العلاقات الاقتصادية المصرية الأميركية
السبت -9 ذوالقعدة 1434 الموافق 14 أيلول /سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
اضطراب العلاقات الأميركية المصرية
منذ أحداث الانقلاب العسكري بمصر في مطلع يوليو/تموز الماضي والعلاقات المصرية الأميركية تشهد نوعا من الاضطراب فيما يفهم منه عدم التقاء وجهات نظر البلدين خاصة بعد تصريحات نائب الكونغرس جون ماكين بأن ما تم في مصر هو انقلاب عسكري ومطالبته بعودة الشرعية وما تلا ذلك من مطالبات من أعضاء آخرين بالكونعرس بإعادة النظر في المعونات الاقتصادية السنوية التي تقدمها أميركا لمصر، والبالغة نحو 1.25 مليار دولار.
غير أن تصريحات الرئيس الأميركي الصادرة يوم السبت 25 أغسطس/آب التي تناقلتها وكالات الأنباء تضيف بعدا جديدا في طبيعة العلاقات بين البلدين، خاصة الجانب الاقتصادي.
فكما نشرت وسائل الإعلام فإن تصريحات الرئيس الأميركي أوباما كانت كما يلي “تقيم الولايات المتحدة بشكل شامل علاقتها مع مصر، ومن المستبعد تماما عودة العلاقات التجارية مع مصر إلى ما كانت عليه من قبل”.
وتثير تصريحات باراك أوباما العديد من الملفات في إطار العلاقات الاقتصادية بين البلدين، منها المعونة السنوية التي تقدمها أميركا لمصر، والملف الثاني هو ملف الديون الأميركية، التي تصل لنحو 3.9 مليارات دولار، وأخيرا حركة التبادل التجاري بين البلدين التي تقدر بنحو 8.2 مليارات دولار.
والجدير بالذكر أن أميركا قد تراجع ترتيبها من حيث الشركاء التجاريون لمصر من المرتبة الثانية إلى المرتبة الرابعة على مستوى العالم، وفق بيانات يونيو/حزيران 2012.
ويتناول هذا التحليل مدى التأثير الذي يمكن أن يحدث في ظل توجه أميركا نحو اتخاذ خطوات للتأثير اقتصاديا على مصر، من أجل إحداث تأثير على القرار السياسي للحكومة الانتقالية لمصر بعد الانقلاب العسكري، حيث أعلنت أميركا عن انصراف العسكر عن نصائحها، بالعودة للمسار الديمقراطي وعدم إقصاء أي فصيل سياسي ومطالبة أميركا جميع أطراف الأزمة في مصر بنبذ العنف.
التلويح بقطع المعونة عن مصر
التلويح بقطع المعونة الأميركية عن مصر ورقة استخدمت كثيرا في أزمات سياسية إقليمية وداخلية، غير أنها لم تفعّل، وظلت هذه الدعوات في إطار مطالبات لأعضاء الكونغرس، وفي النهاية يحسم الأمر اعتبارات الأمن القومي الأميركي التي تحددها تقديرات الرئيس الأميركي بشخصه.
وعادة كانت تواجه دعوات قطع المعونة الأميركية عن مصر بموجات من الهجوم من الإعلام وبعض القوى السياسية المصرية، وتتبنى المؤسسات في بعض الأحيان الإعلان عن إمكانية استغناء مصر عن هذه المعونة.
وكان آخر هذه الدعوات ما أعلنه الداعية الإسلامي محمد حسان بإنشاء صندوق لاستغناء مصر عن المعونة الأميركية، لكن دعوة حسان لم يكتب لها النجاح، وولدت ميتة، كشأن غيرها من الدعوات السابقة.
وحجر الزاوية في قضية المعونة الأميركية لمصر هو المعونة العسكرية التي تقدر بنحو مليار دولار سنويا. وليست القضية في قيمة المعونة، ولكن ما ترتب عليها من وضع تسليح الجيش المصري الذي يعتمد على التكنولوجيا الأميركية.
وإن التوجه لاستبدال هذه التكنولوجيا يعني حرمان مصر من مليار دولار سنويا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الأمر يستلزم فترة انتقالية حتى يمكنها استبدال سلاح من السلاح الأميركي، فضلا عن حاجة مصر لقطع غيار بشكل دائم لما لديها من أسلحة أميركية.
غير أن الجانب الأميركي له مصلحة من جانب آخر في استمرار المعونة العسكرية لمصر، وهو أن المصانع الأميركية التي تورد هذه الأسلحة سوف تتأثر سلبا، وعليها أن تبحث عن فرصة بديلة.
والجدير بالذكر أنه بعد نجاح ثورة 25 يناير 2011، تعهدت أميركا بتقديم منح غير دورية لمصر بنحو مليار دولار، إلا أنها لم تدخل حيز التنفيذ بعد، لاشتراطها تحقيق الاستقرار السياسي في مصر لتقديم هذه المعونات. إلا أن الخطوة التي اتخذتها أميركا في شأن المعونة السنوية هذا العام أنها قدمت نحو 650 مليون دولار نقدا للمساهمة في احتياطي النقد الأجنبي لمصر.
المديونية الخارجية وقرض الصندوق
تراجعت الأهمية النسبية لقيمة الدين الأميركي في حجم الدين الخارجي لمصر، فوفق تقرير البنك المركزي المصري للعام 2011/2012 بلغت مديونية مصر لأميركا نحو 2.9 مليار دولار من إجمالي مديونية خارجية لمصر في نهاية يونيو/حزيران 2012 بنحو 34.4 مليار دولار.
وتمثل الأهمية النسبية للدين الأميركي على مصر نحو 8.5%، وتأتي أميركا في المرتبة الرابعة للدول الدائنة لمصر، بعد كل من اليابان وألمانيا وفرنسا.
ويلاحظ أن حجم الدين العام الخارجي لمصر قد قفز على مدار العام الماضي ليتجاوز حاجز الـ40 مليار دولار، وتسعى مصر للحصول على قرض صندوق النقد الدولي، وهو الأمر الذي لم يتحقق على مدار السنتين الماضيتين.
وتشير كل الدلائل إلى أن أميركا لديها نفوذ لدى إدارة صندوق النقد الدولي، وبإمكانها تذليل أو تعقيد تقديم قرض صندوق النقد الدولي لمصر.
وقد يكون قرض صندوق النقد الدولي أحد أوراق الضغط التي ستحاول أميركا أن تستخدمها في الفترة المقبلة، خاصة أن مصر استطاعت أن تخفف من حجم فجوتها التمويلية بعد الانقلاب العسكري من خلال المنح الخليجية التي قدرت بنحو 12 مليار دولار.
وقد تحتاج مصر إلى مساعدة أميركا في الحصول على قروض في الفترة المقبلة، سواء من خلال المؤسسات الدولية أو الإقليمية أو حتى من الدول العربية، وإن كان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل قد تعهد بالوقوف بجوار مصر ماديا في الفترة المقبلة، ورفضه لاستخدام ورقة المعونة من قبل الدول العربية للضغط على مصر.
تراجع حجم التبادل التجاري
بيانات يونيو/حزيران 2012 تسير إلى وجود تراجع في حجم التبادل التجاري بين مصر وأميركا، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 8.2 مليارات دولار في يونيو/حزيران 2012، مقارنة بنحو 9.4 مليارات دولار في يونيو/حزيران 2011. غير أن صافي تعاملات الميزان التجاري لا يزال في صالح أميركا.
ففي يونيو/حزيران 2012 بلغت الصادرات المصرية لأميركا 3.4 مليارات دولار، بينما بلغت الواردات المصرية من أميركا 4.8 مليارات دولار. وبذلك بلغ العجز 1.4 مليار دولار.
وتعد المنسوجات والملابس الجاهزة من أهم صادرات مصر لأميركا، وثمة اتفاقية مهمة لمصر وأميركا وإسرائيل، وهي اتفاقية الكويز، التي بموجبها تمكنت مصر من النفاذ إلى السوق الأميركي بعد إلغاء نظام الحصص في يناير/كانون الثاني 2005. إلا أن هذه الاتفاقية تمثل أحد المحاور أو المصالح في الحسابات الأميركية، والتي من خلالها يدمج الاقتصاد الإسرائيلي في المنطقة.
ويمثل القمح الأميركي واحدا من أهم الواردات المصرية على مدار العقود الأربعة الماضية، وتعد مصر المستورد الأول للقمح في العالم، بحجم واردات بحدود 7 ملايين طن سنويا.
وبينما يمكن لأميركا أن تمارس ضغوط على مصر من خلال توريد القمح، نجد أن ضغوطا داخلية ستمارس على الحكومة الأميركية من خلال منتجيها المحليين للقمح الذين يحرصون على البقاء في السوق المصري وعدم تركه للمنافسين من فرنسا وروسيا ودول آسيوية أخرى.
وبينما تقدر استثمارات أميركا في مصر بنحو 7 مليارات دولار من خلال نحو 147 شركة، تكاد تحتكر الشركات الأميركية مجال استكشاف النفط واستخراجه في مصر منذ سبعينيات القرن الماضي، كما توجد العديد من الشركات الأميركية متعددة الجنسية في مصر التي تمارس أنشطة اقتصادية أخرى.
تظهر الأرقام أن المصالح متبادلة، كما أنها تمثل جانبا ضئيلا من حجم التبادلات التجارية والاقتصادية لأميركا. وهنا يتطلب الأمر ألا ننظر إلى الأرقام المطلقة والتعاملات المباشرة. فأميركا لديها علاقات أخرى بدول المنطقة أو غيرها، يمكن من خلالها التأثير اقتصاديا على مصر، ولا أدل على ذلك من الدعم الذي يمكن أن تقدمه أو تمنعه لحصول مصر على قرض صندوق النقد الدولي.
كما أن لأميركا علاقات يمكنها أن تؤثر بها على موقف الدول الخليجية الداعمة للانقلاب العسكري في مصر، وهو الأمر الذي يجب أن يؤخذ في الحسبان، ويمكن أن يستشف ذلك من خلال تصريحات رئيس الوزراء المؤقت حازم الببلاوي الصادرة في 25 يناير/كانون الثاني، التي مفادها “أن هناك نقاط ضعف في توفير موارد الطاقة وتوفير السلع التموينية، وهدفنا توفير هذه السلع حتى عام قادم، وفي هذا الصدد نجري مشاورات ونجد دعما كبيرا من الدول، وهدفنا ألا تتعرض هذه البلد لنقص في الطاقة او الموارد السلعية”.
ويأتي هذا التصريح في الوقت الذي تعهدت فيه دول الخليج بتقديم منح نفطية بحوالي 3 مليارات دولار، واستعدادها لتقديم المزيد من مساعدات النفط وغيرها.
لكن هذه القضية برمتها قد تساعد على توجه مصر للمعسكر الشرقي المتمثل في روسيا والصين كبديل، في حالة ممارسة ضغوط اقتصادية عليها من قبل أميركا، إلا أن هذا التوجه تحكمه المصالح الاقتصادية لكل من الصين وروسيا مع الولايات المتحدة الأميركية.
المصدر : الجزيرة