من مظاهر التسامح الإسلامي .. الأخوة بين المسلمين
الأحد- 8 ذوالحجة1434 الموافق13 تشرين الأول / أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
أ. د. عمر بن عبدالعزيز قريشي
من مظاهر التسامح الإسلامي: ما وجد بين المسلمين من أخوة ومحبة لم تعرفِ الدنيا لها مثيلاً، وهذا مقتضى الإيمان الذي يربط بين أهله برباط العقيدة الوثيق؛ ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10].
وقد أثبت التاريخُ والواقع أنْ لا رباطَ أقوى من العقيدة، وأن لا عقيدة أقوى من الإسلام، ومن ثمرات هذا الإخاء الحقِّ: التعاطفُ والتراحم، وهو ما صوره الحديثُ الشريف: ((مَثَل المسلمين في توادِّهم وتعاطفهم وتراحمهم كمَثَل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الأعضاء بالحمَّى والسهر))[1].
وكذلك “التساند والتعاون”، وهو المظهر العملي للإخاء والتراحم، والتعاون الإسلامي مجاله البر والتقوى، وليس الإثم والعدوان؛ كما بيَّن ذلك القرآن الكريم: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2].
ولهذا حرم الإسلام الربا والاحتكار؛ لِما فيهما من استغلال القويِّ للضعيف، وقد مثَّل النبي – صلى الله عليه وسلم – ذلك بقوله : ((المؤمن للمؤمن كالبنيان؛ يشد بعضُه بعضًا))[2].
وهو يشمل التعاونَ بين أفراد الشعب وفئاته بعضهم وبعض، أو بين الشعب والحاكم.
وأيضًا “التكافل والتضامن“؛ بحيث ينهض القوي بالضعيف، ويعود الغني على الفقير، ولا يضيع عاجز ولا مسكين في هذا المجتمع، والحد الأدنى في ذلك هو فريضة الزكاة – الركن الثالث في الإسلام – والتكافلُ الإسلامي يستوعب كلَّ جوانب الحياة ماديةً ومعنوية؛ فهو تكافل معيشي وعلمي وأدبي وعسكري، إلى غير ذلك.
ومن ثمراته: التواصي والتناصح، وهذا من التكافل الأدبي، الذي يجعل كل مسلم مسؤولاً عمن حوله من أبناء المجتمع، ينصح لهم وينصحون له، ويوصيهم بالحق والصبر، ويتقبل النصيحة منهم كذلك، وليس في المسلمين أحد أكبر من أن يُنصَح، ولا أحد أصغر من أن يَنصَح، وهذا من أساسيات الدين، وموجبات الإيمان.
وكذلك “التطهر والترقي“؛ فالمجتمع المسلم مجتمع نظيفٌ، يربِّي أبناءه على الطهارة والعفة والإحصان، ويحرِّم الفواحشَ ما ظهر منها وما بطن، ويعتبر الخمر والميسر رجسًا من عمل الشيطان، ويأمر المؤمنين والمؤمنات أن يغضوا من أبصارهم، ويحفظوا فروجهم، وينهى عن التبرج والإغراء بالقول أو بالمشي أو بالحركة؛ حتى لا يطمع الذين في قلوبهم مرضٌ، وحتى لا تُثار الغرائز الهاجعة، فتنطلق تعبث وتعربد، بلا قيود من خُلق ولا دين.
والمجتمع المسلم ليس مجتمع ملائكة مطهرين، ولكن مَن ابتلي منهم بارتكاب معصية، استتر بها ولم يتبجح بفعلها، أو بالإعلان عنها، وبذلك ينحصر أثرها، ولا يتطاير شررها، ثم يُرجَى منه بعد ذلك أن يتوب منها؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222].
وكذلك “العدالة”، وتشمل عدالة التعامل بين الناس في شؤون الحياة؛ كما في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إني حرَّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرَّمًا؛ فلا تَظَالموا…))[3].
وتشمل العدالة الاقتصادية والاجتماعية التي تقف في وجه الأقوياء؛ حتى لا يمتصوا دماءَ الضعفاء، بل تعمل على الحد من طغيان الأغنياء، بقدر ما ترفع من مستوى الفقراء، وما تفرض لهم من حقوقٍ في المال، الزكاةُ أولها وليست آخرَها.
وتشمل العدالةَ القانونية والقضائية؛ بحيث يصل لكل إنسان حقُّه، وإن كان عند خليفة المسلمين، وأن يستوفي عقوبته على جرمه، وإن كان ابن أمير المؤمنين، وفي الحديث: ((وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها))[4]، هذا هو دينُنا[5].
[1] رواه مسلم، كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم، ج 2، ص (431).
[2] رواه البخاري، كتاب البر، باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضًا، ج 4، ص (5).
[3] رواه مسلم، كتاب البر، باب تحريم الظلم، ج 2، ص (429).
[4] سبق تخريجه.
[5] مجلة الوعي الإسلامي، العدد، (293) جمادى الأولى (1409هـ)، ديسمبر (1988م)، مقالة بعنوان: “المادية المعاصرة وطوق النجاة” د. يوسف القرضاوي، ص (50، 51) بتصرف.
المصدر:الألوكة