الوسيلة الشرعية في الدعوة إلى الله
الثلاثاء- 25 ذوالقعدة 1434 الموافق01تشرين الأول /أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
الوسيلة الشرعية في الدعوة إلى الله [1]
الحمد لله، نستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له في ملكه، ولا ولي له من الذل، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم.
أما بعد:
فهذه رسالة في بيان الوسيلة الشرعية، دعاني لكتابتها ما رأيت من خلط العوام وغالب المنتسبين للعلم الوسيلة الشرعية بالوسيلة الشركية، وعدم معرفتهم الوسائل المشروعة والوسائل الممنوعة، وتحريفهم آيات الله عن مواضعها بالتأويل الذي لم يقل به أحد ممن يعتد بقوله، ولا ينطبق على اللغة التي نزل بها الكتاب المبين اتباعًا لأهوائهم، وموافقة لآبائهم، فأقول وبالله التوفيق:
معنى الوسيلة في اللغة:
اعلم – رحمك الله – أن معنى الوسيلة في اللغة: ما يتقرب به إلى الغير، يقال: وَسَلَ يَسِلُ وسيلةً: رغب وتقرب؛ فهو واسل، قال لبيد: “بل كل ذي دين إلى الله واسل، ووسَّل بالتشديد إلى الله بوسيلة وتوسَّل: عمل عملاً تقرب به إلى الله، وقال الراغب: وسل الوسيلة: التوصل إلى الشيء برغبة، وهي أخص من الوصيلة؛ لتضمنها لمعنى الرغبة؛ قال -تعالى-: ﴿ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ [المائدة: 35]، وحقيقة الوسيلة إلى الله -تعالى- مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحرِّي مكارم الشريعة، وهي كالقربة، والواسل الراغب، وقال الزمخشري: الوسيلة كل ما يتوسل به؛ أي: يتقرب من قرابة أو صنيعة أو غير ذلك، فاستعيرت لما يُتوسَّل به إلى الله -تعالى- من فعل الطاعات وترك المعاصي؛ اهـ من تفسيره.
فإذا عرفت أن الوسيلة هي كل ما يتقرب به إلى الغير، وأن هذا التعريف عام يدخل فيه كل ما يتوسل به الناس إلى ملوكهم وقضاء أوطارهم من الدنيا كالدراهم والدنانير، فإنها وسيلة إلى قضاء الحاجات، قلت لك: إن الشارع قد خصص هذا العام بما شرعه على لسان الرسول – صلى الله عليه وسلم – من أنواع القرب التي فصلها بالقول والعمل؛ كإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ونحو ذلك من الفروض والسنن التي تقرب المرء من الله -تعالى- بأدائها على الوجه الأكمل.
(فالوسيلة) إذًا وسيلة شرعية تقرب إلى الله، وهي لا تكون بالهوى وقياسات العقول ولا بالرأي، بل لا بد أن تكون بنصوص من الكتاب والسنة وإجماع من يعتد بإجماعهم؛ كالصحابة والتابعين وأئمة العلماء المجتهدين، رضي الله عنهم أجمعين، (ووسيلة) دنيوية؛ كالتجارة والزراعة والصناعة وما شاكل ذلك، وهذه كل إنسان حر فيما يختاره منها لمعاشه ما لم يضرَّ بدينه، ولكل أمر من أمور الدنيا وسيلة إذا اتخذت إليه وسيلته حصل، وإلا لم يحصل.
مثال ذلك الكسوة والسكنى، فإن الوسيلة إليهما النقود، وهذه النقود إن لم تكن مختومة بخاتم الحكومة ومطبوعة بطابعها لم تعتبر ولم تكن وسيلة يقضى بها شيء ما، فليت شعري كيف يعتبر وسيلة شرعية ما ليس له نص من الكتاب أو السنة.
(فالوسائل الشرعية) التي تقرب إلى الله لا بد أن تكونَ بتوقيف وتعليم من المعصوم صلى الله عليه وسلم، وإلا كانت وسائل إلى النار؛ قال الله -تعالى-: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾ [القصص: 50]، وقال -تعالى-: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 50]، فقسم الأمر إلى قسمين لا ثالث لهما: إما أن يكون مما أتى به النبي – صلى الله عليه وسلم – فيجب التسليم له، وإما لا فهو ضلال، ومتبعه ضال ومتبع هواه، وليس أضل منه، هذه الجملة ينبغي أن تفهمها لتنفعك في مواضع كثيرة، وتحل بها كل مشكل وكل خلاف.
فعلى العبد الذي يحب النجاة من النار والفوز بالجنة أن يتبع المشروع من الوسائل، ويعمل بها، ولا يتعداها، وإلا فقد ضل ضلالاً بعيدًا.
المصدر : الألوكة