تربية الأسرة المسلمة من خلال سورة التحريم
الإثنين- 2 ذوالحجة1434 الموافق7 تشرين الأول / أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
أ. د. مصطفى مسلم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونسترشده ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا.
والصلاة والسلام على النبي الأمي الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده وبيّن للناس ما نزّل إليهم من ربهم.
ورضي الله تبارك وتعالى على أصحابه وآل بيته الكرام البررة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد: فإن الكتابة في التفسير الموضوعي سواء منها ما كان حول موضوع في القرآن كله أو في موضوع من خلال سورة معينة سمة برزت في العصر الحديث خدمة لكتاب الله تعالى وإيضاحًا لهداياته وكشفًا عن بعض أسراره، وبذل جهد مكثف لتتبع هذه الهدايات والأسرار من خلال اللفتات التي ترد في ثنايا مقاطع السورة.
وكنت كتبت في الكتاب الأول من هذه السلسلة (مباحث في التفسير الموضوعي) عن المنهج الذي ينبغي أن يسلك في مثل هذا النوع من التفسير، وهذا هو الكتاب الثاني في السلسلة بعنوان تربية الأسرة المسلمة من خلال (سورة التحريم).
وكان لاختيار هذه السورة عدة أسباب منها:
1- تعرضت في الكتاب الأول من هذه السلسلة إلى تفسير سورة الكهف (القيم في ضوء سورة الكهف) وسقته نموذجًا تطبيقيًا لهذا النوع، وهي سورة مكية، فأحببت أن أختار سورة مدنية للتنويع في الأمثلة التطبيقية، وسأحاول في المستقبل إن شاء الله تعالى أن أسوق نموذجًا في كل مجال من مجالات الحياة، وبخاصة في السور المدنية لأن مجالاتها أوسع وأشمل.
2- أن المحور الذي تدور عليه سورة التحريم محور جلي واضح، ومثل هذا الوضوح في الرؤية عند التعرض لتفسير سورة ما تفسيرًا موضوعيًّا يُعين على تأصيل هذه الدراسات وبخاصة أن الدراسات المنهجية للتفسير الموضوعي لا زالت في بداياتها، والكتب المؤلفة فيها لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
3- إن السورة تتناول جانبًا دقيقًا وهامًّا في حياة كل أسرة مؤمنة، فأي إنسان منا لم يحدث بينه وبين زوجه ما يكدر حياة الزوجية، وأي أسرة خلت من مواقف أحرج معها الزوج تجاه زوجه، وأي أسرة خلت من حادثة استكتم فيها رب الأسرة زوجه خبرًا يسعدها أو يسعده ويرى أن من السابق لأوانه نشره ففوجئ بأن الزوج وهي مكمن سره ومبث مشاعره ومستودع أخباره، قد أفشت سره في لحظة تبجح مع جارتها أو في جلسة ثرثرة مع صديقتها، وانتشر الخبر وكل واحدة تزيد عليه طرفًا حتى عم البلد وسبب الإحراج للمسكين أو فوّت عليه فرصًا ثمينة لا تعوض أو ألحق به أضرارًا لا تحتمل. وأي رب أسرة يغفل عن مسئوليته العظيمة تجاه من يرعاهم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأب راع ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها…).
وكل مسلم يرغب في معرفة طريقة التوبة وشروطها ليظفر بمعيته رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم لا يخزيهم الله جميعًا؛ حيث يظفرون بالنور التام يوم القيامة…
كل ذلك كان يدفعني لتناول هذه السورة بالتفسير على منهج التفسير الموضوعي، ومع هذه الرغبة الشديدة كنت أتهيب الكتابة فيها للأسباب التالية:
أ– إنها تتناول جوانب دقيقة من حياة سيد البشر رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: اجتهاده، عتاب ربه له، دواعي هذا العتاب وآثاره ..
وكل ذلك من المباحث الدقيقة التي يخشى فيها من انزلاق القلم، وزلة القلم أعظم من زلة القدم.
ب– كما أن الموضوع يتناول جانبًا آخر من الحياة الخاصة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو الجانب المتعلق بأمهات المؤمنين الطيبات الطاهرات اللاتي ارتضاهن رب السماوات والأرض قرينات رسوله الكريم.
وأي إساءة أدب في التعبير يؤدي إلى الهلاك والخسران المبين. لذا كنت أحتار كثيرًا في اختيار الكلمة التي تؤدي الغرض ولا تفتح باب الاحتمالات لسوء الأدب في حق أمهات المؤمنين.
جـ– ودراسة الجوانب التربوية في القرآن الكريم وهو كتاب الهداية والتربية تحتاج إلى شفافية خاصة تجاه النصوص الكريمة ليستنبط منها اللطائف والرقائق والدقائق التي تلوح خلف الكلمات والألفاظ وهذا ما أفتقده.
د– يضاف إلى كل ذلك كثرة المشاغل وقلة البضاعة وعجمة اللسان كان يحول بين إيفاء الموضوع حقه، وعرضه بالصيغة البيانية الزاهية التي تحتاجها مثل هذه الموضوعات.
ومع ذلك فقد اجتهدت فما كان من الصواب فبتوفيق من الله تعالى ومنة منه، وما كان غير ذلك فمن نفسي ومن الشيطان، والله أسأل العفو وأرجو القارئ تنبيهي على ذلك وله من الله الأجر والمثوبة ومني الدعاء.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المصدر : الألوكة