في محكمة التاريخ

أحمد نوفل

الأحد- 1 ذوالحجة1434 الموافق6 تشرين الأول / أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

ماذا نقول عن حقبتنا عندما تصبح جزءاً من ذاكرة التاريخ أو محفوظة من محفوظات التاريخ أو وثيقة في حقيبة التاريخ؟
ماذا نقول عمن صوروهم أبطالاً عظاماً ولإصلاح الدين وهم قد أضاعوا فيما أضاعوا: الوطن والقيم والدين؟
ماذا سيقول وكيل نيابة التاريخ عمن قسموا البلاد وهم يعرضونها اليوم لمزيد من التقسيم على وقع «تقسيمات» الأناشيد الوطنية ومعزوفات المقطوعات والمارشات العسكرية؟.

لو وضعنا زعامات العرب في القرن العشرين في كل الأقطار العربية في قفص المحاكمة ماذا سيقول كل واحد عن حقبته؟
وما مقدار الحقيقة فيما يدرس للتلاميذ وطلاب المدارس في كل قطر؟ وهل سيتطابق ما يدرس في مدارس تلك البلدان عما أنجزه بطل الأقدار والقائد المغوار من منجزات وحققه من معجزات، مع ما سيسجله التاريخ من حقائق عارية عن الدعاية ومساحيق التجميل؟.

لماذا ضاعت فلسطين وضاع المسجد الأقصى؟ ماذا حققتم بعدما خرج الاستعمار من بلادكم؟ لماذا لغة المستعمر وقوانينه مقيمة فيكم ما أقام عسيب وما بقي الربع الخالي الجديب، وما تقسم الهلال الخصيب، وحل محله الهلال الشيعي الأسود الكئيب؟ ماذا ستقولون؟ ولماذا جرى لكم وبكم ومعكم كل الذي جرى؟.
لماذا ودينكم يجعل وحدتكم فرض الفروض عجزتم عن تحقيق أي قدر من التنسيق أو التعاون الاقتصادي أو السياسي أو العسكري أو الإداري؟ لماذا شعوبكم أفقر الشعوب وبلدانكم قد أودع الله فيها وتحت ثراها أعظم ثروات الأرض؟.

لماذا الجهل والفقر والمرض والتخلف معشش عندكم مقيم ملازم مرابط رابض لا يريم ولا يتزحزح ولا يتململ ولا يتراجع بل مخيم ضارب الطنب؟ لماذا لا تزدادون مع الأيام إلا ظلماً وظلاماً وانقساماً وانهزاماً وانهداماً؟ لماذا لا تحترم دولكم ولا شعوبكم أينما وجهت وجهها في بقاع الأرض؟ لماذا لا وزن لكم ولا ثقل ولا لون ولا وجهة؟ لماذا مؤتمرات قممكم لم تكن تتمخض عن زبد ولا لبن ولا قرار له معنى أو طعم بل إنشاء مقزز مفرغ من أي دلالة أو مفهوم أو محتوى؟ ماذا تجيبون وبماذا تردون؟ لماذا سبقتم فرعون في الطغيان وتزعمون أنكم على صريح العدل والإحسان؟ لماذا فقتم المنافقين في النفاق وتزعمون أنكم على المحجة البيضاء من الإيمان؟.

اقرأ أيضا  الوصية بالصدق والتحذير من الكذب

لماذا ينقلب بعضكم على بعض ويغدر بعضكم ببعض ويهدم لاحقكم ما كان من بناء على عهد سابقكم؟
لماذا لا يعلو أحد إلا على جمجمة آخر؟ لماذا حققت كل أمم الأرض ما تصبوا إليه من أهداف وما زلتم تتخبطون وفي ضلالكم تعمهون؟ لماذا كل شعوب الأرض تختار حكامها بمحض إرادتها واختيارها وتجتمعون أنتم على صدور الشعوب لا تتزحزحون إلا لمغادرة الأرض وما عليها؟ وإذا ادعيتم انتخاباً زورتموه وزيفتموه وأعلنتم نتائج لو كان عمر حياً ما حصلها؟.

لماذا أثقلتم كاهل بلدانكم بالدين؟ لماذا أمات من أبناء دولكم من مات من نقص الدواء ونقص الغذاء؟ ولماذا عجزتم عن تأمين أبسط احتياجات الإنسان؟ لماذا جمعتم على الناس الأسوأين في الوجود: الذل والفقر؟ لماذا سلبتم الناس حرياتهم؟ أما سمعتم قول الفاروق: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ ما سر هذا الحقد في قلوبكم على قرآنكم وإسلامكم؟ لماذا تحاربون الدين وحملة الدين ولمصلحة من؟ لماذا كل دولكم في حرب مع شعوبها وكلها في سلام ووئام مع أمريكا وإسرائيل؟.

اقرأ أيضا  الخياراتُ الفلسطينيةُ والرهاناتُ العربيةُ بين بيبي وبني

وفي الشأن الاجتماعي لماذا الجريمة في بلدانكم تتزايد بمعدلات مرعبة؟ ولماذا البطالة تتزايد؟ وهل فكرتم في حلول لها؟ ولماذا معدلات الطلاق تتزايد؟ وهل فكرتم في حلول لها؟ ولماذا العنوسة في ازدياد ومعدل سن الزواج في ارتفاع مطرد؟ ولماذا المخدرات تتفشى والجريمة المنظمة تتسع رقعتها؟ والعنف أصبح سيد الموقف؟ لماذا بنيانكم الاجتماعي أوهى وأوهن من بيت العنكبوت، والكراهية تستفحل والتفكك يسري في أوصال مجتمعكم كما يسري السم في جسم اللديغ؟.

ولماذا الرشوة والمحسوبية والتمييز والنظام الاجتماعي فاش فيكم؟ وفي الشأن الاقتصادي لماذا تقدمت وتصنعت بلدان كانت خلف بلدانكم وتجمدتم مكانكم؟ لماذا تعيشون خارج العصر في الثقافة والتخطيط واستشراف المستقبل؟.

ما الذي أنشأتموه من صناعة ثقيلة ومتوسطة؟ وما الذي استصلحتموه واستزرعتموه من أرض؟ أين الاكتفاء الذاتي وأين الأمن الغذائي والأمن المائي والأمن الاقتصادي والأمن الثقافي والأمن الدوائي؟ إذا فكر عدوكم بالانقضاض عليكم فأي خطط أعددتم؟ وإذا فكر في اجتياح أي بلد هل فكرتم في التعاون والتنسيق فيما بينكم أم أنكم ستتركونه يفترسكم حملاً حملاً وجدياً جدياً؟
وهل إذا هدد أو هدّم مسرى نبيكم تملكون خطة دفاع أو هجوم أو ردع أو مقاومة؟.

ولماذا لا يستشعر العاجز منكم عجزه فيتنحى جانباً ويخلي موقعه لمن هو أكفأ؟ لماذا في العالم كله يحصل هذا مع أنهم متقدمون، ولا يحصل عندكم مع أن شعوبكم لم تحصد من مخلفاتكم إلا الهشيم وقبض الريح والشوك والعوسج؟.

ألا تظنون أن الله يحاسبكم على ما ضيعتم من أمانة؟ ألا تعتقدون أن كل ميت يموت من نقص الدواء والعلاج هو مسؤوليتكم أمام الله؟ لم قال سلفكم لو أن بغلة عثرت لسئلت عنها وشعوب تعثرت لا تستشعرون مسؤوليتكم عنها؟.

اقرأ أيضا  ميانمار..من مأساة لاخرى

ولماذا وأنتم على ما وصف في محكمة التاريخ على لسان مدعيها العام في موجز مرافعته، لماذا تصورون أنفسكم صناع معجزات؟ ولماذا يفضل بعضكم نفسه على أسلافكم؟ بعضكم قال عما صنع أنه فاق ما صنع النبي وهذا في بلد يزعم أنه راعي الإسلام؟ وفي بلد قال قائلهم ما صنع الزعيم فاق وحدة المدينة على يد محمد صلى الله عليه وسلم؟ ولماذا فضل بعض زعمائكم على الفاروق وعلى صلاح الدين؟.

وإذا كانت هذه الأسئلة ومئة مثلها في تفصيل المرافعة قيلت في محكمة التاريخ فماذا تظنون سيقال لكم في محكمة العدل الإلهية على حد تعبير الشيخ كشك رحمه الله؟.

ماذا أعددتم من جواب لمن أنزل عليكم أعظم دستور وأعظم كتاب؟ لم أهملتموه وما عملتم به؟ لم قلتم لا للدين في السياسة والاقتصاد؟ ألأن الله لا ينظم إلا شأن العبادات؟ لم سويتم دينكم بالأديان المحرفة وعطلتموه أسوأ مما تعطلت؟
ما تقولون إذا قيل لكم: «وقفوهم إنهم مسؤولون»؟ بم تعتذرون؟ يا من ابتليتَ بالمسؤولية وابتليتْ أمتك بك أعد لمحكمة التاريخ إجابات. وأعدّ أحكم منها أمام أحكم الحاكمين


المصدر: فلسطين الآن

 

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.