اقتصاديات الإسلام
الإثنين-11 ذوالقعدة 1434 الموافق 16 أيلول /سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
د. زيد بن محمد الرماني
اقتصاديات الإسلام: هي دراسةٌ للإنسان باعتباره فردًا يُؤْمِن بالقِيَم الإسلامية.
ولذلك؛ فإنه يمكن – بِناءً على ما سبق – تحديدُ المقصود بالاقتصاد الإسلامي، على أساس أنه: علمٌ يبحث في المشكلات الاقتصادية لمجتمعٍ متمسِّك بالقيم الإسلامية.
ومن هنا، كانت لاقتصادياتِ الإسلامِ علاقاتٌ وثيقةٌ بعلومٍ شرعيةٍ متعدِّدة، وعلوم اجتماعية مختلِفة، نَرى لِزامًا على الاقتصاديِّ المسلم تِبيانَ الأوجهِ المتشابكة لتلك العلومِ مع هذه الاقتصادياتِ، وذلك على النحْوِ التالي:
أولاً: المقاصد والقواعد:
إنَّ مِن الأسس التي يجب معرفتُها لمن يتصدَّى لبيان حكم الله، ولِمَن يطَّلِع على مَراجع التراث الإسلامي – أنْ يفرِّق بين ثلاثة اصطلاحاتٍ؛ هي: القواعد الفقهية، والمقاصد الشرعية، وأصول الفقه؛ فكثيرًا ما يَحدث لَبْسٌ بينها، فيترتَّب عليه خطأٌ وخلْط، ونتائجُ غيرُ دقيقةٍ.
فالقاعدة الفقهية “تُستنبَط مِن استِقراء النصوص الجُزئيَّة، المستدَلِّ بها على أحكامٍ فرعية”، وهي تَنبني على الأكثرية، فتشمل أحكامَ معظمِ الفروعِ التي تنطبق عليها.
وأما المقاصد الشرعية “فهي الأهدافُ العامة، التي يتوخَّاها التشريع الإسلامي”، وهي تتعدَّد، وتتدرج في أهميتها ما بين الضرورات، والحاجيات، والتحسينات.
وعلمُ أصول الفقه “يَبحث في أدلَّةِ الفقه الإجمالية، ومعرفةِ كيفية استنباط الأحكام منها، وحالِ المستفيدِ لتلك الأحكامِ”.
وهذه هي المعارفُ الثلاثُ لأصولِ الفقه:
أ – معرفةُ أدلة الفقه (ما هو متفَقُ عليه، وما هو مختلَف فيه).
ب – معرفةُ كيفية الاستنباط.
جـ – معرفةُ حال المستفيد (مجتهدًا أو مقلدًا).
وبعدَ معرفةِ الفوارق العلميَّة بينَ هذه المصطلحاتِ؛ فإنَّ الأمر يَقتضي وعْيًا لما يُكتب أو يُنشَر مِن آراء حولَ اقتصاديات الإسلام، تَتجاوز النصَّ، باسْمِ المصلحة، أو مقاصدِ الشريعة، أو القواعدِ الكلية.
ثانيًا: الضرورات والحاجات:
لقد عانت الإنسانيةُ كثيرًا مِن المشكلات؛ من الفلسفة الرأسمالية، التي تقدِّم مصلحةَ الفرد على مصلحة الجماعة، ومِن الفلسفة الاشتراكية، التي تقدِّم مصلحةَ الجماعة على مصلحة الفرد، ولعلَّ تجرِبةَ الفردِ في أمريكا وروسيا أبلغُ دليلٍ على ذلك.
ومن هنا، فقد وازنَ الإسلامُ بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة؛ فأعطى الفردَ القدْرَ الذي لا يَطغَى به على الجماعة، وأعطى الجماعةَ – كذلك – قدْرًا لا تطغى به على الفرد، سواءٌ من حيثُ الحقوقُ أم الواجباتُ؛ ومِن ذلك:
1- الفردُ مسؤولٌ عن عمله مسؤوليةً فرديةً؛ قال – تعالى -: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [فاطر: 18]، وقال – سبحانه -: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [المدثر: 38].
2- الفرد مسؤول مسؤوليةً جماعيةً أيضًا؛ قال – تعالى -: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ [الأنفال: 25].
3- التكليف موجَّهٌ للجماعة في كثيرٍ من الأمور؛ قال – سبحانه -: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: 38].
4- العلاقة بين الفرد والمجتمع في الأمَّة المسلمة علاقةُ تعاونٍ لا علاقةُ صراعٍ؛ قال – تعالى -: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2].
والشريعة الإسلامية تهدف – كما هو معلوم – إلى تحقيقِ الخير للناس في الدنيا والآخرة؛ فتجلب لهم المنافعَ، وتدفعُ عنهم المضارَّ؛ مِن أجْل تحرير المجتمع مِن الخوف والجوع، ومِن أجل تحقيق الأمن والتكافل، وهذا كلُّه مِن أهمِّ مقاصد الشريعة الإسلامية.
وبينما يَقتصرُ الغرْبُ على تقسيم الحاجات إلى: ضروريةٍ، وكمالية، نجدُ الشريعةَ الإسلامية تقسِّم المقاصدَ أو المصالحَ إلى: ضروريةٍ، وهي ما لا يمكن أنْ تقومَ بدونِها الحياةُ، وحاجيةٍ، وهي ما لا تُتَحمَّلُ الحياةُ بدونها إلا بمشقة، وتحسينيةٍ، وهي ما يُجمِّل الحياةَ ويُحسِّنها، من مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات.
ثالثًا: الطيبات والخبائث:
يعتبر الاقتصادُ الوضعيُّ اللذَّةَ غايتَه القصوى؛ ولذا يستبعِد القيمَ والأخلاقَ مِن ميدانِ الدراسة، كما أنَّه لا يفرِّق بين الخبيث والطيِّب مِن السِّلَع والخدمات، ولا يَسترشِد إلا بالرغبة الحسية، بصَرْفِ النظر عن النتائج الصحية والنفسية والاجتماعية.
وأما في الاقتصاد الإسلامي، فإن الطيِّبَ هو الحلالُ، والخبيثَ هو الحرامُ، وتحديدُ الطيِّب والخبيثِ في الإسلام يُراعى فيه الجسَدُ والرُّوحُ معًا.
ولذا؛ فإنَّ تحديد المنافع لا بدَّ أن يرتبط بالحلال والحرام، قال – تعالى -: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].
وعلى سبيل المثال: الخمرُ: فيها منافعُ وآثامٌ، ولكنَّ إثْمَها يَغْلِب نفعَها؛ ولذا حرَّمتْها الشريعةُ الإسلامية، قال – تعالى -: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة: 219].
وحين حرَّم الله الخمرَ، فإنَّ ذلك سببٌ في نجاةِ المجتمع مِن شرورٍ ومصائبَ، منها: إتلافُ الصحةِ وإهلاكُها، وضعْفُ الإنتاجية، وانتشارُ العداوة والبغضاء في المجتمع.
رابعًا: الوضعية والموضوعية:
إنَّ المعاصرين – في معظمهم – لا يفرِّقون بين مصطلحاتٍ تُعبِّر عن معانٍ محدَّدةٍ، فالخلْطُ قائمٌ بين الوضعيPositive والموضوعي Objective.
وعلى أساسِ هذا الخلْطِ، اختَلفَ الموقفُ بالنسبة للعلوم الاجتماعية، ومنها علمُ الاقتصاد؛ هل هو مُحايدٌ، أو متحيِّز؟
فمنهم مَنْ قال: إنَّه علمٌ محايِد، شأنُه شأنُ العلومِ الطبيعيةِ، لا دَخْلَ للغَيْبِ فيه، ومِن ثَمَّ فليس هناك ما يسمَّى بالاقتصاد الإسلامي.
ومنهم مَنْ رأى أنَّه عِلْمٌ متميِّز، يُعبِّر عن مصالحِ الطبقة أو النظام، فهو تابعٌ للواقع، ومن هنا يَرى بعضُهم أنه لا معنى لدراسة الاقتصاد الإسلامي، إلا إذا قام الواقعُ الإسلامي.
والموضوعيَّةُ هي استخدامُ الأسلوبِ العلميِّ في دراسة الظاهرة، وتفسيرِها، والتنبؤِ بها، بعيدًا عن الذاتية والمسَلَّمات المسبقة، واختيار ذلك لإثبات صحته.
أمَّا الوضعيةُ، فهي لفظٌ مرادِفٌ لما هو واقعيٌّ، نافعٌ نسبِيٌّ، مُعْطًى مباشرةً مِن التجربة. وقد حاولَ “كونت” تطبيقَ مناهجِ العلوم الطبيعية على ظواهرِ المجتمع.
وعليه، فينبغي الحذَرُ في حالة استخدام هذه المصطلحات، عندَ الحديثِ عن اقتصاديات الإسلام.
المصدر : الألوكة