حقيقة الأهداف الأمريكية في توجيه ضربة الى سوريا
الأحد-3 ذوالقعدة 1434 الموافق8أيلول /سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
أصبحت حقيقة النوايا الأمريكية في استخدام ضرباتها أو تدخلها أكثر وضوحاً من ذي قبل، للمواطن العربي.
لقد تمكنت الولايات المتحدة أن تموه أهدافها في الحربين ضد العراق اواخر القرن الماضي، واستخدمت ذرائع سرعان ما اتضح من خلال حربها الثانية مدى الإفتراء فيها حول توفر الأسلحة النووية لدى العراق، وكانت قد القت الظروف وبعض التقارير وحتى حقيقة المستفيد والمستثمر الأول لضرب البرجين في نيويورك 11/سبتمبر، علامات الإستفهام الجديدة حول التواطؤ والمشاركة من قبل بعض الأطراف صاحبة المصلحة في استثمار ضرب البرجين.
وما من شك الآن حول توفر علامات إستفهام كبيرة حول من استخدم الكيماوي في سوريا، حتى وما إذا كان طرفاً سورياً في الأساس، وخاصة أن استخدام الكيماوي جاء في وقت كان الجيش السوري الرسمي يسترد مواقعه وفي حالة من المد والمبادرة، كان من المفهوم أن يتهم هذا الجيش باستخدام هذا السلاح لو كان في حالة تقهقر أو تراجع، ولكن ليس من المفهوم ولا المنطقي أن يستخدم هذا السلاح وهو في حالة تقدم أكثر من واضحة.
في حقيقة الأمر تقوم الولايات المتحدة بإدارة أزمات في المنطقة في نطاق” الفوضى الخلاقة ” بأهدافها وفي مقدمتها: مصالح كيان الإحتلال، والذي يتطلب ترتيب مسرح الأحداث تواري دوره وبصماته.
وكذلك هدف تقسيم المنطقة قطراً قطراً، الى ما دون القطرية، لإنشاء كيانات كمقدمة للتقسيم الى دول، وحتى في حال البقاء في نطاق دولة واحدة تكون هناك كيانات مختلفة ومتصارعة فيما بينها، بينما يبقى كل منها أسيراً لدائرة الهيمنة والتبعية للولايات المتحدة، وهنا فإن ما يجري هو عملية إضعاف وتدمير وإنكفاء الى ما دون القطرية، ورسم خارطة الغاز والطاقة الجديدة في آن واحد.
لقد تم ترتيب أدوار اللاعبين الرئيسيين حيث يبرز في سوريا التكامل بين كيان الإحتلال والدور التركي، وتماماً كما وقع للعراق في عهد صدام حسين حيث تم ترتيب المسرح لإستدراجه جنوباً باتجاه دول الخليج، فإن ترتيباً مماثلاً تقريباً يحاول أن يستدرج سوريا بعيداً عن اتجاه كيان الإحتلال.
من هنا فإن انهاء الخلاف المعلن في آذار 2013 بين تركيا وكيان الاحتلال على قاعدة اعتذار نتنياهو لتركيا قد انطوى على مضمون من أركانه : وقف دعم كيان الاحتلال لأكراد تركيا , وحل سلمي للقضية الكردية التركية , وان أي دولة كردية في المستقبل تكون في العراق وتمتد الى سوريا حسب تطور الاوضاع , وشراكة استرتيجية بين كيان الاحتلال وتركيا في ترتيب المنطقة والبدء بسوريا , وحتى ايران .
ومما لا شك فيه ان القلق الاول كان الحذر من ان يتجه النظام في سوريا الى تفجير الموقف مع كيان الإحتلال عن طريق القيام بضربات مكثفة من خلال توفر ترسانة صاروخية غير مسبوقة في نطاق جغرافي قصير المسافات.
من هنا فإن من أهم أهداف الضربة الأمريكية الآن هو انتزاع عوامل قوة القيام بهذه الضربات، وشل مقدرات الجيش السوري على القيام بضربة مؤثرة.
لذلك فإن الضربة الأمريكية ستستهدف مفاصل نوعية تؤدي الى هذا الشلل.
وبدون أدنى شك فإن الإحتلال جزء أساسي من هذه المعركة وكذلك فإن ما ستسفر عنه الأمور في مصير سوريا سوف يؤول الى مكتسبات لهذا الإحتلال مباشرة أو غير مباشرة من أهمها أضعاف مقدرات سوريا وربما تقسيمها وخلق كيان عازل بمحاذاة فلسطين التاريخية يمتد ما بين جنوب سوريا ولبنان.
علماً أنه كان من الإحتمالات المطروحة مشاركة مباشرة من قبل جيش الإحتلال حيث تم إعداد قوة بمشاركة ثلاثة أطراف عن طريق تدريبات شاركت فيها الولايات المتحدة لفرق عسكرية جرى إعدادها للتدخل والإستيلاء على المفاصل النوعية للأسلحة والتجهيزات في سوريا. ولكن الاجراءات على الأرض وظروف العلاقات الدولية وضرورات عدم البروز المباشر لدور جيش الإحتلال في هذه المرحلة قد رجحت خيار الضربة الأمريكية.
يتضمن المخطط الأصلي للولايات المتحدة بموازاة ضرب بعض القلاع ترتيب المسرح الإقليمي لفتنة طائفية كبرى معاصرة بين السنة والشيعة ،
ويبدو حتى الأن أن ما جرى في مصر وبغض النظر عن الموقف من اطرافها الداخلية، قد أسفر عن عدة نتائج منها: منع تقسيم مصر، وتقهقر مخطط حرب السنة والشيعة، وبدء مصر باسترداد دورها الاقليمي، لقد تم إضعاف بعض الأطراف المحتملين لمخطط الفتنة الكبرى، كذلك .
ومن البديهي أن الوقوف عند هذا الحد لا يكفي، دعنا نتذكر أن الدور العربي في مرحلة سابقة كان قائماً على تنسيق ثلاثي بين السعودية وسوريا ومصر، إن شرخ وهدم هذا التنسيق الذي تم بدون نظرة عميقة للمستقبل وبانعدام نضج سياسي وتصريحات لا لزوم لها، قد أحدث فراغاً في دور الطرف العربي، وترك المجال للاعبين غير العرب في المنطقة.
ويبدو أن استرداد هذا التنسيق بكل ما وقع من تراكمات أصبح بعيد المنال، ولكن الحقيقة الأكيدة ، إن أرادت الأطراف العربية أن تتقي شرور المستقبل هي انه لا بد من العودة الى صيغة مناسبة خاصة وأن مصر أصبحت مؤهلة لدور القيادة من خلال استرداد بدايات دورها الإقليمي.
لا بد أن تتذكر الأطراف العربية أن السيد جيمس بيكر قد أوضح بعد حرب الخليج الثانية لمحادثيه أن العرب هم الجبهة الخاسرة، في هذه الحرب، جميعهم، بما في ذلك أطراف حفر الباطن المتحالفين مع الولايات المتحدة.
والحقيقة أنه كلما سقطت إحدى أوراق القوة العربية فإنها تنقص من ميزان القوة الشامل للأمة، وفي المقدمة منها الجيوش العربية وخاصة القوية والمؤثرة.
أن قراءة التاريخ تجعلنا نلاحظ أن تحرير المنطقة من الغزاة كان دائماً يتم من خلال تكامل بين مصر وبلاد الشام والعراق والحجاز. وأن صلاح الدين الأيوبي أخذ مباركة الخلافة في بغداد، وهو أصلاً سليل القوات التي جاءت من العراق، ووحد الجيشين الشامي والمصري حتى تمكن من الإنتصار.
وكذلك تقريبا فعل المماليك بالقيادة العسكرية المظفرة للظاهر بيبرس في معركة عين جالوت.
المطلوب الآن ملء فراغ الدور العربي، واسترداد وتفعيل هذا الدور في الواقع الإقليمي إذا كان هناك من هامش ارادة ذاتية، لكي يصبح العرب شركاء لا مجرد اتباع تائهين مشرذمين، يضربون اوراق قوتهم بأيديهم، من خلال دوامة التدمير الذاتي التي اوقعتهم فيها سياسات الولايات المتحدة الأمريكية.
كان ينبغي للجميع ان يدرك أن هناك من سيأتي دوره بعد العراق في حفر الباطن، وأن يدرك الآن أن هناك من سيأتي دوره بعد سوريا، وأن كلاً من ايران والمملكة العربية السعودية وتركيا ليست بمنأى عن ذلك. وقد تصل النوايا تجاه تركيا إلى حد إنكفاءها عن أي امتداد في أوروبا بأي معنى من المعاني.
سيسجل التاريخ للموقف الوطني الفلسطيني انه رفض أن يكون في خندق معركة احتلال منابع النفط وطرق امداده ووصوله في القرن الماضي، وأنه رفض ان يغذي من خلال الإصطفاف مع الأطراف الداخلية دوامات التدمير الذاتي الدائرة الآن، وأنه رفض كل عدوان اجنبي ضد أي بلد عربي.
على جميع الأطراف الداخلية في كل بلد عربي أن تدرك أن المستهدف هو الكل الوطني والكل القومي، وأنه من خلال استهداف بعض الأنظمة واستثمار جفوتها لشعوبها هم في الحقيقة يستهدفون الكيانات. وعلى كل الأطراف أن تجيد اختيار مواقع اقدامها وسحب يدها في لحظة الظهور السافر لحقيقة استهداف الوطن برمته من خلال استثمار وجع الشعب.
وربما من غير المبكر أن تأخذ الأنظمة درساً أنها من خلال التوحد مع الشعب والعدالة والكرامة لشعوبها والمساواة في المواطنة وعدم التمييز وعدم تأبيد السلطة، ووضع خطط التنمية والبناء والسير بها، تستطيع أن تجعل الوطن يتحصن في موقع منيع ضد الأطماع الإستعمارية.
إن ما يجري هو مخطط تحقيق أهداف لكيان الإحتلال، وأهداف استعمارية ليس إلا.
المصدر : معا