في أزمة الإنسانية
الثلاثاء- 18 ذوالقعدة 1434 الموافق24 أيلول / سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
يَمُر العالم اليوم بمرحلة خطيرة، ويتعرَّض المسلمون فيها إلى موقف حرِج، هل سيحافظون على كِيانهم أم يذوبون في الآخرين فيُضيِّعوا هُويتهم وأصالتهم؟
إن حضارة أوربا بلغت في الجانب المادي مبلغًا كبيرًا جدًّا، واستطاعت أن تُحقِّق للإنسان مقاصده من السيطرة على الآخرين؛ بسبب ما اخترعت من أدوات الحرب المتطورة، واستطاعت كذلك أن تُحقِّق للإنسان من صُنوف الراحة والرفاهيَّة ما لم يكن يَحلُم به معظمُ أساطين هذه الحضارة، وأهملت الجانبَ الرُّوحي وتجاهلتْه.
إنها بذلك أساءتْ إلى التكوين السوي للإنسان المخلوقِ من رُوح وجسد، وجعلتْه فريسة لقلقٍ يُدمِّر كِيانه، ولأمراض نفسية عديدة.. فبدَّدت سعادته المتوقَّعة.. وكانت أزمة وأية أزمة؟!
هذه حقيقة يُقرِّرها كثيرٌ من علماء هذا العصر ومُفكِّريه، ويُعلنون تخوُّفهم من إشراف هذه الحضارة على الانهيار والدمار.
إن أسئلة عديدة تَطرَح نفسَها على إنسان هذا العصرِ، فلا يجدُ لها جوابًا مقنعًا، قد يجهر بها، وقد تبقى تتردَّد بينه وبين نفسه، ولو كان من المؤمنين، لوجد الجواب الشافي.
صحيح أن هذه الحضارة ملأت وقتَ الإنسان بما يُبعِده عن جو هذه الأسئلة، وجعلته في دوامة العمل والإنتاج، واللذة واللهو، والرفاهية والمتعة، في شُغْل دائم، ولكنها لم تستطع إبعاد هذه الأسئلة عن فِكْره في أوقات التأمل..
وإليكم بعضَ هذه الأسئلة:
لماذا وُجدتُ في هذه الدنيا؟ ما طبيعة هذا الكون؟ وما الصِّلة بيني وبينه؟ وإلى أين المصير؟
أسئلة تَعرِض للإنسان مهما كانت درجة ثقافته، وقد صاغ هذه الأسئلة شعرًا إيليا أبو ماضي في قصيدة دعاها الطلاسم[1]، فقال:
جئت، لا أدري من أين؟ ولكني أتيتُ
ولقد أبصرتُ قدامي طريقًا فمشيتُ
وسأبقى سائرًا إن شئتُ هذا أم أبيتُ
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي
لستُ أدري
أجديدٌ أم قديم أنا في هذا الوجود
هل أنا حرٌّ طليق أم أسيرٌ في قيود
هل أنا قائدُ نفسي في حياتي أم مَقود
أتمنَّى أنني أدري ولكن…
لست أدري
أوَراء القبرِ بعد الموتِ بعْثٌ ونشور
فحياةٌ فخلودٌ أم فناء فدثور
أكلامُ الناسِ صِدْقٌ أم كلامُ الناس زور
أصحيحٌ أن بعضَ الناس يَدرِي
لست أدري
إذًا، فالعالم اليوم يمرُّ بمرحلة خطيرة، تتلخص في أن حضارته الضخمة المادية مُشرِفةٌ على الانهيار؛ لأنها أفلستْ في القيم والمُثُلِ، ولم تستطع أن تُقدِّم للإنسان تفسيرًا مقنعًا لمظاهر الكون، ولا جوابًا شافيًا للأسئلة العديدة التي تُلِح عليه طالبة الجواب.
ومن هنا نستطيع أن نجد تفسيرًا لانتشار بعض المذاهب الضالة السخيفة في أوربا وأمريكا.. إن الناس هناك أحسُّوا بأن المادة ليست كل شيء في حياتهم، فانطلقوا يلتَمِسون الشيء الذي افتقدوه في هذه الدعوات الشرقيَّة، التي تجعل موضوع الرُّوح موضوعًا أساسيًّا.
إنها أزمة حادة؛ ذلك لأن اختلاط الناس بعضهم ببعض، وامتزاجهم لسهولة المواصلات – عمَّم البلاء، وكاد أن يجعل الوباء عامًّا شاملاً؛ ولذلك فإن الذين يَغارون على مستقبل الإنسان المعاصر يتطلعون إلى إرشادات وتوجيهات من هنا؛ من بلاد الإسلام.
إن على أرباب الأقلام وقادة الفكر والواعين من المسلمين أن يتقدَّموا ليكشفوا عن محاسن هذا الإسلام العظيم ومزاياه، وعن حلِّه لمعضلات الحياة المستعصية، وعن قدرته على تقديم كلِّ ضرورات الإنسان وحاجاته وكمالياته، وتوفيرها بشكل مُتوازِن، لا يطغى فيه جانبٌ على جانب.
لقد أفلست الشيوعيَّة في بلدها الأم – روسيا – والرأسماليَّة تتوالى عليها الانتكاسات في بلدان عدة من أوربا وأمريكا.
ولم يبقَ من مُنقِذ للناس في دنياهم المعمورة إلا الإسلام، وهنا تأتي المهمة الضخمة لكل عالم وواعٍ لحقيقة الإسلام ليُقدِّمها لهؤلاء الناس.
يا أخي المسلم، إنك اليوم المُرشِد لسفينة الحياة في اجتيازها أزمة القلق والحَيرة، لتبدأ – يا أخي – بإنارة المشعل؛ فلقد أَعْمت دياجيرُ الظلم والظلمة والجهل والجهلة عيونَ الجماهير.. ألا فلتَنطلِق كلمة التوحيد، ولتكن لك السيادة والقيادة؛ ليَعُم السلامُ الكونَ، وليعيش الناس سعداء.
والحمد لله رب العالمين..
[1] وقد عارضها وردَّ ما فيها من مقولات منحرفة باطلة أخونا وصديقنا الأستاذ الدكتور ربيع السعيد عبدالحليم ودعا قصيدته “فكَّ الطلاسم”، وأهداني نسخةً منها وألقاها في مجلس الدكتور محمد … مساء السبت ……
جئتُ دنياي وأدري عن يقينٍ كيف جئتُ
جئت دنياي لأمرٍ من هدى الآي جلوتُ
ولقد أبصرت قدَّامي دليلاً فاقتديتُ
ليت شعري! كيف ضلَّ القوم عنه؟!
ليت شعري
المصدر :الألوكة