الربيع العربي بين الثورة و المؤامرة

 

الثلاثاء-5 ذوالقعدة 1434 الموافق 10 أيلول /سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

الكاتب: د. أحمد يوسف

عندما بدأ الحراك الشعبي في عدد من الدول العربية ضد الأنظمة الدكتاتورية استبشرنا – نحن الفلسطينيين – خيراً, باعتبار أن ما كان قائماً هو أنظمة بوليسية اهتمت بترسيخ أمنها السياسي وتحويل حكمها إلى ملك عضوض, وتحولت أنظارها بعيداً عن فلسطين؛ قضية الأمة المركزية, إلى اهتمامات تشي بحرصها على رضى أمريكا والغرب عموماً, فلم تعد ترى في إسرائيل(الدولة المارقة) عدواً يتوجب الاصطفاف والتوحد على مواجهته، والعمل على دعم نضالات الشعب الفلسطيني المرابط على خطوط التماس الأمامية, يحمي حصون الأمة ويدافع بعزة عن كرامتها ووحدة أراضيها.
كانت فرحتنا كبيرة بثورات الربيع العربي، وبدأنا نُمنّي النفس بأن وحدة مواقفنا كأمة تجاه الكيان الإسرائيلي سوف تجعل يوم النصر والتحرير والعودة يوماً قريب المنال.

كُنّا – نحن الفلسطينيين – من أكثر المتحمسين للربيع العربي، والذي وجدنا فيه متنفساً لإمكانية الخلاص من معاناتنا جراء الاحتلال والحصار, وتعالت نبرات شعبنا المطالبة بسرعة تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام, بل هبَّ الشباب في حراك هادر ملأ به ساحات الجندي المجهول في قطاع غزة وكذلك ساحة المنارة في رام الله بالضفة الغربية.

كانت الحسابات لدينا _ نحن الفلسطينيين – أن الربيع العربي سيفتح لنا أبواب السماء بماءٍ منهمر؛ يروي عطش الكرامة العربية ويشفي ألم الموجوع فيها، ويأخذ بأيدينا إلى درب العزة والنهوض واستعادة ما فقدناه من أرضنا وحرياتنا, وأن هذه اللحظات لربيع أمتنا هي “آخر الأحزان” لمشوار شعوبنا في التخلص من الظلم والاستبداد والعجز وقهر العباد.

وكلما كانت الثورة تتقدم وتنتصر في قُطرٍ من الأقطار، كلما زاد منسوب الأمل والتفاؤل بيننا – نحن أبناء فلسطين – بأن النصر قريب.
لقد أسعدتنا مشاهدة الجماهير وهي ترفع – أحيانا – علم فلسطين أو تذكر في شعاراتها أو هتافاتها الهادرة في تلك المليونيات ما يوحي بأن للفلسطينيين نصيباً حاضراً فيما يتحقق من وراء تلك الثورات من مكاسب وإنجازات.

لقد أصبحت للتواريخ معاني ودلالات, ولبعض الأسماء قيمة واعتبار, وحتى حضور التيارات الإسلامية والقوى الوطنية ومشاركاتها الفاعلة في تلك المليونيات منح شعبنا البهجة، وعاظم من فرحتنا بأن ما هو آت قريب, وأن تحرير فلسطين سيكون هو التتويج الحقيقي للنصر الذي انتظرناه طويلاً, وخذلتنا عن تحقيقه تلك الأنظمة البائدة التي خدعتنا بشعاراتها، ولم تفعل – حقيقة – من أجل نُصرة القضية شيء يستحق أن يحفظه لها التاريخ كذكرٍ وأثر.

نعم؛ كانت لنا بعض التوقعات حول زمنية وتوقيت الاستفادة من حراك النهوض العربي، وما يتمخض عنه من أنظمة سياسية جديدة يمكن التعويل عليها في إسناد الموقف الفلسطيني، وتعزيز قدرات المقاومة، وتشكيل واجهات تهديد عسكري يمكن أن تحسب لها إسرائيل؛ الدولة المارقة، كل حساب.
كنا نعلم أن نجاح الثورات يحتاج إلى بعض الوقت لترتيب الأوضاع الداخلية وتحقيق الأمن والاستقرار, وهذا قد يمتد من خمس إلى عشر سنوات, ولكن هذه الفترة هي للقيام بواجب النُصرة وتحقيق الانتصار.. لا شك بأن المرحلة التي تمثلها تلك السنوات سيكون فيها حال العرب ومكانتهم أفضل بكثير من غابر ماضيهم القريب, فالغرب الحريص على مصالحه الحيوية والاستراتيجية بالمنطقة سيعيد حساباته ومواقفه, خاصة في ضوء وجود برلمانات منتخبة تمثل نبض شعوبها بشكل حقيقي، بحيث وسيحرص على رضى تلك الأنظمة الجديدة والمغايرة للأنظمة السابقة التي كانت تدور في فلكه، ولا تخرج عن دائرة السمع والطاعة, وسيعمل كذلك على تبني سياسات لا تغضب الشارع، الذي أصبح للإسلاميين فيه حضوراً ضاغطاً, كما أن آلية الشراكة السياسية – التي جمعت بين الإسلاميين والليبراليين والقوى القومية واليسارية في منظومة الحكم – جعلت الغرب وخاصة الولايات المتحدة تعيد النظر في طريقة تعاملها مع الإسلاميين, وبطريقة تحاول فيها استرضائهم, وهذا معناه أن الغرب – وخاصة الدول الأوروبية – ستعمل على تعديل مواقفها المنحازة تجاه الصراع القائم في المنطقة مع إسرائيل, وما يعنيه ذلك من أهمية أن تتجه للتواصل مع حركة حماس, إذ ليس منطقياً أن تقيم علاقات مع الأنظمة المنبثقة من تلك الثورات والتي يحظى الإسلاميون فيها بمكانة متقدمة, ولا تفعل ذلك مع حركة حماس.

كانت التوقعات داخل ساحتنا الفلسطينية أن الغرب وهو يرى هذا المسار الصاعد للقوى الإسلامية في تشكيلات النظام السياسي العربي سيعمل على تبني مواقف أكثر اعتدالاً وتباعداً عن مواقفه السابقة, والتي كانت في جملتها متحيزة لإسرائيل وظالمة في مواقفها للفلسطينيين، وشكلت لهم حالة من الخذلان المبين.

اقرأ أيضا  التخطيط الإنساني في رسالة الإسلام

سوريا: نهاية المد وبداية الشعور بالخيبة
اعتقد البعض بعد الذي جرى في ليبيا من اسقاط لنظام معمر القذافي أن نظام الأسد سيتعلم الدرس، وسيحرص على القيام بخطوات إصلاحية تمنع حدوث انهيارات جبهته الداخلية.. ولكن للأسف، أعتقد كل دكتاتور أن نظام حكمه يختلف وليس له شبيه، بل إن ميزان عدله قائم على القسطاس المستقيم، من هنا تكررت تجارب السقوط في وحل الدماء، وولغ كل طاغية بلا هوادة فيه، إلى أن أدركه الغرق وهوى فيه.

تشجع – بالطبع – الكثير من السوريين للقيام بثورتهم، وظنوا أن سقوط النظام البوليسي في سوريا لن يستغرق وقتاً طويلاً, فقاموا بحراكهم الشعبي السلمي متحدين النظام وخارجين عليه.. كانت التطمينات الواردة من الدول الغربية تعمل على توسيع دائرة الحراك وانتشاره في أكثر من محافظة سورية, وخاصة في المحافظات التي تقطنها أغلبية سنّية.

وبلجوء النظام إلى خيار الحل الأمني واقتصاره عليه، تمَّ عسكرة الثورة وحدوث انشقاقات داخل الجيش السوري, وأخذ مسار الثورة اتجاهاً مأساوياً دامياً.. كان الموقف المتردد للدول الغربية في تقديم الدعم العسكري للثوار والعمل على حماية المدنيين، قد أعطى إشارات مشجعة للنظام وأجهزته الأمنية للتمادي في عمليات القتل، بأمل سحق الحراك الشعبي وإجهاض الثورة، والقضاء على ما اعتبره حركة تمرد في سياق مؤامرة غربية هدفها إخراج سوريا من معادلة الصراع مع الكيان الإسرائيلي.

استمر النظام في عملية الاستهداف والتصفية لكل عناصر الثورة، وما زال بشار يقتل ويسحل ويدمر بمنطق “عليَّ وعلى أعدائي”، ولا يرقب في مؤمن بسوريا إلَّاً ولا ذمة.

لاشك أن الإسلاميين الذين عاهدوا على صناعة التغيير مع الآخرين وتراضوا على تقاسم الحكم ديمقراطياً معهم، قد أصابتهم خيبة أمل كبيرة جراء ما لحق في بعض بلدان الربيع العربي، حيث تنكر التيار العلماني لهم وخان عهوده وتفاهماته معهم، بل والأسوأ من ذلك أنه صار عوناً للشيطان عليهم، حيث قام بتسخير رجالاته في وسائل الإعلام للتحريض عليهم والتشهير بهم، وفتح الطريق في بعض البلدان للفلول لإعادة التمكين للدولة العميقة أن تعود للحكم من جديد.

إن خيبة أمل الإسلاميين في العالم العربي كانت كبيرة بشركائهم الجدد من التيارات الليبرالية واليسارية وبعض التيارات القومية، والذين عملوا على سحب السُلَّم من تحت أرجل القوى الإسلامية لإسقاط مشاريعها في التغيير والتجديد والإصلاح، وفرصة التمكين التي انتظروها لأكثر من سبعة عقود، وحرمانهم من الظهور كأصحاب عطاء وشركاء في إعادة بناء الدولة وإقامة الحكم الرشيد.

ربما تحدث مستقبلاً مراجعات أو صحوة ضمير لدى بعض هؤلاء وأولئك من مفكري التيارات الليبرالية واليسارية، والاعتراف بأنهم كانوا السبب وراء حملات التحريض والتشهير التي طالت الإسلاميين لحاجة في نفوسهم هدفها كان قطع الطريق أمام وصولهم في أي شكل من أشكال الشراكة السياسية للحكم، لاعتقادٍ منهم أن هذا الوصول قد يعني التمكين الذي لا رجعة بعده.. لذلك، كان التآمر والتحالف مع كل شياطين الدولة العميقة وفلولها لإسقاط كل إسلامي يقترب من بلاط السلطة أو يجلس على أحد كراسي الملك داخل أروقتها.

إن هؤلاء المفكرين من أصحاب الأقلام والألسنة هم – اليوم – كما يقول د. عبد الإله بلقزيز “جمهور عرمرم من “المثقفين” الذين خانوا رسالة الثقافة، وارتضوا أن يُسخّروا رأسمالهم الثقافي والمعرفي لخدمة أهداف معادية للوطن والشعب وقيم الحرية والعدالة والديمقراطية… لقد انتقل قسم غير يسير من هؤلاء المثقفين من “ضمير” للمجتمع والأمة إلى لسان للقوى الكولونيالية، وتحولت هذه الفصيلة من المثقفين إلى “مليشيات ثقافية”، وأصبح يحتوشها ما يسميه د. جميل هلال بـ”أزمة النخبة“.

لقد راهنا بعضنا في التيار الإسلامي على الفرصة التي جمعتنا بالآخرين من مفكري التيارات الليبرالية واليسارية في ثورات الربيع العربي، لإنتاج تركيبة سياسية تجمعنا جميعاً، بغض النظر عن تدافع الأيدولوجيات وصراعها السافر لتهميش كل واحدة منها للآخر، والعمل ربما للمرة الأولى تحت سقف وطني واحد يضع كل منا فيه جهده لبناء الوطن والنهوض به، مع احترام خصوصيات الدين والأيديولوجيا لدى كل طرف جهة الطرف الآخر.

إنني من جهتي كنت أظن أن هناك فرصة ذهبية لتقريب الكثير من الإسلاميين إلى خط المرونة والاعتدال وإمكانيات التكيف في التعايش مع الآخر سياسياً ضمن نظام حكم مدني تتوازن فيه التشريعات والقوانين مع الواقع المعرفي القائم بين الهيئات والشعوب والأمم، ولا يفتعل البعض معه خصومات دينية ويجد الجميع في نسب المواطنة إليه ما يحقق خصوصيته وانتمائه.

اقرأ أيضا  أمريكا وروسيا .. الاتفاق والاختلاف في سوريا

ولعل بعد كل الذي جرى من خيانة وخذلان على أيدي هؤلاء وأولئك من أصحاب التيار العلماني، أعيد طرح السؤال الذي قدَّم به الأستاذ توفيق شومان مقاله في صحيفة السفير اللبنانية بلغة تحمل دلالاتها اليأس والأسى: “هل ضاعت فرصة بناء تيار إسلامي مدني؟” .

لقد فقد الكثير من الإسلاميين ثقتهم بالآخر – العلماني – من جديد، بل إن البعض قد استخف بكل من وضع الثقة بهم واعتقد يوماً بوفائهم.. في حين هناك البعض الآخر من الإسلاميين الذي يرى إن التجربة ما تزال على المحك، ومن المبكر الحكم عليها، وأن ما خُضناه من تجربة لم نحقق كل الكسب المرجو منها، إنما هو أشبه بمن خسر معركة ولكن الحرب ماتزال جبهاتها مفتوحة أمامه، وأن بإمكانه أن يعاود خوض ما تبقى من معاركها ويربحها، هذا إن أحكم عقله وعمل بحكمة “أعقلها وتوكل“.

الإسلاميون: تعقيب على الصدمة
أصدر مركز أبحاث المستقبل؛ المحسوب على التيار الإسلامي في فلسطين، دراسة بعنوان: “التجارب الإسلامية في الحكم والاضطرابات السياسية” في أغسطس الماضي، وقد حاول واضع الدراسة الإجابة على السؤال التالي: هل تنجح القوى العلمانية المدعومة من القوى المصلحية والقوى الخارجية في مخططاتها إبعاد الإسلاميين عن الحكم، وفض الجماهير من حول الخيار الإسلامي، وشيطنة الحركات الإسلامية وتشويه سمعتها، وصولاً إلى إقصائها أو استئصالها.؟

استعرضت الدراسة في تناولها للرد الإشارة إلى أن الناظر للصورة العامة حالياً ينتابه شعور بأن البديل الإسلامي في طريقه إلى الأفول، وما أفرزته صناديق الانتخابات من ثقة الجماهير في الخيار الإسلامي في أكثر من بلد عربي في طريقه إلى التلاشي, وأن ما حققته الحركات الإسلامية على صعيد الانتخابات مجرد سحابة صيف وإنجاز عابر سيتحطم على صخرة الواقع وحقائقه المؤلمة.. ولكن بنظرة معمقة فاحصة متأنية مستدعية التاريخ وتجارب الإسلاميين خلال قرن مضى، وأحوال المحيطين الإقليمي والدولي، يستنتج ما يلي:

1- إن الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإسلاميون خاصة جماعة الإخوان المسلمين، وحبك المؤامرات في السر والعلن، والتعاون مع القوى الخارجية – خاصة الغربية – لهي دليل على قوة هذه الحركات، وأنها تشكل بديلاً ومشروعاً حضارياً متكاملاً بات مقنعاً لقطاعات واسعة من الشعوب العربية والإسلامية بل والأغلبية منها.

2- إن القوى المعادية للإسلاميين خاصة الولايات المتحدة والتي وقفت بشراسة ضد الإسلاميين وتجاربهم في الحكم، وتعاونت مع الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة، ليست بالثقل والقوة كما في العقود الماضية, بحيث تمنح نفسها حق الفيتو للاعتراض على الإسلاميين وتمكينهم من الحكم.

3- إن تقدم الإسلاميين وبروزهم في الواجهة بعد صعودهم إليها سبقته موجات وتراجعات.. ففي أواخر السبعينيات من القرن الماضي, شهد العالم العربي والإسلامي نوعاً من الصعود الإسلامي تليه تراجع في أواسط الثمانينيات, ثم تقدم وانتخابات تقدم فيها الإسلاميون في بدايات التسعينيات من نفس القرن, أعقبه تراجع واستعمال مفرط للقبضة الأمنية, ثم الموجة الثالثة من المد الإسلامي في النصف الثاني من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تراءت بدايته في فوز حركة حماس في فلسطين, ومن ثم الدور الطلائعي للإسلاميين في الثورة على أنظمة الفساد وتقدمهم في الانتخابات في أكثر من بلد عربي, مما يعني أن تمنيات وخطط القوى العلمانية المتحالفة مع الأمن وفلول أنظمة الفساد والقوى الخارجية المعادية باستئصال واجتثاث القوي الإسلامية هو ضرب من الأمنيات لا يتسق مع حقائق الواقع ومجريات التاريخ.

4- إن التراجع في الحضور السياسي وفي المشاركة في الحكم بعد موجة المد الأخيرة لاستنفار القوى العلمانية المضادة والمتحالفة معها, هو شيء متوقع وليس مستغرباً, غير أن ذلك لا يعنى نهاية التجربة الإسلامية وانحسار المد الإسلامي السياسي, كما يدعي أنصار العلمانية، بل هو عثرة وكبوة تزيد من عمق التجربة، وتعزز الوعي السياسي والدراية بمنطق السياسات الإقليمية والدولية, وتؤهل لمرحلة المد الإسلامي الحقيقي الذي سيعود أكثر صلابة وقوة وتماسكاً.

وقد خرجت الدراسة بعدة استنتاجات منها:
1-
إن الهجمة الشرسة التي تتعرض لها جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامين الأخرى في أكثر من بلد عربي بعد تقدمها في المشهد السياسي متوقعة وقد تستمر لسنوات وستطيح بأكثر من تجربة سياسية, غير أن ذلك لا يعني نهاية التجربة الإسلامية بل هي المقدمة التي ستعبّد الطريق للحكم الإسلامي الرشيد بعد عدة سنوات.

2- إن الحرب الشاكلة التي أعلنها العلمانيون المتحالفون مع الأنظمة الديكتاتورية البائدة ومع العسكر في بعض الأحيان والمؤامرات الإقليمية والدولية لهي دليل على قوة الحركات الإسلامية، وأنها باتت على أبواب الدخول في معترك السياسة وخوض تجربة الحكم.

اقرأ أيضا  فلسطين: نعد قوائم بمنظمات المستوطنين الإرهابية لملاحقتها قانونيا

3- إن الصراع الدائر الآن في أكثر من بلد عربي لا يتعلق فقط بمن يحكم بل هو صراع على هوية الدولة, بين القوى العلمانية المطالبة بعلمنة الدولة وإبعاد الدين عن الحياة والقوى الإسلامية من الحكم ولديهم البرامج القادرة على التأثير والإيحاء الإسلامي.

4- إن القوة الحقيقية للإسلامين في هذه المرحلة تكمن في الاحتضان الشعبي والسند الجماهيري والقدرة على تحريك الحشود ودفعها إلى الشوارع في ظل ميزان قوى تقليدي يميل لصالح القوى العلمانية وحلفاء الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة, بالإضافة إلى بعض التفهم الدولي وإمكانية إعطاء الفرصة للإسلاميين لخوض تجربة الحكم.

5- في ظل الخلل الكبير لميزان القوى التقليدي بين الإسلاميين والعلمانيين لصالح العلمانيين, تحاول القوى العلمانية والبوليسية ومن حالفهم جر الإسلاميين إلى مربع العنف حتى يسهل على القوى العسكرية والبوليسية التعامل معهم، وحتى يتسنى لهم كذلك شيطنة الإسلاميين، وإلباسهم ثوب الإرهاب والدموية وتحريض العالم والقوى الغربية عليهم.

6- مسيرة التغيير طويلة ومضنية وتحيط بها المخاطر من كل جانب وقد تستمر لسنوات قد تشهد مداً وجزراً, والحسم بانتهاء الأمور إلى ما انتهت إليه ضرب من الأوهام, ولكن الأكيد هو أن موجة المد الإسلامي في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين بدأت خوض تجربة الحكم بشكلها العصري وقد آن أوانها ولا مجال لعودة عقارب الساعة إلى الوراء.

ختاماً: فلا تذهب نفسك عليهم حسرات
هناك غصة في حلق الإسلاميين جراء طعنة التيارات الليبرالية واليسارية وغدرها بهم، صحيح أن تجربة الترويكا في الحكم في تونس لا تزال قائمة، وهي تشهد على إمكانية نجاح التحالف بين قوى الثورة بمختلف اتجاهاتها السياسية والدينية، إلا أن ما وقع في مصر على وجه التحديد كان – حسب رأي الكثير من الإسلاميين – صدمة مفزعة، وهو وراء إثارة كل هذا الجدل والنقاش في الساحة الفكرية سواء التي مرَّ عليها الربيع العربي أو كان قريباً منها.

إن الشارع العربي – والإسلامي عنه ليس ببعيد – على قراءة متباينة للربيع العربي، إذ أنهما وبعد ثلاث سنوات من الحراك الشعبي وتغيير العديد من الأنظمة فإن المحصلة ما تزال غامضة والنتائج لا تعكس نجاح ما وقع من ثورات، بل إنها تشي بإعادة إنتاج النظام القديم بعد أن تم تفريغ الثورة من زخم ما اختزنته من طاقات، ومحاصرة الإسلاميين وتطويعهم بعد أن تمت شيطنتهم من قبل مفكري وإعلامي التيارات الليبرالية وقوى اليسار الذين كانوا لوقت قريب يشاطرونهم حراك الشوارع والميادين.

هناك من كان يحذر ويقول إن ما يجري إنما هو مؤامرة، ظاهرها التغيير والإصلاح والتجديد، وباطنها إنما هو ضرب التيار الإسلامي وإعادة إنتاج النظام القديم بعد إزالة ما تراكم عليه من صدأ الدكتاتورية والفساد وتطعيمه ببعض الرتوش الوطنية للتمكن من تسويقه من جديد.

كل هذه المواقف والتحليلات لها – حتى اللحظة – وجاهتها، ويمكن لكل أصحاب الأيدولوجيات الدينية والفكرية أن يتبادلوا الاتهامات واللعنات كيفما شاءوا، ومن حق حركة الشارع ومليونيات الميادين أن تقول إنها صنعت ثورة، وأنها كانت تعبر عن إرادة الشعب الذي طالب بالتغيير والإصلاح، وأن كل ما تحقق إنما كان ثمرة لتضحيات الجماهير وبطولات الشباب ودماء الشهداء، وأن الذي أذهب بهجة الفوز وحط من الكسب إنما هو صراعات الكبار من قيادات التيارات الدينية والليبرالية واليسارية، التي عجزت عن خلق التفاهمات لتحقيق التعايش السياسي وتقاسم الحكم وإدارة مؤسسات الدولة، في ظل شراكة سياسية محكومة بالانتخابات وصناديق الاقتراع وبالتداول السلمي للسلطة، وتضبط إيقاعات الاستقرار والأمن فيها “ديمقراطية توافقية”، حيث يتم في الساحة السياسية تحديد أسس قيامها وعمادة محاور أركانها.

وإلى أن نتجاوز حالة الضبابية التي تكتنف مسار الربيع العربي، سيظل هناك من يشكك ويتهم ويقول: إن ما وقع ليس ثورة بل هو مؤامرة.

المصدر : معا

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.