الصدق والأمانة في الحوار

الأربعاء -12 ذوالقعدة 1434 الموافق 18 أيلول / سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا)

د. محمد بن فهد بن إبراهيم الودعان 

إن من أصول الحوار وأساسياته: أن يكون المحاور صادقًا أمينًا، والحوار وما يحمله المحاور – لا سيما في دعوته – أمانة يجب تبليغها بصدق وإخلاص، وعدم كتم شيء من الحق، أو إخفاء بعض العلم الذي له علاقة بموضوع النقاش أو الحوار.

ولما كان أدب الصدق والأمانة من الأهمية بمكان، حرص الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- على إبراز هذا الأدب قبل حوارهم مع أقوامهم، ولهذا وصف الله-تعالى-نبيه يوسفعليه السلامبهذا الأدب وله مواقف فيه، ومن تلك الشواهد:

1- صدق يوسف وأمانته في سرد رؤياه على أبيه، قال تعالى-مبينًا صدق قصته ورؤياه، وسلاسة عبارتها ورونق معانيها: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ [يوسف: 3].

 

2- تكذيب يعقوب – عليه السلام – لإخوة يوسف عندما ﴿ جَآءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ  [يوسف: 18] وأن المحاور لا بد أن يكون صادقًا في حواره أمينًا فيما يعقل ويعرض، ولهذا رد عليهم يعقوب – عليه السلام -: ﴿ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف: 18].

اقرأ أيضا  سيد الاستغفار

 

3- صدق يوسف – عليه السلام – في حواره لما امتنع من إجابة طلب امرأة العزيز بعد المراودة الشديدة، فبرأ نفسه مما رمته به، وقال﴿ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي  [يوسف: 26].

 

ولهذا تبين صدقه وبراءته – بقول الشاهد -، قال سبحانه:

4- ﴿ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ  [يوسف: 27-28].

 

وبهذه القرينة القوية، وهي أن قميصه شق من خلفه، يدل أن المرأة هي التي طلبته وراودته، وعرف بذلك صدق يوسف وبراءته، وأن امرأة العزيز هي الكاذبة، وبعد ذلك كله، اعترفت اعترافًا تامًا في الحوار الآخر، فتبين بذلك صدق يوسف – عليه السلام – ولهذا:

5- ﴿ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف: 51].

 

ففي هذا الحوار ظهر الحق بعد خفائه، فاعترفت امرأة العزيز بأنها هي التي حاولت فتنة يوسف بإغرائه فامتنع، وإنه لمن الصادقين في كل ما قاله.

 

6- قال تعالى: ﴿ قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ [يوسف: 37].

اقرأ أيضا  واتقوا الله ويعلمكم الله

 

فدلالة هذه الآيات واضحة على الأمانة في العرض، وذكر الأدلة والبراهين وما يقوله لهما، وصدقه فيما جاء به من الدعوة إلى الله – عز وجل، وما هم عليه من الشرك، ومن لوازم ما يدعو إليه أيضًا إخلاصه وتجرده في إيصال الحق مع من يحاور، وعدم كتم العلم الذي يحمله، وجعله الأهم في موضوع الحوار.

 

ولهذا وبعدما عرفوا صدقه وما جاء به وثقوا به، وقال الذي نجا من القتل:

7- ﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا  [يوسف: 46].

 

ووصفه بأنه كثير الصدق؛ وفي هذا دلالة على أنه جرّب صدقه قبل ذلك، واطمئن إليه وبعلمه وأمانته.

 

8- قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: 54، 55].

 

لما علم الملك براءته وأمانته، وحسن خلقه – جاء في هذا الحوار – وكلَّمه وقال له: إنك عندنا عظيم المكانة، ووصفه بأنه مؤتمن على كلِّ شيء، ولهذا أثنى يوسف – عليه السلام – على نفسه بالأمانة والحفظ والعلم والبصيرة.

 

وفي هذا دليل على أن من الأمانة أن يُسند الأمر لأهله، ويوضع الرجل المناسب في المكان المناسب؛ ليكون أنفع لنفسه ولأمته ومجتمعه؛ فالأمم لا تقوم ولا تنهض إلاّ بجهود أبنائها وإخلاصهم وأمانتهم.

اقرأ أيضا  الإسلام.. في رحى الإساءة والتشويه

 

ثم يأتي سياق الآيات – في سورة يوسف -؛ ليتضح لنا أدب الصدق والأمانة على لسان إخوة يوسف بعدما عرفهم وعرفوه فـ:

9- ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ [يوسف: 91].

 

أي أن الله فضلك علينا بمكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، وأعزَّك بالعلم والحلم والصدق والفضل والأمانة؛ وإنا كنا لخاطئين بما فعلناه.

 

ثم تأتي الآية الأخيرة – في هذه السورة والقصة العظيمة – لتختم لنا ما تقدم من الأحداث والحوارات وغيرها-سواء ما جاء في هذه السورة أو غيرها من السور – بأنه صدقًا غير مختلقٍ ولا مكذوب:

10- قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف: 111].

المصدر : الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.