وقفات مع الوسيلة الشرعية في الدعوة إلى الله
الإثنين- 24 ذوالقعدة 1434 الموافق30 أيلول / سبتمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
الشيخ عبدالظاهر أبي السمح
الوقفة الأولى:
قد نفى نفع الأولياء في القرآن في مواضع لا تُحصى، قطعًا لأطماع الذين يتكلون عليهم، ويتخذونهم من دون الله شفعاء، وزلفى إليه تعالى، من ذلك قول الله – تعالى -: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 113]، وقال: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 107]، وقال: ﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 51]، وقال لرسوله: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأنعام: 14]، وقال: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 41]، وهذا أبلغ مثل ضربه الله للذين يتخذون أولياء من دون الله، وقال: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 9]، وقال: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [الزمر: 43، 44]، وقال – تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [الزمر: 3]، وقال: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ *فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأحقاف: 27، 28]، وقال: ﴿ وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الأحقاف: 32]، وقال – تعالى -: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [الجاثية: 7 – 10]، وقال: ﴿ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [الشورى: 46]، وقال: ﴿ وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزخرف: 86]، ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الشورى: 6].
الوقفة الثانية:
ولما كان اتخاذ الأولياء من دون الله كفرًا وضلالاً قال – تعالى -: ﴿ أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً﴾ [الكهف: 102]، وقال: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ *وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 5، 6].
فمن دعا أحدًا من الصالحين، سواء كان المدعو صالحًا في الواقع، أو في اعتقاد الداعي فحسب، أو تقرب إليه بذبيحة أو نذر، أو خافه، أو رجاه، فقد اتخذه إلهًا ووليًّا من دون الله، وكان دعاؤه إياه وذبحه ونذره وسائر ما يفعله عند القبر من الذل والخشوع – عبادةً، ولا يغني عنه تسمية ذلك توسلاً أو استشفاعًا أو تقربًا؛ فإن الحقائق لا تتغير بتغير الأسماء، فإذا سميت الخمر زبيبًا أو مستكة – كما يسميها فسقة اليوم – لم يكن ذلك برافع عنها حقيقة الخمر وحكمها من التحريم والحد.
كذلك الشرك، لا يزيل حقيقته وضع أسماء جميلة الظاهر له؛ ولذا لما سمى أكثر المسلمين الشرك بغير اسمه، وغالطوا أنفسهم، واتبعوا أهواءهم – سلط الله عليهم مَن يسومهم سوء العذاب من الأمم القوية الإباحية التي تسمي الاستعباد استقلالاً، والإباحية تمدنًا، والخلاعة وتهتك النساء رقيًّا وتقدمًا، وكذلك يجزي الله المفترين؛﴿ فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً ﴾ [الأحقاف: 28]؛ كأبي العباس والبدوي والدسوقي والرفاعي، وغيرهم من المعبودين في الهند، والشام، وجاوه، ومصر القاهرة، وسائر البلاد والقرى والكفور؛ ﴿ بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأحقاف: 28]، وقال – تعالى – في إخوانهم من المشركين السالفين الذين كانوا يختانون أنفسهم بتسمية الشرك بغير اسمه الحقيقي: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ﴾ [النجم: 19 – 23].
الوقفة الثالثة:
وقد سمى الله المتخذين من دونه أولياء آلهة في غير موضع من القرآن، فقال: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ * لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ﴾ [يس: 74، 75]، وقال عن المشركين: ﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ص: 5]، وقال: ﴿ أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ﴾ [الزخرف: 58] يعنون: عيسى ابن مريم، وقال: ﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [النحل: 51].
ولنذكر ما ظهر لنا هنا من نكت البلاغة في وصف إلهين باثنين، وبيان ذكر اثنين من وجوه: أولها: التنصيص على المنهي عنه من تعدد الآلهة، الثاني: التشنيع على المشركين في اتخاذ إلهين اثنين، فكيف بثلاثة وأربعة وأكثر من ذلك؟ الثالث: إظهار غباوتهم وجهلهم بذكر اثنين بعد ما يفيد التثنية في إلهين، كما تخاطب خادمًا غبيًّا عندك لا يفهم إلا بالتكرير والتأكيد، لا سيما إذا كان ما تنهاه عنه مما ألِفه، الرابع: أنه من باب التفنن في نفي الآلهة؛ فإن قوله: ﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [النحل: 51] كقوله: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19]، الخامس: أنه مشعر بوجود إله واحد، وإن ضم إله آخر معه حتى يكونا اثنين جُرمٌ كبير وظلم عظيم، فكون الشيء واحدًا غير متعدد والناس يتخذون معه ثانيًا – جهلٌ شنيع.
والإله معناه المعبود، فمعنى: ﴿ لَا إِلَهَ ﴾ نفي المعبودات كلها، ومعنى: ﴿ إِلَّا اللَّهُ ﴾ إثبات المعبود الحق وحده، وهو الله تعالى، وعلى العبد أن يعرف أصناف العبادة وأنواعها وحقيقتها، حتى لا يجعلها لغير الله تعالى، ولا تقع منه لسواه، أما معناها: فهي غاية الذل والخضوع، مع غاية المحبة للمعبود، وأما أنواعها فالدعاء، بل هو رأسها، بل هو مخها، بل هو هي كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((الدعاء هو العبادة))؛ رواه الترمذي وغيره، والصلاة والصوم والزكاة والحج وسائر المفروضات والنوافل، وهي مقسمة على الجوارح كلها؛ فعبادة القلب الإيمان والإخلاص، والمحبة والخوف والرجاء، والتوكل والإنابة والرهبة، وعبادة اللسان: الصدق في القول، والذِّكر والشكر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلخ، وعبادة البصر: النظر في خلق السموات والأرض، وآيات القرآن، ونحو ذلك، والسمع: أن تسمع العلم والذِّكر والحق من القول، وتُعرِض عن اللغو، وعما لا يعنيك.. إلخ.
وعبادة اليد: التصدق، وإعانة الغير، ودفع الشر والأذى، والجهاد في سبيل الله، وتناول ما فيه ثواب، ودفع ما فيه عقاب، وعبادة الرِّجل: السعي في طلب العلم، وإلى المساجد، وصلة الأرحام، والسعي في طلب الرزق الحلال.. إلخ.
وكل ما عملته الجوارح الظاهرة باشتراك أو انفراد، فإن كان مشروعًا فهو عبادة، وإن لم يكن مشروعًا فهو إما مباح أو مكروه كراهة تحريم أو تنزيه، فإذا جعلت المشروع – كالنذور والذبح – لأحد من الخلق حيًّا أو ميتًا، أو عملت أقدامك إلى زيارة ضريح من الأضرحة المعظمة بقصد التبرك والتضرع لصاحبه – فقد جعلت حق الله لغيره من الخَلق، وهذا معنى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، وأي ظلم أعظم من أن تعطي حق الله لغيره؟ وأن تجعل نفسك عبدًا لمخلوق مثلك؟ وأنه خلقك لتكون عبده وحده.
فمن ترك الإيمان والعمل الصالح وتوسل بالأولياء ليقربوه إلى الله فقد ضل ضلالاً بعيدًا، وتبرأ منه الأولياء، وكان متوسلاً بما لم يجعله الله وسيلة لا شرعًا ولا عقلاً، أما شرعًا فإنه لم يأتِ في القرآن ولا في السنة “توسلوا بأولياء الله إلى الله”، وما ينسبونه كذبًا إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – من قوله: “توسلوا بجاهي” إلخ – باطلٌ باتفاق أهل العلم بالحديث، وأما عقلاً فلأن الميت لا ينفع ولا يضر، ولأننا نرى من توسل بذي جاه في الدنيا لنيل منصب من مناصب أهلها مثلاً، وهو لا يحسن العمل الذي يستلزمه ذلك المنصب – أنه مجرم في الحقيقة، وشاع بنقصه ودناءته، وكان مَن قبِل الشفاعة فيه ضعيف الإرادة، ظالمًا؛ لأنه قبِل في المنصب غير كفء، وهذا مما يترتب عليه فساد النظام، وهلاك الحرث والنسل؛ ولذا ترى المتوسلين بالرشاوى والقرابات وذوي الجاه إلى مقاصدهم يخفون ويسرون ذلك لا يعلنونه؛ لأنه معلوم قبحه وعاره عند الناس خاصهم وعامهم، فكيف يقبل مثل ذلك عند الله – تعالى – الحكم العدل؟
المصدر : الألوكة
Comments: 0