التكفير إلى أين ؟” بقلم: الشيخ سعيد سطل “أبو سليمان”
الجمعة-23شوال 1434 الموافق30 آب/ أغسطس.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
أمريكا والاتحاد الأوروبي ابتدعوا لائحة أسموها لائحة الإرهاب , الغرض منها إرهاب كل من يعارض السياسة الأمريكية , دولة كانت أو تنظيما أو حزبا , من يعارض الغطرسة والهيمنة الأمريكية , يوضع على لائحة الإرهاب لممارسة الضغط عليه , حتى يخضع ويذعن للإرادة وللاملاءات الأمريكية , وهناك لائحة إسلامية مشابهة للائحة الإرهاب اسمها لائحة التكفير , تابعة لمرجعيات دينية متشددة نصّبت نفسا حكما وقاضيا يقضي بكفر فلان ويحكم بتخوين فلان , هذه المرجعيات تصدر أحكاما تكفيرية بحق كل من يعترض على نهجها أو يخالف رأيها , وكل معترض أو مخالف يُدرج اسمه على لائحة التكفير , ومن ثمّ يصبح دمه حلال وماله وعرضه , أيا كان مذهبه أو ملته أو منصبه حتى لو كان خليفة المسلمين , أو كان من كبار قادتهم أو من كبار علمائهم , أمثال الشيخ العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله.
هؤلاء يعتبرون أنفسهم حماة الدين والمتحدثين الرسميين باسمه , يصادرون حق غيرهم في الاجتهاد والتفكير , فلا رأي إلا رأيهم , ولا اجتهاد إلا اجتهادهم , ولا فكر إلا فكرهم, هذا الفكر التكفيري وهذا التطرف والتشدد , هو نتاج أنظمة عربية قمعية تحكم مواطنيها بالحديد والنار , هذا الفكر التكفيري ليس جديدا على المسلمين , بل له جذور تمتد عبر التاريخ الإسلامي , تعود جذوره إلى الخوارج في عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب , لما قبل علي التحكيم في موقعة صفين بينه وبين معاوية , انشق من جيشه اثنا عشر ألفاً خرجوا عليه وقالوا بتكفيره , وكان هذا سبب تسميتهم بالخوارج , كان خروجهم لأغراض سياسية أهمها الوصول إلى السلطة , فاستحلوا دماء المسلمين وقتلوا الخليفة علي بعد أن أفتوا بكفره , واعتبروا قاتله عبد الرحمن بن ملجم بطلا وشهيدا , كما تعتبر مرجعياتُ التكفير اليوم الانتحاريين شهداء , ويطلقون عليهم اسم استشهاديين , هذا الفكر التكفيري استمر عبر التاريخ الإسلامي في أماكن مختلفة من بلاد العرب والمسلمين , وحصد آلاف الأرواح وراح ضحيته آلاف الأبرياء من مختلف المذاهب والفئات والأجناس , مسلمين وغير مسلمين عرب وأجانب , حكام ومحكومين رجال سياسة ورجال دين.
معظم جرائم القتل التي ارتكبها هؤلاء كانت دوافعها سياسية , الهدف هو الوصول إلى السلطة , ومما يؤكد ذلك إعلان هؤلاء عن إقامة دولة الإسلام على ارض العراق , والسعي لإقامة إمارة إسلامية على ارض سورية , وحديثهم في المناسبات المختلفة عن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ستملاء الأرض عدلا , بعد أن روها بدماء المسلمين الأبرياء , هذا الفكر التكفيري اخطر على الإسلام والمسلمين من كل أعداء الإسلام مجتمعين , لان حامل هذا الفكر مسلم مُضلل يعتقد انه على الحق والآخرين على باطل , وما يرتكبه من جرائم قتل يعتبره جهادا في سبيل الله , وتفجير نفسه لقتل الآخرين يسميه استشهادا يدخله الجنة , وكل من يخالف هذا النهج الإجرامي وهذا الرأي التكفيري يعد كافرا حلال دمه , هذا التشدد والتزمّت أنتج تشددا وتزمتا من الطرف الآخر , فأصبح هذا يكفر هذا وهذا يكفر هذا , وهذا يطعن بمصداقية هذا وعلى العكس , مما أدى إلى تمزّق الأمة إلى فرق وجماعات متقاتلة متناحرة متباغضة يتربص بعضها ببعض.
نتاج هذا الفكر التكفيري , شوّه صورة الإسلام والمسلمين في العالم كله فهو في نظر العالم دين إرهاب , دين دموي يقدس سفك الدماء وقتل الأبرياء , وفي نظر أبنائه بات دينا ابعد ما يكون عن الرحمة , واقرب ما يكون إلى القسوة والظلم , اقتتال مذهبي وصراع طائفي تفجير مساجد في شهر رمضان وقتل الركع السجود , دون إن ترف للقتلة رمشة عين , هذه الممارسات الإجرامية الوحشية آخذة الإسلام والمسلمين إلى المجهول , إلى مكان لا يعلمه إلا الله.
المصدر : يافا