أهمية دعوة طالبات المرحلة الثانوية من منظور الدعوة الإسلامية
الثلاثاء-5 ذوالقعدة 1434 الموافق 10 أيلول /سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
تُعد الدعوة إلى الله تعالى من أجلّ الأعمال وأفضل القربات وأعلى الأقوال، وقد اشتملت على معان عدة في اللغة، أوجزها فيما يأتي:
أ- الطلب: يقال: دعا بالشيء، أي: طلب حضوره.
ب- النداء: ومنه قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة… )).[1]
ج- الحث: يقال: دعا إلى شيء، أي: حث على قصده.
د- السؤال: يقال: أدعوه دعاء، أي: ابتهل إليه بالسؤال، ومنه قوله تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [2] والنبي – صلى الله عليه وسلم – داعي الله [3].
أما في الاصطلاح: تُطلق الدعوة ويُراد بها معنيان:
الأول: الإسلام: كما في قوله تعالى: ﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ﴾ [4] قال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -: له دعوة الحق، قال: التوحيد، وقال ابن عباس رضي الله عنهما[5]: لا إله إلا الله[6].
الثاني: – وهو المراد هنا – إيصال الحق إلى الخلق أسوة بما قام به الرسل عليهم الصلاة والسلام، كما قال …. الآية [7] ﴿ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ﴾ أي نُجيب دعوتك الحق، فنؤمن بك ولا نشرك بك شيئا، ونصدق رسلك فنتبعهم على ما دعوتنا إليه من طاعتك واتباع أمرك[8].
وانطلاقا من هذا المفهوم عُرفت الدعوة – قديما وحديثا – بالعديد من التعريفات، منها:
1- تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –[9]: (الدعوة إلى الله هي: الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا وذلك يتضمن الدعوة إلى الشهادتين، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت، والدعوة إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره، والدعوة إلى أن يعبد العبد ربه كأنه يراه)[10].
ومن تعريفات المعاصرين للدعوة ما يأتي:
2- تعريف الشيخ علي محفوظ – رحمه الله -: (حث الناس على الخير والهدى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليفوزوا بسعادة العاجل والآجل)[11].
3- أما د. أحمد غلوش، فقد عرّفها بأنها: (العلم الذي تعرف به كافة المحاولات الفنية المتعددة الرامية إلى تبليغ الناس الإسلام بما حوى من عقيدة وشريعة وأخلاق)[12].
4- كما عّرفها الأستاذ محمد البيانوني بأنها: (تبليغ الإسلام للناس، وتعليمه إياهم، وتطبيقه في واقع الحياة)[13].
هذه التعاريف وغيرها مما لم يذكر، ليس بينها تعارض ولا تضاد، ولكن يُلاحظ أن كل تعريف اعتنى بجوانب معيّنة من الدعوة.
وكتعريف إجرائي يشمل معنى الدعوة وأساليبها ومصادرها وثمارها، يكون المقصود بدعوة الطالبات في المرحلة الثانوية:
(حث الطالبات على الخير والهدى، وأمرهنّ بالمعروف ونهيهنّ عن المنكر، قولا وعملا، على ضوء القرآن والسنة، وتطبيق الإسلام في واقع حياتهنّ ليفزن بسعادة العاجل والآجل).
حقيقة الدعوة إلى الله تعالى:
لقد بعث الله تعالى رسله إلى خلقه مبشرين ومنذرين ليدعوهم إلى عبادة الله وحده، ويجتنبوا ويخلعوا عبادة الطواغيت، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [14] وبعث خاتمهم بالكتاب المهيمن والدين الخاتم، وأسبغ عليه من حلل التكريم والتكليف ما قال عنه تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾[15] ثم أمره أن يبين سبيل النجاة لمن وراءه من المؤمنين، ليسيروا على هديه وينهلوا من مورده، فقال: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾[16].
ثم اكتملت منّته تعالى على أمة الإسلام بأن جعلها خير الأمم، وجعل شعارها الدعوة إليه تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾[17]
إن الهدف الأساس لوجود الإنسان في الكون، وتسخير ما في السموات والأرض له، هو: عبادة الله والخضوع له، والخلافة في الأرض وتعميرها بتحقيق شريعة الله وطاعته، وقد جاء التصريح بهذا الهدف في قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾[18]، وإذا كانت هذه مهمة الإنسان في الحياة، فإن دعوته يجب أن يكون لها الهدف نفسه.
والحقيقة أن مقصود الدعوة إلى الله هو:
تبليغ دين الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتصحيح العقائد ودفع الشبهات، وتهذيب النفوس، وتوثيق عرى الإخاء بين المسلمين، ونصرة الدين، والتمكين لشريعة الله في الأرض، وبذلك فإن الغاية النهائية للدعوة إلى الله هي: تحقيق العبودية لله في حياة الإنسان الخاصة والعامة، الفردية والجماعية.
وتحقيق العبودية أوسع وأشمل من مجرد إقامة الشعائر الظاهرة، كالصلاة والزكاة والصوم – كما هو مستقرّ عند بعض الناس – ويُعرف هذا الأمر من قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً… ﴾ [19]، ومن قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [20]والله تعالى لم يكلّف المؤمنة بأن تقضي أيام حياتها وساعاتها في إقامة الشعائر التعبدية، بل كلّفها ألوانا أخرى من الأعمال تستغرق معظم حياتها، فالمهمة التي تقضي عمرها فيها هي: تحقيق العبودية لله تعالى والقيام بمهمة الخلافة في الأرض.
إن تحقيق العبودية لله تعالى يتمثل في أمرين رئيسين:
الأول: استقرار معنى العبودية لله في النفس والقلب على نحو وثيق.
الثاني: التوجه لله بكل حركة في الضمير، وكل حركة في الجوارح، خالصة لله تعالى، على وفق شرعه.
وبهذا المفهوم يتحقق معنى العبودية، وتصبح الأعمال كالشعائر عبادة، وتصبح عمارة الأرض عبادة، والقيام بالواجبات والمسؤوليات عبادة[21]، وهو مفهوم أوسع وأشمل لدقائق حياة الفتاة المسلمة، وذلك مصداقا لقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [22].
إن دعوة الفتاة المسلمة، وتعريفها بغاية وجودها هدف أصيل من أهداف الدعوة، وهو يتحقق من خلال أعمالها اليومية، سواء في التعامل مع خالقها، أم مع من حولها، بحيث تحقق عبوديتها لله تعالى في جميع أحوالها وأنشطتها.
ودعوة الفتيات وتربيتهنّ على هذا المفهوم، يجعلهنّ يتطلعن إلى تحقيق أهداف أبعد من الأهداف المألوفة، فطلب العلم والتفوق فيه، ثم ما يلي ذلك من عمل وكسب للعيش أو زواج أو غيره، لا يكون هدفا في حد ذاته، وإنما هو وسيلة إلى تحقيق مراد الله وأوامره، وهذا يجعل الفتاة المؤمنة ترتقي بنفسها ومن حولها، حيث يهبها الإيمان بالله قوة ذاتية تجعلها تلتزم حدود الله من تلقاء نفسها، فلا ترغب إلا فيما يرضي الله، وتهجر كل ما لا يرضيه، رغبة في الفوز برضاه عز وجل[23].
[1] متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء عند النداء، ح614 ( فتح الباري 2/94) واللفظ له، وصحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، ثم يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم يسأل الله له الوسيلة 1/288 ح 384.
[2] سورة الإسراء: جزء من آية 110.
[3] ينظر: لسان العرب: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي ص 14/275 ،دار صادر، بيروت، ط: بدون، والقاموس المحيط: مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزبادي، فصل الدال من باب العين، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، مؤسسة الرسالة بيروت – لبنان ط:5، 1416هـ/1996م، وتاج العروس من جواهر القاموس: محمد مرتضى الزبيدي، فصل الدال من باب الواو والياء 10/126 المطبعة الخيرية بالمنشأة الجمالية، مصر، ط:1، 1306هـ.
[4] سورة الرعد: جزء من آية 14.
[5] عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي، ترجمان القرآن وحبر هذه الأمة، ابن عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم –، دعا له الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالفقه والحكمة، شارك في فتوح أفريقية، ولاّه علي – رضي الله عنه – على البصرة وقاتل معه يوم صفين، مات – رضي الله عنه – بالطائف سنة 68هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء: الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي 3/331، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: 9، 1413هـ/1993م، والإصابة في أسماء الصحابة 2/330.
[6] ينظر: تفسير ابن كثير:الحافظ ابن كثير 4/367، كتاب الشعب مصر، تحقيق : د. محمد إبراهيم البنا وآخرون، ط: بدون.
[7] سورة إبراهيم: جزء من آية 44.
[8] ينظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن: الإمام أبو جعفر محمد بن جعفر الطبري 13/241، مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر ط:3، 1338هـ/1968م.
[9] أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الدمشقي الحنبلي، محدث حافظ فقيه مجتهد، ولد بحرّان سنة 661هـ، ثم قدم مع أهله إلى دمشق، امتحن وأوذي وحبس عدة مرات توفي في سجن القلعة بدمشق رحمه الله سنة 728هـ، ينظر: تذكرة الحفاظ: الإمام شمس محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي 4/1496، دار أم القرى للطباعة والنشر، القاهرة – مصر ، ط:بدون، والأعلام: خير الدين الزركلي 1/144، دار العلم للملايين، بيروت- لبنان ط:5، 1980م.
[10] مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 15/157-158، ط: 1 ، 1398هـ
[11] هداية المرشدين إلى طرق الوعظ والخطابة: الشيخ علي محفوظ ص 17، دار الاعتصام، ودار النصر للطباعة الإسلامية، القاهرة ط:بدون، ت: بدون.
[12] الدعوة الإسلامية أصولها ووسائلها: د. أحمد أحمد غلوش ص 12، دار الكتاب المصري، القاهرة، ودار الكتاب اللبناني، بيروت ط:2، 1407هـ.
[13] المدخل إلى علم الدعوة: محمد أبو الفتح البيانوني ص 17، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، ط:3، 1422هـ/2001م.
[14] سورة النحل: جزء من آية 36.
[15] سورة الأحزاب: الآيتان 45-46.
[16] سورة يوسف: آية 108.
[17] سورة آل عمران: آية 104.
[18] سورة الذاريات: آية . 56
[19] سورة البقرة: جزء من آية 30.
[20] سورة الذاريات: آية 56.
[21] ينظر: في ظلال القرآن : سيد قطب 6/3387 دار الشروق، بيروت/ والقاهرة ط:2، 1395هـ/1975م.
[22] سورة الأنعام: الآيتان 162-163.
[23] ينظر: أصول تربية المرأة المسلمة المعاصرة: حفصة حسن ص 46-48، مؤسسة الرسالة، بيروت – لبنان، ط:1، 1421هـ/2001م.
المصدر : الألوكة