الحج من محاسن الإسلام
الأحد – 16 ذوالقعدة 1434 الموافق 22 أيلول / سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
الحج من محاسن الإسلام
فقه الحج والعمرة
ملخص الخطبة:
1- أمر الإسلام بالاعتصام.
2- الحج مظهر من مظاهر الوحدة والائتلاف.
3- من معاني الحج وأسراره.
4- فضل البيت الحرام.
5- الحج المبرور.
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله – تعالى – وأطيعوه، وامتثلوا أمره ولا تعصوه، واشكروه على ما هداكم إليه من نعمة الإسلام، الذي هو دينه الذي ارتضاه لنفسه، ومنَّ عليكم به وأتم عليكم به النعمة، وجعلكم خير أمَّةٍ أخرجت للناس.
إنَّ ديننا يأمرنا بالاعتصام بحبل الله جميعًا، وينهانا عن التفرق، وقد شرع لنا الاجتماع والتعارف، والاتحاد والتآلف، فأمرنا بصلاة الجماعة في كل يوم وليلة خمس مرات، وفرض علينا اجتماعًا أعمَّ من ذلك في كل أسبوع لأداء صلاة الجمعة، وشرع لنا ما هو أشمل من ذلك في العيدين من كل عام، وكل هذه الاجتماعات التي دعانا إليها ديننا فمن شأنها أن تجمع أهل الحي أو سكان البلد، وذلك من أجل التواصل والتواد وعدم التقاطع، ولتتفق الكلمة وتتوثَّق الروابط، وتسود المحبة والوئام بين هذه المجتمعات الإسلامية.
عباد الله، إن من محاسن ديننا أنه لم يكتفِ بذلك؛ بل شرع ما هو أعم وأشمل من هذا كلِّه، فدعانا إلى اجتماع عالمي شامل، يجمع المسلمين من سائر أنحاء الدنيا على اختلاف أجناسهم، وتعدد لغاتهم، وتباين عاداتهم، وتباعد أقطارهم، يؤمُّون هذا البيت العتيق الذي شرَّفه الله وفضله وجعله مثابةً للناس وأمنًا؛ ليجتمعوا في هذه المشاعر المقدسة في صعيد واحد، متمسكين بملة واحدة، متبعين شريعة نبي واحد، بمظهر واحد، قد زالت عنهم الفوارق الجنسية، وظهرت فيهم الأخوة الإيمانية، ملبين لربهم، خاضعين له، يرفعون أصواتهم بالتوحيد وإخلاص العبادة لله، علموا أن الأمر كله لله، وأن غيره لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، فإن الله وحده هو النافع الضار المحيي المميت، قال الله – جل وعلا -: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 13 – 14]، علموا أنه – سبحانه – المجيب لمن دعاه، المغيث لمن ناداه، فأنزلوا حوائجهم به وحده، {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].
إخوة الإسلام، في هذه المواقف المشرِّفة يتذكَّرون دعوة خليل الرحمن، حينما أمره الله بالنداء لحج بيته الحرام بقوله – تعالى -: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 27 – 29]. في هذا الموقف العظيم يتذكر المسلم ما هو قادم عليه من أحوال الآخرة وأهوالها، من أول ساعةٍ يوضع في قبره إلى يوم وقوفه بين يدي ربه، يوم يحشر الخلائق في صعيدٍ واحد حفاءً عراةً غُرْلاً، {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19]، عند استشعار ذلك الموقف العظيم يخاف المرء من ذنبه، ويندم على سابق فعله، فيجدد لله توبةً نصوحًا، يعاهد ربه على إخلاص العبادة له وحده، ويندم على ما فرط من عصيانه، ويعزم على الكف عن جميع الذنوب والآثام.
عباد الله، إن الحاج من حين يتجرد من المخيط، ويدخل في إحرامه يتذكر أهوال يوم القيامة، يتذكر نشره وحشره؛ لأنه يكون تاركًا أهله وولده، مفارقًا ماله ووطنه، بعيدًا عن عاداته، نائيًا عن مألوفاته، متجردًا من مخيط ثيابه، كاشفًا رأسه، مبقيًا شعره وظفره، معرضًا عن زخرف الدنيا ونعيم الحياة، أشعث أغبر، خائفًا وجلاً لا يدري هل كان سعيه مشكورًا، وحجه مبرورًا، وذنبه مغفورًا؛ فيرجع إلى أهله وقد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، أو يُرد حجُّه عليه؛ فيرجع خاسئًا محسورًا، قد باء بالخيبة والحرمان، لم يحصل له إلا التعب والمشقة؟! وهكذا – يا عباد الله – يكون الناس يوم القيامة، كما قال الله – تعالى -: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق: 7 – 12].
عباد الله، إن هذا البيت الحرام هو أول بيتٍ وضع للناس، إنه مبعث أفضل المرسلين، ومهبط الوحي المبين، وقِبلة المسلمين، {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96 – 97].
عباد الرحمن، التزموا الأدب مع الله، فلا تلتفتوا لأحدٍ سواه بطلب المدد والحاجات، واتصفوا بالأدب مع نبيه الكريم ، فلا تقدِّموا على قوله قولَ من سواه، ولا تؤذوا إخوانَكم المسلمين، وقد حرّم الله أذية المؤمنين بقوله – سبحانه -: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58]، فلا تقعوا في الإثم وأنتم لا تشعرون، ولا تبطلوا أعمالكم وأنتم لا تعلمون.
أسأله – سبحانه – أن يمنَّ علي وعليكم بالبصيرة في الدين، وينفعني وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، أحمده سبحانه وأشكره أن دعانا لحج بيته الحرام، وجعل الحج كفارة لجميع الآثام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعملوا بطاعته، وأدوها بأدبٍ وانشراح صدر وسرور، فإنه ليس في الإعمال أحسن من عمل صالح مقبول يتقرب العبد فيه إلى مولاه، فيجني ثماره يوم القيامة، ويجزيه الله عليه الجزاء الأوفى، وينال به عند الله الحسنى.
ألا وإن من أعظم الأعمال ثوابًا، وأجزلها عطاءً هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، وهو حج بيت الله الحرام، فإن الله يكفر به الذنوب، ويمحو به الخطايا، ويجزل به العطايا، فهل هناك أفضل من عمل يكون جزاؤه الجنة، التي هي غاية المطلوب ونهاية المنى؟! يقول : ((الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة))، يا له من جزاءٍ عظيم، وثواب جسيم، يتنافس فيه أولو العقول الزاكية، والهمم العالية، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26]، ولكن للحج شروطًا، وله التزامات يجب الالتزام بها، فمن قام بواجباته، وكمَّل لوازمه، حصل له المقصود من تمام الأجر، ورضا الله سبحانه، وإذا لم يبالِ به فاته جُلُّ المطلوب، وقد بيَّن لنا القرآن الكريم ذلك، وأوضحته سنة النبي الكريم، يقول – سبحانه -: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]؛ يعني من نوى فيها الحج، ويقول – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن حج فلم يرفث ولم يفسق؛ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)).
المصدر : الألوكة