في التمسك بالكتاب والسنة

الجمعة- 6 ذوالحجة1434 الموافق11 تشرين الأول / أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل 

الحمدُ لله نحمَدُه، ونستَعِينه ونستَهدِيه، ونستَغفِره ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفُسِنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحابته، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعدُ:

فيا عباد الله، اتَّقوا الله – تعالى – وتمسَّكوا بكِتابه، وعَضُّوا على سنَّة نبيِّه بالنواجِذ، فقد كثُرت الفِتَن، وظهرت الشُّرور، وتداعَتْ عليكم الأمم من كلِّ حَدب وصَوب، فعليكم بسنَّة نبيِّكم – صلَّى الله عليه وسلَّم – اعمَلُوا بما عَلمتُم، وتعلَّموا منها ما جَهِلتم فإنَّ فيها النَّجاة.

 

في الحديث عن العِرباض بن سارية – رضِي الله عنه – قال: وعَظَنا رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – موعظة وَجِلتْ منها القُلوب، وذرفتْ منها العُيون فقلنا: يا رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – كأنَّها موعظة مودِّع فأَوْصِنا، قال: ((أُوصِيكم بتقوى الله والسَّمع والطاعة، وإنْ تأمَّر عليكم عبدٌ، وإنَّه مَن يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين، عضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومُحدَثات الأمور؛ فإنَّ كلَّ بدعة ضلالة))[1].

 

وعن جابر بن عبدالله قال: ((جاءت ملائكةٌ إلى النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – وهو نائم فقال بعضهم: إنَّه نائم، وقال بعضهم: إنَّ العين نائمةٌ والقلب يقظان، فقالوا: إنَّ لصاحبكم هذا مثلًا، فاضربوا له مثلاً، فقال بعضهم: إنَّه نائم، وقال بعضهم: إنَّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: مثله مثل رجلٍ بنى دارًا وجعل فيها مأدبة وبعَث داعيًا؛ فمَن أجابَ الداعي دخَل الدار وأكل من المأدُبَة، ومَن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدُبَة، فقالوا: أوِّلوها له يفقَهها، فقال بعضهم: إنَّه نائم، وقال بعضهم: إنَّ العين نائمةٌ والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنَّة، والداعي محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم -، فمَن أطاع محمدًا – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقد أطاعَ الله، ومَن عصى محمَّدًا – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقد عصى الله، ومحمدٌ فرق بين الناس)[2].

اقرأ أيضا  هدي النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الأمن والسلام

 

فيا عباد الله:

إنَّ نبينا محمدًا – صلَّى الله عليه وسلَّم – الرؤوف بأمَّته قد رغب وحذَّر وأنذَر وبلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ولم يبقَ لأحدٍ عذر؛ فعن أبي موسى – رضِي الله عنه – عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((إنما مثلي ومثل ما بعثَنِي الله به كمثَل رجل أتى قومًا فقال: يا قوم، إنِّي رأيت الجيش بعيني، وإنِّي أنا النذير العريان، فالنجاءَ، فأطاعَه طائفةٌ فأدلَجوا، فانطَلقوا على مهلهم فنجوا، وكذَّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل مَن أطاعني فاتَّبع ما جِئتُ به ومثل مَن عَصاني وكذَّب ما جِئتُ به من الحق))[3].

 

وإنَّ هذه الدار يا عباد الله دارُ بلاء وامتحان، ولا بُدَّ من الانتقال منها إلى دار القَرار، فإمَّا إلى جنَّة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطَر على قلب بشر، أو إلى نار وقودُها الناس والحجارة، عليها ملائكة غلاظ شدادٌ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمَرون.

 

فليتذكَّر العبد مآله ومصيره، وماذا يتبعه، وما الذي يبقى معه في أوَّل منازل الآخِرة، وهو قبرُه، لا شكَّ أنَّ الذي يبقَى معه عمله، ويرجع ما سواه، فإنْ كان عمله صالحًا فالخير بشراه، وإنْ كان فاسدًا فأحسن الله عَزاه، ولن ينفَعَه الندم فقد حِيلَ بينه وبين العمل.

اقرأ أيضا  رسائل نصرة الأقصى الزمالك سيطر على المبــــــاراة .....فيــــن الأهلويـــة..؟! أو مـــن يحمـــل هـــم الأقصـــى ؟!

 

فاتَّقوا الله يا عباد الله واحذَرُوا أسباب سخطه واتَّعِظوا، فإنَّ المواعظ محيطةٌ بكم، وأصلِحوا ما فسد من أحوالكم، وتعلَّموا ما جهلتم من أمور دِينكم، واعمَلُوا في دُنياكم بما يتَّفِق مع تعاليم ربِّكم، وتعاوَنوا على البر والتقوى وتناهوا عن الإثم والعدوان، كونوا إخوة مُتَعاونين متحابِّين، يدًا واحدة وصفًّا واحدًا، حصنًا مَنِيعًا أمامَ عدوِّكم وعدوِّ دِينكم وبلادكم، واحذَرُوا من أسباب الخِزي والخذلان.

 

واحذَرُوا من المعاصي داءِ الأمم، واللهوِ والغفلة، والترف والميوعة، وموت القلوب وضعف الأبدان، فإنَّ دِيننا دين القوَّة والشجاعة والشهامة والغيرة على المحارم والأخلاق، المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، فما أسعَدَ الأمَّة بقوَّتها وصَلابتها في دِينها ودُنياها، وما أجمَلَها في حُلَل أخلاقها العالية، وما أعزَّها بعقيدتها السليمة الصافية، وما أقواها بعدَّتها واستِعدادها بما يرهب عدوَّها، فما أجمل الدِّين والدُّنيا إذا اجتمعا.

 

فاتَّقوا الله يا عباد الله، فدِيننا دِين الحق الصالح لكلِّ زمانٍ ومكان وما بعدَ الحق إلا الضلال!

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

قال الله العظيم: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الإسراء: 9-10].

 

بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.

اقرأ أيضا  منهج الإسلام في إخماد الفتن “معاملة النبي للمنافقين نموذجا”

 

أقول قولي هذا وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستَغفِروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

واعلَمُوا – يا عباد الله – أنَّنا في هذه الحياة بمَثابة السفينة المحمَّلة بالركاب في لجَّة البحر تتلاطَمُها الأمواج وتَعصِف بها الرياح، متَّجهة إلى بلدةٍ تتطلَّع إلى ساحله لترسو في مينائه، فمتى أخلَّ أحد ركَّابها بشيءٍ من آلاتها أو فكَّر في ذلك وترك وعمل ما يضرُّ بها هلك الجميع، وإنْ كان ربَّانها وبقيَّة ركَّابها على مستوى من اليقَظَة وإدراك عَواقِب الأمور، وأخَذوا على يد العابث بها سلم الجميع، وقد مثَّل لنا نبيُّنا – صلوات الله وسلامه عليه – هذا الأمرَ وحذَّر من ترك العابثين.

 

وأخبر أنَّ الضرر يعمُّ الجميع، فما أكثر المواعظ والأمثال! وما أكثر ما يُحِيط بنا لو صادَفتْ قلوبًا واعية، وآذانًا مصغية، وأعينًا مبصرة! فاتَّقوا الله يا عباد الله، فالأمر عظيم، والخطر جسيم، ولا نجاةَ إلا بالتمسُّك بحبل الله المتين، والسير على نهج نبيِّه الصَّادق الأمين.

 


[1] أخرجه أبو داود (4607)، والترمذي (2678)، وأحمد في المسند (4/126، 127) وابن ماجه (42)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.

[2] أخرجه البخاري رقم (7281) – الفتح: 13/263.

[3] أخرجه البخاري رقم (7283) – الفتح: 13/264.

المصدر : الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.