مصر وسوريا وقلوب الشعب العربي
الإثنين-4 ذوالقعدة 1434 الموافق 9 أيلول /سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
أمسك القلم وأبدأ بنثر الكلمات غاضبا عن(الدول الشقيقة: مصر وسوريا) أعبر عن حرقة تعتصر قلوب الشعب العربي من الشام لتطوان ومن نجد إلى يمن، فينازعني قلمي بضرورة حفظ الخصوصية لكل دولة حتى وإن كانت عربية، ويجادلني الحاسوب بأنني قد لا أملك كافة البيانات المطلوبة لإعطاء رأي موضوعي ومحايد، ويحتج جزء مني ويقول رأيي قد يسبب أزمة شخصية أو وطنية، وربما تحتجُّ أوراقي بأنني لا أملك رأيا في كل قضايا الأمة.
لكنه نازع الدين والضمير العربي وقلبي الذي لا يستطيع الاستمرار في الصمت وأنا أرى من تربيت على حبهم والانتماء إليهم يتعرضون لحملة ذل وقمع وتجويع واغتصاب وقتل جماعي، فهم إخواني ولو لم أكن إخوانيا، وهم من كان يحنون على شعبي منذ نكبته إلى اليوم ويشاركون في نضاله ضد المحتل، وتُدمى قلوبهم مع كل امرأة فَقَدت، أو شابٍّ ضاع شبابه تحت الأرض أو في غياهب سجن المحتل، ما زال عبق دمائهم في غزة والفالوجة، وما زالوا يشاركوننا النقمة على السفاح الذي قتل الأسرى مكبلي الأيدي والأقدام، وهم صوتنا الذي وصل العالم عبر الفن الوطني الملتزم، وهم يطالبون بحق إنساني في النجاة من الطغاة والأمان والاستقلال الحقيقي وحرية الحياة واختيار الحاكم، بل إن هزيمتهم أو نصرهم نصر لشعبي بالضرورة، ليس لأننا كشعوب نرزح تحت نفس نظام القمع والاستغلال البشع، ولكن لأننا شعرنا بقليل من الأمن والأمان وبمستقبل بطعم الحرية والديمقراطية والشفافية كاد أن يشع علينا.
يمكن لحرس الحدود السياسية أن تفصل بين أنظمة الحكم والجيوش والأمن والمصالح الاقتصادية، ولكنها لا يمكن أن تفصل بين قلوب البشر ولا أن تطغى على انتمائهم العقائدي أو الاجتماعي، فشهيد رابعة في مصر أخ لشهيد الغوطة في سوريا وشهيد قلنديا في فلسطين، أكاد أسمع لعنهم الظالم المشترك الذي سفك دماءهم بوحشية فريدة تكاد تكون ماركة مرخصة لليهود فقط، وتتشابه حرقة دموع الأمهات هنا وهناك ، ويتشابه دعاؤهم لأبنائهم بالرحمة ولعدوهم بالهلاك ولدينهم بالنصر، وتلمع من بين دموع إخوانهم ومضة أمل تكاد تقتحم سواد الظلم والاستبداد لتشرق بين كلماتٍ ما اعتدنا سماعها من رئيس عربي عن العزة والكرامة والحرية واستقلال القرار وحفظ الحقوق ونصرة المظلوم أينما كان في أرض المسلمين.
من كان يجلس خاشعاً يخشى أن يجرفه نهر الدماء في سوريا، أو قناصة رابعة في مصر أو جندي إسرائيلي في فلسطين ستغرس قدماه في وحل دماء أشد إن صمت عن انتهاك حقوقه وانحنى صوب البيّادة، وسيكتشف بأن لون الدماء صبغة الشعوب الذليلة التي تقبل الذل منهج حياة وتنحني أمام أي طامع، أما من يظن أن إيقاد الفتنة هناك قد يئد الإسلام فهو واهم فإن الله متمُّ أمره ولو كره الظالمون، وما هي إلا إسقاط لأقنعة طالما كنا نهتف لها بحرارة وقوة، ونظن فيها الخير والسعادة ونصرة المظلوم، حتى إذا سقطت لم يترحم عليها أحد ولم ينصرها مسلم.
ما عاد في أمتنا العربية نفاق، جميع المواقف واضحة، لم يعد يحارب الإسلام في الخفية، وليس هناك حاجة لتبرير قتل المسلم، يكفي أنه مسلم، فقد تخلت الحركات الإسلامية عن العنف وأطلقوا شعار “سلميتنا أقوى من رصاصكم” بجانب “الإسلام هو الحل” وهم صامدون قادة وأفرادا بقوة وثبات الصحابة والتابعين، أما من تساقطوا في أتون السلطة والفئوية والخوف من الذوبان في جيش الحق والعدل فقد خسروا الدنيا والآخرة، وخسروا قبل ذلك مكانتهم في قلوب الناس، وما عاد لهم مكان في مستقبل الأمة.
أما نهاية هذه الحرب الضروس فلن تكون كالحروب العربية في القرن الماضي، لأنها ليست لإبقاء طاغية أو نظام حكم، وإنما هي للفوز بحرية اختيار نظام الحكم والحاكم ومحاسبته، والتخلص من ذيول التعصب والقمع واستغفال الشعوب ونهب الثروات دون وجه حق، وليس هناك تراجع عنها مهما اشتدت عدوانية الطرف الآخر، وسيتحمل المتخاذلون نتيجة الدماء التي سفكت مع الطرف الآخر.
المصدر: أسامة سدر