الحج في عيون المستشرقين
يسرا ناصر مهنا (كاتبه قطرية)
الجمعة- 6 ذوالحجة1434 الموافق11 تشرين الأول / أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
طالما كان الشرق الإسلامي مثار خيال الأوروبيين ومنبع دهشتهم وفضولهم، فمرتع شهرزاد وحكاياتها الألف حكاية وحكاية، كانت تشدهم لاسكتشاف هذا العالم المجهول، الذي يثير حواسهم بشمسه الساطعة، ومدنه العتيقة ذات المآذن الباسقة والأزقة الطويلة الملتوية النابضة بالألوان الحية التي تشع من الأقمشة الحرير الموسلين ومن السجاد الفارسي والسدو البدوي، وتختلط بروائح التوابل والبخور.
وتعد رحلة الحج الى مكة التي يقوم بها المسلمون سنوياً منذ أشرقت شمس الاسلام على البشرية، أحد أكثر الطقوس التي أثارت فضول الأوروبيين، ربما بدافع الإستكشاف والمعرفة أو لدوافع استعمارية.
حيث شدّ بعض المستكشفين والمستشرقين الرحال مصاحبين القوافل المتوجه الى الديار المقدسة متحملين مشقة الطرق ووعثاء السفر، على ظهور الجمال في صحراء قاحلة لا نهاية لها، صابرين على الجوع والعطش ولدغات الأفاعي والعقارب.
فالدول الإستعمارية الكبرى إهتمت منذ فترات مبكرة بإرسال بعض المغامرين من الرجال لتلك الديار للإضطلاع على أحوال الحج كرمز من رموز وحدة المسلمين وتجمعهم وطبيعة البلاد والعباد فيها، وقد تمكن البعض منهم من الدخول للأراضي المقدسة بعد أن نجح في التنكر بهيئة تاجر أفغاني أو فارسي أو جندي مملوكي، فدونوا تفاصيل مثيرة عن المدن المقدسة، طرقاتها وبيوتها وسكانها وعادات أهلها والسبل المؤدية اليها بمخاطرها وتعرض سالكيها لقطاع الطرق وهوام الصحراء، وكتبوا كذلك وصفاً للحجاج الذين تقاطروا من جميع أنحاء العالم، أشكالهم ولباسهم وأطباعهم وعاداتهم، وتجمع هذه الأعداد الغفيرة من البشر في مكان واحد.
وقد وصف الإيطالي لودفيجودي فارتيما عام 1503م، حشود الحجيج في مكة بعد أن نجح في دخولها عندما أدعى إنه جندي في حرس المماليك، إنّه لم ير مطلقاً، من قبل، مثل هذا العدد من الناس يجتمع في بقعة واحدة من الأرض.
ومن أشهر المستشرقين الذين نجحوا في الدخول الى مكة الهولندي (سنوك) الذي أعد رسالة عن الحج، وضعت هولندا على أساسها استراتيجيتها في جنوب شرق آسيا، لاسيما ما يخص سيطرتها الاستعمارية على إندونيسيا وما حولها. لهدف تخويف الناس من الحج والأمراض التي تنتشر فيه، وخطورة الطريق إلى مكة، حيث تنتشر أعمال القرصنة وقطع الطريق على الحجاج، ما دفع السلطات الهولندية الى الطلب من بعض المشايخ ورجال الإفتاء الى إصدار فتوى بتوقف الفريضة، وأدى إصدار مثل هذه الفتوى، الى إمتناع أعداد غفيرة من الأندونيسيين للتوجه للأراضي المقدسة.
ومن الرحالة الأوروبيين الذين توجهوا لمكة والمدينة لغرض نقل المعلومات للدوائر الإستعمارية، السويسري جوهان لودفج بركهاردت الذي دون معلوماته في كتاب (رحلات الى بلاد العرب)، نشره عام 1829م، وكذلك كتاب (ملاحظات على البدو والوهَّابيين) عام 1830، وأعتبر مرجعاً مهماً للإضطلاع على أحوال المسلمين في شبه جزيرة العرب.
كما أرسلت فرنسا الإستعمارية الفنان التصويري جيل جرفيه كورتلمون سنة (1894) الذي دخل الأراضي المقدسة تحت إسم مستعار هو (عبدالله البشير) في مهمة دراسة الأثر الروحي للحج على الحجاج المغاربة الذين تحتل فرنسا
أراضيهم.
ويعد البريطاني جون فيلبي من أشهر المستشرقين الذين قضوا فترات طويلة في جزيرة العرب، فقد كان مسؤولاً عن الشؤون السياسيَّة فيما بين النَّهريْن عام 1917م، وكان مولعًا بالرحلات واضعًا نُصْبَ عينيْه أن يكون أوَّل أوروبي يقطع الربع الخالي، وقد نجح فيلبي في التقرب من الملك عبدالعزيز آل سعود، ووضع كتاباً مفصَّلاً أسماه (قلب جزيرة العرب) نشَر فيه عددًا من الخرائط والصور غدت مرجعًا مهمًّا للباحثين بعده، وقد إعتنق فيلبي الإسلام في عام 1925م، وتركَ خِدمة الحكومة البريطانيَّة، واستقرَّ في مكة المكرمة، وتسمَّى بعبدالله.
ورغم الأهداف التجسسية الإستعمارية التي دخل بها هؤلاء إلا إن البعض منهم تأثر بالأجواء الروحانية التي تشع من الديار المقدسة فأسلم وحسن إسلامه مثل جون فيلبي وسيتيزن والهولندي هيروغرونيه، الذي اعتنق الإسلام، وأطلق على نفسِه اسم عبدالغفار.
وقد وصف أحد الرحالة الأسبان ويدعى (دومنجو باديا لبليش) الأجواء الروحانية المهيبة أثناء الحج بقوله (إنَّ الإنسان لا يستطيع أن يكوِّن فكرة عن ذلك المنظر المهيب الذي يبدو في مناسك الحجِّ بصورة عامَّة إلا بعد الوقوف على جبل عرفات؛ فهناك حشد من الرجال الذين لا يُحصى لهم عدد، وهم من جميع الأمم، ومن جميع الألوان، وقد أتوا من أركان المعمورة على الرغْم من المخاطر والأهوال لعبادة الله، فالقفقاسي الأبيض يمد يده للحبشي أو الإفريقي الأسود أو الهندي أو العجمي، ويشعر بشعور الإخوة مع الرجال من البرابرة من سواحل مراكش، وكلهم يعُدُّون أنفسهم إخوانًا أو أعضاء في أسرة واحدة ).
المصدر : بوابة الشرق