مختصر الكلم في الحث على صلة الرحم
الأربعاء-6 ذوالقعدة 1434 الموافق 11 أيلول /سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
الحمد لله الملك القدوس السلام، والذي أمر بصلة الأرحام، وجعلها من خصال الإيمان وحقوق الإسلام، وموجبات دخول الجنة دار السلام.
أحمده تعالى على بليغ حكمته في التدبير والأحكام واشكره جل ذكره على مترادف الإحسان وسابغ الإنعام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بعثه الله بأن يوحد الله وتكسر الأوثان وتوصل الأرحام – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وأصحابه الذين هم أسبق الناس إلى الإسلام وأفقههم فيما فيه من الحكم والأحكام وأوصلهم للأرحام.
أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله وصلوا الأرحام توصلوا من الله تعالى بكل خير وإكرام، وتدخلوا الجنة دار السلام، وتنجوا من النار التي أُعدت للكافرين وقاطعي الأرحام ﴿ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾[1]، وقال تعالى ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾[2].
عباد الله:
الرحم هي علاقة القرابة سميت رحما لأنها داعية التراحم أي الرقة والتعطف والرحمة والتلطف ومن أصناف أهل الجنة رجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم وفي الحديث “أرحموا ترحموا” وفيه “الراحمون يرحمهم الله، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” وفيه “ومن لا يرحم الناس لا يرحمه الله“.
معشر المسلمين:
إن صلة الرحم خلق من الأخلاق الكريمة، وخصلة من خصال الإيمان القويمة أثنى الله تعالى على أهلها في القرآن ووعدهم بعلي الجنان وما فيها من أصناف النعيم والرضوان، وأمر بها النبي – صلى الله عليه وسلم –وحث عليها فيما ثبت عنه من بيان وبالغ في تأكيد صلتها حتى أخبر أنها مشتقة من اسم الله الرحمن فواصلها موصول وقاطعها مقطوع فما أبلغ البيان، والإعذار إلى الديان.
أيها المسلمون:
صلة الرحم هي الإحسان إلى الأقارب والاجتهاد في ذلك على حسب حال الواصل والموصول، فتارة تكون بالزيارة والسلام، وتارة تكون ببذل المال ومتنوع الإكرام، وأخرى تكون بكف الأذى والمواساة عند المصيبة والأحوال الضارة، والتهنئة بتجدد النعمة وزوال البلية وتحقق الأحوال السارة فحقيقتها حسن العشرة والصحبة للوالدين والأهل والولد وسائر القرابة، بالمداراة وسعة الخلق وطيب النفس، وتمام النفقة وتعليم الأدب والسنة، وحملهم على واجب الطاعة، وترغيبهم في النافلة، وكفهم عن الإثم والمعصية، وإغرائهم بالابتعاد عن مظان الريبة واتقاء الشبهة والصفح عن الإساءة والعثرات والإحسان حتى مع القطيعة والجفاء تقرباً إلى رب الأرض والسموات، فليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها، ومن أحسن إلى قرابته مع إساءتهم إليه فكأنما يسفهم المل “أي الرماد الحار” ولا يزال معه من الله ظهير عليهم ما دام كذلك.
أيها المؤمنون:
لقد جعل الله تبارك وتعالى إيتاء ذي القربى “إي صلتهم” قرين التوحيد وبر الوالدين في الذكر الحكيم، وجعلها سبب في الفوز بالمغفرة والرزق الكريم، والجنة دار الرضوان وأصناف التكريم، كما قرن جل وعلا قطيعة الأرحام بالشرك والعقوق وغيرهما من أنواع الظلم والإجرام، وجعلها أمارة على نقص العقل وعدم التدبر لكلام الله وسبباً في عمى البصائر والطرد والإبعاد عن مظان رحمة الله، والحرمات من دخول الجنة والخلود في النار مع أشقى خلق الله وكفى بذلكم زجرا عن القطيعة وتنبيهاً على عظيم عقوباتها وعواقبها الشنيعة.
أيها المؤمنون:
ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”احفظوا أنسابكم، تصلوا أرحامكم، فإنه لأبعد بالرحم إذا قربت وإن كانت بعيدة، ولا قرب بها إذا بعدت وإن كانت قريبة وكل رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها تشهد له بصلة إن كان وصلها، وعليه بقطيعة إن كان قطعها” رواه البخاري في الأدب المفرد والحاكم في المستدرك. وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -“إن الرحم شجنة متمسكة بالعرش تكلم بلسان ذُلقٍ “أي فصيح بليغ” اللهم صل من وصلني وأقطع من قطعني، فيقول الله تبارك وتعالى “أنا الرحمن الرحيم خلقت الرحم، وإني شققت للرحم من اسمي فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته“، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -“إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قامت الرحم فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت بلى يا رب قال فذلك لك.
معشر المؤمنين:
ومما ورد بشأن صلة الأرحام ما ثبت عن أبي ذر رضي الله عنه قال أوصاني خليلي – صلى الله عليه وسلم -“أن لا تأخذني في الله لومة لائم، وأوصاني بصلة الرحم وإن أدبرت“، وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -“الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله“، وعنها أيضاً رضي الله عنها قالت قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -“صلة الرحم وحسن الجوار أو حسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار“، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -“ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثواباً من صلة الرحم، وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم، واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع” أي حزابا، وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -“من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له “أي يؤخر“في أثره فليصل رحمه“، وعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -“من سره أن يمد الله في عمره، ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه“، وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -“أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام“.
المصدر : الألوكة