نبي المسلمين، ودين الإسلام، والحضارة الإسلامية

الأربعاء- 19 ذوالقعدة 1434 الموافق25 أيلول / سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).مرابطون

محمد حسام الدين الخطيب 

مدخل:

التقيته لأول مرة في مكتبة المركز الثقافي الفرنسي بدمشق، حيث كنت ألازمها لأنجز بحثاً كان عليَّ إنجازه.

أما هو؛ فقد كان شاباً فرنسياً أوفدته حكومة بلاده إلى دمشق لدراسة اللغة العربية وإتقانها، فكان يمضي كثيراً من أوقاته في تلك المكتبة.

وتكررت لقاءاتي به.. وتنامت أحاديثنا مع الأيام.. حتى تأكدت أواصر المعرفة فيما بيننا.. وصار يثق بما أقول، وصرت أثق بما يقول.

وذات يوم؛ جاءني وأنا جالس أمام منضدتي في قاعة المكتبة أطالع بعض الكتب.. فسلَّم علي، وهمس لي – مراعياً الصمت المطبق في القاعة – قائلاً: محمد.

قلت: لبيك يا جورج.

قال: أود أن أفضي إليك بحديث.

قلت: هات ما عندك.

قال: ليس هنا مكان الحديث.

قلت: نخرج إلى البهو.

قال: حديثي يحتاج إلى أناة وتفكُّر.. فإما أن تزورني في بيتي، وإما أن أزورك في بيتك.

قلت: بل تزورني في بيتي مساء هذا اليوم، على الرُّحب والسَّعة، ويصير بيننا خبز وملح.

قال: حسناً؛ اتفقنا.

وجاءني جورج في المساء.. وبعدما نظفنا أيدينا من آثار الطعام، جلسَ وجلستُ، وبدأت الحديث فقلت: إيه يا جورج؛ ماذا عندك؟

فتروَّى قليلاً ثم قال: أنا على مفترق طرق، وعليَّ أن أختار منها واحداً أسلكه، والعقل لا يرضى لي أن أختار قبل أن أكون على بينة.

قلت: نِعمَ ما يشير به العقل عليك.

قال: أريد أن أعرف شيئاً عن نبيك، ودينك، وكتابك المقدس.

فقلت بلهجة جادة: تريد أن تعرف شيئاً عن نبي المسلمين، وعن الإسلام، وعن القرآن؟

قال: أجل.

قلت: خير لك أن تطالع بعض الكتب الموثوقة التي تتحدث عما تود معرفته، فتصل إلى ما تريد.

قال: الكتب بنات أصحابها، وأخشى إن دخلت حلبتها وأنا جاهل؛ أن أعتقد الخطأ صواباً والصواب خطأً.

قلت: لك ما تريد، وحياك الله، أتود أن أحدثك بما أعرف؟

قال: لا.

قلت: ولِمَ هداك الله؟!

قال: لأنك مسلم؛ ولا بد لعاطفتك الدينية من أن تشوب كلامك، وأنا أريد حديثاً عقلانياً لا عاطفة فيه؛ على الطريقة الغربية.

قلت: لك ما تريد، إذاً أحدثك بما عند النخبة من علماء المسلمين.

قال: لا؛ فهؤلاء أيضاً يمكن أن تشوب كلامهم حماسة دينية قد تغطي عليَّ بعض ما أنشده من حديث العقل.

قلت: لك هذا أيضاً؛ إذاً أحدثك بما عند النخبة من الغربيين الذين دخلوا الإسلام وعرفوه وعرفوا نبيه حق المعرفة.

قال: لا؛ فهؤلاء أيضاً صاروا مسلمين، وصار يتوقع منهم ما يتوقع ممن أسلفتَ ذكرهم.

قلت: حسناً؛ إذاً أحدثك بما عند النخبة من علماء الغربيين الموصوفين بالحياد، الذين لم يدخلوا الإسلام لكنهم درسوا سيرة حياة نبي المسلمين، ودرسوا القرآن الكريم حق الدراسة؛ ثم خرجوا علينا بنتائج يرضى عنها العقل السليم، وتخلو من العاطفة والحماسة اللتين لا ترضاهما أنت.

قال: أصبتَ؛ مثل هذا أريد.

تعريف:

قلت: سل عما بدا لك.

قال: أريد أولاً أن أعرف من هو محمد الإنسان.

قلت: محمد الإنسان ليس موضع خلاف، وغير المسلمين يتفقون مع المسلمين على أنه بشر مثل غيره من بني البشر. يقول د. رالف لنتون في كتابه (شجرة الحضارة): «ولد محمد في مكة عام 570 م من عائلة ذات مركز حسن، ولكن أباه مات قبل ولادته، كما ماتت أمه عندما كان في السادسة من عمره.. وفي السنوات الأولى من سني المراهقة كان يعمل راعياً.. وعندما بلغ السابعة عشرة من عمره ذهب إلى سوريا مع عمٍّ له[1]– بقصد التجارة – وعندما أصبح في الرابعة والعشرين كان ينوب عن أرملة غنية – هي السيدة خديجة – في السفر بقافلتها التجارية، وبعد عام آخر؛ أي في عام /595/م تزوج تلك الأرملة التي كانت في الأربعين من عمرها، وكانت قد تزوجت قبل ذلك مرتين، ولها من زوجيها السابقين ولدان وبنت[2]. وولدت له هذه الأرملة ولدين ماتا عندما كانا طفلين، وأربع بنات. وفي السنوات الواقعة بين عامي /595-610/ م كان محمد تاجراً محترماً في مكة، وكان يلقب بالأمين نظراً لما اتصف به من صدق وحكمة في أحكامه»[3].

فقال جورج مقاطعاً: ومن يشهد على سلوكه هذا، غير د. رالف؟

قلت: يقول المستشرق (آرثر جيلمان) في كتابه (الشرق): «لقد اتفق المؤرخون على أن محمداً كان ممتازاً بين قومه بأخلاق جميلة؛ من صدق الحديث، والأمانة، والكرم، وحسن الشمائل، والتواضع.. وكان لا يشرب الأشربة المسكرة، ولا يحضر للأوثان عيداً ولا احتفالاً»[4]. – ويقول المستشرق (كارل بروكلمان): «لم تشبْ محمداً شائبة من قريب أو بعيد؛ فعندما كان صبياً وشاباً عاش فوق مستوى الشبهات التي كان يعيشها أقرانه من بني جنسه وقومه»[5].

وأردفتُ: وانتهت فترة الشباب ذات الفورة والاندفاع، وكان محمد فيها مثالاً لرجاحة العقل،وسلامة الطبع وصدق اللسان بين قومه وعارفيه.

وتابعت قائلاً: ولما بلغ محمد سن الأربعين؛ أي عام /610م/، بدأ حياة جديدة.. فقد نزل عليه وحي الله، وأخبره أن الله سبحانه قد اختاره رسولاً نبياً للناس كافة، ينقل إليهم دين الله، الإسلام، حتى يطبقوه في حياتهم الدنيا، فينتفي به التظالم بين الناس.. ويموت الشر، ويحيا الخير.

قال جورج: ومن يشهد بهذا؟

قلت: يقول المستشرق الإنكليزي (بالمر) في مقدمته لترجمته للقرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية: «لقد جاء محمد بمبدأ للعالم عظيم، ودين لو أنصفت البشرية لاتخذته لها عقيدة ومنهاجاً تسير على ضوئه، وقد كان محمد عظيماً في أخلاقه، عظيماً في صفاته، عظيماً في دينه وشريعته».

وأردفتُ: وبدأتْ حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، التي غيرت وجه العالم والتاريخ.. وبدأ صراع مرير بين أنصار الدين الجديد وبين مناوئيهم من أصحاب المصالح الظالمة.

يقول د. رالف في كتابه السالف «اجتذب الوحي الذي نزل على محمد عدداً من الأتباع، وبدأ ينتشر بين الناس.. وحاولت جماعة قوية ممن كانوا يكرهون عائلة محمد، ورأوا في تعاليمه ما يهدد مصالحهم، حاولت أن تغتاله؛ ولكنها لم تنجح في محاولتها. وهاجر محمد والجماعة المخلصة القليلة من أتباعه إلى المدينة يوم /16 يوليه 622م/[6] وهو تاريخ هام يجب أن لا ننساه لأنه عام الهجرة الذي يؤرخ به جميع المسلمين حتى الآن»[7].

وهنا قال جورج: مهلاً؛ فأنا كما أشرتَ أنت؛ أتفق معك ولا أختلف؛ بدءاً من ولادة محمد حتى بعث في سن الأربعين. ولا أُنكر شيئاً من هذا الإيجاز لسيرته قبل البعثة. لكن منذ بدء البعثة، منذ صار محمد نبياً؛ يصبح الميدان واسعاً والخلاف عميقاً.

قلت: كيف؟


حقيقة نبي المسلمين ودحض الافتراءات والتهم الباطلة:

1- تهمة الكذب والشعوذة:

قال جورج: هناك من يتهم محمداً أنه كان كذاباً خداعاً مشعوذاً، لم ينزل عليه وحي من السماء، ولا كُلِّف برسالة من الله، وما هو بنبي.

قلت: لقد رد العلماء العقلاء من الغربيين على هذا:

– يقول الشاعر الفرنسي الشهير (لامارتين) في كتابه (السفر إلى الشرق): «أترون أن محمداً كان صاحب خداع وتدليس، وصاحب باطل وكذب؟! كلا؛ بعدما وعينا تاريخه، ودرسنا حياته»[8].

ويقول (لامارتين) في كتابه هذا أيضاً: «إن محمداً فوق البشر، ودون الإله، فهو رسول بحكم العقل.. وإن اللغز الذي حله محمد في دعوته فكشف فيها عن القيم الروحية، ثم قدمها لأمته ديناً سماوياً سرعان ما اعتنقته؛ هو أعلى ما رسمه الخالق لبني البشر»[9].

– ويقول المستشرق الفرنسي (د. وايل) في كتابه (تاريخ الخلفاء): «إن محمداً يستحق كل إعجابنا وتقديرنا كمصلح عظيم، بل ويستحق أن يطلق عليه لقب (النبي)، ولا يُصغى إلى أقوال المغرضين وآراء المتعصبين، فإن محمداً عظيم في دينه وفي شخصيته، وكل من تحامل على محمد فقد جهله وغمطه حقه».

– ويقول (ديسون) في كتابه (الشرائع): «وليس يزعم أحد اليوم أن محمداً راح يزوِّر ديناً، وأنه كاذب في دعواه؛ إذا عرف محمداً ودرس سيرته، وأشرف على ما يتمتع به دينه من تشريعات تصلح أن تظل مع الزمن مهما طال، وكل من يكتب عن محمد ودينه ما لا يجوز فإنما هو من قلة التدبر وضعف الاطلاع»[10]

  – ويقول الفيلسوف الإنكليزي (هربرت سبنسر) في كتابه (أصول الاجتماع): «لم يكن محمد إلا مثالاً للأمانة المجسمة، والصدق البريء، وما زال يدأب لحياة أمته ليله نهاره»[11]

  – ويقول المستشرق البلجيكي القسيس (هنري لامنس) في كتابه (مهد الإسلام): «جاء محمد بقلب خالٍ من كل كذب، ومن كل ثقافة باطلة، ومن كل فخفخة فارغة، وأمسك بكلتا يديه العروة الوثقى»[12]

  – ويقول المستشرق الألماني (كارل هينرش بكر) في كتابه (الشرقيون): «لقد أخطأ من قال إن نبي العرب دجال أو ساحر، لأنه لم يفهم دينه السامي، إن محمداً جدير بالتقدير، ودينه حريٌّ بالاتباع، وليس لنا أن نحكم قبل أن نعلم، وإن محمداً خير رجل جاء إلى العالم بدين الهدى والكمال»[13]

  – ويقول (توماس كارليل) في كتابه (الأبطال): «لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يصغي إلى ما يُظن من أن دين الإسلام كذب، وأن محمداً خداع مزوِّر، وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة، فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير.. فوا أسفاه ما أسوأ مثل هذا الزعم، وما أضعف أهله وأحقهم بالرثاء والمرحمة.. ولعل العالم لم ير قط رأياً أكفر من هذا ولا ألأم! وهل رأيتم معشر الإخوان أن رجلاً كاذباً يستطيع أن يوجد ديناً وينشره؟!.. كذبٌ والله ما يذيعه أولئك الكفار؛ وإن زخرفوه حتى خيلوه حقاً، وزور وباطل وإن زينوه حتى أوهموه صدقاً، ومحنة والله ومصاب أن ينخدع الناس شعوباً وأمماً بهذه الأباطيل». إلى أن يقول: «لسنا نعد محمداً قط رجلاً كاذباً متصنعاً يتذرع بالحيل والوسائل إلى بُغيةٍ، أو يطمع إلى درجة ملك أو سلطان أو غير ذلك من الحقائر والصغائر. وما الرسالة التي أداها إلا حق صراح، وما كلمته إلا صوت صادق صادر من العالم المجهول. كلا؛ ما محمد بالكاذب ولا الملفق، وإنما هو قطعة من الحياة قد تفطر عنها قلب الطبيعة فإذا هي شهاب قد أضاء العالم أجمع»[14].  

  – ويقول الفيلسوف الألماني (غوته): «لقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان؛ فوجدته في النبي محمد»[15]

وأردفت: أيكون المثل الأعلى للإنسان في مخيلة (غوته) رجلاً كذاباً مشعوذاً؟

قال جورج: لا.

قلت: ويقول المستشرق (رودلف دتوراك) في كتابه (حياة وشعر أبي فراس الحمداني): «ولا يجوز لنا أن نفند آراء محمد؛ بعد أن كانت آيات الصدق بادية عليها، فهو نبي حق، وأوْلى به أن يُتَّبع، ولا يجوز لمن لم يعرف شريعته أن يتحدث عنها بسوء، لأنها مجموعة كمالات إلى الناس عامة»[16].

– ويقول الكاتب الفرنسي (إميل درمنغهم) في كتابه (حياة محمد): «الواقع أنه لم يبق أدنى شك في صدق محمد، فإن جميع حياته تدل على ذلك.. وكانت عظمة محمد الحقيقية هي العظمة الآتية له من الله بالإلهام الإلهي الذي كان يُقذف في روعه».

– ويقول المستشرق الكندي (جيبون) في كتابه (محمد في الشرق): «إن دين محمد خالٍ من الشكوك والظنون، والقرآن أكبر دليل على وحدانية الله.. ومن يتهم محمداً أو دينه، فإنما ذلك من سوء التدبير، أو بدافع العصبية، وخير ما في الإنسان أن يكون معتدلاً في آرائه، ومستقيماً في تصرفاته»[17]

  – ويقول المستشرق الألماني (دي تريسي فريدريك) في كتابه (مقولات أرسطو طاليس): «إن من اتهم محمداً بالكذب؛ فليتهم نفسه بالوهن والبلادة وعدم الاطلاع على ما صدع به من حقائق».

– ويقول عالم اللاهوت السويسري (د. هانز كونج): «محمد نبي حقيقي بمعنى الكلمة، ولا يمكننا بعدُ إنكارُ أن محمداً هو المرشد القائد على طريق النجاة»[18]

  – ويقول المستشرق (سينرستن) في كتابه (تاريخ حياة محمد): «إننا لم ننصف محمداً إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات، وحميد المزايا.. لقد أصبحت شريعته أكمل الشرائع، وهو فوق عظماء التاريخ»[19]

وأردفت: أيكون كذاباً مشعوذاً من هو فوق عظماء التاريخ يا جورج؟

قال جورج: لا. 

قلت: أزيدك يا جورج؟

قال جورج: حسبي؛ على أن هناك ذيلاً لتهمة الكذب والشعوذة التي روِّجت في الغرب عن محمد.

قلت: وما ذاك؟


2- تهمة التلفيق:

قال جورج: أحياناً يقول بعض المتهمين إن محمداً قد لفق التعاليم الإسلامية عن التعاليم اليهودية والنصرانية وغيرِها ثم ضمَّنها كتاب (القرآن) وطلع على الناس بدينه الجديد.

قلت: ومن أين يأتي محمد بالتعاليم اليهودية والنصرانية وغيرِها؟

قال: من التوراة والإنجيل وقد كان هذان الكتابان معروفين لمن يريد أن يقرأهما ويطلع عليهما.

قلت: وكيف يقرؤهما ويطلع عليهما وهو لا يعرف القراءة والكتابة، ولو عرفها لما خفي هذا على معاصريه.

قال: ومن يشهد بهذا من نخبة الغربيين؟

قلت: يقول المؤرخ الفرنسي الشهير (سيديو) في كتابه (تاريخ العرب العام): «كان محمد أمّياً كأبناء بلده، فكان لا يستطيع حتى القراءة»[20].

ويقول المستشرق الفرنسي (الكونت هنري دي كاستري) في كتابه (الإسلام – المسمى في الترجمة العربية: خواطر وسوانح): «كان محمد لا يقرأ ولا يكتب؛ بل كان كما وصف نفسه نبياً أمياً، وهو وصف لم يعارضه فيه أحد من معاصريه، ولا شك أنه يستحيل على رجل في الشرق أن يتلقى العلوم بحيث لا يعلم الناس، لأن حياة الشرقيين ظاهرة للعيان.. ثبت إذاً مما تقدم؛ أن محمداً لم يقرأ كتاباً مقدساً، ولم يسترشد في دينه بمذهب متقدم عليه»[21].

– ويقول المستشرق الإنكليزي (بالمر) في مقدمته لترجمته للقرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية: «وإنني لا أبالغ إذا قلت: إن شريعة محمد تحمل إلى الناس تعاليم ونظماً وقوانين ليست في غيرها مما سبق عليها».

قال جورج: إذاً بماذا تفسر احتواء القرآن على بعض التعاليم اليهودية والنصرانية، ودفاعه عن هاتين الديانتين في مواطن كثيرة كما يقول بعض المتهِمين؟

قلت: على رسلك يا جورج؛ تود أن تعرف سر هذا؟

قال: أجل.

قلت: أتدري يا جورج ما الدين الذي جاء به نبي المسلمين؟

قال: هو الإسلام.

قلت: أتدري ما الإسلام؟

قال: هو دين محمد.

قلت: لكن محمداً نبي المسلمين لا يقول هذا.

قال: ماذا يقول إذاً؟

قلت: يقول: إن الإسلام هو دين الله؛ الذي جاء به جميع الأنبياء قبل محمد؛ بمن فيهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، تقول الآية الكريمة:{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[22]  .

قال: وما معنى هذا؟

قلت: معناه أن نبي المسلمين لم يأت بدين جديد، وأن ما جاء به لا يتناقض أبداً مع ما جاء به نوح وإبراهيم وموسى وعيسى؛ بل هو يدعمه ويشهد له. وإن الإله الذي عبده محمد ودعا الناس إلى عبادته؛ هو الإله ذاته الذي عبده نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ودعوا الناس إلى عبادته، ولهذا تجد في القرآن الكريم ذِكراً طيباً لجميع أنبياء الله منذ آدم وحتى محمد بن عبد الله عليهم السلام، وتجد فيه إشارات لبعض ما جاؤوا به، وبخاصة أساس دعوة دين الله على مر العصور والأزمان؛ وهو التوحيد: أن لا إله في السموات والأرض إلا الله سبحانه، وعلى هذا اتفقت دعوة جميع الأنبياء والرسل.

– وفي هذا يقول الكاتب الفرنسي (موريس بوكاي) في كتابه (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم): «أما الوحي القرآني الذي نزل عقب ستة قرون من المسيح، فقد احتفظ بالعديد من تعاليم التوراة والإنجيل اللذين أكثر من ذكرهما، بل وفرض على كل مسلم الإيمان بالكتب السابقة (سورة 4 آية 136) كما أبرز المكانة المهمة التي شغلها في تاريخ الوحي رسل الله – كنوح وإبراهيم وموسى؛ وعيسى الذي كان له من بينهم مقام مرموق؛ وقد أظهر القرآن ولادته – كما في الإنجيل – كحدث معجز، كما كرم والدته مريم تكريماً خاصاً وأطلق اسمها على السورة رقم /19/. ولا مفر من الاعتراف بأن هذه التعاليم الإسلامية مجهولة على العموم في بلادنا الغربية، وقد يعجب البعض من هذا! ولكن سرعان ما يزول ذلك إذا ذكرنا الطريقة التي لُقن بها العديد من الأجيال – الغربية – قضايا الإنسانية الدينية، والجهالة التي تُركوا فيها تجاه كل ما يخص الإسلام..»[23].

– وفي هذا يقول العالم اليوغوسلافي (د. ويلسون) في محاضرة له: «إننا إذا لم نعتبر محمداً نبياً، فإننا لا نستطيع أن ننكر أنه مرسل من الله، ذلك أنه ليس هناك غيره قد راح يفسر النصرانية الأولى تفسيراً رائعاً صادقاً، وإن دينه الذي جاء به لا يعارض الديانة النصرانية، وكل ما جاء به حسن»[24]

  – ويقول (كارل ماركس) في كتابه (الحياة): «إن الرجل العربي الذي أدرك خطايا النصرانية واليهودية، وقام بمهمة لا تخلو من الخطر بين أقوام مشركين يعبدون الأصنام؛ يدعوهم إلى التوحيد، ويزرع فيهم أبدية الروح، ليس من حقه أن يُعدَّ بين صفوف رجال التاريخ العظام فقط، بل جدير بنا أن نعترف بنبوته، وأنه رسول السماء إلى الأرض». 

  – ويقول د. رالف لنتون في كتابه (شجرة الحضارة): «وبكل تأكيد كانت تعاليم محمد أكثر صراحة وفهماً مما كان عليه الحال في الديانة الزرادشتية أو الديانة النصرانية وهما الديانتان اللتان كانتا تنافسان الإسلام منذ نشأته»[25]

  – بل إن عالم اللاهوت السويسري (د. هانز كنج) يعلن قائلاً: «إن النبي محمداً نبي مرسل، ويحمل الهدى للبشرية جمعاء، وإنه خاتم الأنبياء والمرسلين، وإن الإنجيل بشَّر به قبل التحريف، وإن القساوسة هم أول من يُقبلون على الإسلام ويعتقدونه إذا ما صدقوا»[26]

قال جورج: إذا كان الأمر كما تقول وأن الأنبياء قبل محمد قد جاؤوا بالإسلام دين الله، فما الحاجة إلى بعثة محمد؟

قلت: ذلك لأن الناس حرفوا الدين الذي جاء به الأنبياء وخرجوا به عن التوحيد الخالص إلى الشرك، فالعرب أتباع ملة إبراهيم حرفوا ما جاء به إبراهيم وصاروا يعبدون الأوثان والأصنام ويشركونها مع الله سبحانه، واليهودية والنصرانية حُرِّفتا ودخل عليهما من الطقوس والعبادات والعقائد ما لم يأت به موسى ولا عيسى عليهما السلام. فكان لا بد من بعثة نبي يجدد دعوة الأنبياء قبله ويعيدها إلى مسارها الصحيح في الاعتقاد بوحدانية الله سبحانه؛ الوحدانية النقية الخالصة من كل شرك. ولهذا بُعث نبي المسلمين خاتم الأنبياء.

قال: ومن يشهد لما تقول؛ من النخبة الذين تحدثني عنهم؟

قلت: يقول المفكران (هنري توماس و دانلي توماس) في كتابهما (القادة الدينيون): «في القرن السابع – الميلادي – حين بدا على الدنيا أنها قد أصيبت بالجفاف، وحين فقدت اليهودية مولدها، واختلطت النصرانية بموروثات الأمم الرومانية والبربرية؛ ينبع في الشرق فجأة ينبوع صاف من الإيمان ارتوى منه نصف العالم»[27].

– ويقول الباحث الأمريكي الكبير (د. مايكل هارت) في كتابه (المئة الأوائل): «ولسوء الحظ إن الأناجيل يناقض بعضها بعضاً أحياناً في نقاط متعددة»[28].  

  – أما الفيلسوف الفرنسي الشهير (فولتير) فيقول مخاطباً بني قومه: «لقد قام النبي بأعظم دور يمكن لإنسان أن يقوم به على الأرض.. إن أقل ما يقال عنه أنه قد جاء بكتاب، وجاهد، والإسلام لم يتغير قط، أما أنتم ورجال دينكم؛ فقد غيرتم دينكم عشرين مرة»[29]

  – ويقول الفيلسوف الإنكليزي (برنارد شو): «لقد أقام محمد فوق اليهودية والنصرانية ودين بلاده القديم؛ ديناً سهلاً واضحاً قوياً، وصرحاً خلقياً قوامه البسالة والعزة القومية»[30].

– ويقول المؤرخ الشهير (ول ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة): «وترى اليهودية والنصرانية والإسلام أن أهم ما يحتاج إليه المجتمع السليم هو الإيمان بان هذا الكون خاضع لحكم أخلاقي مسيطر على شؤونه.. غير أن المسيحية قد أضافت إلى هذه العقيدة أن الله الواحد يظهر في ثلاثة أقانيم مختلفة، أما اليهودية والإسلام فتريان أن هذا الاعتقاد ليس إلا شِركاً مقنعاً، وتعلنان وحدانية الله بأقوى الألفاظ وأشدها حماسة. وفي القرآن سورة خصصت كلها لهذا الغرض هي السورة /112/»[31]

  – ويقول المستشرق الأمريكي البحاثة (سنكس) في كتابه (ديانة العرب): «إن محمداً عليه السلام لم يأت لمكافحة التوراة والإنجيل، بل إنه كان يقول: إن هذين قد أنزلا من السماء لهداية الناس إلى الحق مثل القرآن، وإن تعاليم القرآن جاءت مصدقة لهما، ولكنه لم يأخذ منهما.. وقد رفض محمد نبي الإسلام جميع الرموز والأساطير، ودعا إلى عبادة إله واحد قادر رحمان رحيم كما يصفه القرآن في كل سورة من سوره»[32]

  – ويقول العلامة الفرنسي (لوزون) أستاذ علم الكيمياء والفلك، في كتابه (الله في السماء): «وليس محمد نبي العرب وحدهم؛ بل هو أفضل نبي قال بوحدانية الله، وإن دين موسى وإن كان من الأديان التي أساسها الوحدانية إلا أنه كان قومياً محضاً وخاصاً ببني إسرائيل، أما محمد فقد نشر دينه بقاعدتيه الأساسيتين: وهما الوحدانية والبعث، وقد أعلنه لعموم البشر في أنحاء المسكونة، وإنه لعمل عظيم يتعلق بالإنسان جملة وتفصيلاً عند من يدرك معنى رسالة محمد». 

  – ويقول العلامة الفرنسي الكبير (غوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب): «وللإسلام وحده أن يباهي بأنه أول دين أدخل التوحيد إلى العالم»[33]

  – ويقول المؤرخ الإسباني المستشرق (د. ريتين) في كتابه (تاريخ سوريا ولبنان): «دين محمد قد أكَّد إذاً من الساعة الأولى لظهوره، وفي حياة النبي، أنه عامٌّ. فإذا كان صالحاً لكل جنس؛ كان صالحاً بالضرورة لكل عقل، ولكل درجة من درجات الحرارة». 

  – ويقول المفكر (أتيين دينيه) في كتابه (محمد رسول الله): «لقد دعا عيسى إلى المساواة والأخوة، أما محمد فقد وفق إلى تحقيق المساواة والأخوة بين المؤمنين أثناء حياته»[34]

  – وتقول المستشرقة والأستاذة الجامعية (د. لورافيشيا فاغليري) في كتابها (دفاع عن الإسلام): «دعا الرسول العربي عبدة الأوثان وأتباع نصرانيةٍ ويهوديةٍ محرَّفتين، إلى أصفى عقيدة توحيدية.. إذ كان واثقاً من أن كل عاقل لا بد أن يؤمن آخر الأمر بالإله الواحد، الواجب الوجود»[35]

وتقول: «هناك من يقول: إن الإسلام لم يقدم أيما عنصر جديد لتصوير العلاقة بين الإنسان والله. ولكن أية قيمة لمثل هذا النقد إذا عرفنا أن محمداً نفسه لم يزعم أنه جاء بأفكار جديدة، ولكنه أعلن في جلاء أن الله أرسله ليعيد ملَّة إبراهيم – التي حُرِّفت من بعده – إلى أصلها، وليؤكد ما كان الله قد أوحى به إلى انبيائه السابقين مثل موسى ويسوع المسيح؟ لقد كان هو آخر الأنبياء حملة التشريع؛ ليس غير»[36].

وتقول: «وبفضل الإسلام هُزمتْ الوثنية في مختلف أشكالها.. لقد أدرك الإنسان آخر الأمر مكانته الرفيعة.. لقد هوى الكهان وحفظة الألغاز المقدسة الزائفون، وسماسرة الخلاص، وجميع أولئك الذين تظاهروا بأنهم وسطاء بين الله والإنسان، والذين اعتقدوا بالتالي أن سلطتهم فوق إرادات الآخرين. نقول لقد هوى هؤلاء كلهم عن عروشهم. إن الإنسان أمسى عبداً لله وحده.. وأعلن الإسلام المساواة بين البشر»[37].

ثم تقول: «إن أول واجبات الإنسان أن يتدبر ظواهر الطبيعة، وأن يتأمل فيها لكي ينتهي إلى الإيقان بوجود الله. وانطلاقاً من هذا المبدأ الرئيس ينشأ الإيمان بالأنبياء وبالكتب المنزلة، وللإسلام في كتابه المنزل شيء أعجوبي؛ إن معجزة الإسلام العظمى هي القرآن.. وقد أثبت أنه ممتنع على التقليد والمحاكاة حتى في مادته.. ولا يزال لدينا برهان آخر على مصدر القرآن الإلهي، في الحقيقة التالية: وهي أن نصه ظل صافياً غير محرف طوال القرون التي تراخت ما بين تنـزيله ويوم الناس هذا»[38].

ثم تقول: «ليس من شروط صلاة المسلم أن تؤدى في معبد، لأن أيما مكان في الأرض، شرط أن يكون نظيفاً، هو قريب إلى الله، وبالتالي ملائم للصلاة، وليس المسلم في حاجة لا إلى الكهان، ولا إلى القرابين، ولا إلى الطقوس لكي يسمو بقلبه إلى خالقه. والشرط الوحيد الذي ينبغي توفره في الصلاة لكي تكون مقبولة هو طهارة الجسد والنفس والثياب والمكان»[39].

– ويقول المفكر والفيلسوف الفرنسي (ديكارت) في كتابه (مقالة الطريقة – ترجمة جميل صليبا): «نحن والمسلمون في هذه الحياة، ولكنهم يعملون بالرسالتين العيسوية والمحمدية، ونحن لا نعمل بالثانية، ولو أنصفنا لكنا معهم جنباً إلى جنب، لأن رسالتهم فيها ما يتلاءم مع كل زمان».

– ويقول المستشرق الألماني (تيودور نولدكه) في كتابه (تاريخ القرآن): «نزل القرآن على نبي المسلمين، بل نبي العالم؛ لأنه جاء بدين إلى العالم عظيم، وبشريعة كلها آداب وتعاليم، وحري بنا أن ننصف محمداً في الحديث عنه؛ لأننا لم نقرأ عنه إلا كل صفات الكمال، فكان جديراً بالتكريم»[40]

  – ويقول المستشرق الفرنسي (إدوار مونته) في كتابه (حاضر الإسلام ومستقبله): «إن الانقياد لإرادة الله يتجلى في محمد والقرآن، بقوة لا تعرفها النصرانية». 

  – أما (توماس كارليل) فيقول في كتابه (الأبطال): «وقد زعم (براديه) وأمثاله أن القرآن طائفة من الأخاديع والتزاويق لفقها محمد لتكون أعذاراً له عما كان يرتكب ويقترف، وذرائع لبلوغ مطامعه وغاياته، ولكنه قد آن لنا أن نرفض جميع هذه الأقوال، فإني لأمقت كل من يرمي محمداً بمثل هذه الأكاذيب، وما كان ذو نظر صادق ليرى قط في القرآن مثل ذلك الرأي الباطل»[41]

وهنا قال جورج: ليتني أعرف عالماً ذا نظر صادق على حد قول كارليل ليخبرني الخبر اليقين عن القرآن.

قلت: على رسلك؛ فحاجتك مقضية.

قال: كيف؟

قلت:

– يخبرك بهذا العلامة (شيريل) عميد كلية الحقوق بجامعة فيينا، إذ قال في مؤتمر الحقوق سنة /1927/: «إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها؛ إذ أنه برغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرناً أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوربيين أسعد ما نكون لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة»[42].

– ويقول الأب (د. ميشيل لولونج) عندما سئل عن القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم فقال: «لا بد من احترام القرآن، واحترام الرسول، لا بد أن أفهم ماذا يقول الله لي في القرآن، وما يقول الرسول، وأنا أعتقد أن القرآن من عند الله، وأن محمداً مرسل من الله»[43]

  – ويقول المستشرق النرويجي (د. أينربرج) – وهو من مترجمي القرآن الكريم – عندما سئل أيضاً عن القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم: «لا شك في أن القرآن من الله، ولا أشك في ثبوت رسالة محمد.. وإني عندما ترجمت القرآن الكريم كنت أشعر أن الله ساعدني على ذلك»[44].

وأردفت: أيكفي هذا أم أزيدك يا جورج؟

قال: حسبي.

قلت: بل لأزيدنك واحدة تزيد على ما سبق؛ أترى رجلاً كذاباً مشعوذاً ملفقاً؛ يعلن للناس جميعاً أنه أعجز من أن يستطيع نفع نفسه أو الإضرار بها! وبالتالي فهو أعجز من أن يستطيع نفع غيره أو الإضرار به، ثم يعلن للناس جميعاً أنه بشر مثل غيره من بني البشر لا يعلم الغيب.. وأن ذلك كله مرده إلى الله سبحانه؛ مردداً الأمر الإلهي الذي أوحي إليه في القرآن الكريم: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[45]  . أترى هذا كلام مشعوذ ملفق؟

قال جورج: لا.

قلت: ولهذا قال المؤرخ الشهير (وِل ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة): «ولم يدَّع النبي في يوم من الأيام أنه قادر على معرفة الغيب»[46].

وقبل ديورانت قال الشاعر الفرنسي الشهير (لامارتين) في كتابه (السفر إلى الشرق): «لقد هدم الرسول المعتقدات التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق»[47].


3- تهمة المرض:

قال جورج: لكن إن أنا آمنت بعد كل ما سمعت منك؛ أن محمداً لم يكن كذاباً ولا مشعوذاً ولا ملفقاً، فهناك من يتهمه بأنه كان مريضاً[48].

قلت: ألا ترى بعد كل شهادات النخبة التي أسلفتها لك؛ أن تهمة المرض هذه تهمة باطلة؟

فتروَّى جورج قليلاً ثم قال: أجل.

– قلت: ومع هذا فلآتينك بشهادة جديدة على بطلانها؛ يقول المؤرخان المدققان (غودفرواميين – و – بلانونوف) في كتابهما (تاريخ العالم): «غاية ما نقدر أن نجزم به هو تبرئة محمد من الكذب والمرض، إنما كان محمد رجلاً ذا مواهب إلهية عليا؛ ساد بها أبناء عصره؛ وهي رباطة الجأش، وطهارة القلب، وجاذبية الشمائل، ونفوذ الكلمة. وكان عابداً عظيماً»[49].

– وتزكي هذه الشهادة شهادة أخرى للمؤرخ الشهير (فنلي) إذ قال: «إن نجاح محمد كمتشرع بين أقدم الأمم الآسيوية، وثبات نُظُمه مدى أجيال طويلة في كل نواحي الهيكل الاجتماعي؛ دليل على أن هذا الرجل الخارق قد كوَّنه مزيج نادر من أكبر العبقريات»[50].

– وتزكي هاتين الشهادة شهادة ثالثة للمؤرخ والأستاذ الجامعي (ألين نيكوسين) في كتابه (سيرة غير معروفة للنبي محمد) إذ يقول: «لم يحمل التاريخ لنا حتى اليوم، وربما بعد اليوم؛ عقلية فذة استطاعت أن تغير المفاهيم السياسية في العالم؛ بقدر ما حظيت به عقلية رسول الإسلام». أتكون هذه العقلية عقلية رجل مريض يا جورج؟.

قال جورج: لا؛ وأود أن أنتقل إلى تهمة أكبر من تهمة المرض، بل لعلها تناقضها.

قلت: وما هي؟


4- تهمة الشهوانية:

قال: هناك من يتهم محمداً نبي المسلمين بأنه كان رجلاً شهوانياً مغرماً بالنساء، وأنه تزوج نساءً عدة، وأنه اجتمع عنده منهن تسع زوجات.

قلت: على رسلك يا جورج؛ أتعرف قصة زيجاته؟

قال: لا.

قلت: سأحدثك عنها، وسأروي لك أولاً نصاً لباحثة غربية تحدثت عن هذا الموضوع بشيءٍ من التفصيل من وجهة نظر غربية معتدلة. ثم سأحدثك بإيجاز عن الواقع التاريخي لهذه الزيجات كما ورد في المصادر الصحيحة.

قال: حسناً؛ هات ما عندك.

قلت: تقول البريطانية الباحثة في الأديان (كارين أرمسترونج) في كتابها (سيرة النبي محمد): «لقد أثار موضوع زوجات النبي تأملات كثيرة في الغرب، تتسم بالبذاءة والصفاقة، وبكثير من مشاعر الحسد التي فشل الكتَّاب في إخفائها؛ على نحو ما رأينا في الفصل الأول الذي بينتُ فيه أن محمداً كثيراً ما اتهم بالميل إلى الشهوة الجسدية. وقد فرض القرآن فيما بعد ألا يزيد عدد زوجات المسلم على أربع، ولو أن محمداً قد سُمح له باعتباره نبياً بأكثر من ذلك. والواقع أن الاقتصار على زوجةواحدة لم يكن يعتبر من الأعراف المستحبة في بلاد العرب إلا من جانب قلة لا تذكر، وبعد سنوات كثيرة عندما أصبح محمد من سادة العرب العظماء، كانت زوجاته الكثيرات من دلالة منزلته الرفيعة.

ويغلب أن يكون تعدد الزوجات هو العرف السائد في المجتمع القبلي، ولا يجد الكتاب المقدس – أي التوراة – غضاضة على الإطلاق في الحديث عن الإنجازات الجنسية للملك داود، أو الزوجات اللائي لا يحصى عددهن للملك سليمان، ويعتبر عدد زوجات النبي محمد، بالقياس إلى زوجاتهما، ضئيلاً إلى درجة كبيرة. والواقع أنهما كانا يعيشان، مثل النبي محمد، في مجتمع يمر بفترة انتقالية من الحياة القبلية إلى حياة المدينة، ولكن يخطئ من يظن أن محمداً كان ينعم بالملاذ في حديقة من المتع الدنيوية، بل إن كثرة زوجاته كانت أحياناً، على نحو ما سوف نرى، نعمة ونقمة معاً..»[51].

اقرأ أيضا  التجارة الرابحة لغرس الأشجار في الجنة

وأردفتُ: هذا ما قالته الباحثة البريطانية، جزاها الله عن المسلمين خيراً، فقد حاولت رد التهم الباطلة عن نبي المسلمين ما استطاعت.

أما الواقع التاريخي لزيجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ فنستطيع أن نُلمَّ به من تتبع السيرة النبوية في مصادرها الموثوقة.[52]

فماذا نجد في تلك المصادر؟

في ذروة مرحلة الشباب المتأجج المضطرم بالشهوة الجنسية العارمة؛ في سن الخامسة والعشرين؛ يتزوج محمد من امرأة في سن الأربعين – أي كان من الممكن أن تكون في سن أمه لو تزوجت وهي في سن الخامسة عشرة – ولم تكن امرأة بكراً كما يطمح الشباب في بيئته؛ بل كانت سبق لها أن تزوجت قبله مرتين؛ كما أسلفت لك.

أهذا يدل على شهوانية يا جورج؟

قال: لا.

قلت: وعاش محمد معها، وأنجبت له بنين وبنات.. حتى بلغ هو سن الخمسين، وبلغت هي سن الخامسة والستين، أي أنه عاش معها حياة زوجية هانئة طيلة خمس وعشرين سنة، أي قضى معها مرحلة شبابه كلها، وكان في أثناء ذلك مثال الزوج المخلص الوفي القانع.

وفي هذه السن توفيت فصار من حق محمد أن يبحث عن زوجة جديدة، ولو لم تُتَوَفَّ لما بحث عن غيرها، مع أنها صارت عجوزاً بعرف بيئته.

وبعد سن الخمسين يا جورج؛ لا تكون الشهوانية مطمع الرجل؛ حتى إن كان قبلها شهوانياً، فما بالك بمن لم يكن كذلك كما بينت لك.

وبين الخمسين والستين حصلت زيجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ التي اتهمه بعض الجهلاء لأجلها بالشهوانية.

قال جورج: لماذا تقول بعض الجهلاء؟

قلت: لأنهم لو لم يكونوا جهلاء لقرؤوا في السيرة النبوية عن أحوال هؤلاء النسوة اللواتي لم يكنَّ من غرض الرجل الشهواني.

قال: لِمَ؟

قلت: لأنه لم تكن منهن فتاة بكر سوى عائشة، أما سائرهن فقد كنَّ ثيبات سبق لهن أن تزوجن بغير النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تخطين ميعة الصبا. أما السيدة عائشة فقد كانت سنها عندما تزوج بها تسع سنوات فقط، أي أنها كانت صغيرة ولم تظهر منها بعد المفاتن التي يصبو إليها الشهواني. وهو لم يتزوجها إلا تكريماً لأبيها أبي بكر الصديق أقرب أصحابه إليه.

قال جورج بعد أن تروَّى قليلاً: إن في هذا الكلام مَقنع؛ لكن إن أنا آمنت معك بأن زيجات محمد لم تكن عن شهوانية؛ فبماذا تفسرها لي؟

قلت: لو قرأتَ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في مصادرها الصحيحة التي سبق أن أشرت إليها، لوجدت أنه عندما تزوج بعد سن الخمسين لم يأت إلى داره بمجموعة من ملكات الجمال الغانيات اللواتي تصبو إليهن نفوس أصحاب الشهوات.. إنما جاء إلى داره بمجموعة من الأرامل اللواتي فقدن أزواجهن لأسباب مختلفة[53]، ثم لم يتقدم إليهن الكفء الذي يعولهن ويصلح حالهن. فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن صار يضمهن إلى داره عن طريق الزواج صوناً لهن، تلك الدار التي كانت تمر عليها أيام وليس فيها ما يكفي للنفقة عليهن! فأين هنَّ من التنعم الدنيوي فيها. ولقد جاء يوم اجتمعن فيه وعزمن على تقديم الاحتجاج لزوجهن مطالبات بالنفقة التي تكفيهن! ومن أين يأتيهن بما يكفيهن؟ إذا كان هو ذاته يلجأ أحياناً إلى ربط حجر على بطنه عندما ينزل به الجوع!

وهنا استبق جورج الكلام وقال: وكيف تصرف محمد في هذا الموقف؟

قلت: لقد تفكر في الأمر قرابة شهر، وهو ينتظر أن يوحي إليه الله سبحانه بما يفرج كربه. وفي نهاية ذلك الشهر نزلت الآيات القرآنية تقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً{28} وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً}[54].

لقد أمره الله سبحانه أن يخير أزواجه بين الطلاق الذي يحصلن فيه على كافة حقوق المطلقات، فيما إذا كن يفضلن متاع الدنيا وزينتها، وبين البقاء معه طلباً للفوز بالدار الآخرة وما أعد الله سبحانه فيها للمحسنات من ثواب.

قال جورج: وماذا اختارت نساء محمد؟

قلت: لقد اخترن البقاء مع زوجهن والفوز بثواب الآخرة، ورفضن الدنيا وزينتها.

قال جورج وقد أشرق وجهه: ما دار محمد هذه بدار رجل من أصحاب الشهوات، وما نساء هذا الرجل اللواتي اخترن الآخرة على الدنيا إلا قديسات!.

قلت: أتود أن تقرأ وصفاً لنبي المسلمين في داره هذه يا جورج.

قال: حبذا؛ على أن يكون هذا الوصف بقلم أحد النخبة من علماء الغرب الذين عرفوه ودرسوه.

قلت: لك هذا؛ يقول (وِل ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة): «كانت حياة النبي غاية في البساطة، فقد كانت المساكن التي أقام بها واحداً بعد واحد؛ كلها من اللبِن، لا يزيد اتساعها على /12-14/ قدماً، ولا يزيد ارتفاعها على /8/ أقدام، سقفها من جريد النخل، وأبوابها ستائر من شعر المعز أو وبر الإبل، أما الفراش فلم يكن أكثر من حشية تفرش على الأرض ووسادة. وكثيراً ما كان يشاهَد وهو يخصف نعليه، ويرقع ثوبه، وينفخ النار، ويكنس أرض الدار، ويحلب عنزة البيت في فِنائه، ويبتاع الطعام من السوق.. ولم يتعاط الخمر.. وكان لطيفاً مع العظماء، بشوشاً في أوجه الضعفاء، عظيماً مهيباً أمام المتعاظمين المتكبرين.. وكان يرفض أن يوجَّه إليه شيء من التعظيم الخاص، يَقبل دعوة العبد الرقيق إلى الطعام، ولا يطلب إلى عبد أن يقوم له بعمل يجد لديه من الوقت والقوة ما يمكنانه من القيام به بنفسه.. أما ما كان ينفقه على نفسه فكان أقلَّ من القليل، وكان يخص الصدقات بالجزء الأكبر مما يرد إليه من المال..»[55].

وأزيدك قول المستشرق (بودلي) يصف حياة نبي المسلمين فيقول: «كانت حياة محمد بسيطة كحياة السيد المسيح، فكان طعامه الثريد والتمر واللبن، وكان يتناول أحياناً حساء ضأن وخُضر، وربما شرب بعض العسل، وكان غالباً ما يقتصر على التمر واللبن، وأياً كان الطعام فقد كان يتناوله على حصير فوق الأرض، وكانت ثيابه بسيطة كطعامه؛ فكان يرتدي فوق جسمه مباشرة قميصاً له أكمام من الصوف الخشن والقطن، وفوقه بردة، وكان باستطاعته لو أراد؛ أن تساق له الدنيا بأجمعها، ولكنه كان يكتفي من كل شيء بالكفاف، وقد صغُرت في عينيه الحياة؛ لأنه كان أكبر من كل ما في الحياة! هذه البساطة لا تحتاج إلى أدنى دليل على أن صاحبها ليس إلا من عند الله»[56].

– وأزيدك قول المستشرق (سييل) في مقدمة ترجمته للقرآن الكريم عن نبي المسلمين: «كانت طريقته مرْضيَّة، وكان الإحسان إلى المساكين شيمته، وكان يعامل الجميع بالخلق الحسن، وكان شجاعاً مع الأعداء، وكان يعظم اسم الله تعظيماً قوياً، وكان يشدد على المفترين – الذين يرمون البرآء – والزناة والقتلة وأهل الفضول والطامعين وشهود الزور تشديداً بليغاً، وكان كثير الوعظ في الصبر والود والبر والإحسان، وتعظيم الأبوين والكبار وتوقيرهم وتكريمهم، وكان عابداً..»[57].

– وأزيدك قول المؤلف الاسكتلندي المشهور (توماس كارليل) في كتابه (الأبطال) ملخصاً كل ما سبق عن تهمة الشهوانية: «وما كان محمد أخا شهوات برغم ما اتهم به ظلماً وعدواناً، وشدَّ ما نجور ونخطئ إذا حسبناه رجلاً شهوياً لا همَّ له إلا قضاء مآربه من الملاذ. كلا؛ فما أبعد ما كان بينه وبين الملاذ أيةً كانت، لقد كان زاهداً متقشفاً في مسكنه ومأكله ومشربه وملبسه وسائر أموره وأحواله. وكان طعامه عادة الخبز والماء، وربما تتابعت الشهور ولم توقد بداره نار.. وكان يصلح ويرفو ثوبه بيده، فهل بعد هذا مكرمة ومفخرة؟ فحبذا محمد من رجل خشن اللباس، خشن الطعام، مجتهد في الله، قائم النهار ساهر الليل، دائب في نشر دين الله، غير طامع إلى ما يطمع إليه أصاغر الرجال من رتبة أو دولة أو سلطان، غير متطلع إلى ذِكْر أو شهرة كيفما كانت، رجل عظيم وربكم»[58]. إلى أن يقول: « إني لأحب محمداً لبراءة طبعه من الرياء والتصنع، ولقد كان ابن القفار هذا رجلاً مستقل الرأي لا يعوِّل إلا على نفسه، ولا يدعي ما ليس فيه، ولم يك متكبراً، ولكنه لم يكن ذليلاً ضارعاً، فهو قائم في ثوبه المرقع كما أوجده الله وكما أراده، يخاطب بقوله الحر المبين قياصرة الروم وأكاسرة العجم، يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة وللحياة الآخرة»[59]

  – وأزيدك أخيراً قول المستشرق والمؤرخ البريطاني (وليم موير) في كتابه (حياة محمد): «كانت السهولة صورة من حياة محمد كلها، وكان الذوق والأدب من اظهر صفاته، كما أن التواضع والعطف والصبر والإيثار والجود من أخلاقه الحسنة. ما كان يرفض هدية مهما صغرت، وما كان يتعالى في مجلسه، ولا يُشعر أحداً أنه لا يخصه بإقباله.. لقد امتاز محمد بوضوح كلامه ويُسر دينه، وقد أتم من الأعمال ما يدهش العقول! ولم يعهد التاريخ مصلحاً أيقظ النفوس، وأحيا الأخلاق، ورفع شأن الفضيلة في زمن؛ كما فعل نبي الإسلام. 

كان محمد لا يطمع قط بالثراء، وكان ملهماً بروح ناعمة وبذوق لطيف، وكان يحيا حياة التحنث، وتأملاته تشغل دون شك كل ساعات لهوه، مع أن أترابه كانوا يقضونها في اللهو المحرم والحياة المنطلقة من كل قيد. وهذه الشهرة الحسنة والسلوك الشريف خولاه احترام معاصريه، ولذا كان الإجماع عليه حتى لقب بالأمين».

وأردفت: أمثل هذا يكون شهوانياً يا جورج؟

قال جورج والإشراقة تنير وجهه: إن رجلاً يصفه (ديورانت و بودلي و سييل و كارليل و موير) بهذا الوصف؛ حري بأن يكون نبياً.

قلت: حياك الله يا جورج، لكن أزيدك وضوحاً حتى تكون على بينة من أمرك.

قال: وما ذاك؟

قلت: إن من يتعرف نظرة الإسلام إلى المرأة، يتبين له أن المرأة لم تكن في عرف النبي صلى الله عليه وسلم أداة للمتعة وقضاء الشهوة؛ إنما كانت إنسانة قبل كل شيء، ولها أن تتمتع بكافة حقوقها التي تجعلها مكافئة للرجل، يقول القرآن الكريم عن النساء: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[60] أي لهن من الحقوق مثل ما عليهن من الواجبات.. وكذلك الرجال.

ويقول القرآن الكريم: {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ}[61] أي كلٌ من الرجل والمرأة يعطى من الميزات بحسب الدور الذي يؤديه في المجتمع.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما النساء شقائق الرجال»[62] وهل يتميز الأشقاء فيما بينهم إلا بالدور الذي يؤديه كل منهم.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً الرجال: «إن الله يوصيكم بالنساء خيراً؛ فإنهن أمهاتكم وبناتكم وخالاتكم»[63].

أما العلاقة الزوجية التي تربط بين الرجل والمرأة؛ فاسمع يا جورج ماذا قال عنها القرآن الكريم الذي أنزله الله سبحانه على محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}[64] أي أن المرأة والرجل في أصل خلقهما شيء واحد؛ فإذا اقتضت المادة فصل هذا الشيء إلى جزأين، أي زوجين، جاءت الروح عن طريق المودة والرحمة فضمتهما من جديد، وبهذا تصير المرأة سكناً للرجل، ويصير الرجل سكناً للمرأة.

وقد أكَّد القرآن الكريم على هذا المعنى في أكثر من موضع؛ تقول آية أخرى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}[65].

أما النبي صلى الله عليه وسلم فيوجه عناية الأزواج إلى الحقوق المتبادلة بين الزوجين، ويدعو الرجال إلى مراعاة وحفظ حقوق النساء بعامة إذ يقول: «أيها الناس؛ إن لنسائكم عليكم حقاً، ولكم عليهن حق.. فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيراً»[66].

وأردفت: أتتبين في هذه النصوص شيئاً من الشهوانية أو النظرة الدون إلى المرأة مما يجعلها مرتعاً للغريزة الجنسية فقط.

قال جورج وقد تنبهت عقلانيته: عجباً لبني قومي من الغربيين كيف فاتتهم هذه النظرة الإسلامية السامية للمرأة؛ وأشاعوا فيما بينهم نقيضها تماماً؟! حتى ليظن الجاهل أن المرأة في الإسلام بؤرة للجنس لا غير.

قلت: ليس جميع الدارسين للإسلام من الغربيين وقعوا في هذا الخطأ، إنما الذين وقعوا فيه هم المبشرون فقط؛ الذين همهم تشويه الإسلام حتى لا يعتنقه الباحثون عن الراحة النفسية من الغربيين، الراحة النفسية التي يوفرها هذا الدين لمعتنقيه نساءً ورجالاً.

أما غير المبشرين من الدارسين الغربيين – للإسلام ولنبي الإسلام – المعتدلين، فهاك أمثلة مما أوصلتهم إليه دراساتهم:

– يقول الفيلسوف الشهير (جورج برنارد شو): «رأيت في دراستي لسيرة النبي العربي؛ أنه كان من أكبر أنصار المرأة الذين عرفهم التاريخ، وقد كان للمرأة أكبر الأثر في عظمته»[67].

– ويقول الكاتب القبطي النصراني (واصف باشا بطرس غالي) في كتابه (فروسية العرب المتوارثة): «كان محمد يحب النساء ويفهمهن، وقد عمل جهد طاقته لتحريرهن، وربما كان ذلك بالقدوة الحسنة التي استنها فوق ما هو بالقواعد والتعاليم، وهو يُعد بحق من أكبر أنصار المرأة العمليين إن لم يكن عظيم الاحترام والتكريم لهن، ولم يكن ذلك منه خاصاً بزوجاته، بل كان ذلك شأنه مع جميع النساء على السواء»[68]

  – ويقول الروائي الألماني المعروف (ويلكي كوكنـز) في كتابه (جوهرة القمر): «لقد جاء محمد بصيانة النساء وحثهن على العفة»[69]. فهل يحث الرجل الشهواني النساء على العفة؟ 

  – ويقول الكاتب الإنجليزي (جون أروكس) في كتابه (عظماء التاريخ): «لم نعلم أن محمداً تسربل بأية رذيلة طيلة حياته، لذلك نراه عظيماً»[70]

  – ويقول المستشرق والمؤرخ الأمريكي (أورينج) في كتابه (الحياة والإسلام): «كان النبي الأخير بسيطاً خلوقاً، ومفكراً عظيماً ذا آراء عالية، وإن أحاديثه القصيرة جميلة ذات معان كثيرة، فهو إذاً مقدس كريم». 

أيكون الشهواني مقدساً كريماً يا جورج؟. 

قال: لا.

قلت: وتقول المستشرقة الإيطالية (لورافيشيا فاغليري) في كتابها (دفاع عن الإسلام): «وحاول أقوى أعداء الإسلام، وقد أعماهم الحقد، أن يرموا نبي الله ببعض التهم المفتراة، لقد نسوا أن محمداً كان قبل أن يستهل رسالته؛ موضع الإجلال العظيم من مواطنيه بسبب أمانته وطهارة حياته». ثم تقول ملخصة هذه التهمة والرد عليها: «لقد أصر أعداء الإسلام على تصوير محمد شخصاً شهوانياً ورجلاً مستهتراً، محاولين أن يجدوا في زواجه المتعدد شخصية ضعيفة غير متناغمة مع رسالته. إنهم يرفضون أن يأخذوا بعين الاعتبار هذه الحقيقة؛ وهي أنه طوال سني الشباب التي تكون فيها الغريزة الجنسية أقوى ما تكون.. لم يتزوج إلا من امرأة واحدة ليس غير.. وأنه ظل طوال /25/ سنة زوجها المحب المخلص، ولم يتزوج كرة ثانية إلا بعد أن توفيت خديجة، وإلا بعد أن بلغ الخمسين من عمره، لقد كان لكل زيجة من زيجاته سبب اجتماعي أو سياسي.. وباستثناء عائشة تزوج محمد من نسوة لم يكنَّ لا عذارى ولا شابات ولا جميلات، فهل كان ذلك شهوانية؟!»[71].

– ويقول المستشرق السويسري (جون وانبورت) في كتابه (محمد والقرآن): «بقدر ما نرى من صفة محمد الحقيقية بعين البصيرة والتروي في المصادر التاريخية الصحيحة؛ بقدر ما نرى من ضعف البرهان وسقوط الأدلة لتأييد أقوال الهجو الشديد، والطعن القبيح الذي انهال عليه من افواه المغرضين والذين جهلوا حقيقة محمد ومكانته، ذلك الرجل العظيم عند كل من درس صفاته العظيمة، كيف لا وقد جاء بشرع لا يمكننا أن نتهمه فيه».

وأردفت: أأزيدك يا جورج؟

قال: حسبي.

قلت ألا ترى يا جورج أن من كانت هذه حاله يكون إنساناً متميزاً؟

قال: بل يكون رجلاً عظيماً.

قلت: لقد سبقك بعض النخبة من علماء الغرب إلى هذا الحكم.

قال: من؟

قلت: يقول الشاعر الفرنسي الشهير (لامارتين): «إن محمداً هو أعظم رجل بجميع المقاييس التي وُضعت لوزن العظمة الإنسانية؛ فإذا كان مقياس العظمة الإنسانية هو إصلاح شعب متدهور، فمن الذي يطاول محمداً في هذا المضمار؟

وإذا كان مقياس العظمة هو توحيد الإنسانية المفككة الأوصال؛ فإن محمداً أجدر الناس بهذه العظمة؛ لأنه جمع شمل العرب بعد تفكك شامل.

وإذا كان مقياس العظمة هو إقامة حكم السماء في الأرض؛ فمن ذا الذي ينافس محمداً الذي محا مظاهر الوثنية، وثبت عبادة الله وقوانينه في عالم الوثنية والقوة»[72].


سيرة النبي صلى الله عليه وسلم:

قال جورج: أشهد أن هذه الشهادات التي أوردتها على مسامعي قد شوقَتْني إلى أن أطالع سيرة محمد لو وجدت إليها سبيلاً.

قلت: أتود أن تعرف ما قالته النخبة من العلماء الغربيين عن سيرة محمد[73] صلى الله عليه وسلم؟

قال: أجل.

قلت: يقول (برنارد شو): «لقد درست سيرة محمد فوجدته بعيداً عن مخاصمة المسيح، ويمكن بحق أن نعتبر محمداً (منقذ الإنسانية) وأعتقد أن رجلاً مثله لو حكم العالم بإيثاره وخُلُقه لجلب للعالم السلام والسعادة»[74].

ويقول المؤرخ البريطاني الشهير (أرنولد توينبي) في كتابه (مدخل تاريخي للدين): «الذين يريدون أن يدرسوا السيرة النبوية العطرة، يجدون أمامهم من الأسفار ما لا يتوافر مثله للباحثين في حياة أي نبي من أنبياء الله الكرام».

– ويقول المستشرق الإيطالي الكونت (ليوني كاتياني) في كتابه (تاريخ الإسلام): «أليس الرسول جديراً بأن نقدم للعالم سيرته حتى لا يطمسها الحاقدون عليه وعلى دعوته التي جاء بها لينشر في العالم الحب والسلام؟! وإن الوثائق الحقيقية التي بين أيدينا عن رسول الإسلام ندر أن نجد مثلها، فتاريخ عيسى وما ورد في شأنه في الإنجيل لا يشفي الغليل».

– ويقول المستشرق (غوستاف لوبون) في كتابه (حياة الحقائق): «نعرف ما فيه الكفاية عن حياة محمد، أما حياة المسيح فمجهولة تقريباً، وإنك لن تطمع أن تبحث عن حياته في الأناجيل»[75]

  – ويقول المستشرق (ر. ف. بودلي) في كتابه (حياة محمد): «لا نعرف إلا شذرات عن حياة المسيح، أما في سيرة محمد فنعرف الشيء الكثير؛ ونجد التاريخ بدل الظلال والغموض»[76]

قال جورج: هل لك أن تلخص لي حياة محمد في جملة واحدة؟

قلت: لقد لخصها أحد علماء الغرب من النخبة، وهو المستشرق الإسباني (جان ليك) في كتابه (العرب) فقال: «لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} كان محمد رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق»[77].

وأردفت: أما المستشرق (بوسورث سميث) في كتابه (محمد والإسلام) فلم يستطع أن يلخص حياة النبي صلى الله عليه وسلم بجملة واحدة فقال: «إنه لمن المستحيل لأي شخص درس حياة محمد العربي العظيم وشخصيته، وعرف كيف عاش وكيف تعلم، إلا أن ينحني لهذا الرسول المبجل القوي، الذي هو واحد من أعظم رسل الله. ومهما أقل لكم؛ فإني سأقول أشياء كثيرة معروفة للجميع، ولكن حينما أعيد قراءتها أشعر بمزيد من التقدير والإعجاب، أشعر بمشاعر جديدة من الاحترام والتبجيل لهذا المعلم العربي العظيم»[78].

وأردفت: وإكراماً لك يا جورج؛ فإليك ملخصاً بقلم شهير غربي كبير؛ لكل ما سلف من أقوال؛ يقول (أرنست رينان) في كتابه (تعليقاتي على تواريخ الأديان): «لقد دلتني تحرياتي العلمية والتاريخية على أنه لا صحة مطلقاً لما أريد إلصاقه بالنبي محمد من كذب وافتراء مصدرهما بعض المباينات العرفية، والعادات القومية، التي أراد بعض المتحاملين أن يتوجهوا بها إلى الناحية التي تشفي سقام أذهانهم الوقحة، وتعصبهم الذميم.. مع أن محمداً وكما أثبتت الوثائق التاريخية، وشهادات أكابر علماء التاريخ كان على العكس من ذلك؛ بريئاً من روح الكبرياء، متواضعاً، أميناً، لا يحمل الحقد لأحد، وكانت طباعه نبيلة، وقلبه طاهراً، ورقيق الشعور»[79].

وأردفت: بل أزيدك ملخصاً آخر بقلم كاتب كثيراً ما تحامل على النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه (محمد مؤسس الدين الإسلامي) لكنه لم يستطع في نهايات كتابه هذا إلا أن ينطق بالحق، إنه الكاتب الأمريكي (جورج بوش – /1796-1859/م) فقد قال عند كلامه عن موت النبي صلى الله عليه وسلم: «وهكذا انتهت مهمة محمد على ظهر الأرض، هكذا انتهت مهمة واحد من أبرز الرجال وأكثرهم جدارة بالالتفات على الإطلاق.. وتزداد دهشتنا أكثر وأكثر إذا تركنا نجاحه السياسي وتحدثنا عن صعود دينه وانتشاره السريع، واستمراره ورسوخه الدائم. والحقيقة أن ما حققه نبي الإسلام والإسلام لا يمكن تفسيره إلا بأن الله كان يخصهما برعاية خاصة؛ فالنجاح الذي حققه محمد لا يتناسب مع إمكاناته، ولا يمكن تفسيره بحسابات بشرية معقولة.

لا مناص إذاً من القول أنه كان يعمل في ظل حماية الله ورعايته، لا تفسير غير هذا لتفسير الإنجازات ذات النتائج الباهرة»[80].

أما (برنارد شو) فقد قال في تلخيصه لحياة محمد: «قرأت حياة رسول الإسلام جيداً مرات ومرات فلم أجد فيها إلا الخلُق كما يجب أن يكون، وأصبحت أضع محمداً في مصاف؛ بل على قمم المصاف من الرجال الذين يجب أن يُتَّبعوا. ولما قرأت دين محمد أحسست أنه دين عظيم»[81].

وأردفتُ قائلاً: وبسبب هذه السيرة العطرة لنبي المسلمين؛ التي شهد بها هؤلاء السادة النخبة، صار يحق له أن يدعى (سيد وِلد آدم).

قال جورج: على رسلك؛ سيد ولد آدم هذه تقولون بها أنتم المسلمين؛ أما غيركم فلا يقول بها.

قلت: أتود أن أتحفك بشهادة عليها ممن ترتضيهم أنت يا جورج؟.

قال: أَوَتوجد مثل هذه الشهادة؟!

قلت: أحدِّثك، ثم لك أن تحكم.

قال: هاتِ ما عندك.

قلت: أقرأتَ كتاب الباحث الأمريكي (د. مايكل هارت) الموسوم بـ(المئة الأوائل)؟

قال: سمعت به ولم أقرأه.

قلت: لقد استعرض هذا الباحث تاريخ البشرية كله؛ منذ أن وصلتنا عنه أخبار مؤكدة حتى اليوم.. ثم استخلص منه أعظم مئة رجل تركوا تأثيراً دائماً في حياة البشر.. ثم صنف هؤلاء المئة بحسب أهميتهم ليعطي كلاً منهم الدرجة التي يستحقها في السلَّم الذي وضعه وحدده بمقاييس علمية..

أتدري يا جورج من كان صاحب الدرجة الأولى في رأس سلَّم الأوائل هؤلاء؟

قال: مَنْ؟.

قلت: لقد كان صاحب الدرجة الأولى في رأس سلَّم هؤلاء الأوائل؛ هو نبي المسلمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم!!.

وأردفتُ: لقد كان هؤلاء المئة هم النخبة الأوائل من البشر، وكان نبي المسلمين أول هؤلاء الأوائل المئة وسيدهم! ألا يكون د. مايكل هارت قد شهد بهذا أن نبي المسلمين هو سيد البشر؟

فتفكر جورج وتروى ثم قال: أجلْ؛ هذا ما يقوله العقل.

لكنه أردف قائلاً: وبماذا نال محمد هذه الدرجة عند د. هارت؟.

قلت: لقد أجاب هو عن سؤالك هذا فقال: «إن الاتحاد الفريد الذي لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معاً؛ مما يخوِّل محمداً أن يعتبر أعظم شخصية مفردة ذات تأثير في تاريخ البشرية»[82].

قال جورج: لكنْ لماذا لم يجعل د. هارت هذه الدرجة للسيد المسيح؛ مع أنه من أتباعه؟!

قلت: لقد أجاب هو عن سؤالك هذا أيضاً فقال: «المسيح لم يترك آثاراً كتابية.. إن معظم المعلومات التي نعرفها عن يسوع المسيح هي غير مؤكدة، وإن سنة ميلاده أيضاً غير معروفة، وكذلك سنة وفاته»[83].

حقيقة الدين الإسلامي ودحض الافتراءات والتهم الباطلة:


1- تهمة الهمجية والتخلف:

قال جورج: أما سيرة محمد؛ فلا بد لي من قراءتها ذات يوم في نصوصها الصحيحة الموثوقة[84]. لكن إذا أنا آمنت مع النخبة من علماء الغربيين الذين عرضتَ علي أقوالهم؛ بأن محمداً بريء من كافة التهم والنقائص التي ألصقت به زوراً وبهتاناً، فهناك من يتهم رسالة محمد؛ التعاليم الإسلامية التي جاء بها محمد، أي ما تسمونه دين الإسلام.

قلت: كيف؟

قال: هناك من يتهم دين الإسلام بالهمجية والتخلف.

قلت: في هذا سأحيلك إلى تعاليم الإسلام بنصوصها في القرآن والحديث النبوي لتجيبك؛ فإن العقل السليم يتلقفها ولا يحتاج معها إلى تزكيتها. فأنصت إلي:

أترى أن ديناً يأمر أتباعه منذ أكثر من /1400/ سنة أن يغسلوا أطرافهم المكشوفة والمعرضة للتلوث؛ خمس مرات كل يوم طلباً للنظافة. وأن ينظفوا أسنانهم بالفرشاة مرات عدة كل يوم طلباً للنظافة. وأن يغسلوا الجسد كله بعد الجنابة طلباً للنظافة.. هذا كله عدا عن الاغتسال الأسبوعي الواجب على كل مسلم. أتراه ديناً همجياً متخلفاً؟!

قال جورج: لا؛ لكن أين تجد هذا في دين الإسلام؟

قلت: تقول الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ}[85] أي توضؤوا عند كل صلاة من الصلوات الخمس المفروضة عليكم كل يوم، واغتسلوا من الجنابة.

ويقول الحديث النبوي: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة»[86]. ويقول حديث نبوي آخر: «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب»[87].

ويقول الحديث النبوي: «حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً، يغسل فيه رأسه وجسده»[88].

قال جورج: حسبي هذا في النظافة.

قلت: أترى أن ديناً يعلم أتباعه أصول التزاور فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{27} فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}[89] أتراه ديناً همجياً متخلفاً؟

قال جورج: لا.

قلت: أترى أن ديناً يعلم أتباعه مبادئ الحشمة بين أفراد الأسرة فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ.. وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}[90]. أتراه ديناً همجياً متخلفاً؟

قال جورج: لا.

قلت: أترى أن ديناً يعلم أتباعه مبادئ العلاقات الاجتماعية السليمة، ويأمرهم بنبذ واجتناب العادات الذميمة فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{11} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً}[91] أتراه ديناً همجياً متخلفاً؟

قال جورج: لا.

قلت: أترى أن ديناً يعلم أتباعه مبادئ العلاقات الإنسانية العامة بين مختلف الأمم والشعوب فيقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[92]. أي أن الغاية من تعدد الأمم والشعوب هي التقارب والتصالح، وليس التنابذ والتناحر. وأفضل الناس عند الله ليس الملوك ولا الحكام ولا الأغنياء ولا الفقراء بل هو الإنسان الذي يؤمن بالله ويطيعه ولا يعصيه؛ مهما كان منبته.

أتراه ديناً همجياً متخلفاً؟

قال جورج: لا.

قلت: أترى أن ديناً يربي أتباعه على مبدأ المساواة بين جميع الأمم والشعوب، فلا عصبية ولا عنصرية؛ بل قيمة كل فرد تنبع من مدى صلته بالله سبحانه وطاعته له، فيقول نبي هذا الدين مخاطباً أتباعه: «أيها الناس؛ إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى»[93].

أتراه ديناً همجياً متخلفاً؟.

قال جورج: لا.

قلت: أأزيدك؟

قال: حسبي

قلت: أتكون بهذا رسالة الإسلام همجية أم حضارية؟

قال: بل حضارية.

قلت: لقد سبقك إلى هذا الحكم حكماء قومك من الغربيين.

قال: كيف؟

قلت: يقول المستشرق الإنكليزي (مارجليوث): «ورسالة محمد طافحة بالحضارة والتعاليم التي تخدم البشرية وتوليها زمام الحياة.. وخير ما فيها طابع صلاحية البقاء مع الزمن مهما طال وامتد»[94]

– ويقول المؤرخ الإنكليزي (ويلز): «كل دين لا يسير مع المدنية في كل أطوارها فاضرب به عُرض الحائط، وإن الدين الحق الذي وجدته يسير مع المدنية أينما سارت هو الإسلام.. ومن أراد الدليل فليقرأ القرآن وما فيه من نظرات ومناهج علمية، وقوانين اجتماعية، فهو كتاب دين وعلم واجتماع وخُلُق وتاريخ، وإذا طُلب مني أن أحدد معنى الإسلام؛ فإني أحدده بهذه العبارة: الإسلام هو المدنية»[95].

– ويقول المستشرق (روم لاندو) في كتابه (الإسلام والغرب): «إن الحضارة الغربية مدينة للحضارة الإسلامية بشيء كثير؛ إلى درجةٍ نعجز معها عن فهم الأولى إن لم تتم معرفة الثانية»[96]

  – ويقول الفيلسوف (نيتشه): «إن المدنية الإسلامية لم تتنكر يوماً للحياة»[97]

  – ويقول (غوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب): «إن حضارة العرب المسلمين قد أدخلت الأمم الأوربية الوحشية في عالم الإنسانية، فلقد كان العرب أساتذتنا.. وإن جامعات الغرب لم تعرف لها مدة خمسة قرون مورداً علمياً سوى مؤلفات العرب، فهم الذين مدَّنوا أوربة مادة وعقلاً وأخلاقاً، والتاريخ لم يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه.. إن أوربة مدينة للعرب بحضارتها.. وإن العرب هم أول من علَّم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين»[98]

  – ويقول المستشرق الأمريكي (سنكس) في مقدمة كتابه (ديانة العرب): «إن الفكرة الدينية الإسلامية أحدثت رقياً كبيراً جداً في العالم، وخلَّصت العقل الإنساني من قيوده الثقيلة التي كانت تأسره حول الهياكل بين يدي الكهان». 

  – أما العالم الأمريكي (هاكنج) فيقول في كتابه (روح السياسة العالمية): «وأنا أدرك بنظرة واقعية أن الشريعة الإسلامية تحتوي على كل المبادئ والأصول اللازمة للرقي والتكامل»[99]

  – ويقول المستشرق الفرنسي (لوازون) في كتابه (الشرق): «مهما تحدثنا عن محمد فليس بالكثير في حقه، لأنه جاء إلى العالم بدين جمع فيه كل مل يصلح للحياة»[100]

فهل الدين الذي فيه كل ما يصلح للحياة يكون همجياً متخلفاً يا جورج؟.

قال جورج: لقد أجبتك عن هذا، وأنا أتفق مع جميع هذه الشهادات التي أوردتها للنخبة من بني قومي. لكن إذا انا آمنت بأن الإسلام بريء من تهمة الهمجية والتخلف، فهناك تهمة أخرى.

قلت: وما هي؟.


2- تهمة العنف:

قال جورج: هناك من يتهم الدين الإسلامي بالعنف.

قلت: وفي هذا أيضاً سأحيلك أولاً إلى تعاليم الإسلام بنصوصها لتجيبك.

أترى أن ديناً يرسم لأتباعه الصورة المثلى التي يجب أن يكونوا عليها فيقول: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً{63} وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً{64} وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً{65} إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً{66} وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً{67} وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً{68} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً{69} إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً{70} وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً{71} وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً{72} وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً{73} وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً{74} أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً}[101].

وأردفتُ: عباد الرحمن هؤلاء؛ الذين وصفتهم هذه الآيات الكريمة؛ هم المثل الأعلى الذي يسعى كل مسلم للوصول إليه.. أتراه ديناً يدعو إلى العنف؟

اقرأ أيضا  سُنَّة صيام أكثر شعبان

قال جورج: لا.

قلت: أترى أن ديناً يعلِّم النبيَّ الذي جاء به كيفية مواجهة خصومه؛ فيقول في القرآن الكريم: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ}[102]. أي إذا أساء إليك خصمك؛ فأحسن أنت إليه. أتراه ديناً يدعو إلى العنف يا جورج؟

قال: لا.

قلت: أترى أن ديناً يعلِّم ويربي فيه الأب ابنه فيقول في القرآن الكريم: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ{17} وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ{18} وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}[103]. أتراه ديناً يدعو إلى العنف؟

قال جورج: لا.

قلت: أترى أن ديناً يعلم النبيَّ الذي جاء به كيفية دعوة الناس إلى الله فيقول في القرآن الكريم: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[104]. أتراه ديناً يدعو على العنف؟

قال جورج: لا.

قلت: أترى أن ديناً يحذر النبيَّ الذي جاء به؛ من عاقبة العنف والقسوة والفظاظة فيقول له في القرآن الكريم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}[105]. أتراه ديناً يدعو إلى العنف؟

قال جورج: لا.

قلت: أترى أن ديناً يعلم أتباعه كيفية الاقتصاص من المعتدي فيقول في القرآن الكريم: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}[106]. أتراه ديناً يدعو إلى العنف؟

قال جورج: لا.

قلت: أترى أن ديناً يأمر أتباعه باختيار الكلام الحسن، وأن لا يخاطبوا من كان على غير دينهم إلا بالكلام الحسن فيقول: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[107].

ويقول: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[108]. وأهل الكتاب الذين ذكرتهم الآية الكريمة هم اليهود والنصارى. أتراه ديناً يدعو إلى العنف؟

قال جورج: لا.

قلت: إذا كان دين الإسلام يرفض العنف في الكلمة؛ فكيف يرضاه بغير الكلمة؟!

قال جورج: صدقتَ؛ وحسبي هذا من النصوص القرآنية.

قلت: فمن تطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم لهذه النصوص؟

قال: هات وأوجز.

قلت: لو قرأتَ السيرة النبوية في مصادرها الموثوقة لوجدت أن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في بدء الدعوة الإسلامية يَلقون من كفار مكة مختلف ألوان الاضطهاد والتعذيب.. فلم يأمرهم النبي بمواجهة العنف بالعنف، بل أمرهم بالهجرة من مكة، فصاروا يهاجرون إلى الحبشة فراراً بدينهم من العنف.

ولو تابعت قراءة السيرة النبوية لوجدت أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد صلحاً مع كفار مكة في السنة السادسة للهجرة سمي (صلح الحديبية) حقق فيه الكفار مطالبهم؛ برغم التفوق العسكري الواضح في جيش النبي فيما لو خاض معهم قتالاً، ولم يكن نصيب المسلمين في ذلك الصلح سوى تجنب العنف وعدم دخول مكة عن طريق القتال. وكان هذا بناء على اختيار النبي صلى الله عليه وسلم؛ الذي قال آنذاك قولته المشهورة: «لا تدعوني قريش – وهم كفار مكة – لخصلة فيها تعظيم حرمات الله إلا أجبتهم إليها»[109]. برغم المعارضة القوية من أصحاب النبي لهذا الصلح.

وأردفت: أترى من يختار هذه الاختيارات التي تتجنب العنف؛ يوصف بالعنف يا جورج؟

قال: لا.

قلت: إذاً اسمع ما تقوله النخبة من علماء الغربيين عن العنف الذي اتهم به الدين الإسلامي، ونبي المسلمين:

– تقول البريطانية الباحثة في علم الأديان (كارين أرمسترونج) في مقدمتها لكتابها (سيرة النبي محمد): «من الخطأ أن نظن أن الإسلام دين يتسم بالعنف أو بالتعصب في جوهره، على نحو ما يقول به البعض أحياناً، بل إن الإسلام دين عالمي، ولا يتصف بأي سمات عدوانية شرقية أو معادية للغرب»[110].

– ويقول المستشرق الفرنسي (غوستاف لوبون) في كتابه (الدين والحياة): «لقد كان محمد ذا أخلاق عالية، وحكمة ورقة قلب، ورأفة ورحمة، وصدق وأمانة»[111]

  – ويقول المستشرق الألماني (برتلي سانت هيلر) في كتابه (الشرقيون وعقائدهم): «كان النبي داعياً إلى ديانة الإله الواحد، وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه، وإن في شخصيته صفتين هما من أجلِّ الصفات التي تحملها النفس البشرية؛ هما: العدالة والرحمة». 

  – ويقول المستشرق (إميل درمنغم) في كتابه (حياة محمد): «إن محمداً قد أبدى في أغلب حياته اعتدالاً لافتاً للنظر، فقد برهن في انتصاره النهائي، على عظمة نفسية قلَّ أن يوجد لها مثال في التاريخ؛ إذ أمر جنوده أن يعفوا عن الضعفاء والمسنين والأطفال والنساء، وحذرهم أن يهدموا البيوت أو يسلبوا التجار، أو أن يقطعوا الأشجار المثمرة، وأمرهم ألا يجردوا السيوف إلا في حال الضرورة القاهرة، بل رأيناه يؤنب بعض قواده ويصلح أخطاءهم إصلاحاً مادياً ويقول لهم: إن نفساً واحدة خير من أكثر الفتوح ثراءً»[112]

ويضيف (درمنغم) في حاشية ص362: (قال روبرتسن في كتابه (تاريخ شارلكن): «إن أتباع محمد وحدهم هم الذين جمعوا بين التسامح والدعوة إلى الإسلام». وقال القسيس ميشون في كتابه (رحلة دينية إلى الشرق): «إن من المؤسف حقاً أن علَّم المسلمون أمم النصرانية التسامح الديني الذي هو دعامة المحبة بين الأمم»)[113]

  – ويقول الفيلسوف الألماني الشهير (غوته) في كتابه (أخلاق المسلمين وعاداتهم): «ولا شك أن المتسامح الأكبر أمام اعتداء أصحاب الديانات الأخرى، وأمام إرهاصات وتخريفات اللادينيين، التسامح بمعناه الإلهي، غرسه رسول الإسلام في نفوس المسلمين، فقد كان محمد المتسامح الأكبر، ولم يتخذ رسول الإسلام موقفاً صعباً ضد كل الذين كانوا يعتدون عليه بالسب أو بمد الأيدي أو بعرقلة الطريق وما شابه ذلك، فقد كان متسامحاً؛ فتبعه أصحابه وتبعه المسلمون، وكانت وما زالت صفة التسامح هي إحدى المميزات والسمات الراقية للدين الإسلامي، وللحق أقول: إن تسامح المسلم ليس من ضعف؛ ولكن المسلم يتسامح مع اعتزازه بدينه، وتمسكه بعقيدته»[114]

  – ويقول (غوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب): «والإسلام من أعظم الديانات تهذيباً للنفوس، وحملاً على العدل والإحسان والتسامح»[115]

  – أما الباحث السويسري (جناد أقنبرت) فقد عكس الأمر وصرح بأن أعداء محمد هم المتعصبون ضده؛ إذ قال في كتابه (محمد والإسلام): «كلما ازداد الباحث تنقيباً في الحقائق التاريخية الوثيقة المصادر؛ فيما يخص الشمائل المحمدية، ازداد احتقاراً لأعداء محمد الذين أشرعوا أسنة الطعن في محمد قبل أن يعرفوه، ونسبوا إليه ما لا يجوز أن ينسب إلى رجل حقير، فضلاً عن رجل كمحمد؛ الذي يحدثنا التاريخ أنه رجل عظيم». 

وأردفت: أيكفي هذا أم أزيدك يا جورج؟


3- تهمة انتشار الإسلام بالسيف:

قال جورج: بل حسبي. لكن إذا أنا آمنت مع هؤلاء النخبة الذين درسوا الإسلام بأنه دين لا يؤمن بالعنف، فلماذا كان انتشاره بين الناس بالسيف؟

قلت: ومن قال هذا؟

قال: كثيرون من الغربيين قالوا هذا وكتبوا عنه.

قلت: أأحدثك عن كيفية انتشار الدعوة الإسلامية في أقطار الأرض، منذ أيام النبي صلى الله عليه وسلم حتى اليوم، أم تكفيك أقوال وشهادات النخبة من العلماء الغربيين الذين عرفوا ذلك ودرسوه؟

قال: بل تكفيني أقوال هؤلاء النخبة.

قلت: يقول الكاتب والباحث الفرنسي (ديسون): «من الخطأ أن يصدق المرء ما يروِّج له البعض من أن السيف كان المبشر الأول في تقدم الإسلام وتبسطه، ذلك أن السبب الأول في انتشار الإسلام يعود إلى هذه الأخوة الدينية الفريدة، وإلى هذه الحياة الجديدة الاجتماعية التي دعا إليها ومكَّن لها، ثم إلى هذه الحياة الشريفة الطاهرة التي راح يحياها محمد وخلفاؤه من بعده، والتي بلغت من العفة والتضحية حداً جعل الإسلام قوة عظيمة لا تغلب»[116].

– وتقول البريطانية الباحثة في الأديان (كارين أرمسترونج) في كتابها (سيرة النبي محمد): «إننا في الغرب بحاجة إلى أن نخلِّص أنفسنا من بعض أحقادنا القديمة، ولعل شخصاً مثل محمد يكون مناسباً للبدء، فقد كان رجلاً متدفق المشاعر.. وقد أسس ديناً وموروثاً حضارياً لم يكن السيف دعامته، برغم الأسطورة الغربية، وديناً اسمه الإسلام؛ ذلك اللفظ ذو الدلالة على السلام والوفاق»[117].

– ويقول المستشرق الهولندي (دوزي) في مقدمة كتابه (ملحق وتكملة القواميس العربية): «إن ظاهرة دين محمد تبدو لأول وهلة لغزاً غريباً! ولا سيما متى علمنا أن هذا الدين الجديد لم يفرض فرضاً على أحد». 

  – ويقول (توماس كارليل) في كتابه (الأبطال): «إن اتهام محمد بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته؛ سخف غير مفهوم!! إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس أو يستجيبوا لدعوته»[118]

  – ويقول (غوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب): «لقد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة، ولم ينتشر الإسلام بالسيف، بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخراً كالترك والمغول، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل.. ولم يكن الإسلام أقل انتشاراً في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط»[119]. ويقول: «إن القوة لم تكن عاملاً في انتشار الإسلام، فقد ترك العربُ المغلوبين أحراراً في أديانهم»[120]

أيكفي هذا أم أزيدك يا جورج؟.

قال جورج: بل حسبي؛ لكن إن أنا آمنت مع النخبة من العلماء الغربيين أن الإسلام لم ينتشر بالسيف بل بالدعوة إلى الله عن طريق الحكمة والموعظة الحسنة. فهناك من يتهم الإسلام بأمر على غاية من الأهمية في هذه الأيام.


3- تهمة محاربة العلم:

قلت: وما ذاك؟

قال: هناك من يتهم الإسلام بأنه دين يحارب العلم.

قلت: هداك الله يا جورج؛ لأبينن لك وجه الحق في هذا بقليل من نصوص الإسلام وكثير من نصوص النخبة ممن تصغي أنت إليهم وتثق بآرائهم.

أتدري يا جورج ما هي أول كلمة نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم؟

قال: لا.

قلت: إنها كلمة (اقرأ)؛ وكما تعرف يا جورج؛ القراءة هي باب العلم الذي لا يمكن لطالب علم ولا عالم إلا أن يلجه كل يوم؛ بل كل ساعة؛ بل كل لحظة.

وبعد تلك الكلمة كم من آيات نزلت تحث المسلمين على طلب العلم من مثل قوله تعالى في تفضيل العلماء على غيرهم: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[121]. ومن مثل قوله تعالى في تخصيص فهم القرآن الكريم بالعلماء دون غيرهم: {قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[122]، {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[123]، {وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[124]، {يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[125]، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[126]، {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[127]، {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}[128]، وغيرها كثير.. حتى ليخيل للمرء أن دين الإسلام هو دين العلماء!

وليس هذا فحسب بل إن القرآن الكريم يجعل فئة العلماء في المجتمع هي الفئة التي تخشى الله وتعظمه حق الخشية والتعظيم لكثرة تفكرها ودراستها لظواهر وأسرار هذا الكون من حولها، فتقول الآية الكريمة: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}[129]، ذلك لأن العالم لا بد من أن يكون صاحب عقل، وصاحب العقل هو الذي يديم التفكر فيما حوله فيقبل الحقائق ويرفض الأباطيل والشعوذات، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ}[130].

وهنا تنبه جورج كمن تذكر أمراً هاماً وقال: مهلاً، لقد أذكرتني هذه الآيات حادثة كنت قرأت عنها منذ زمن في مجلة (نقوش) الباكستانية.

قلت: حدثني بها.

قال: «نُقل عن العالم الهندي المسلم عناية الله المشرقي (وهو من أكبر علماء الهند في الطبيعة والرياضيات) أنه سأل الفلكي المشهور جيمس جينـز الأستاذ بجامعة كمبردج: ما الذي يدفع رجلاً ذائع الصيت مثلك لأن يتوجه إلى الكنيسة؟

قال عناية الله: فبدأ جيمس يلقي محاضرة عن تكوُّن الأجرام السماوية ونظامها المدهش، وأبعادها وفواصلها المتناهية، وطرقها وداراتها وجاذبيتها، وطوفان أنوارها المذهلة.. حتى أنني شعرت بقلبي يهتز لهيبة الله جل جلاله. أما السير جيمس فوجدتُ شعر رأسه قائماً، والدموع تنهمر من عينيه، ويداه ترتعشان من خشية الله. وتوقف فجأة ثم بدأ يقول: يا عناية الله خان؛ عندما ألقي نظرة على روائع خلق الله يبدأ كياني يرتعش من الجلال الإلهي، وعندما أركع أمام الله وأقول له: إنك لعظيم، أجد أن كل جزء من كياني يؤيدني في هذا الدعاء، وأشعر بسكون وسعادة عظيمين، وأحس بسعادة تفوق سعادة الآخرين ألف مرة، أفهمت يا عناية الله لِمَ أذهب إلى الكنيسة؟

ويضيف عناية الله قائلاً: لقد أحدثت هذه المحاضرة طوفاناً في عقلي، وقلت له: يا سيدي لقد تأثرت جداً بالتفاصيل العلمية التي رويتموها لي، وتذكرت بالمناسبة آية من آي كتابي المقدس، فلو سمحتم لي بقراءتها عليكم. فهز رأسه قائلاً: بكل سرور. فقرأت عليه: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ{27} وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}[131]. فصرخ السير جيمس قائلاً: ماذا قلت {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}! مدهش وغريب وعجيب جداً!!! إنه الأمر الذي اكتشفتُه بعد دراسة ومشاهدة استمرت خمسين عاماً، من أنبأ محمداً به؟! هل هذه الآية موجودة في القرآن حقيقة؟ لو كان الأمر كذلك، فاكتب شهادة مني أن القرآن كتاب موحى به من عند الله.

ويستطرد السير جيمس جينـز قائلاً: لقد كان محمد أمياً؛ ولا يمكنه أن يكتشف هذا السر بنفسه، ولكن الله هو الذي أخبره بهذا السر، مدهش وغريب وعجيب جداً!!!»[132].

قلت: حياك الله يا جورج؛ ما أجمل أن يهتدي الإنسان إلى الحق بنفسه.

وأردفت: وتطبيقاً لهذه الدعوات القرآنية لطلب العلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فداء أسراه من كفار قريش في معركة بدر، ممن يحسن القراءة والكتابة منهم، أن يعلم كل أسير عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة؛ ثم يطلق سراحه.

أترى أن مثل هذا الدين يحارب العلم يا جورج أم يحارب الجهل.

قال جورج: بل هو دين يحارب الجهل، لكنكم معاشر المسلمين قصرتم في اتباع دعوة دينكم إلى العلم فساد الجهل تاريخكم الطويل.

قلت: مهلاً يا جورج؛ أأحدثك عن تاريخ المسلمين العلمي فإني أراك تجهله! أم أحدثك عمن درس التاريخ العلمي للمسلمين؛ وعرفه حق المعرفة، من نخبة علماء الغربيين؟.

قال: الوقت أضيق من أن تحدثني أنت، وأنا أكتفي بما قالته النخبة من علماء قومي في هذا الموضوع.

قلت: يقول الكاتب الفرنسي (موريس بوكاي) في كتابه (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم): «لا بد قبل عقد المواجهة بين الوحي الإسلامي والعلم؛ من إعطاء صورة عن دين ساءت معرفته في بلادنا. إن الأحكام الضالة كل الضلال، التي صدرت في الغرب بحق الإسلام؛ كانت وليدة الجهل أحياناً، أو نتيجة التهجم التلقائي. وأفظع هذه الضلالات انتشاراً هي المتعلقة بالوقائع؛ فإذا كان بالإمكان عذر الأخطاء الناتجة عن سوء التقدير؛ فلا سبيل إلى هذا مع ما يتناقض مع الحقيقة.. وإنه لمما يخيف؛ أن نقرأ في المؤلفات الرصينة؛ الصادرة عن كتّاب من الدرجة الأولى في الاختصاص؛ مناقضات للحقيقة في غاية الجلاء!.. فإصدار مخالفات للحقيقة من هذا النوع يسهم في إعطاء صورة باطلة عن القرآن والإسلام»[133].

ويقول أيضاً في كتابه هذا: «ونحن نعلم أن الإسلام ينظر إلى العلم والدين كتوءمين، وأن تهذيب العلم كان جزءاً من التوجيهات الدينية منذ البداية، وأن تطبيق هذه القاعدة أدى إلى التقدم العلمي العجيب في عصر الحضارة الإسلامية العظمى، التي استفاد منها الغرب قبل نهضته»[134].

– وتقول المستشرقة الألمانية (زيغريد هونكه) في كتابها (شمس الله تسطع على الغرب)[135]: «نادى النبي بالطموح إلى المعرفة والسعي إلى العثور عليها، وقد أدى ذلك إلى اندفاع العرب بأسرهم إلى المدارس يعلِّمون ويتعلمون، بينما كان الغربيون يتباهون بجهلهم للقراءة والكتابة».

– ويقول (دانييل بريفولت) في كتابه (نشأة الإنسانية): «ومنذ عام /700/م بدأت إشراقة الحضارة العربية الإسلامية تمتد من شرقي المتوسط إلى بلاد فارس شرقاً وإسبانيا غرباً، فأعيد اكتشاف قسم كبير من العلم القديم، وسجلت اكتشافات جديدة في الرياضيات والكيمياء والفيزياء وغيرها من العلوم.. وفي هذا المجال كما في غيره؛ كان العرب معلمين لأوربة، فساهموا في نهضة العلوم على هذه القارة»[136]

  – ويقول المستشرق الأمريكي (إدوارد رمسي): «لقد منح الإسلام المدنية والحضارة قوة جديدة وشجع العالم على درس العلوم باتساعٍ متناهٍ، وهكذا خرج إلى الدنيا فلاسفة وخطباء وأطباء ومؤرخون يفخر بهم الإسلام أمثال: أبي عثمان – الجاحظ – والبيروني والطبري وابن سينا وابن رشد والفارابي وابن باجه والغزالي وغيرهم.. والمسلمون بلا نزاع هم مخترعو علم الكيمياء ومؤسسوه، أما علم الطب والصيدلة فقد حسنوهما تحسيناً عظيماً، وبواسطة المسلمين تقدم علم الفلك سريعاً حتى الطيران، وهم مخترعو علم الجبر ومكتشفو علم الطيران»[137]

  – ويقول المستشرق (روم لاندو) في كتابه (الإسلام والغرب): «حين نتذكر كم كان العرب بدائيين في جاهليتهم؛ يصبح مدى التقدم الثقافي الذي أحزوه خلال مئتي سنة، وعمق ذلك التقدم؛ أمراً يدعو إلى الذهول حقاً! ذلك بأن علينا أن نتذكر أيضاً أن النصرانية احتاجت إلى نحو ألف وخمسمئة سنة لكي تنشئ ما يمكن أن يدعى حضارة نصرانية، وفي الإسلام لم يولِّ كل من العلم والدين ظهره للآخر؛ بل كان الدين باعثاً على العلم»[138]

  – ويقول المؤرخ العلامة (سيديو): «لم يشهد المجتمع الإسلامي ما شهدته أوربة من تحجر العقل وشل التفكير، وجدب الروح، ومحاربة العلم والعلماء حيث يذكر التاريخ أن اثنين وثلاثين ألف عالم قد أحرقوا أحياء! ولا جدال في أن تاريخ الإسلام لم يعرف هذا الاضطهاد الشنيع لحرية الفكر، بل كان المسلمون منفردين بالعلم في تلك العصور المظلمة، ولم يحدث أن انفرد دين بالسلطة ومنح مخالفيه في العقيدة كل أسباب الحرية كما فعل الإسلام»[139]

وأردفت: منذ حوالي ألف عام، عندما كان العلماء في أوربة يحرقون أحياء كما قال سيديو؛ كان العالم الأندلسي المسلم (ابن حزم) يعلن في كتابه (الفِصَل في الملل والأهواء والنحل) عن كروية الأرض[140] منطلقاً من القرآن الكريم ومن التنظيم المطرد لمواقيت الصلاة في محيط الأرض.

قال جورج: لكن الذي اكتشف كروية الأرض عالم أوربي.

قلت: ليس هذا هو الاكتشاف الوحيد الذي نقله الغربيون عن المسلمين ونسبوه لأنفسهم، وسأكتفي بما أوجزه المؤرخ العلامة (سيديو) في كتابه (تاريخ العرب العام) إذ قال: «ونحن حين نلخص ما تمَّ على يد العرب من تقدم في العلوم الصحيحة، نرى سبقهم إلى كثير من الاكتشافات التي يعزى فخر أكثرها إلى علماء أوربة في القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر»[141].

ثم أردفت: واسمع كيف كان الغربيون ينظرون إلى كروية الأرض بعد اكتشاف ابن حزم لها بقرون. تقول المستشرقة الألمانية (زيغريد هونكه) في كتابها (شمس الله تسطع على الغرب): «اتسعت الهوة بين الحضارة العربية الشامخة، والمعرفة السطحية في أوربة التي كانت ترى أن من الكفر والضلال القول بأن الأرض كروية؛ فمعلم الكنيسة لاكتانتيوس يتساءل مستنكراً: أيعقل أن يُجنَّ الناس إلى هذا الحد فيدخل في عقولهم أن البلدان والأشجار تتدلى من الجانب الآخر من الأرض، وأن أقدام الناس تعلو رؤوسهم؟!!»[142].

أرأيت يا جورج؟ بل إن هذه المستشرقة الألمانية تفصل أكثر من هذا. أأحدثك بضمامة من أقوالها.

قال جورج: نعم.

قلت: تقول هونكه: «إن روجر بيكون أو غاليلو أو دافنشي ليسوا هم الذين أسسوا البحث العلمي.. إنما السباقون في هذا المضمار كانوا من العرب الذين لجؤوا – بعكس زملائهم النصارى – في بحثهم إلى العقل والملاحظة والتحقيق والبحث المستقيم، لقد قدم المسلمون أثمن هدية؛ وهي طريقة البحث العلمي الصحيح التي مهدت أمام الغرب طريقة لمعرفة أسرار الطبيعة وتسلطه عليها اليوم، وإن كل مستشفى وكل مركز علمي في أيامنا هذه إنما هي في حقيقة الأمر نصب تذكارية للعبقرية العربية.. وقد بقي الطب الغربي قروناً عديدة نسخة ممسوخة عن الطب العربي، وعلى الرغم من إحراق كتب ابن سينا في مدينة بازل بحركة نصرانية عدائية؛ فإن كتب التراث العربي لم تختفِ من رفوف المكتبات وجيوب الأطباء، بل ظلت محفوظة يسرق منها السارقون ما شاء لهم أن يسرقوا»[143].

قال جورج: وهل هناك من يشهد لتفوق المسلمين العلمي غير من ذكرت؟

قلت: كثيرون من عقلاء وعلماء الغرب الدارسون للحضارة الإسلامية يشهدون، وإني محدثك:

– يقول المستشرق العلامة (جوزيف شاخت) في مقدمته لكتاب (تراث الإسلام)[144] الذي أشرف على تأليفه: «وكثيراً ما نجد كتَّاباً – مسلمين – برزوا في أكثر من ميدان علمي واحد، فلقد كان الطب والعلوم والفلسفة معارف متلازمة بعضها مع بعض، وكذلك كان علم الكلام والشريعة يشكلان زمرة واحدة، ولم يخل الأمر من أشخاص كانوا يجمعون بين جميع هذه الفروع من أمثال ابن النفيس /1288/م الذي اكتشف عن طريق الاستدلال النظري الدورة الدموية الصغرى عن طريق التجربة»[145].

– ويقول (غوستاف لوبون) في مقدمته لكتابه (حضارة العرب): «وكلما أمعنا في درس حضارة العرب وكتبهم العلمية واختراعاتهم وفنونهم ظهرت لنا حقائق جديدة وآفاق واسعة»[146]

ثم يقول: «والإسلام من أكثر الديانات ملاءمة لاكتشاف العلم»[147].

ويقول: «ويعزى إلى بيكون على العموم أنه أول من أقام التجربة والملاحظة اللتين هما أساس المناهج العلمية الحديثة؛ مقام الأستاذ. ولكنه يجب أن نعترف قبل كل شيء بأن ذلك كله من عمل العرب وحدهم»[148].

ثم يقول: «إن أوربة مدينة للعرب بحضارتها»[149]

  – ويقول العلامة (دانييل بريفولت) في كتابه (نشأة الإنسانية): «إن ما يدين به علمنا لعلم العرب ليس فيما قدموه لنا من كشوف مدهشة، ونظريات مبتكرة، بل إنه مدين بوجوده ذاته.. ولم يكن بيكون إلا رسولاً من رسل العلم والمنهج الإسلامي إلى أوربة النصرانية، وهو لم يملَّ قط من التصريح بأن اللغة العربية وعلوم العرب هما الطريق الوحيدة لمعرفة الحق»[150]

  – ويقول الكاتب الفرنسي الشهير (موريس بوكاي) في كتابه (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم): «وينبغي أن نذكر أنه ما بين القرن الثامن والثاني عشر الميلادي، فترة عظمة الإسلام، حيث كانت التغيرات العلمية مرفوضة في بلادنا النصرانية؛ كانت كميات معتبرة من الأبحاث والاكتشافات قد تحققت في الجامعات الإسلامية. هناك وفي ذلك العصر؛ كنا نرى الوسائل الفائقة في التثقيف، فكانت مكتبة الخليفة في قرطبة تحتوي على /400.000/ كتاب، وكان ابن رشد يعلِّم فيها، وينقل فيها العلم اليوناني والهندي والفارسي، ولهذا كان الناس يذهبون إليها من مختلف البلدان الأوربية للدراسة؛ كما يذهبون في أيامنا هذه لإتمام بعض الدراسات في الولايات المتحدة..» إلى أن يقول: «كان الإسلام منذ القديم موضوع (الذم) في بلادنا. إن كل غربي حصَّل بعض المعارف المعمقة عن الإسلام؛ يدرك إلى أي مدى قد شوه تاريخه وعقيدته وأهدافه».[151] 

  – وتقول (د. لويجي رينالدي): «لما شعرنا بالحاجة إلى دفع الجهل الذي كان يثقل كاهلنا؛ تقدمنا إلى العرب، ومددنا إليهم أيدينا، لأنهم كانوا الأساتذة الوحيدين في العالم»[152]

  – أما المؤرخ الفرنسي العلامة (سيديو) فيقول في كتابه (تاريخ العرب العام): «قال همبولد: .. والعرب هم الذين أوجدوا الصيدلية الكيميائية.. وأدت الصيدلة ومادة الطب اللتان يقوم عليهما فن الشفاء؛ إلى دراسة علم النبات والكيمياء في وقت واحد»[153]

ويقول: «اتفق للعلوم الطبيعية عند العرب مثل ما اتفق للعلوم الرياضية من الرقي، ويرى همبولد وجوب عدِّ العرب مؤسسين حقيقيين للعلوم الطبيعية بالمعنى الحديث»[154].

وبعد أن يستعرض (سيديو) أغلب وجوه الحضارة الإسلامية ينتهي إلى أن يقول: «وهكذا تجلَّى تأثير العرب في جميع فروع الحضارة الأوربية الحديثة»[155]

قال جورج: هذه الأقوال والشهادات التي ذكرتها لي عن مشاركة الحضارة الإسلامية في ميدان العلم هي نصوص إجمالية، فهل لك أن تحدثني بأمثلة تفصيلية توضح لي هذا الأمر ولا أحتاج معه إلى غيره.

قلت: حباً وكرامة يا جورج.

– يقول (أتيين دينيه) في كتابه (محمد رسول الله): {أما العلامة الشهير همبولد فيذكر أن ما قام على التجربة والملاحظة هو أرفع درجة في العلوم، ويقول: «إن العرب ارتقوا في علومهم إلى هذه الدرجة التي كان يجهلها القدماء تقريباً».

ويقول: «وكانت دراسة العلوم الرياضية من الدراسات الذائعة لديهم، وقد تقدم علم الجبر بفضلهم حتى قيل إنهم مخترعوه. ولقد كان لهم أيضاً قصب السبق في تطبيق الجبر على الهندسة، وهم الذين أدخلوا التماس في حساب المثلثات».

ويقول: «وكان علم الفلك يدرس بحماس في مدارس بغداد ودمشق وسمرقند والقاهرة وفاس وطليطلة وقرطبة وغيرها.. تلك المدارس التي وصلت إلى اكتشافات عديدة يمكن إيجازها في القائمة التالية:

1 – إدخال خطوط التماس في الحسابات الفلكية.

2 – وضع جداول لحركة الكواكب. 

3 – تحديد سمت الشمس تحديداً دقيقاً وتدرجه وتقدير تقدم الاعتدالين تقديراً صحيحاً. 

4 – أول تحديد صحيح لمدة سنة. 

5 – ثم إننا مدينون لهم أيضاً بإثبات ما في أكبر خط عرض للقمر من ضروب عدم الانتظام. 

6 – استكشاف عدم التساوي القمري الثالث؛ المعبر عنه اليوم بالتغيير». 

ثم يقول: «ومن الناحية العلمية كانت لهم هذه التحديدات الفلكية الصادقة التي هي أول أساس للخرائط. كما عملوا على تصحيح الأخطاء الفاحشة التي وقع فيها الإغريق».

ثم يقول: «أما من ناحية كشف بقاع العالم المجهولة فقد نشروا رسائل في الرحلات تعرف الناس بأقطار العالم المختلفة، التي كانت شبه مجهولة من قبل، والتي لم يسبق للأوربيين ارتيادها.. وإننا نجد في خريطة من خرائط الإدريسي ترجع إلى عام /1160م/ منابع النيل بين البحيرات الاستوائية الكبرى مرسوماً رسماً دقيقاً، وهي تلك المنابع التي لم يكشفها الأوربيون إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر».

ثم يقول: «وسِجِلُّ مكتشفاتهم في ميدان العلوم الطبيعية أعظم من ذلك. والبيان التالي يوضح أهمية تلك المكتشفات:

1 – معلومات عالية في نظريات علم الطبيعة، وخاصة فيما يتعلق بالمسائل الضوئية.

2 – اختراع أجهزة آلية من أبدع ما يكون. 

3 – اكتشاف أعلق الأجسام بأصل علم الكيمياء؛ مثل الكحول والحامض الكبريتي، وأهم العمليات الأساسية في هذا العلم؛ كالتقطير. 

4 – تطبيق الكيمياء في ميداني الصيدلة والصناعات، وبخاصة فيما يتعلق باستخراج المعادن وصناعة الفولاذ، والصياغة وغير ذلك.. 

5 – صناعة الورق من الخرق، والاستعاضة به عن رقِّ الغزال وورق البردي والحرير الصيني 

6 – ومن المحتمل أنهم أول من استخدم البوصلة في الملاحة، ومن المحقق أنهم أدخلوا هذا الاختراع الأساسي إلى أوربة. 

7 – وأخيراً؛ فهم قد اكتشفوا الأسلحة النارية؛ ففي عام /1205/م استخدم الأمير يعقوب المدفعية في حصار مدينة المهدية – في المغرب -. 

وفي عام /1273/م استخدمها السلطان أبو يوسف في حصار مدينة سجلماسة –في المغرب – وقد حضر كونت دربي وكونت سالسبري الإنجليزيان حصار مدينة الجزيرة – في الأندلس – التي دافع عنها العرب بالمدافع، فشاهدا نتائج استخدام البارود، فنقلا ذلك الاختراع إلى بلادهما، فاستخدمه الإنكليز في معركة كريس بعد ذلك بأربع سنوات». 

ثم يقول: «أما فيما يتعلق بالطب، فقد استوفى العرب أولاً كتب الإغريق، ثم ساروا بهذا الفن خطوات هامة إلى الأمام.. وتكاد تكون سائر المعارف الطبية في أوربة خلال عصر النهضة ماخوذة عن العرب. وأهم ما حققه العرب في ميدان الطب يتعلق بالجراحة ووصف الأمراض، وبالأدوية والصيدلة. وقد ابتكروا وسائل علاجية متعددة؛ ظهر بعضها في العالم الطبي حديثاً بعد ان قضت عليها قرون من النسيان؛ مثال ذلك استخدام الماء البارد لطب الحمى التيفودية..

والطب مدين لهم بكثير من المواد الطبية مثل: خيار الشنبر – السنا المكي – الراوند – التمر هندي – الكافور – الكحول – القلي، وغير ذلك..

وإننا مدينون لهم بكثير من المستحضرات المستعملة اليوم مثل: الأشربة وصنوف اللعوق واللزوق والمراهم والأدهان والماء المقطر وغير ذلك..».

ثم يقول: «كذلك الجراحة؛ كان للعرب الفضل في تقدمها الأول؛ فكانت مؤلفاتهم هي المراجع الأساسية التي تدرس بالمعاهد الطبية إلى عهد قريب جداً. لقد كانوا – في القرن الحادي عشر الميلادي – يعرفون علاج الماء الذي ينصب في العين؛ بالتحويل أو استخراج البلورية، ويعرفون كيفية تفتيت الحصا، وعلاج النزيف بصب الماء البارد.

كما كانت لهم خبرة باستخدام الكاويات، والأحزمة، والكي بالنار لتطهير الجراح.

وإن التخدير الذي يظن الناس أنه اكتشاف حديث؛ يبدو أن العرب لم يجهلوه، فقد كانوا يوصون باستعمال نبات الزؤان – قبل العمليات المؤلمة – لتنويم المريض حتى يفقد الوعي والإحساس.. وكانت لهم ثقة عظمى بالوسائل الصحية لعلاج الأمراض، وكانوا يعتمدون كثيراً على القوى الطبيعية، والطب النظري الذي يبدو اليوم وكأنه الكلمة الأخيرة للعلم الحديث، يوافق هذه الفكرة في استدلالاته..»}[156].

وأردفت: وليس هذا فقط؛ بل لقد شاركت الحضارة الإسلامية في قوانين أوربة ذاتها.

قال جورج: كيف؟

قلت: يقول المؤرخ الإنجليزي (ويلز) في كتابه (ملامح تاريخ الإنسانية): «إن أوربة مدينة للإسلام بالجانب الأكبر من قوانينها الإدارية والتجارية».

أما المؤرخ الفرنسي (سيديو) فيؤكد أن قانون نابليون منقول عن كتاب فقهي في مذهب الإمام مالك هو (شرح الدردير على متن خليل)[157].


4- تهمة التضييق على حرية الرأي:

قال جورج: حسبي؛ وإني لأعجب كيف وُجدتْ هذه النهضة العلمية في حضارة إسلامية تضيِّق على حرية الرأي، بل تكاد تخنقها أحياناً!

قلت: من قال هذا؟

قال: كثيرون من الغربيين كتبوا عن انعدام حرية الرأي عند المسلمين.

قلت: أتدري عمَّن أخذ الغربيون فكرة حرية الرأي يا جورج؟

قال: عمَّن؟

قلت: لقد أخذوها عن المسلمين.

فقال متعجباً: كيف؟!

قلت: يقول (أتيين دينيه) في كتابه (محمد رسول الله): «إلى الفيلسوف المسلم ابن رشد[158] – الذي عاش في الأندلس /1120-1198م/ – يرجع الفضل في إدخال حرية الرأي- التي يجب أن لا نخلط بينها وبين الإلحاد – في أوربة، وتحمس أحرار الفكر في العصر الوسيط الأوربي لشروحه لأرسطو، وكانت هذه الشروح مصبوغة بصبغة إسلامية قوية. ويمكن أن نعتبر بحق؛ أن التيار الفكري الذي نشأ عن هذا التحمس لابن رشد كان أصل التفكير المنطقي الحديث، فضلاً عن كونه من أصول الإصلاح الديني»[159].

قال جورج: عجباً؛ إذاً لماذا ننكر نحن الغربيين هذا الأثر الإسلامي على الحضارة الغربية؟ مع أننا ندعو إلى حرية الرأي!

قلت: لقد أجاب دينيه نفسه في كتابه السالف على هذا السؤال فقال: «السبب في هذا أن الواقع يشهد بأن حرية الرأي مسألة ظاهرية أكثر منها حقيقة، وأن الإنسان ليس حر التفكير على الإطلاق كما يشاء في مسائل معينة، ثم إن التعصب الموروث لدى النصارى ضد الإسلام وأتباعه، قد عاش فيهم دهوراً طويلة، حتى أصبح جزءاً من كيانهم. فإذا أضفنا إلى هذا مناهج الدراسة القديمة التي تسير عليها مدارسنا؛ وهي أن كل العلوم والآداب الماضية يرجع الفضل فيها إلى الإغريق واللاتين وحدهم، أدركنا في يسر كيف ينكر الناس عامةً؛ ذلك الأثر العظيم الذي كان للعرب في تاريخ الحضارة الأوربية. وسوف يبدو دائماً لبعض العقول أن من المهانة أن تدين أوربة النصرانية للمسلمين بإخراجها من ظلمات البربرية والتوحش»[160].

اقرأ أيضا  أسباب دخول الجنة والنجاة من النار

– أسباب الصورة المشوهة عن الإسلام لدى الغربيين:

قال جورج: إني لتستوقفني في نص دينيه السالف، عبارة: «إن التعصب الموروث لدى النصارى ضد الإسلام وأتباعه، قد عاش فيهم دهوراً طويلة حتى أصبح جزءاً من كيانهم» ترى ما أسباب هذا التعصب الذي رفضه واستقبحه كثير من النخبة الذين حدثتني عنهم؟ ثم إذا كان نبي المسلمين، ودين الإسلام، والحضارة الإسلامية؛ إذا كانت هذه الثلاثة واضحة كل هذا الوضوح في أذهان النخبة من علماء الغربيين، فلماذا تناقل عامة الغربيين صورة مشوهة عنها على مر الأيام؟

قلت: حياك الله يا جورج؛ هذا سؤال يرغب الكثيرون في معرفة جوابه، وإليك الجواب على لسان بعض النخبة من علماء الغربيين؛ مبيناً التسلسل التاريخي لهذه الصورة المشوهة.

– يقول المستشرق الباحث (مكسيم رودنسون) في الفصل الأول من كتاب (تراث الإسلام)[161]: «لقد أوجدت الحروب الصليبية حاجة كبيرة وملحة للحصول على صورة كاملة ومسلية ومرضية لأيديولوجية الخصوم. وكان رجل الشارع – الأوربي – يرغب في صورة تبين الصفة الكريهة للإسلام عن طريق تمثيله بشكل فج، على أن تكون في الوقت ذاته مرسومة بشكل يرضي الذوق الأدبي الميال إلى كل ما هو غريب، وهو ميل يشكل سمة بارزة في جميع الأعمال في ذلك الوقت.

كان الشخص العادي يريد صورة لأبرز السمات الغريبة التي أدهشت الصليبيين في تعاملهم مع المسلمين. 

وهكذا حدث أن الكتاب اللاتينيين الذين أخذوا بين عامي /1100-1140/م على عاتقهم إشباع هذه الحاجة لدى الإنسان العامي؛ أخذوا يوجهون اهتمامهم نحو حياة محمد دون أي اعتبار للدقة، فأطلقوا العنان (لجهل الخيال المنتصر) – كما جاء في كلمات ر. و. ساوثرن – فكان محمد في عرفهم ساحراً هدم الكنيسة في إفريقية وفي الشرق عن طريق السحر والخديعة! وضمن نجاحه بأن أباح الاتصالات الجنسية!

واستُعملت أساطير من الفولكلور العالمي، ومن الأدب الكلاسيكي، ومن القصص البيزنطية عن الإسلام، وحتى من المصادر الإسلامية – بعد تشويهٍ باطل من قِبل النصارى الشرقيين – كل هذه الأشياء استخدمت لتزيين الصورة.

يحدثنا ساوثرن أن جيلبرت دونوجنت اعترف بأنه لا يوجد لديه مصادر مكتوبة، وأشار فقط إلى آراء العامة، وأنه لا يوجد لديه أي وسيلة للتمييز بين الخطأ والصواب.

وكما هو الحال دائماً؛ فإن الرؤية ترسمها الأعمال التي تخاطب عامة الناس؛ لا بد أنها قد أسهمت في تكوين الصورة التي حفظتها الأجيال اللاحقة؛ أكثر من الرؤية التي تبينها الأعمال ذات الصبغة الجدية والعلمية.

ولقد قدر لهذه الصورة أن تزداد زخرفاً في الكثير من الأعمال الأدبية؛ فقد اختطت الروايات المحضة التي كان هدفها الوحيد إثارة اهتمام القارئ على نِسبٍ متفاوتة؛ بالعرض المشوه للعقيدة التي ألهبت حقد العدو. ووصلت الملاحم إلى أعلى ذرى الابتكارات الخيالية؛ فقد اتهم المسلمون بعبادة الأوثان.. وكان – في عرف تلك الملاحم – محمد هو صنمهم الرئيس، وكان معظم الشعراء الجوالة يعتبرونه كبير آلهة الشرقيين، وكانت تماثيله – حسب أقوالهم – تصنع من مواد غنية وذات أحجام هائلة..»[162].

ثم يقول: «وهكذا منذ فترة ما بين القرنين العاشر والثالث عشر الميلاديين التي شهدت ترجمة الكثير من العلوم عن اللغة العربية – أخذت تتشكل في أذهان المفكرين الغربيين صورة أخرى للعالم الإسلامي بوصفه مهداً لفلاسفة عظام. وكانت الصورة مضادة تماماً للصورة السابقة؛ صورة الكيان السياسي الذي يسيطر عليه دين معاد ومغلوط، وهي الصورة التي خلقتها الخرافات السخيفة والكريهة في أذهان الناس. وكان من الصعب التوفيق بين هاتين الصورتين»[163].

ثم يقول: «ففي بداية القرن الرابع عشر الميلادي أخرج دانتي من النار كلاً من ابن سينا وابن رشد وصلاح الدين ووضعهم في المطهر، وهؤلاء هم المحدَثون الوحيدون الذين انضموا إلى حكماء العالم القديم وأبطاله.

وفي عام /1312م/ صادق مجلس فيينا على أفكار بيكون وليل بخصوص تعلم اللغات وبخاصة اللغة العربية»[164].

ثم يقول: «في القرن السابع عشر انبرى كثير من الكتاب – الغربيين – للدفاع عن الإسلام ضد الإجحاف الذي ناله في العصور الوسطى، وضد مجادلات المتنقصين من قدره، وأثبتوا قيمة وإخلاص التقوى الإسلامية.. وكان ريشار سيمون أحد هؤلاء الكتاب، فقد كان كاثوليكياً مخلصاً، لكن سلامة تكوينه العلمي جعلته يكافح ضد التحريف المتزمت للحقائق الموضوعية.. ولقد عالج في كتابه (التاريخ النقدي لعقائد وعادات أمم الشرق) عام /1684/م عادات وطقوس النصارى الشرقيين أولاً، ثم عادات وطقوس المسلمين، وقد عرضها بوضوح واتزان، مستنداً إلى كتاب لأحد فقهاء المسلمين، دونما قدح أو انتقاص. وكان يُظهر التقدير وحتى الإعجاب بهذه العادات، وعندما اتهمه أرنولد بأنه كان موضوعياً أكثر من اللازم نحو الإسلام، نصحه بأن يتأمل (التعاليم الرائعة) للأخلاقيين الإسلاميين.

ثم جاء المستشرق أ. رولاند الذي كان أعمق تخصصاً في الإسلاميات من سيمون، فكتب عام /1705/م عن الإسلام من وجهة نظر موضوعية بالاستناد إلى مصادر إسلامية فقط.

وكتب الفيلسوف بيير بيل، وهو من المعجبين بالتسامح الإسلامي، في الطبعة الأولى من القاموس النقدي /1697/م عن حياة محمد بموضوعية.

وانتقل الجيل التالي من الموضوعية إلى مرحلة الإعجاب؛ فقد استشهد (بيل) وكثيرون غيره بتسامح الإمبراطورية العثمانية إزاء جميع أنواع الأقليات الدينية.. فكان ينظر إلى الإسلام كدين عقلاني بعيد كل البعد عن العقائد النصرانية المخالفة للعقل.. ثم إنه وفَّق بين الدعوة إلى حياة أخلاقية وبين حاجات الجسد والحواس والحياة في المجتمع. وخلاصة القول فهو كدين كان قريباً جداً من الدين الطبيعي الذي كان يعتقد به معظم (رجال عصر التنوير)..

في هذا الاتجاه كان (ليبنيز) يفكر. ثم ظهر كاتب مجهول لكراس يحمل عنواناً فيه الكثير من التحدي (محمد ليس دجالاً) عام /1720/م. وتلاه (هنري دوبولينفييه) الذي نشر كتاباً دفاعياً بعنوان (حياة محمد) عام/1730/م. وتبع ذلك (فولتير) وهو معجب بالحضارة الإسلامية[165]..»[166]. ويستمر (رودنسون) في هذا الفصل الذي كتبه باستعراض الكتَّاب والكتب التي تابعت مسيرة الدفاع عن نبي الإسلام وحضارة الإسلام حتى نهاية القرن الثامن عشر.. وبين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ظهر (غوته) الألماني. يقول رودنسون: «فشِعر غوته الذي يمجد فيه محمداً، وبخاصة (أنشودة محمد) عام /1774/م يفوق في شاعريته بما لا يقاس مؤلَّف فولتير (محمد) عام /1742/م.. وبعد أكثر من أربعين عاماً؛ في سنة /1819/م كتب (غوته) ديوانه الشرقي الغربي برسائله الاثنتي عشرة؛ وبمقدمته التي تحمل دعوة إلى الهجرة إلى الشرق، وبشروحه وتعليقاته التي تدل على معرفة واسعة بالشرق»[167].

ثم يقول: «يمكن القول بصورة عامة إن العلماء في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان يزيد ضررهم على نفعهم، وذلك لتأثرهم بالأحكام المغرضة الشائعة لا بالعلم»[168].

ومنذ القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين صار الغربيون الذين باتوا يقطفون ثمار النهضة العلمية؛ ينظرون إلى سواهم نظرة ازدراء وفوقية. يقول رودنسون: «عزا المبشرون النصارى نجاحات الأمم الأوربية إلى الديانة النصرانية، مثلما عزوا إخفاق العالم الإسلامي إلى الإسلام، فصُورت النصرانية على أنها بطبيعتها ملائمة للتقدم، وقرن الإسلام بالركود الثقافي والتخلف، وأصبح الهجوم على الإسلام على أشد ما يكون، وبُعثت حجج العصور الوسطى بعد أن أضيفت إليها زخارف عصرية، وصُورت الجماعات الدينية الإسلامية بصورة خاصة على أنها شبكة من التنظيمات الخطرة يغذيها حقد بربري على الحضارة»[169]. إلى أن يقول: «كانت حركة الجامعة الإسلامية هي الغول المرعب في تلك الفترة.. فكانت كل ظاهرة مناهضة للإمبريالية حتى ولو كان مبعثها مشاعر محلية خالصة؛ تعزى إلى تلك الحركة الإسلامية.. وبفضل الصحافة والأدب الشعبيين وكتب الأطفال؛ أخذت هذه النظرة تتسرب إلى عقول الجماهير الغفيرة من الأوربيين، ولم تخلُ من تأثير في العلماء أنفسهم»[170].

ويقول رودنسون أخيراً: «إن الثورة في التفكير الغربي.. التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى – جعلت التقييم النصراني لمحمد مسألة حساسة؛ فلم يعد بإمكانهم الزعم (الكاذب) بأنه (محتال شيطاني) كما كان عليه الحال في العصور الوسطى.. إننا نجد بعض الكاثوليك المتخصصين بالإسلام يعتبرونه (عبقرياً دينياً).. وعلى غرار ماسينيون أعجب بعض النصارى بالقيمة الروحية للتجارب الدينية الإسلامية، وأزعجتهم مواقف الظلم التاريخية التي وقفتها شعوبهم من الإسلام.. ويذهب مؤرخ مثل (نورمان دانييل) إلى حد النظر إلى أي انتقادات لمواقف النبي الأخلاقية؛ على أنها من بين المفاهيم المتشربة بروح العصور الوسطى أو الإمبريالية»[171].

– أما المستشرق (درايبر) فقد لخص المشكلة برمتها فقال: «ينبغي أن أنعي على الطريقة التي تحايل بها الأدب الأوربي ليخفي عن الأنظار مآثر المسلمين العلمية علينا! إن الجور المبني على الحقد الديني والغرور الوطني؛ لا يمكن أن يستمر إلى الأبد»[172]

  – وأما المستشرقة الألمانية (زيغريد هونكه) فقد أوجزت المشكلة بطريقة أخرى فقالت في كتابها (شمس الله تسطع على الغرب): «إن موقف أوربة من العرب منذ نزول الوحي المحمدي موقف عدائي بعيد كل البعد عن االإنصاف والعدالة»[173].

وهنا قال جورج: عجباً لبني قومي! كيف جهلوا خلاصة دراسات النخبة من علمائهم هذه.

قلت: كان هذا فيما مضى، أما اليوم فقد أخذت الغمة تنجلي، والحقيقة تضيء.

قال: كيف؟

قلت: يقول الكاتب الفرنسي (موريس بوكاي) في كتابه (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم): «يظهر أن تغيراً جذرياً يتم في أيامنا على أعلى مستوى في العالم النصراني. والوثيقة التي صدرت عن أمانة الفاتيكان، ووزعت فيما بعد عن المجمع الفاتيكاني الثاني لغير النصارى، وفيها توجيهات للحوار بين النصارى والمسلمين[174]، وكانت ثالث طبعاتها بتاريخ /1970/م تشهد بعمق التغير في المواقف الرسمية.

وبعد أن دعت هذه الوثيقة إلى تنحية الصورة البالية الموروثة عن الماضي، أو المشوهة ببعض الأوهام والافتراءات التي كانت للنصارى عن الإسلام، أصرت على الاعتراف بأخطاء الماضي وانحرافاته التي اقترفها الغرب ذو النشأة النصرانية بحق المسلمين»[175].

ويعرض بوكاي نص الوثيقة فيقول: «تقول وثيقة الفاتيكان – السالفة الذكر – (ينبغي التخلي عن الصورة الباهتة الموروثة عن الماضي، أو المشوهة بالمزاعم الباطلة والافتراءات، والاعتراف بالظلامات التي اجترحها الغرب بحق المسلمين)»[176]. ثم يسوق بوكاي بعض الأمثلة التي توضح فحوى الوثيقة.. ثم يقول: «وتقابل الوثيقة الفكرة الذائعة عن الإسلام بأنه دين الخوف – الإرهاب – بتلك التي تقول بأنه دين الحب، حب الغير؛ المتأصل في عقيدة الله. كما تفند الفكرة الرائجة باطلاً، والتي تهدف إلى وصم الإسلام بأنه خال من النظام الأخلاقي»[177].

ثم يقول: «تورد الوثيقة عبارات من القرآن توضح أن ما كان يترجمه الغربيون خطأ بـ(الحرب المقدسة) هو ما يعبر عنه في العربية (الجهاد في سبيل الله) الجهاد لنشر الإسلام والدفاع عنه ضد المعتدين، وتتابع الوثيقة الفاتيكانية فتقول: (إن الجهاد ليس – الخريم التوراتي – ولا يتجه إلى الإبادة أبداً، ولكن لنشر شرائع الله وحقوق الإنسان في المقاطعات الجديدة»[178].

ويختم موريس بوكاي قائلاً: «إن هذا الدفاع عن الإسلام من الفاتيكان سيدهش دونما ريب كثيراً من المعاصرين المؤمنين؛ سواء كانوا مسلمين أو يهوداً أو نصارى. إنه مظهر صدق وفكر منفتح يتناقض تماماً مع المواقف التي خلت»[179].

ثم أردفت: أعرفت يا جورج أسباب الصورة المشوهة عن الإسلام لدى الغربيين؟


مشورة:

قال جورج: أجل؛ ولا أكتمك أن تلك الصورة المشوهة قد تبددت من مخيلتي الآن، وحل محلها صورة صحيحة حقيقية واضحة عن نبي المسلمين، وعن دين الإسلام وعن الحضارة الإسلامية؛ رسمها لي النخبة من الباحثين والدارسين من بني قومي. وإنني لأتساءل؟ ترى بماذا تشير هذه النخبة على بني البشر تجاه دين الإسلام؟

قلت: إنهم لم يضنوا بهذه المشورة على أحد.

قال: كيف؟

قلت:

– يقول العلامة الفرنسي (لوزون) أستاذ علم الكيمياء والفلك في كتابه (الله في السماء) بعد ما تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن رسالته: «رسول كهذا الرسول يجدر اتباع رسالته، والمبادرة إلى اعتناق دعوته؛ إذ أنها دعوة شريفة، قوامها معرفة الخالق، والحث على الخير، والنهي عن المنكر، بل كل ما جاء به يرمي إلى الصلاح والإصلاح، والصلاح أنشودة المؤمن. هذا هو الدين الذي أدعو إليه جميع النصارى»[180].

– ويقول الفيلسوف الإنجليزي الشهير (برنارد شو): «كنت على الدوام أنزل دين محمد منزلة كبيرة من الإعزاز والإكبار لعظمته التي لا تنكر، إنني أعتقد أن دين محمد هو الدين الوحيد الذي يناسب كل إنسان، ويصلح لكل زمان، ويتمشى مع كل بيئة في هذا العالم، وفي كل مرحلة من الحياة، وإنني أتنبأ بأن دين محمد سيلقى القبول في أوربة غداً، كما يلقاه فيها الآن»[181]

  – ويقول (برنارد شو) أيضاً: «تمنيت دائماً أن يكون الإسلام هو سبيل العالم، فلا منقذ له سوى رسالة محمد»[182].

ويقول (برنارد شو) أيضاً: «إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال، فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالداً خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة – أوربة – وإذا أراد العالم النجاة من شروره، فعليه بهذا الدين، إنه دين السلام والتعاون والعدالة في ظل شريعة متمدينة محكمة، لم تنس أمراً من أمور الدنيا إلا رسمته، ووزنته بميزان لا يخطئ أبداً، وقد ألَّفت كتاباً في (محمد)[183] ولكنه صودر – وأحرق – لخروجه عن تقاليد الإنجليز»[184].

– ويقول الفيلسوف الشهير (تولستوي): «إن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم لِتوافقها وانسجامها مع العقل والحكمة فإنها سوف تسود العالم»[185].

موجز:

قال جورج: إنها لمشورة! ولا أكتمك أنني بت أتوق إلى معرفة ما يتضمنه القرآن وما تتضمنه السنة من تعاليم. فهل لك أن توجز لي هذا.

قلت:

– حباً وكرامة يا جورج؛ أما القرآن فقد أوجز لك مضمونه العلامة الشهير (وِل ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة) إذ قال تحت عنوان (القرآن والأخلاق): «القانون والأخلاق في القرآن شيء واحد؛ فالسلوك الديني في كليهما يشمل أيضاً السلوك الدنيوي، وكل أمر فيهما موحى به من عند الله، والقرآن يشمل قواعد للآداب، وصحة الجسم، والزواج والطلاق، ومعاملة الأبناء والعبيد والحيوان، والتجارة والسياسة، والجريمة والعقاب، والحرب والسلم»[186].

ثم قال: «والقرآن يبعث في النفوس السليمة أسهل العقائد وأقلها غموضاً وأبعدها عن التعقيد بالمراسم والطقوس، وأكثرها تحرراً من الوثنية والكهنوتية. وقد كان له الفضل في رفع مستوى المسلمين الأخلاقي والثقافي»[187].

– أما مضمون السنَّة فقد أوجزته لك البريطانية الباحثة في الأديان (كارين أرمسترونج) في كتابها (سيرة النبي محمد) إذ قالت: «تكوِّن الأحاديث النبوية مع القرآن أصول الشريعة الإسلامية، كما أصبحت أيضاً أساساً للحياة اليومية والروحية لكل مسلم. فقد علَّمت السنَّة المسلمين محاكاة أسلوب محمد في الكلام، والأكل، والحب، والاغتسال، والعبادة، لدرجة يعيدون معها إنتاج حياة النبي محمد على الأرض في أدق تفاصيل حياتهم اليومية بأسلوب واقعي»[188].

وأردفتُ: أأزيدك موجزاً لدين الإسلام كله قرآناً وسنَّة؟

قال: حبذا لو فعلت!

قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»[189] هذا هو دين الإسلام يا جورج؛ هو (مكارم الأخلاق) التي بعث بها جميع الرسل والأنبياء. وبعث نبي المسلمين ليتممها لا لينقضها.

خاتمة المطاف:

وهنا بدت على وجه جورج مسحة من البهجة والسرور والإشراق نمَّت عما يختلج في نفسه من مشاعر وخلجات.. ثم أطرق كمن يمعن التفكير والتروي.. ثم رفع رأسه إلي قائلاً:

– إذا أراد امرؤ أن يدخل في دين الإسلام فماذا عليه أن يفعل؟

قلت: يتلفظ بالشهادتين.

قال: وما هما؟

قلت: هما: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول الله).

قال جورج: فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.

وهنا لم أتمالك نفسي! فهببت من مقعدي واقفاً ومددت يدي مصافحاً.. ثم اعتنقته وأنا أقول: حياك الله يا جورج! حياك الله يا أخي، فأنت منذ اليوم أخي وأخو جميع المسلمين، كما قال الله تعالى في القرآن الكريم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[190].

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]   في تاريخ الطبري أنه كان في الثانية عشرة من عمره. 

[2]   كان أكبرهم في سن الزواج عند اقتران النبي صلى الله عليه وسلم بخديجة.

[3]   1/340 ترجمة د. أحمد فخري.

[4]   ص117.

[5]   عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) لمحمد عثمان عثمان ص110.

[6]   هذا تاريخ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، أما الذين اتبعوه فقد سبقوه في الهجرة. 

[7]   2/341.

[8]   ص84.

[9]   ص47. 

[10]   انظر كتاب (محمد والإسلام) تعريب عمر أبو النصر ص81 ط. المكتبة الأهلية بيروت 1934. 

[11]   ص37.

[12]   ص80.

[13]   ص160.

[14]   ص58-60 ترجمة محمد السباعي – ط. دار الكاتب العربي.

[15]   عن كتاب (شمس الحضارة تسطع على الغرب) زيغريد هونكه ص465.

[16]   ص13.

[17]   ص17.

[18]   عن كتاب (الإسلام نهر يبحث عن مجرى) د. شوقي أبو خليل ص15.

[19]   ص18.

[20]   ص59 ترجمة عادل زعيتر – ط. البابي الحلبي.

[21]   ص152 ترجمة فتحي زغلول ط. مصر.

[22]   الشورى 13.

[23]   ص7.

[24]   عن كتاب (محمد عند علماء الغرب) ص97 لخليل ياسين.

[25]   2/343 تعريب د. أحمد فخري.

[26]   عن كتاب (محمد نبي الهدى والرسول الخاتم) لمحمد بهي الدين سالم.

[27]   عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) ص110 محمد عثمان عثمان.

[28]   ص31.

[29]   عن كتاب (غوته والعالم الغربي) كاتارينا مومزن ص181-355.

[30]   عن كتاب (قصة الحضارة) لديورانت 7/47. 

[31]   7/53.

[32]   عن كتاب (محمد رسول الإسلام) لمحمد فهمي عبد الوهاب – ط. تونس ص43.

[33]   ص125 – تعريب عادل زعيتر – القاهرة – ط3 البابي الحلبي.

[34]   ص343 – تعريب د. عبد الحليم محمود.

[35]   ص43.

[36]   ص54. 

[37]   ص45.

[38]   ص56.

[39]   ص67.

[40]   ص83.

[41]   ص80 ترجمة محمد السباعي.

[42]   عن (محمد في الآداب العالمية) ص156 لمحمد عثمان عثمان.

[43]   عن كتاب (حوارات مع أوربيين غير مسلمين) لعبد الله أحمد الأهدل.

[44]   المصدر السابق.

[45]   الأعراف 188.

[46]   7/43.

[47]   ص277.

[48]   جاء في كتاب (حياة محمد) إميل درمنغم – تعريب عادل زعيتر – ط2: « ذهب سبرنجر إلى أن محمداً كان مصاباً بالخُباط (الهيستريا) ثم نقض بابينسكي ذلك، وقرر مسيو ماسينيون أنه كان متزناً». ص11.

[49]   عن كتاب (محمد بن عبد الله) تعريب عمر أبو النصر ص59.

[50]   عن كتاب (محمد والإسلام) تعريب عمر أبو النصر – ط. المكتبة الأهلية.

[51]   ص219 ترجمة د. فاطمة نصر – د. محمد عناني – ط. شركة صحارى. 

[52]   من مصادر السيرة الموثوقة: سيرة ابن هشام – عيون الأثر لابن سيد الناس – جوامع السـيرة لابن حـزم الظاهري – زاد المعاد لابن قيم الجوزية – السيرة النبوية الصحيحة د. أكرم ضياء العمري. 

[53]   لا يتسع هذا البحث لذكرها هنا فانظرها في السير النبوية الصحيحة د. أكرم العمري فصل أمهات المؤمنين.

[54]   الأحزاب /28-29/.

[55]   7/45. 

[56]   عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) محمد عثمان عثمان ص145.

[57]   ص6 من النسخة المطبوعة عام /1805م/.

[58]   ص83. 

[59]   ص85 ترجمة محمد السباعي.

[60]   البقرة 228. 

[61]   النساء 32. 

[62]   سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني رقم 2863.

[63]   المرجع السابق رقم 2871.

[64]   الروم 21. 

[65]   الأعراف 189. 

[66]   انظره في خطبة الوداع في سيرة ابن هشام – وانظر حديث «استوصوا بالنساء خيراً» في البخاري ومسلم.

[67]   عن مجلة (العربي) العدد 203 سنة 1975م – مجلة (نهج الإسلام) العدد /40/ 1410هـ – مقالة د. صفاء خلوصي.

[68]   يقول المستشرق (آتيين دينيه) في كتابه (محمد رسول الله – تعريب د. عبد الحليم محمود) بعدما أورد في الحاشية هذا النص معلقاً عليه: «هذا في الوقت الذي كان فيه سان بونا فنتور يقول لتلاميذه في أوربا: (إذا رأيتم امرأة فلا تحسبوا أنكم ترون كائناً بشرياً ولا كائناً وحشياً، وإنما الذي ترون هو الشيطان ذاته، والذي تسمعون هو صفير الثعبان» ص343.

[69]   عن كتاب (محمد عند علماء الغرب) خليل ياسين.

[70]   ص83.

[71]   ص99.

[72]   عن كتاب (مقارنة الأديان) قسم: الإسلام – ص292 – د. أحمد شلبي.

[73]   يقدِّر سليمان الندوي في كتابه (الرسالة المحمدية) عدد الكتب التي ألِّفت في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من عهد الرسالة إلى اليوم عند المسلمين وغير المسلمين بالألوف، وقد أُجريَ إحصاء في النصف الأول من القرن العشرين لعدد الكتب التي كتبها الأوربيون فقط عن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم فكان أكثر من /1300/ كتاب بمختلف اللغات الأوروبية.

أما الآن فكم أصبح العدد يا ترى؟! وهذا مصداق لقوله تعالى : {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}. 

[74]   عن كتاب (مقارنة الأديان – قسم الإسلام) د. أحمد شلبي ص294.

[75]   ص62.

[76]   ص6.

[77]   ص43.

[78]   ص92.

[79]   عن كتاب (محمد رسول الله هكذا بشرت به الأناجيل) بشرى زخاري ميخائيل ص49.

[80]   ص353 ترجمة د. عبد الرحمن الشيخ – ط. السعودية /2005/م.

[81]   عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) محمد عثمان عثمان ص33.

[82]   (المئة الأوائل) ترجمة خالد أسعد عيسى – أحمد غسان سبانو – ط. دمشق دار قتيبة ص25.

[83]   المرجع السابق ص30.

[84]   سلف أن ذكرت أن من مصادر السيرة النبوية الموثوقة: سيرة ابن هشام – عيون الأثر لابن سيد الناس – جوامع السيرة لابن حزم الظاهري – زاد المعدا لابن قيم الجوزية – السيرة النبوية الصحيحة د. أكرم ضياء العمري.

[85]   سورة المائدة، الآية /6/. 

[86]   حديث صحيح متفق عليه. 

[87]   حديث صحيح رواه الشافعي وأحمد والنسائي والدارمي وابن خزيمة. – والسواك أداة لتنظيف الأسنان تشبه الفرشاة.

[88]   رواه البخاري ومسلم.

[89]   سورة النور – الآية /27-28/.

[90]   سورة النور، الاية /58-59/. 

[91]   سورة الحجرات الآية /11-12/.

[92]   الحجرات 13. 

[93]   سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، الحديث رقم /2700/.

[94]   عن كتاب (محمد عند علماء الغرب) لخليل ياسين ص105. 

[95]   عن كتاب (الإسلام والمبادئ المستوردة) د. عبد المنعم النمر ص 84.

[96]   ص46.

[97]   عن كتاب (ظلام في الغرب) لمحمد الغزالي ص140.

[98]   ص26-276-430-566. ترجمة عادل زعيتر ط3 – القاهرة – ط. البابي الحلبي.

[99]   عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) ص46 محمد عثمان عثمان.

[100]   ص16.

[101]   سورة الفرقان، الآية/63-75/. 

[102]   سورة المؤمنون 96.

[103]   سورة لقمان الآيات /17-19/.

[104]   سورة النحل الآية /125/.

[105]   آل عمران /159/.

[106]   سورة النحل /126/.

[107]   الإسراء /53/.

[108]   العنكبوت /46/.

[109]   انظر سيرة ابن هشام.

[110]   ص19. ترجمة د. فاطمة نصر – د. محمد عناني – ط. كتاب سطور – شركة صحارى.

[111]   ص67.

[112]   عن كتاب (محمد رسول الله هكذا بشرت به الأناجيل) بشرى زخاري ميخائيل – ص50. وانظره في كتاب درمنغم المذكور – ترجمة عادل زعيتر ط2.

[113]   (حياة محمد) إميل درمنغم ص362 – تعريب عادل زعيتر – ط. دار العلم للملايين.

[114]   عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) محمد عثمان عثمان ص20.

[115]   ص126 – وعن الجانب التطبيقي للتسامح في الإسلام يقول (لوبون): «ويمكن القول بأن التسامح الديني كان مطلقاً في دور ازدهار حضارة العرب، وقد أوردنا في هذا غير دليل، ولا نسهب فيه؛ وإنما نشير إلى ما ترجمه مسيو دوزي من قصة أحد علماء العرب الذي كان يحضر ببغداد دروساً كثيرة في الفلسفة يشترك فيها أناس من اليهود والزنادقة والمجوس والمسلمين والنصارى إلخ.. فيُستَمَع إلى كل واحد منهم باحترام عظيم، ولا يطلب منه إلا أن يستند إلى الأدلة الصادرة عن العقل، لا إلى الأدلة المأخوذة من أي كتاب ديني كان، فتسامحٌ مثل هذا هو مما لم تصل إليه أوربة بعدما قامت به في أكثر من ألف سنة من الحروب الطاحنة، وما عانته من الأحقاد المتأصلة، وما مُنيتْ به من المذابح الدامية». (حضارة العرب) ص570 تعريب عادل زعيتر.

[116]   عن كتاب (محمد بن عبد الله) تعريب عمر أبو النصر ص63. ط. عام /1934/م.

[117]   ص393.

[118]   عن كتاب (حقائق الإسلام وأباطيل خصومه) لعباس محمود العقاد ص227 ط. كتاب الهلال.

[119]   ص128-129. ط. البابي الحلبي تعريب عادل زعيتر ط3.

[120]   المرجع السابق ص127.

[121]   الزمر 9.

[122]   الأنعام 97. 

[123]   الأعراف 32.

[124]   التوبة 11. 

[125]   يونس 5. 

[126]   النمل 52. 

[127]   فصلت 3. 

[128]   العنكبوت 43.

[129]   فاطر 28. 

[130]   آل عمران 190.

[131]   فاطر 27-28. 

[132]   عن كتاب (الإسلام يتحدى) ص152-153.

[133]   ص106.

[134]   ص14.

[135]   تعريب د. فؤاد حسنين علي – ط. دار المعارف بمصر.

[136]   ص84 ترجمة سهيل حكيم – ط. وزارة الثقافة السورية.

[137]   عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) محمد عثمان عثمان ص107.

[138]   9/246.

[139]   نقلاً عن كتاب (هكذا كانوا.. يوم كنا) د. حسان شمسي باشا ص83.

[140]   انظر الفصل لابن حزم: 1/188-189 مطلب (كروية الأرض). 

[141]   ص377 – تعريب عادل زعيتر – ط. البابي الحلبي.

[142]   ص370.

[143]   (شمس الله تسطع على الغرب) ص148-269-315-354. 

[144]   طبع هذا الكتاب للمرة الأولى عام /1973/م وهو غير كتاب (تراث الإسلام) للمستشرق أرنولد المطبوع عام /1931/م. 

[145]   ص24.

[146]   ص26 – تعريب عادل زعيتر – ط. البابي الحلبي ط3.

[147]   المصدر السابق ص126.

[148]   عن كتاب (محمد رسول الله) أتيين دينيه – تعريب د. عبد الحليم محمود ص339.

[149]   (حضارة العرب) ص566.

[150]   نقلاً عن كتاب (مقدمات العلوم والمناهج) لأنور الجندي 4/710.

[151]   ص110-112. 

[152]   عن كتاب (مقدمات العلوم والمناهج) أنور الجندي 7/141.

[153]   ص381 تعريب عادل زعيتر – ط. البابي الحلبي.

[154]   ص380.

[155]   ص425.

[156]   ص339 وما بعدها تعريب د. عبد الحليم محمود. – ومن شاء التوسع في هذا فليراجع الباب السادس كله من (تاريخ العرب العام) لسيديو تحت عنوان (وصف الحضارة العربية) – والباب الخامس كله بفصوله العشرة من كتاب (حضارة العرب) لغوستاف لوبون ثم كتاب (شمس الله تسطع على الغرب) لزيغريد هونكه.. وغيرها. وانظر قائمة المصادر والمراجع التي جمعها العلامة (جورج سارتون) لكتابه (مقدمة في تاريخ العلوم).

[157]   عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) محمد عثمان عثمان ص76. – ولما عدتُ إلى كتاب سيديو (تاريخ العرب العام) وجدت فيه النص التالي: «عهدتْ الحكومة الفرنسية إلى الدكتور بيرون في أن يترجم إلى الفرنسية كتاب (المختصر في الفقه) للخليل بن إسحاق بن يعقوب المتوفى عام /1422/م. وهذا الكتاب هو أحسن ما أُلِّف في الفقه المالكي». ص395 تعريب عادل زعيتر ط. البابي الحلبي – وقد ولد سيديو عام /1808/م.

[158]   هو محمد بن أحمد من أهل قرطبة في الأندلس – عني بكلام أرسطو وترجمه إلى العربية، وزاد عليه زيادات كثيرة، وصنف نحو خمسين كتاباً. انظر ترجمته في أعلام الزركلي.

[159]   ص343.

[160]   ص344.

[161]   هو كتاب اشترك في تأليفه مجموعة من الباحثين والدارسين الغربيين بإشراف المستشرق جوزيف شاخت – ترجمه إلى العربية د. محمد زهير السمهوري – حققه وعلق عليه د. شاكر مصطفى. – وقد سلفت الإشارة إليه. 

[162]   ص33.

[163]   ص38.

[164]   ص45. روجر بيكون /1235-1294/م إنجليزي تلقى علومه في أكسفورد وباريس حيث نال الدكتوراه في اللاهوت، ترجم عن العربية كتاب (مرآة الكيمياء). وريموند ليل /1235-1314/م قضى تسع سنوات /1266-1275/م في تعلم اللغة العربية ودراسة القرآن، ثم قصد بابا روما وطالبه بإنشاء كليات تدرس اللغة العربية لتخريج مستشرقين قادرين على محاربة الإسلام، ووافقه البابا.   ¬ 

  ¬   وفي مؤتمر فيينا سنة /1312/م تم إنشاء كراس للغة العربية في خمس جامعات أوربية هي: باريس – أكسفورد – يولونيا بإيطالية – سلمنكا بإسبانية بالإضافة إلى جامعة البابوية في روما. 

[165]   ألَّف فولتير كتابه (محمد) عام /1742م/ وكان فيه متردداً بين الدفاع والتحامل.

[166]   ص55 وما بعدها.

[167]   ص61.

[168]   ص63.

[169]   ص69. 

[170]   ص69-70.

[171]   ص76 وما بعدها.

[172]   عن كتاب (تشكيل العقل السليم) ص94 د. عماد الدين خليل.

[173]   ص10 – تعريب د. فؤاد حسنين علي – ط. دار المعارف بمصر.

[174]   عنوان الوثيقة: «اتجاهات الحوار بين النصارى والمسلمين».

[175]   ص8.

[176]   ص107.

[177]   ص109.

[178]   ص109.

[179]   ص109 ط. دار الكندي – بيروت 1978.

[180]   عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) محمد عثمان عثمان ص33.

[181]   عن كتاب (محمد رسول الله هكذا بشرت به الأناجيل) بشرى زخاري ميخائيل ص55.

[182]   عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) محمد عثمان عثمان ص33.

[183]   اسم الكتاب (محمد).

[184]   عن كتاب (محمد عند علماء الغرب) خليل ياسين ص135.

[185]   عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) محمد عثمان عثمان ص26.

[186]   ص7/59 ط. بيروت. – دار الجيل.

[187]   7/68.

[188]   ص388 ترجمة د. فاطمة نصر – د. محمد عناني ط. 1998. ط. شركة صحارى – كتاب سطور.

[189]   سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني رقم /45/.

[190]   الحجرات، الآية /10/.    

المصدر: المشاركة الفائزة بالجائزة الثانية بمسابقة موقعنا:(انصر نبيك وكن داعياً)، فرع البحث

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.