الأقصى في عين العاصفة

د أحمد نوفل

الإثنين- 24 ذوالقعدة 1434 الموافق30 أيلول / سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

1- مدخل: نص كلمة لم تلق.
أحسنت النقابات إذ دعت إلى مهرجان لنصرة الأقصى وبيان الأخطار المحدقة به، وأحسنت بالإعلان عن النشاط حتى حصل هذا الحشد الطيب الذي لم نر مثله منذ فترة. وأحسنت بدعوة الشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية في مناطق 48.
وأحسنت الأجهزة التي سمحت بدخوله إلى الأردن، وهذا عين الصواب بالطبع، فلا معنى لمنعه ولا طعم والأقصى يهدد أو يهود، فلا مجاملة للعدو إذا وصل الخطر إلى هذا الحد. طبعاً ولا مجاملة مطلقاً فكيف إذا وصل إلى هذا المستوى الخطير؟
وكنت أعددت كلمة لأشارك بها ولكني ضننت على الجمهور أن يستمع لكلماتي العاجزة على حساب وقت الشيخ كمال الخطيب، وكم حمدت الله بعد أن تكلم الشيخ أني ما تكلمت فما كان أحوجنا لكلماته وما كان أغنانا عن كلماتي!
إي والله هذا هو الحق. ولكني أنشرها على عجزها وضعفها وسامحونا.
2-
الأقصى في عين عاصفة الخطر.
مسرى المختار تحدق به الأخطار. وأخطر من الأخطار التي تحدق بالأقصى انشغالنا عن تلك الأخطار المحدقة بالأقصى. لم يمر على عمر الأقصى زمان.. منذ فجر الخليقة، إذ أنشئ الأقصى إلى الآن، خطر كالخطر الذي يحيق به الآن.
ولم يمر في عمر الأمة زمان منذ، أنشأها القرآن والنبي المختار، أقول لم يمر في عمرها زمان، كانت منصرفة عن عدوها، وما يشكل من خطر، كاللحظة الراهنة في عمر الأمة، وعمر الزمان. ولا كانت كيانات الأمة السياسية، والدول «السايكس بيكوية» ملتهية عن الخطر، ليت بالعبث الصبياني، إذاً لهان الخطب، ولكنها ملتهية عنه، بما يوهن بنيان الأمة، ويهدد وجودها وأمنها. ولا نريد أن نستعرضها كياناً كياناً.
فأم العرب مصر في حرب مع الإسلام وتصفية للخطر الذي يزعج إسرائيل، وهو الجماعات الإسلامية في مصر، وحماس في غزة.
وسوريا رأس ولكن يستنزف الأمة، لا شعبه وبلده، فحسب، ولكن يستنزف الأمة، من وراء بلده وشعبه، فالدول العربية في الشأن السوري منقسمة إلى معسكرين: «المع»، و»الضد». وكلاهما يدفع المليارات في حرب لا تنتهي أو لا تبدو في الأفق لها نهاية.
وبالله، أليس لو وجهت ووظفت كل هذه الطاقات وجندت هذه القدرات أليس كانت كافية بل أكثر من كافية، لحرب إسرائيل وتحقيق النصر عليها أو ردعها على الأقل عن أن تشكل خطراً على الأقصى أو تهدد وجوده.
والعراق ماض في خطة «التدمير الذاتي» self distruction الأمريكية بعد خطة «الفوضى الخلاقة» الأمريكية أيضاً.
والدول المتمولة المقتدرة تسخر قدراتها المالية ومقدراتها، في حرب الإسلام، وإقصاء المسلمين، والإتيان بالانقلابيين العلمانيين المرتبطين بإسرائيل، والذين تبشر إسرائيل أنهم بهم ستتمكن من إقامة إسرائيل العظمى أو الكبرى.. فلمصلحة من هذا الدعم؟
ولبنان شفا حرب أهلية كالتي مر بها من قبل واستمرت سنين عدداً حصدت ثلث مليون ما بين قتيل وجريح. وإذا تجاوزنا الأنظمة وتركنا استعراضها بلداً بلداً وانتقلنا إلى بلد الأقصى: فلسطين، فإن واقع فلسطين كنظام تديره منظمة التحرير فهو أسوأ كيان وأسوأ نظام من بين الأنظمة العربية. والقمع والعنف والسجون والتعذيب هي في كل ذلك أسوأ الأوضاع العربية ربما لا تفوقها مصر ولا دول النفط التي تحولت إلى أعنف دول القمع! بل هي تسابق على المراتب الأولى في العنف والتعذيب في العالم!
كل هذه المناخات المريضة والأوضاع المعتلة والمختلة هي التي أثارت أطماع العدو في استغلال الظروف المواتية، للعبث بمقدساتنا وتوسيع رقعة المستوطنات واللعب بالجدار ليأكل مزيداً من الأرض المحتلة، وهدم مزيد من المنازل، وتهجير مزيد من أهالي فلسطين والبدو خاصة. والمنظمة ملتزمة ألا توقف المفاوضات لمدة تسعة شهور كاملة مهما تكن الظروف..
إن مجرد استئناف المفاوضات في ظل استمرار الاستيطان وتزايد وتيرته: خيانة. فكيف بإعطاء إسرائيل مهلة تسعة أشهر حتى دون التلويح بوقف المفاوضات التي لم نَعُد منها بطائل أبداً لا في تسعة أشهر، ولا تسع سنوات عجاف، ولا عشرين سنة من عمر المفاوضات العبثية العباسية!
3-
كيانات العجز.
لو سألنا دول العجز: هل يليق هذا العجز بكم وأقصاكم يهدد؟ هل يليق هذا العجز بأمة الدين العظيم والنبي العظيم؟ إذاً لأجاب كل قطر عاجز من مجموعة العجزة: وما أفعل أنا القطر الفلاني العاجز ولقال الآخر وما أفعل أنا القطر العاجز الآخر؟ ولو سألناهم: أي شيطان يمنع اجتماعكم لتصبحوا قوة؟ هل مانعكم داخلي من أنفسكم؟ أم خارجي من سواكم؟ وهل شعوبكم لا تريد الوحدة أم أنتم؟ فما يكون الجواب؟ وهل أنتم عاجزون فعلاً؟ فلماذا على شعوبكم أُسْد شَرىً؟ ألا لا يحتجن بالعجز أحد. لأن العاجز يعالج عجزه في الأفراد، فلماذا الدول العاجزة لا تعالج عجزها وهو ممكن وتكلفته أي العلاج أياً تكن أهون بكثير جداً من تكلفة استمرار العجز! إن استمرار كياناتكم العاجزة وعجزها المزمن المقعِد الدائم، سيجعل كل كيان عاجز من كياناتكم محل طمع، وإن رائحة الضعف لا تغري الضواري المفترسة بالرحمة والشفقة والرأفة بل تغريها بالانقضاض والافتراس.
وحدتكم قوتكم ضمانتكم في البقاء وسلامة كياناتكم وسلامة مقدراتكم من الانتهاب وسلامة مقدساتكم من الاستلاب. إذا مس الأقصى يجب ألا يمر أي مسؤول عربي في كيانات العجز بلا مساءلة ولا محاكمة.
عند عدونا مخطط متدرج ينفذ خطوة خطوة فلماذا لا مثيل عندكم وإذا كان فما المخطط المضاد عندكم وما الدفع الذي به تدفعون مكر العدو يا دولنا العتيدة؟
للباطل دولة حولته في نظر العالم ونظر الساسة والهيئات الدولية إلى حق ثابت محترم معتبر مقدر. والحق عندنا ليس له دولة فتحول معنا وبنا وبعجزنا تحول في نظر العالم إلى باطل ضعيف مهين هزيل. وفي الوقت الذي يطلب منا كدول وشعوب.. من قبل أوباما وغيره يطلب الاعتراف بيهودية إسرائيل، وأنها كيان ديني يجمع أشتاتاً ولفيفاً من الشعوب، يمنع علينا إقامة كيان ينطلق من الإسلام أو حتى يرأسه مسلم متدين فقامت الدنيا كلها عليه والانقلاب وإعلام الكذب فيقال لا لأسلمة الدولة ولا للإسلام السياسي. وهيكل يقول: لا بد أن نخلص الإسلام الإلهي من الإسلام السياسي. وعند صيدلية هيكل الدواء الشافي والمرهم المخلص..
4-
وبعد.
يقتضي الدين والعقل والمروءة والكياسة والحق والخطر المحدق أن تهب الأمة هبّة واحدة في وجه الخطر. وأن يتكلم الجميع قمة ودونها. لا صمت بعد. ينبغي أن يتكلم من في القبور. العدو أخطر وأجرم مما تتصورون. يا من عقدتم معه الاتفاقات هل احترم من اتفاقاتكم شيئاً فلماذا أنتم تحترمون ما لا يحترم عدوكم؟ أكل هذا من الكياسة واللياقة والأدب؟ أم من العجز والتواطؤ؟
لا مجال الآن لتلاوم. لا مجال الآن لإضاعة وقت. وصحيح أن من عيوبنا أنّا لا نتحرك إلا إذا وقع الفاس في الراس، ولكن علينا أن نغير هذا الواقع ونتحرك قبل أن ينقض الأقصى من الأساس!
فليتحول عالمنا العربي الذي تعود الخدر وعدم الإحساس بالخطر فليتحول إلى خلية نحل توقظ نفسها وتوقظ مئات ملايين المسلمين؛ ليهبوا لنجدة الأقصى قبل الزلزال وقبل الكارثة.

اقرأ أيضا  الأغنياء في مواجهة الفقراء

المصدر : السبيل 

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.