الحج في الكتاب والسنة
الجمعة- 6 ذوالحجة1434 الموافق11 تشرين الأول / أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
الحجُّ – بفتح الحاء وكسرها – هو: قَصْد بيت الله الحرام؛ إقامةً للنُّسك، وهو فرض عين مرَّة في العمر، ثبتَ بالكتاب والسُّنَّة والإجماع، والحجُّ المبرور يُكَفِّر خطايا السَّنَة التي وقع فيها.
ويجب الحج على كلِّ مسلم حُرٍّ مُكلَّف، سليمٍ من الأمراض، قادرٍ على النفقة، ولدَيه ما يكفي أسرتَه ومَن تلزمه نفقتُهم مدَّة الحج، ويُضاف إلى ذلك أن يكون الطريقُ مأمونًا، أمَّا المرأة فلا تخرج للحجِّ إلاَّ برفقة زوجها، أو مع مَحْرمٍ لها، أو نسوةٍ ثقات.
دليل فرضية الحج:
الحجُّ هو الركن الخامس من أركان الإسلام؛ يقول سيدنا رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بُنِيَ الإسلام على خمس؛ شهادةِ أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاء الزَّكاة، وصومِ رمضان، وحجِّ البيت من استطاع إليه سبيلاً)).
ولقد ثبتت فرضيَّتُه بالكتاب والسُّنَّة – كما سبق – ونوضِّح ذلك فيما يلي:
أولاً: القرآن الكريم:
1 – يقول الله – سبحانه وتعالى -: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ [الحج: 27 – 29].
2 – ويقول – سبحانه وتعالى -: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ* الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 196 – 199].
3 – ويقول – جلَّ علاه -: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96 – 97].
ثانيًا: السُّنَّة النبوية الشريفة:
1 – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: خطبَنا رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال: ((يا أيُّها الناس قد فرَض الله عليكم الحجَّ فحُجُّوا))، فقال رجلٌ: أكُلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لو قلت: نعَم لَوَجبَت، ولمَا استطعتم))، ثم قال: ((ذَروني ما تركتُكم، فإنَّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتُكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتُكم عن شيءٍ فدَعوه)).
2 – وعن فضل الحجِّ والعمرة، روى أبو هريرة – رضي الله عنه – أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((العُمرة إلى العمرة كفَّارةٌ لِما بينهما، والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنَّة)).
3 – روى أبو هريرة عن النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنه قال: ((من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجعَ كما ولدَتْه أمُّه)).
“والرَّفث هو الجِماع، والفسوق معناه المعصية؛ أيْ: لَم يرتكب معصيةً أثناء الحج، فمن فعل ذلك عاد مغفورًا له جميعُ ذنوبه“.
فَضْل يومِ عرفة:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((ما من يومٍ أكثر من أن يُعتق الله فيه عبدًا من النَّار من يوم عرفة، وإنَّه ليَدْنو، ثُمَّ يُباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟)).
فيوم عرفة له فضل عظيم عند الله – سبحانه وتعالى – لأنَّ الوقوف بعرفة هو قمَّة أعمال الحج؛ يقول – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الحجُّ عرَفة)).
دعاء من قصد الحج أو السَّفر:
يسنُّ للحاج أو المسافر أن يدعو بدعاء النبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – رَوى عليٌّ الأزديُّ – رضي الله عنه – أنَّ ابن عمر – رضي الله عنهما – علَّمهم أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر، كبَّر ثلاثًا، ثم قال: ((سبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كنا له مُقْرِنين، وإنَّا إلى ربنا لَمُنقلِبون، اللَّهم إنا نسألك في سفرنا هذا البِرَّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوِّن علينا سفرَنا هذا، واطْوِ عنا بُعده، اللهم أنت الصاحب في السَّفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السَّفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلَب في المال والأهل))، وإذا رجع قالهنَّ وزاد فيهن: ((آيبون تائبون عابدون، لربِّنا حامدون)).
“مُقرِنين؛ أيْ: مُطيقين، والوَعْثاء في السَّفر: المشقَّة والشِّدة فيه، وكآبة المنظَر؛ أيْ: تغيُّر النَّفس من خوف وغيره، آيبون؛ أيْ: راجعون“.
الحثُّ على التعجيل بالحج:
مَن توفَّرت فيه شروط الحجِّ وجب عليه التعجُّل عند الأئمَّة؛ مالكٍ وأبي حنيفة وأحمد؛ فعن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبَّاس، عن الفضل أو أحَدِهما عن الآخر – رضي الله عنهم – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أراد الحجَّ فليتعجَّل؛ فإنَّه قد يَمْرض المريض، وتضلُّ الضالَّة، وتَعْرض الحاجة)).
ومن ذلك نتبيَّن أن سبب التعجيل هو أنَّه قد يطرأ على الإنسان ما يَحُول بينه وبين الحجِّ؛ فتفوت عليه الفرصة، ويضيع منه خير كثير.
التلبية:
إذا نوى الإنسانُ الحجَّ وجب عليه التلبية؛ لأنَّ التلبية شرطٌ لصحَّة الإحرام، والسُّنَّة أن يأتي بتلبية رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فعن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – أن النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – كان إذا استوَتْ به راحلتُه قائمةً عند مسجد ذي الحُلَيفة، أهَلَّ فقال: ((لبَّيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبَّيك، إنَّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريك لك))، قالوا: وكان عبدُالله بن عمر يقول: ((هذه تلبيةُ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: قال نافعٌ: كان عبدالله يزيدُ مع هذا: لبَّيك لبَّيكَ وسعدَيك، والخيرُ بيديك، لبيك والرَّغباء إليكَ والعمل)).
زيارة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -:
فإذا أراد الحاجُّ – بعد أداء مناسك الحجِّ – أن يشدَّ رحله إلى المدينة للصلاة في مسجد رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – لقوله – عليه الصَّلاة والسَّلام -: ((لا تُشَدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى))، وقوله: ((صلاةٌ في مسجدي تَعْدِل ألف صلاة فيما سواه، إلاَّ المسجد الحرام))، ثم يزور قبر النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – ويصلِّي ويسلِّم عليه، وبجواره صاحباه الصدِّيق وعمر، فيسلِّم عليهما، ويدعو لهما، وإن لم يفعل ذلك كله فلا حرج، فلا علاقة بين الحجِّ وبين زيارة مسجد المدينة؛ مسجد النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم.
هذا هو الحجُّ وفضائله، كما جاء في كتاب الله – سبحانه وتعالى – وسُنَّة خاتم الأنبياء والمرسلين – عليه وآله الصَّلاة والسلام.
اللهم وفِّقْنا لأداء هذه الفريضة وزيارة نبيِّك – عليه الصَّلاة والسَّلام – واكتُب اللهم للإسلام والمسلمين العزَّة والمنَعة، والنَّصر على الأعداء، واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين، وصلَّى الله على محمدٍ النبيِّ الأمي، وعلى آله وصحبه، ومن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، وآخر دَعْوانا أن الحمد لله ربِّ العالَمين.
المصدر : الألوكة