والإنجليز متمثلتين في العصر الحديث بنابليون طاغوت فرنسا الكبير وكرومر منتدب بريطانيا العجوز الشمطاء, مصر التي أبت في كل عصورها، إلاّ أن تكون منارةً للعالم الإسلامي جميعه.
مصر بلد صلاح الدين الذي بدأ بتحرير العالم الإسلامي من الغزوات الصليبية الشرسة من على ثراها الطهور, وبلد قطز الذي حماها من هجوم التتار الغادر وقضى عليهم في بلاد الشام, وهو يصيح في وجوههم مستغيثاً بالله: وا إسلاماه وا إسلاماه, مصر التي انتصر لها وهو يغرف من علم الأزهر النقيّ، ذلك الطالب الشآمي البطل المغوار سليمان الحلبي, فانتصر لإسلامها ولإخوانه المسلمين فيها حيث طعن مستعمرها الفرنسي الكافر كليبر بخنجره طعناتٍ مُميتةً, محاربة للصليبية النتنة وحفاظاً على إسلام الكنانة الساطع وعروبتها الأصيلة في هذا العصر, مصر هذه يُراد لها بهبّاتٍ جاهلية زائفة, أن تكون علمانية «لا دينية», وليبرالية دُهريّة «جاحدة بالدين منكرة للألوهية», بعد هذا التاريخ الطويل من الإسلام العظيم والتوحيد العميق والعروبة الحقّة, وأن تكون بلداً مُقزّماً داخل حدود جغرافية مصطنعة, وذيلاً لدولٍ حاربت ديننا قروناً وعروبتنا عصوراً، كل ذلك تريده فئةٌ ضالّةٌ من أبنائها غريبة على دينها وتراثها, بعد أن خدعهم أعداؤنا بتعاليمه الفاسدة, وتوجيهاتهم الشيطانية.
لقد خاب فأل هؤلاء وخسروا, ولن ينجح لهم مسعى أو يصحَّ لهم مسارٌ, وهم ينادون بهذه الأفكار المأفونة والمخططات الهابطة, بل سيبوؤون بالويل والثبور, كما باء غيرهم من الجاهليين والفسقة المارقين في تاريخ هذه الأمة العظيمة من لدنْ أبي جهلٍ فرعون العرب ومسيلمة الكذاب مدّعي النبوة, وبابك الخُرّمي الداعي إلى الرجوع لعبادة النار, وتيمور لنك سفّاك دماء المسلمين وجازِّ رؤوسهم, نعم سيؤولون إلى هلاكٍ ودمار, وقد جلّلتهم أردية الخزي والشنار, وسيبقى الإسلام شامخاً عزيزاً, وتبقى مصر عربية إسلامية وحرّةً كريمةً, وزعيمة لدول العالم الإسلامي بالتوحيد وإخلاص العمل لله, وهي تتقدمها جميعاً مناديةً بالوحدة الصحيحة والخلافة الراشدة, هازئةً بكل دعاوى الشرك والضلال, وقد ذهب أعداؤها ممّن ينادون بالعلمانية, ويرفعون راية الانفلات من مبادئ الدين إلى مزابل التاريخ غير مأسوفٍ عليهم.
وسيبقى رغم كل المؤامرات وكل المكر الذي يُراد بأرض الكِنانة, الدعاةُ إلى الله فيها وفي غيرها شامخي الرؤوس, رافعي الهامات, ناضري الوجوه, يتحدّون أتباع الضلال وغربان الشؤم, لأنّ جذورهم في مصر عميقةٌ عميقة, وجذور غيرهم فيها ضحلةٌ ضحلة, وسيبقى فيهم ومنهم ما ينوء الصهاينة المغتصبين والصليبيين الحاقدين والشيوعيين الملحدين، وما يسوؤهم. أجل, سيبقون شجاً في حلوق كل هؤلاء الفسدة وأشواكاً ناخسة في خواصرهم البغيضة, بل سُمّاً زعافاً لأولئك الذين يريدون بمصر شرّاً, ليبقوا بعد كل هذا الخزي أثراً بعد عينٍ, وكأنْ لم يكونوا.
صحيح أنّ الذين يرفعون راية الإسلام بمصر منادين بكل قوة وعزم, أن تبقى إسلامية الهوية عربية الأصول, ليسوا كلُّهم من الإخوان المسلمين, وإنْ كان الإخوانُ هم الذين حملوا المشعل, منذ أنْ أدركوا أنّ الأمّة الإسلامية وقعت في شرٍّ, إذ ضاعت خلافتُها وتقسّمت بلادها وسيطر أعداؤها عليها بقوانينهم الضالة ومناهجهم الفائلة, ولكنّنا موقنون أنّ مصر كلَّها، ما عدا نفراً من أمثال هؤلاء الناعقين الذين ينادون اليوم باليسارية والليبرالية والقومية والناصرية والصليبية، تنادي بالإسلام عقيدةً ومنهاجَ حياةٍ, وطريقَ خلاصٍ من كلِّ ما يشينُها وأهلها. فالحقُّ أنّ الذين ينادون بإسلامها وعروبتها هم أبناؤها الخُلَّص, وغيرُهم ممّن ينادون بهويّاتٍ لها غريبةٍ، هم في المجتمع من الهمج والرّعاع, بل من الأذناب وسَقَط المتاع.
ولو كان هؤلاء الذين يناوئون الإسلام هويّةً لمصر, وينادون بتغريبها, ويحاربون بكل جهدهم، غفلةً وانخداعاً، أن تُحْكَم بالإسلام شريعةً ومنهاجاً, قد استعملوا عقولهم استعمال حقٍّ وموضوعية, ودرسوا الماضي دراسةً سليمةً, ونظروا إلى الحاضر بعيونٍ مُبصرة, لأدركوا أنَّ كلَّ جهدٍ وكلِّ مَسْعىً في هذه السبيل, إنّما هو جهدٌ ضائع وسَعْيٌ بائر, ولكنّ المُحزِنَ في هؤلاء والذي يُثير الشفقة عليهم لغبائهم, أنّهم لا يتّعظون بالماضي ولا بالحاضر, وأنّهم جمدوا على أفكارٍ رجعيّةٍ قديمةٍ. وهم في الوقت نفسه يتّهمون غيرهم من الإسلاميين بما هم منه براء, بينما هم متلبسون به من أعلى نواصيهم إلى أسفل أقدامهم!
ألم يقرأوا عن فاروق ومحاولاته عن طريق مخابراته المنفّذة لمؤامرات الغرب في تحجيم الإسلام ممثلاً بالإخوان المسلمين, أو لم يقرأوا عن عبد الناصر وجلاوزته وسجونه وعساكره ومحاكماته العبثية وتنكيله الشديد بالإخوان, أولم يقرأوا عن السادات وحسني مبارك والقذافي وابن علي وغيرهم، وقوفهم في وجوه الدعاة محاربين ومطاردين؟! أو لم يعلموا أنّ هؤلاء جميعاً ذهبوا خاسرين هالكين تتبعهم اللعنات, وتتعلق في رقابهم شنائع آثام الدماء التي سفحوها، وبقي الإسلام يتحدى كل أعدائه, وبقي الإخوان المسلمون يدعون إلى الله بكل ثبات وعزيمة, لا يخافون في الله لومة لائم، على الرغم من كل ما نالهم على أيدي هؤلاء الطغاة من إيذاءٍ وتعذيب؟!
وإنّني لأقول لكل هؤلاء من أعداء الإسلام، وأنا أشعر وكل مسلم حقٍّ, بما نحن فيه من عزّةٍ في الدنيا وفوزٍ في الآخرة، ما قاله ذلك المؤمن: «يا ليتَ قوْمِي يعلَمونَ بِما غَفَرَ لي رَبِّي, وجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ». وأقول أخيراً ما قاله الحكيم:
الخَيْرُ أَبْقَى وإِنْ طالَ الزَّمانُ بِهِ
والشَّرُّ أَخْبَثُ ما أَوْعَيْتَ مِنْ زادِ
المصدر : السبيل