الموعظة الحسنة في الحوار
الأربعاء -12 ذوالقعدة 1434 الموافق 18 أيلول / سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا)
د. محمد بن فهد بن إبراهيم الودعان
الحوار إنما يكون بالموعظة الحسنة، ويكون بأسلوبي: الترغيب تارة والترهيب تارة أخرى؛ وذلك لكسب العقول والقلوب معًا، ولهذا تعتبر الموعظة والمعاملة الحسنة من الأساليب الإقناعية الناجحة في الحوار، ومن شواهد هذا الأدب:
1- قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يأَبتِ ﴾ [يوسف: 4].
2- وقوله تعالى: ﴿ قَالَ يبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى. إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا ﴾[يوسف: 5].
3- وقوله سبحانه: ﴿ وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ﴾ [يوسف: 6].
في الآية الأولى: استخدم يوسف – عليه السلام – مع أبيه أسلوب الترغيب في الحوار، بقوله (يا أبتِ)، ذلك أن الترغيب يدعو المحاور إلى الإذعان، وقبول السماع، والحث على الفعل، والإجابة على السؤال ونحو ذلك.
وفي الآية الثانية: استخدام يعقوب – عليه السلام – أسلوب الترغيب وذلك بحثه وتحذيره من قص رؤياه على إخوته.
وفي الآية الثالثة: استخدام أسلوب الترغيب بتذكيره بفضائل الله ونعمه المشهورة والمحسوسة في الدنيا بإتيانه العلم والهدى.
4- حوار يوسف – عليه السلام – مع السجينين: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 39، 40].
ففي هذا الحوار رغبهما للطريق الذي هو عليه، بالشواهد الواضحة، ثم أشفق عليهما بترك الشرك واتباع الدين الصحيح.
فاختار الكلمات المؤثرة، والعبارات الحسنة من الوعظ والتذكير بالله لعل قلوبهم تنفتح وتخشع وتلين لدعوته.
5- قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ [يوسف: 48، 49].
6- قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ﴾ [يوسف: 54].
فهنا الملك رغب يوسف – عليه السلام – وعرض عليه أن يكون خصيصة له ومقربًا لديه، ﴿ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ﴾ [يوسف: 54].
فقد استخدم يوسف – عليه السلام – أسلوب الترغيب والتذكير بالفضائل والنعم وذلك بتسخير خيرات الأرض لهم، وبإرسال الأمطار، وإنبات الزرع والثمار وكثرتها، حتى إنهم يعصرون العنب ونحوه زيادة على أكلهم.
7- قوله عز وجل: ﴿ وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [يوسف: 69].
فيوسف – عليه السلام – في هذه الآية-استمال قلب أخيه-في حواره معه -، حيث رغَّبَه إليه، واختصه من بين إخوته، وأخبره بحقيقة حاله، ثم ذكَّره بأنّ العاقبة خير لهم.
8- قال تعالى – في الحوار الذي دار بين يوسف وإخوته -:﴿ قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 77].
ففي الآية الترغيب في كظم الغيظ أثناء الحوار، حينما يكذب الخصم عليك أو يجرحك بكلام افتراء عليك أو يأذيك أو نحو ذلك، فالمحاور عليه أن يتعلم كيف يحكم ويضبط نفسه وغضبه، وكيف يتجنب إثارة الآخرين إذا غضبوا، ولا يستجيب لدواعي الغضب والاستفزازات التي تعرض له أثناء الحوار.
9- قوله تعالى: ﴿ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 78].
نلاحظ في هذا الحوار أن إخوة يوسف سلكوا طريقًا مؤثرًا في حوارهم مع يوسف – عليه السلام – بحيث ذكروا له أن فراق أخيهم سيشق على أبيهم – يعقوب – وأنه لا يصبر عنه، فرغبوه إلى الإحسان إليهم وإلى أبيهم في ذلك.
10- ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴾ [يوسف: 88].
فهنا اختاروا أسلوب الترقيق والرأفة بهم وبحال أهلهم؛ ليتصدق عليهم، وذكروه بالله، وبثوابه الجزيل في الدنيا والآخرة.
11- قال تعالى: ﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92].
يلاحظ أن يوسف – عليه السلام – يذكر إخوته بما يلين قلوبهم من ثواب الله، ودعا لهم بالمغفرة والرحمة، ورغبهم في التجرد وطلب الفضل من الله تعالى.
وعلى أي حال فإن أسلوب الترغيب والترهيب من أنجح الأساليب الحوارية، وأبلغها تأثيرًا في النفوس وأعظمها أثرًا في الواقع، إذا استعمل بشكله الصحيح وفق الضوابط الشرعية، وما تضمنتها تلك الآيات.
المصدر : الألوكة