أخلاق خلف الشاشات
الأربعاء -12 ذوالقعدة 1434 الموافق 18 أيلول / سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا)
أ. د. سليمان بن قاسم بن محمد العيد
إن من نعم الله – سبحانه وتعالى – على الإنسان أن يرزقه خلقاً حسناً لما فيه من الفضل العظيم ففي الحديث “ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة”، ودعوى الخلق الحسن يدعيها الكثير لنفسه من منظوره هو، ولا أحد يدعي الخلق السيئ، وذلك لأن الخلق الحسن فيه قرب من الآخرين وراحة وفلاح للإنسان في الدنيا والآخرة، ولكن الحقيقة أن الخلق الحسن ليست دعوى يدعيها الإنسان وكفى، ولكنه واقع يعيشه بين الناس، يظهر في كلامه وحركاته وهيئته وتعامله مع الآخرين، فالذين يحكمون على الإنسان باتصافه بالخلق الحسن من عدمه هم الآخرون الذين لهم نظر صحيح، وثمة أمر يجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن حقيقة الخلق الحسن ليست تصنعاً يتصنعه الإنسان متى شاء وبخاصة أمام من يستحي أو يخاف منهم، ولكنه حالة مستمرة يكون عليها الإنسان مع أي كان من الآخرين وحتى مع نفسه إذا خلا بها، فنجد البعض هداهم الله تنحط بهم الأخلاق ويتجردون من كثير من الفضائل إذا اختفوا خلف الشاشات بأسماء مستعارة بظنهم أنهم لا يراهم أحد ولا يراقبهم أحد، ونسوا أن الله – سبحانه وتعالى – لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء فهو سبحانه ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]، فتجد من انعدمت أخلاقهم خلف الشاشات يسبون الآخرين ويقذفونهم بأقبح الكلمات ويتهمونهم بما ليس فيهم، أو بما سمعوه عنهم دون تحقق من صحته ويقذفونهم في أعراضهم، وينشرون المواد القبيحة والسيئة دون خوف أو خجل، ولا يكتفي هذا الصنف من الناس بهذه الحال بل يتجاوز بهم الانحطاط الخلقي – والعياذ بالله – إلى إيذاء أنفسهم وأهليهم، ومن ذلك على سبيل المثال وصف أنفسهم بالكلاب والمجانين والحمير وغير ذلك من الصفات التي يستحي من ذكرها، وهم في هذه الحال تجردوا من الأخلاق الإنسانية فضلاً عن الإسلامية. وإن الإنسان ليتساءل أين عقول هؤلاء حين وصلوا إلى هذه الدرجة من الانحطاط الخلقي؟ ليعلموا أنهم على خطر عظيم في هذه الحالة فإن سوء الخلق طريق إلى النار – أعاذنا الله منها – ففي الحديث “ما من ذنبٍ أعظمُ عند اللهِ عزَّ وجلَّ من سوءِ الخُلقِ وذلك أنَّ صاحبَه لا يخرجُ من ذنبٍ إلَّا وقع في ذنبٍ”. كما أنه يجب أن لا يغيب عن ذهن المختفي خلف الشاشة أنه سيأتي يوم تظهر فيه هذه الأفعال للخلائق يوم يفضحه الله يوم القيامة، ومن كانت هذه حاله فليبادر بالتوبة إلى الله – سبحانه وتعالى – ﴿ فالله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]، وهو سبحانه “يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل”، ومن فضله سبحانه أنه يبدل سيئات التائبين إلى حسنات ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70].
المصدر : الألوكة