صلاتك .. صلتك بإخوانك

الأربعاء 11 ذوالحجة1434 الموافق16 تشرين الأول / أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

د. حسام الدين السامرائي 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

وبعد:

فقد أخرج البخاري وغيره في الصحيح من حديث عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: كنا إذا كنا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في صلاة، قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقولوا: السلام على الله؛ فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ فإنكم إذا قلتُم، أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم يتخيَّر من الدعاء أعجبَه إليه فيدعوه)).

 

الصلاة لغةًالدعاء، فكما أن الصلاة هي صِلة المسلم بربه وحبله الواصل إليه – سبحانه – والسبيل الأقرب، والنور الذي يُبصِر به العبد في ظلماتِ الجهل والشرك والوثنية والخرافة والدَّجَل، فهي صِلةٌ للمسلم بإخوانه وخلانه وأحبابه.

اقرأ أيضا  كيف ضاع الأقصى؟ وكيف يعود؟

 

ولو تأمَّلنا في حديث ابن مسعود آنفًا، لتلمَّسنا معانيَ ظاهرةً واضحة في مفهوم تواصُل المسلم مع بقية إخوانه، فنرى الصحابة الكرام يدْعون في صلاتهم لإخوانهم: “السلام على فلان وفلان”، وكل واحد منهم يتذكَّر أحبابه، فيدعو لهم في تشهُّده وتحياته، والنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يُنكِر عليهم هذا الدعاء، بل زاد عليه فقال لهم: ((قولوا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ فإنكم إذا قلتُم أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض))؛ لتَتَّسِع دائرة الدعاء إلى كل عبد صالح في السماء والأرض وما بينهما.

 

بل ربما زاد النبي – صلى الله عليه وسلم – أكثر من ذلك، فدعا في قُنوته كما صحَّ عند الإمام البخاري من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: “كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين يرفع رأسه يقول: ((سمع الله لمن حمِده، ربنا ولك الحمد))، يدعو لرجال فيُسمِّيهم بأسمائهم فيقول: ((اللهم أنجِ الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدُد وطأتَك على مُضر، واجعلها عليهم سنين كسِنِي يوسف))، وأهل المشرق يومئذٍ من مضر مُخالِفون له“.

اقرأ أيضا  خذوا زينتكم

 

لتتوسَّع دائرة الصِّلة بالإخوة والخلان، وهو يؤكِّد على مفهوم أن الصلاة صلة مع الله من ناحية، وصلة مع الصالحين من ناحية أخرى، وانظر إلى قنوت الوتر وقنوت النازلة، وكيف أنه ما شُرع إلا من أجل الدعاء للنفس وللمستضعفين من المؤمنين ولكافة عباد الله الصالحين.

 

من هنا نفهم ركنية سورة الفاتحة في كل ركعة، فأهم مطلب فيها: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: 6]، ولم يأتِ بلفظ (اهدني)، إنما (اهدنا)؛ لأن الصلاة لها مفهوم التواصل مع بقية الصالحين، وهكذا فَهِم الصحابةُ دورَ الصلاة في تعظيم رابطة الأخوة الإيمانية، فنرى أبا الدرداء – رضي الله عنه – يدعو في صلاته – وفي رواية: في سجوده – لسبعين من أصحابه بأسمائهم وأسماء آبائهم، فتسأله أم الدرداء عن ذلك، فيقول لها: لقد أخبرني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن الله وكَّل مَلَكين لمن يدعو لأخيه بظهر الغيب، فيقول الملَكان: ولك مثل ذلك، أفلا أحب أن يدعو لي المَلَك؟

اقرأ أيضا  غزوة الأحزاب

 

وسار على ذلك الدرب كِبارُ الصحابة والعلماء؛ فهذا أحمد بن حنبل يقول لابن الشافعي – رحمه الله -: “أبوك من الذين أدعو لهم في صلاتي ساعة السحر“.

 

أحبتي:

الصلاة شأنُها عظيم؛ رابطة بينك وبين الله، ورابطة بينك وبين المؤمنين الصالحين، فاللهَ الله في إحسان الرابطتين معًا، والجمع بينهما، حينها سنقترب من تحقيق قُرَّة العين في الصلاة؛ كما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يُسمِّيها.

المصدر : الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.