﴿ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ﴾

السبت-2 ذو القعدة 1434 الموافق7أيلول /سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

فاطمة رمضان

سبحان من خلقنا فأحسن خلقنا، وصورنا فأبدع صُوَرنا بين خلقه… سبحان من امتنّ علينا بنعمه ظاهرةً وباطنة، نتنعّم بها ونتمرغ في فضله وإحسانه. وإن مما امتنّ به الله تعالى علينا نعمة خصنا بها بين مخلوقاته، وذكرها تعالى في آياته﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ [البلد: 8، 9].

قال الإمام القرطبي في تفسيره: ولساناً ينطق به، وشفتين يستر بهما ثغره.

والمعنى: نحن فعلنا ذلك، ونحن نقدر على أن نبعثه ونحصي عليه ما عمله.

فما نحن فاعلون بما وهبنا الله وكيف لنا أن نشكرها من نعمة؟!

يا رب… ما أجرأ العبد الذي أعطيتَه فعصاك في عطاياك، ووهبته فنسي أداء حق هباتك، ولنتأمّل الحديث: «كل سُلامى من الناس عليه صدقة…» رواه البخاري.

وهل هناك صدقة عن اللسان أَوْلى من حفظه عن اللغو والمحرمات؟! وما أكثر شيوعها على ألسنة معظم الناس إلا من رحم ربي!

خرّج الترمذي والنسائي عن بلال بن الحارث مرفوعاً: «إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله بها رضوانه إلى يوم يلقاه. وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه» نعم إن الأمر بهذه الدقة؛ فبكلمة يخرج المرء عن إيمانه، وبكلمة يدخل في دين الله الحنيف، وبكلمة تنهار أسر وتؤسَّس أُخرى، وبكلمة نبني شخصية طفل أو نهدمها، وبكلمة تطيح رؤوس وتسلم أخرى

اقرأ أيضا  ولاء المؤمن

كم في المقابر من قتيلِ لسانِهِ 

كانت تَهابُ لقاءَه الشجعانُ 

ولنقل أيضاًكم من عبد حجز له لسانُه مكاناً في جهنم؟وفي الحديث أن النبي [قال لمعاذ بن جبل عن اللسان: «كف عليك هذا». فقال معاذ رضي الله عنه: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائدُ ألسنتهم؟» رواه أحمد والترمذي وابن ماجه. وكم من امرئ يأتي يوم القيامة مفلساً!!

روى الإمام مسلم قوله [لأصحابه: «أتدرون من المفلس؟» قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، فقال: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، فيأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا؛ فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته؛ فإن فَنِيَتْ حسناتُه قبل أن يقضي ما عليه، أُخذ من خطايا من ظلمهم فطُرحت عليه ثم طُرح في النار»؛ لقد تساوى من يسفك الدم ويأكل المال ويضرب بمن يؤذي بالشتم والقذف؛ فكل خصلة من تلك الخصال تأكل من الحسنات يوم القيامة!

وفي الحياة الدنيا قد يكون الأذى باللسان أقوى من الأذى بالفعل، وبهذا يقول الشاعر:

جراحات السِّنانِ لها التئامُ

ولا يلتام ما جَرَحَ اللسانُ 

وإن المخالفات التي يقع بها اللسان متنوعة: شتم وغيبة ونميمة وقذف وكذب… انتشر وجودها وأصبحت فاكهة المجالس، وما هي في الحقيقة إلا آفات تأكل الحسنات وتهلك العمل الصالح كما تأكل الآفات الزرع وتُضيِّع جهد الزارع. وهي أيضاً توغر صدور الأفراد ضد بعضهم وتكون سبباً للتفكك والتفرق… وذلك منافٍ للأجواء التي أمر الله بأن تسود المجتمع الإسلامي، المجتمع الذي ضرب للعالم مثلاً في التوادد والتراحم والإيثار والحرص على الآخرة، ففتح الدنيا بقِيَمِهِ ورُقيّه..

اقرأ أيضا  لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه

وإذا ما مررنا سريعاً على بعض هذه الآفات لوجدنا من أكثرها شيوعاً ما يلي:

• الكفر وسب الربّ – والعياذ بالله -: فقد شاعت عند البعض حتى لا يجد حرجاً بها، مسوِّغاً ذلك بالغضب والخروج عن الطَوْر!! ولم يعلم أنه لو اتقى الله حقاً وتحقق خوف الله تعالى ومحبته في قلبه لما تفوه بذلك أبداً.

• الغِيْبة: وهي المعول الهادم لتآلف الجسد الواحد، وهي الموغرة لصدور أفرادها، ولذلك ورد فيها الوعيد والتشنيع: «أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه»؟!! 

• الكذب: وحَسْبُ الكاذب أنه لا يزال يكذب حتى يُكتب عند الله كَذّاباً، روى الإمام أحمد في مسنده: «لا يزالُ الرجلُ يصدقُ حتى يُكتبَ عند اللَّهِ صِدِّيقاً، ولا يزالُ الرجلُ يكذبُ حتَى يُكتبَ عند اللَّهِ كَذَّاباً».

• القذف: وما أكثر ما تهاون الناس به، وما أشد قُبْحَه وشؤمَه على المجتمع الإسلامي، وما أخوفه من عقاب توعده الله للقاذف: ﴿ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة  [النور: 19]، ﴿ والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون  [النور: 4].

• السب والشتم: ولم يعد يسلم من ذلك إلا من رحم ربي، مع أن نبيَّنا [يقول: «المسلمُ أَخُو المسلمِ لا يظلمهُ ولا يشتمه» متفق عليه. والله تعالى يقول﴿ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ [الحجرات: 11].

اقرأ أيضا  فضل بناء المساجد والمحافظة على الصلوات فيها

• اللعن: ويا لفداحة ما يدعو به المرء حين يلعن؛ إنه الطرد من رحمة الله، إنه الشقاء الأبدي. وفي سنن أبي داود أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء، فتُغْلَق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتُغْلَق أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لُعِن، فإن كان لذلك أهلاً، وإلا رجعت على قائلها»، وكم من لسان استساغها وانتهجها والعياذ بالله.

وبعد… فهل يستحق أي شيء من ذلك أن يقدّم الإنسان حسناته قرباناً له؟! فيأكلها كما تأكل الهشيمَ النار؟! وهل هي إلا شهوة كلمة حصادها شقاءٌ قد يكون أبدياً!! ألسنا في ذلك اليوم الذي تبيض فيه وجوه وتسوَدّ وجوه أحوج ما نكون إلى حسنة وقول صالح؟؟ اللهم وفقنا لأحسن القول، واهدنا سواء السبيل وتجاوز عن زلّاتنا وفلتات ألسنتنا… آمين، آمين.


المصدر : الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.