التوصياستراتيجية النهوض والسبيل إلى التقدم

الجمعة- 21 ذوالقعدة 1434 الموافق27 أيلول / سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).مرابطون

مصعب الخالد 

بسم الله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آلِه وصَحْبِه ومَن والاه وسار على هَدْيِه وهداه إلى يوم الدين.
أمَّا بعد:
إنَّ الغياب العمليَّ لإستراتيجيَّة شاملة للنهوض هو في الواقع تنفيذ لإستراتيجيَّة شاملة للسقوط والاضمحلال“.

يُشير مفهوم (النهوض) إلى سعْي الأمَّة لامتلاك القوَّة في أشكالها المختلفة، وتوليد الحضارة، ويصل النُّهوض بالأمَّة إلى ما يُعرف بـ(التقدُّم)، وهو (عولَمة) الحضارة وحمايتها، وصيانة بيْضة الأمَّة ومقدَّساتها، وبروزها كمُلْهِم وقدْوة وقائد في العالم، ويُشكِّل (النهوض) الجذور لـ (التقدم).

والنُّهوض ليس مشروع يوْم وليلة، أو جهدًا مؤقَّتًا؛ إنَّما هو بنيان يَحتاج إلى عمل دؤوب، ومُحافظة على الإيقاع في البناء والتَّرميم.

ولذلك؛ فإنَّ النهوض ليْس مهمَّة سهلة، إنَّما يَحتاج الأمْر إلى توجيه الأمَّة نحوه، في مشاركة توافقيَّة بين القُوى الرسْميَّة والقوى الشعبيَّة، بحيث توجِّه الأولى الأخيرةَ عبر قنوات الاتِّصال المختلفة، وتكون لجهودها وطاقاتها مُنَظِّمًا.

وهذا المشْروع يحتاج إلى إستراتيجيَّة تنفيذيَّة تَجِد مكانَها في واقع الأمَّة، وتقوم على معرفة القيادة من علماء وسلاطين بهدف أمَّتنا من الوجود، القائم على نشْر الإسلام ونصْره، إلى جانب معرفتهم بقدراتها، ويُبْنَى على ذلك إعداد الوسائل وصياغة الخطط، وتوظيف القدرات وإشْعال الهمم، والاستِغْلال الصَّحيح للطَّاقات، مع نشْر الوعْي بين الأفراد بوجوب تَحقيق الأمَّة الإسلاميَّة للسيادة العالميَّة.

اقرأ أيضا  منتقى الدرر من كتاب الأخلاق والسير

ومن إيجابيَّات وجود هذه الاستراتيجيَّة أنَّها توضِّحُ للأفرادِ الأهداف، وتربطهم بالله تعالى، وتدفعهم إلى الجد في العمل، وتُساعدهم في إبراز مواهبهم، كما تنمي وازعهم الديني؛ لأنَّها تصور لهم طموحًا ساميًا يصرفهم عن المعاصي، وتُشكل سدًّا منيعًا أمام الكثير من المشاكل الناشئة عن الفراغ والإهمال وانعدام الأمانة.

والنَّاظر إلى مرحلة نشأة الحضارة الأوروبية، يرى الأثر الكبير لوجود إستراتيجيَّة أوربيَّة للنهوض، كانت تدور حول هدفيْن أساسيين، هما التصدِّي للعثمانيِّين وتدمير دولتهم، إلى جانب المنافسة في استِعْمار أراضي العالم الجديد (الأمريكتين).

وهذان الهدفان ولَّدا سعيًا أوربيًّا حثيثًا لامتِلاك القوَّة، فيما كانت العجلة تسير إلى الخلْف في الدَّولة العثمانية، حيث انتشرت (غيبوبة القوَّة)، وفترت الهمم، وتقازمت طموحات وقدُرات ولاة الأمر تدريجيًّا، وأثر ذلك في أداء الحكومة ومشاريعها الإستراتيجيَّة، وانتشر خمول علمي أتْبعه جمود أصاب العلوم الشرعيَّة والدنيويَّة، وانقلبت الصورة تدريجيًّا، وخسر العثمانيُّون السباق الحضاري، ولا يُنْكَرُ الدَّور المحوري لـ (إستراتيجية النهوض) في هذا التَّداول الحضاري، وهو الأمر نفسه الذي حصل في العصر العبَّاسي وأيَّام المسلمين في الأندلس.

اقرأ أيضا  كيف نتوسل إلى الله تعالى؟

وفي غياب تعريف مُعْتَبر لـ (النهوض)، فإنَّ هناك من يُوظِّف هذا المفهوم لخدمة أغراض معيَّنة، ومنهم أولئك الذين يربطون (النهوض) بـ (التغريب)، وما يتفرَّع عنه من مبادئ وأفكار.

فيما يُربط (النهوض) عند البعْض بالدخل الفرْدي، ورفاهية الشعب، بعيدًا عن العظائم، وهؤلاء إمَّا أنَّهم باحثون عن الاستقرار كغاية، أو راغبون في دفْن القدرات؛ خوفًا على مصالح معيَّنة، الله تعالى أعلم بها.

وعمومًا؛ فإنَّ الضَّرر آتٍ من كلا التَّعريفين؛ ولكنَّ الفرق في مكمن الضَّرر، ففي حين تُنفذ بناء على التَّعريف الأوَّل أجندة غربيَّة مدروسة لإخضاع المسلِمين للحضارة الغربيَّة، فإنَّ الثَّاني يفتح باب (التسلُّط) الأجنبي على المسلمين، عبْر بوَّابة (تحلُّفهم) النَّاشئ عن ركونِهم إلى الدُّنيا، والأخير هو التَّعريف الدَّارج في أغْلب المجتمعات الإسلاميَّة المحافظة، وقد نشأ عنه أمراض كثيرة فتَّاكة.

إنَّ العالم الإسلامي بحاجة إلى إستراتيجيَّة معدَّة بإحْكام، يتَّجه فيها المسلمون إلى هدف موحَّد، بِحيثُ تستفيد أمَّتنا من نِعَمِ الله تعالى المودَعة فيها، وتحقّق النهوض في مفهومه الحقيقي، وهو الأمر الَّذي ليس خيارًا لنا فيه الحرية، بقَدْرِ ما هو خيار للبقاء، وخطَّة لما يجب أن نكون عليْه كقادة للعالم، فيجب عليْنا أن نَهُبَّ لمواجهة التَّحدِّيات الكبيرة أمامنا كمسلمين، وأن نتحرَّك لنُهدي هذا العالم نظامًا جديدًا قائمًا على الإسلام، ينشر في ربوعه الأمْن والأمان، بإذن الله تعالى.

اقرأ أيضا  قصة سيدنا ابراهيم عليه السلام

وفي النِّهاية، أمامنا قوله – سبحانه: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60]، وهو أمر ربَّاني بإعداد القوَّة، وبناء الإستراتيجيَّة، وتنفيذها على أرْض الواقع.
والسَّلام.

المصدر : الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.