وهمية الصراع بين العلم والدين في البيئة الإسلامية

الأحد 15 ذوالحجة1434 الموافق20 تشرين الأول / أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

حسن فاضلي أبوالفضل 

إنَّ مِن سُنن الله – تعالى – في كونه وشرعه، أنْ جعَل التدافع بين المنتصِرين لدينه، وبين أعدائه، مصدرَ قوَّة وثبات، فكلَّما اشتدَّ التدافع والصِّراع، وكثُر المبطلون، إلا وزادهم ذلك إيمانًا وثباتًا ونصرًا، منذُ القرون الأولى من ظهورِ الإسلام، إلى وقت الناس هذا.

هذا التدافُع الذي تتغيَّر مظاهرُه بحسب الزمان والمكان والحال، فكان العصرُ الحالي بتقدُّمه وتطوره، فرصةً لأصحاب الحِقد الدفين، والحسد العميق، لتطبيقِ تعاليم وتوصيات أسلافهم – كل ذلك بدهاءٍ ومكْر وخديعة – التي أخرجوها في صورةٍ متطوِّرة، ظاهرها اتِّباع العقْل والتجريب، وباطنها تجديدُ الحقد القديم، وتنمية الحسَد العميق، واتباع للهوى والشهوات، فاتَّحِدوا جنبًا إلى جنب، يقصدون هدفًا واحدًا، وهو نعْت الدِّين بالجفاء العِلمي، وبِبُطئه في مسايرة التقدُّم الإنساني والحضاري، ومِن ثَمَّ الخلود إلى تفريغه مِن دائرته السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والسلوكيَّة وغيرها… وحبْسه تحت سقْف المسجد. 

في هدا البحث سنُحاول أن نكشِفَ الزيف الذي مارَسَه دعاةُ التغريب باستنساخهم للصراعاتِ التي عرَفها الغربُ العلماني، في البلاد المسلمة، كما سنبيِّن إمكانياتِ قَبول العلمانية في المجتمعاتِ الغربية، باعتبارها قد حوَّلتِ الدِّين إلى مجرَّد عقيدة بلا شريعة؛ لتتحرَّك العلمانية في المساحات التي تركتْها الشريعة، ثم نؤكِّد على وهميةِ الصِّراع بيْن العِلم والدِّين في البيئة الإسلاميَّة، وذلك ببيان أنهما وحدةٌ لا تقبل الانفصال، وبالتدليل على أنَّ الدين يضمُّ العلم ويحتويه. 

فأقول أولًا: إنَّ العلمانية قد تُقبَل في المجتمعات النصرانية؛ ذلك أنَّها حولت دِينها إلى عقيدةٍ بلا شريعة، وفصَلوا بين الله – تعالى – وبين قيصر؛ ولذلك يمكن أن يعيش النصراني في ظلِّ النظام العلماني غير مخدوش العقيدة، كما أنَّ للنصراني عذرَه في الهروب من الحُكم الدِّيني إلى الحُكم اللاديني. 

أما عندَ المسلمين، فلا يوجَد سببٌ مِن دينهم أو تاريخهم، يدفعُهم لإقصاء الإسلام مِن مجال الحياة، والإسلام بدوره يرفُض أنْ يُعلِن الإنسان إيمانَه بالله تعالى، ثم يصرِّف أمور حياته وَفقَ قانون غير إلهي، ولا يرضى هذا التناقُضَ الذي جاء أصلاً – أي الإسلام – للقضاءِ عليه[1]، فهو منهج شامل، يشمل الدِّين والدنيا، المادة والرُّوح، الظاهر والباطن، الفرْد والجماعة، الإنسان والحيوان، على عكس المنهجِ العلماني القاصِر، القائم على تأليه العقْل، والنَّفْخ في العِلم ليشمل حياةَ الإنسان كلها، وهذا تحميلٌ للعلم ما لا طاقةَ له به، هذا كمَن يطمع أن يزِن الجبال بميزان الذهب، وليس مِن العقل أن يكونَ العلم منهجًا أو دينًا للإنسان، وإنِ ادَّعى العلمانيون ذلك، فلا يمكن للجزء أن يتشرفَ الكل، ومن المضحِك الدعوةُ إلى أن يحكم الجهاز الهضمي وحْدَه بيولوجية الإنسان.

فالعلمانية – بهذا المعنى – ليستْ سوى محاولة مِن محاولات سوء التفاهُم الكثيرة، التي لا بدَّ وأن يقَع فيها الإنسان الذي يختار بنفْسه أن يندَّ عن طريق الله ومنهجه في الحياة، ومِن ثم يجد نفسه مضطرًّا إلى ابتكار منهجٍ من عند نفسه، وهكذا تطلُع علينا كلَّ يوم مناهجُ ما أنزل الله بها من سلطان، فمِنهم مَن يعطي القلْب حقَّ وضْع المنهج، ومنهم مَن يُعطي هذا الحق للرُّوح والتجرِبة الباطنية، وآخرون يُعطُون هذا للحدس والتخمين، والرياضة والممارسة، ثم سيأتي العلمانيُّون لكي يرْفَعوا أصواتَهم قائلين: إنَّ العلم – الذي هو حصيلةُ العقل والتجريب – هو المنهجُ الذي يجب أن تخضَعَ له أعناقُ الناس ومصايرهم[2].

فإذا ما اعتقدَ الأتْباعُ ذلك – أي: اعتقدوا أنَّ العلم هو المنهج الذي يجب أن تخضع له أعناقُ بني البشر – أعدموا النِّصف الداخلي في الإنسان، فيقعوا في خطيئة “إما هذا أو ذاك”، وبذلك يظهر الخطرُ الكبير على النفس البشرية، “سواء في قَبول دِينٍ يرفض العِلم، أو في قَبول عِلم يرفض الدِّين، والأمران كِلاهما لا يمكن أن نجدَ لهما أيَّ سند مِن القرآن والسُّنَّة، أو مِن سير الأنبياء – عليهم السلام -“[3].

 

فإذا تأكَّدْنا أنَّ الفكر المادي العلماني أقصى الجانبَ الرُّوحي في الإنسان، وبانَ لنا الخطرُ الكبير الذي يهدِّد الإنسان في قَبوله عِلمًا يرفض الدين، وعلِمْنا أن الإسلام يقوم على أساس النَّظرة الشاملة للإنسان، فهِمْنا أنَّ وجود الفكر العلماني في المجتمعات المسلِمة، وجود دخيل ومستورد “على الفِكر العربي… اندفع إليه المفكِّرون المتغرِّبون من العرَب بقوَّة السيل، وباندفاع همَجي بدون وعْي تام، واستهلكوه استهلاكًا قلَّ نظيره، بل وتقيَّؤوه في إناء عربي من لُجَّة الطين، فالعلمانية أو اللادينية موطنُها الأصلي أوربا والغرْب عمومًا، وكان لوجودِ هذا المذهب مبرِّرات وقناعات فِكرية؛ لأنَّه جاء كثورةٍ على الدِّين النصراني المحرَّف، وكمنهج مادي إلحادي صِرف، يؤلِّه المادةَ وهي ضامنة للسلطة… وردّ فِعل إيجابي على تسلُّط الكنيسة والمظاهِر السلبية للدِّين، التي ظهَر بها الدِّينُ النصراني، بل وتَمَظْهر بها… ومن ثَمَّ كانت حتمية الصِّراع بين الكنيسة ومواقفها الرهبانية المبتدعة، وبين اللادينية كنمطٍ جديد يخرُج عن التقليد، ويخضَع للمنهج الثوري وللفلسفة الثورية، وفي المقابل ترى أنَّ الإسلام والفِكر الإسلامي غنِيٌّ كلَّ الغِنى عن المذاهب اللادينية ومواقِفها الفلسفية، خاصَّة ما يُسمَّى بعصر الأنوار”[4].

 

فإذا عرَف التاريخ الغربي تقديسَ الأفراد، ومحاكِم تفتيش، والصِّراع على النفوذ بيْن رِجال الدِّين ورِجال الحُكم، وتميز بعض أفراد المجتمع على بعض، باعتبارهم مقدَّسِين معصومين عنِ الخطأ، فإنَّه في تاريخنا الإسلامي لم يكن هناك لا “تقديس للأفراد، ولا محاكِم تفتيش، ولا صكوك غُفران، ومراسيم حِرْمان، ولا صِراع على مناطق النفوذ في رِجال الدِّين ورِجال الحُكم، ولا مجال للفصل بين السلطة الزمنية والسلطة الدِّينية.

 

ومعنى ذلك: أنَّه ليس هناك مكانٌ في المجتمع الإسلامي للنِّزاع حولَ السلطة، على أساس أنَّ بعض الناس في المجتمع يتميَّزون عنِ البعض الآخر، باعتبار أنَّ هذه المجموعة مقدَّسة معصومة مِن الخطأ، وهذه الأخرى ليستْ لها قداسة، كما هو تصوير مبعَث النزاع بين الكنيسة والدولة في الفِكر الأوربي”[5].

 

ولذلك عاب القرآنُ الكريم على اليهود والنصارى اتخاذَهم أحبارَهم ورُهبانهم أربابًا من دون الله تعالى؛ يُحلِّلون لهم ويحرِّمون عليهم، فقال – تعالى -: {﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31]، وهم لم يكونوا يعتقدون أُلوهيةَ الأحبار والرُّهبان، وإنما فقط اعترفوا لهم بحقِّ التشريع، وقبِلوا منهم ما شرَعوه لهم مما لم يأذنْ به الله؛ ومِن هنا وصفتْهم الآية بالشِّرْك والعبودية لهم.

 

والإسلام حين يجْعَل التشريع لله – تعالى – وحْدَه، إنما يحرِّر الإنسان ويُخرجه من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد سبحانه وتعالى[6]، والإسلام لما نَهَى أهلَ الكتاب عن اتِّخاذ أحبارِهم ورهبانهم أربابًا من دون الله تعالى، وازَنَ بين العقيدة وبين الواقع الذي يعيشه الإنسانُ ويتحرَّك فيه، بحيث حكمتِ العقيدة هذا الواقِعَ وتحكَّمت فيه، وقنَّنتْ كلَّ حركة مِن حركات الإنسان، و”ربط الشعائر بالحياة، فالصلاة والصِّيام والحج والزكاة وسائلُ للتربية الأخلاقيَّة يَنبغي أن تسيطر على الإنسان في معاملاته ودُنياه، ومِن هنا يقول القرآن: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: 45]، وهكذا ارتبط المسجدُ بالحياة، وأصبحتِ الدنيا والآخِرة في متناول حياة المسلِم، يعيش حياتَه ويأخُذ مِن كل مُتَع الحياة، ما دام ذلك وفقًا لتعاليم الله – تعالى – التي أحلَّتِ الحلال وحرَّمت الحرام، وهو في الوقت ذاته قد ضمِن الفوز في آخرته، كما جاءَ في الأثَر (اعملْ لدنياك كأنَّك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتِك كأنَّك تموت غدًا)، وبهذا رفَع الإسلام الازدواجية التي صرَعَتِ الإنسانَ في أوربا… فلم يعُدْ هناك مجال للفصل بين الدِّين والدولة، فقد نشأتْ هذه الفِكرة لظروف خاصَّة لا يمكن أن تنطبق على الإسلام؛ وذلك لأسبابٍ كثيرة، منها:

اقرأ أيضا  إنسانية الرسول في حروبه .. نماذج عملية من السرايا والغزوات

أولاً: أنَّ الإسلام في حقيقةِ أمْره دينٌ ودولة، وعقيدةٌ وشريعة، حيث وضَع نظامًا كاملاً، ومحددًا لكل شأن مِن شؤون الحياة.

 

ثانيًا: أنَّ الإسلام قد قرَّر العدْلَ بين جميع الناس، وقرَّر أنه لا عِصمةَ لبشر إلا الرسول  – صلَّى الله عليه وسلَّم – فيما يُوحَى إليه من ربِّه، وبعد ذلك فالكلُّ سواء، رجل دِين أو رجل دُنيا، خليفة كان أو مِن عامَّة المسلمين، وبذلك سدَّ الإسلامُ البابَ أمام نظام الكهانة الذي ابتدعه القساوسة، ولم يعترفْ بوجود طبقةٍ ممتازة تُدعَى رجال الدين، لها عصمة أو قَداسة، فما علماء الدِّين عندنا إلا رجال انقَطعوا لدراسة الدِّين بمحض اختيارهم، وليس لهم ميزةٌ على غيرهم مِن الناس – كما ادَّعى رجال الكنيسة – وحتى اللباس الذي يلبسونه، وهو العمامة والجبَّة، يشاركهم فيه التجارُ وعامَّة الناس.

 

وما خليفة المسلمين إلا واحدٌ منهم، والحكومة الإسلاميَّة ليستْ حكومةً إلهيَّة مقدَّسة معصومة مِن الخطأ، يحكم فيها الإمامُ نيابةً عن الله في الأرْض، وله وحْده حق تفسير وفَهْم القرآن الكريم – كما حدَث في النصرانية – بل هي حكومةٌ بشريَّة تعمل تحتَ سلطان القانون الإلهي”[7]، لا تنفرِد بالتشريع، وإنما تستشير علماءَ الإسلام، وذوي الاختصاص والمبرزين في كلِّ المجالات.

 

“ثالثًا: أنَّه لا يوجَد في الإسلام صراعٌ بين الدين والعِلم، بل إنَّ الإسلام – على عكس النصرانية – قد فتَح الباب على مِصراعيه للعِلم والفِكر والنظر الحرّ، وجعَل طلَبَ العلم فريضةً على كلِّ مسلم ومسلمة، ولم يقيِّد حريةَ العلماء والباحثين، فقد دعا القرآن إلى العِلم بمختلف مناهجِه في أكثرَ من سبعمائة وخمسين آية، كما أشار إلى مناهج البحْث العِلمي عقليةً كانت أو تجريبيَّة، أو ذوقيَّة إشراقيَّة، أو نقليَّة سماويَّة.

 

وفي رِحاب القرآن الكريم وبتوجيهٍ منه، قامتْ في العالَم الإسلامي نهضةٌ علمية، ووصَل علماء المسلمين مِن خلالها إلى تحديد خُطوات منهج البحْث العلمي الاستقرائي، بل طبَّقوه على أبحاثه، ووَصَلوا مِن خلاله إلى كثيرٍ من الابتكارات العلمية في مختلف المجالات، كالطبيعة والكيمياء والفلك والطب، وحسبنا أن نذكُر جابر بن حيان في مجال الكيمياء، وأبا حنيفة الدِّينوري في علم النبات، والرَّازي وابن سينا وابن النفيس وابن رشد في عِلم الطب، وغيرهم، مما يدلُّ على أنَّه لا مجالَ للصراع بيْن الدِّين والعِلم في الإسلام، بل على العكس، فالإسلام يدعو إلى البحْث العِلمي، ويوجِّه أنظارَ الناس إلى استكشاف حقائقِ الوجود، والكشْف عنِ العلل والأسباب والعلاقات”[8].

 

فهذه أسبابٌ ثلاثة – وغيرها كثير – تبيِّن بعمقٍ الخطأَ الذي وقعتْ فيه النظرةُ التي تروم الحُكم على الإسلام مِن خلال المناهج الغربيَّة الماديَّة؛ لإثبات أنَّه دين بدون دولة، وعقيدة بدون شريعة، وهذا ما لم يقلْه أحدٌ من العقلاء قط، ولإثبات أنَّ الدين والعِلم خصمان لا يلتقيان، وعنصران لا يتقاربان، وهذا ما لم يقلْه أيضًا أحدٌ مِن العقلاء قط، فإذا كان العِلم في نظرهم طاقةً من طاقات الإنسان، أو حصيلة تعامل قُدرات عقلية وحسيَّة يمتلكها الإنسانُ مع الطبيعة والأشياء، فإنَّ الدِّين هو منهجٌ كامل للحياة البشرية يسعَى إلى تنظيمِ علاقات الإنسان، ليس بالطبيعة فحسبُ، بل بكلِّ ما له علاقة به؛ بنفْسه، بأخيه الإنسان، وبأسرته ومجتمعه، بسلطاته المسؤولة، بالأُمم والشعوب الأخرى، وبالطبيعة والعالَم والكون، هذه العلاقات التي تنبثِق جميعُها عن إيمانٍ وإدراك عميقَيْن بالله سبحانه، والتزام مسؤول لمنهجه ودِينه[9].

 

هذا المنهج – الذي هو الدِّين الإسلامي – يظهر على حرَكات الإنسان وسَكناته، وهو يعكِس إيمانَ الإنسان به، فلا يُمكِن أن يكونَ هناك إيمان، ولا يظْهر في حياة الإنسان العمليَّة والأخلاقيَّة، وإذا ظهرتْ حياة الإنسان بغير مظْهَر الإسلام، فاعلم أنَّ القلب فارغٌ مِن الإيمان، وهذا ما أكَّده أبو الأعلى المودودي في “الأسس الأخلاقية للحركات الإسلامية”، الذي يرى أنَّ الإسلام: عبارة عن ظهورِ الإيمان في صورة عمَل، فعلاقة الإيمان بالإسلام كعلاقة البَذْر بالشجرة، فحيثما كان الإيمان، كان لزامًا أن يظهر في حياة الإنسان العملية، وأخلاقه ومعاملاته للناس، وكفاحه وذوقه، وقواه وكفاءاته… وإذا كانتِ الحياة العملية تجري بقضِّها وقضيضها في مجرًى غير إسلامي، فاعلم أنَّ القلب خِلْوٌ من الإيمان، وأنَّه من المستحيل وجودُ إيمان في القلب وعدم ظهوره بمظهر الإسلام في الأعمال، وإنَّ الإيمان الاعتقادي والإسلام العملي متلازمانِ فيما بينهما، وقد قرَن الله بينهما في غير ما موضعٍ من كتابه العزيز، وإنه ما وعَد بما وعَد من حسن الجزاء والثواب، إلا لعباده الذين هم مؤمِنون اعتقادًا ومسلمون عملاً[10].

 

فمِن خلال كلام أبي الأعلى المودودي – رحمه الله – نعلم أنَّ الإسلامَ والإيمان عبارة عنِ اعتقاد وعمل، وما بينهما مِن تشريع ونظام وأخلاق، بعيدًا عن كلِّ أشكال التثليث والخُرافة المقدَّسة، فالإسلام لم يأتِ “بالعبادة وحْدَها حتى يُبنَى على الكهنوت والوسائط والقداسات، وإنما هو عبادةٌ وحكومة، وتشريع ونظام وأخلاق، تعمل جميعُها على تكوين المواطن الصالِح، المفكِّر الحر، البعيد عن الخُرافات والأوهام”[11].

 

فإذا تأكَّد هذا الأمر، كان علينا أن نبيِّن أمرًا آخَر، وهو أنَّ (العلم) ذُكِر في القرآن الكريم في غير ما موضع مرادفًا للدِّين نفسه، وللنظام الذي تقوم به المخلوقات، وللحقائق الثابِتة في أم الكتاب، وهذا الأمر في غايةِ الأهمية، أو بعبارة أخرى: “إنَّ كلمة (العلم) وردتْ في القرآن الكريم مرارًا كمصطلح على الدِّين نفسه الذي علمه الله أنبياءه، على النواميس التي يُسيِّر بها الله ملكوته العظيم، على الحقائق الكبرى الموجودة عندَ الله – سبحانه – في أم الكتاب، وكإشارة إلى القِيَم الدينية التي تنزَّلت من السماء، ومن ثَمَّ يغدو (العلم) و(الدين) سواءً في لغة القرآن”[12]، وهو ما يَعني أنَّ الإسلامَ بهذه الوسطية والرَّحْمة والعدْل والحق، يرفُض الجهل والإخلال بالمبادئ الأساسية للعقيدة، كما يرفُض المنهجَ القائم على إقْصاء الرُّوح أو المادة، ويرفُض كلَّ أشكال الإلحاد الناتِجة عن الجهْل بمكوِّنات الإنسان، فهو – أي: الإسلام – “يؤكِّد على الدعوة إلى العلم، ويلحُّ في طلَبه، بشرْط انسجامه مع الحياة، وألاَّ يخلَّ بالمبادئ الأساسيَّة للعقيدة والقِيَم الأخلاقية، وإذا كان العِلم أساسه التوازن بيْن الرُّوح والمادة، فهو منهجٌ صالِح في الإسلام، وسبيلٌ للسعادة ببُعدَيْها المادي والمعنوي، وينبذ الإسلامُ ذلك العلمَ القائم على التخريب والإلحاد، والذي يرجِّح المادةَ على غيرها، فهو ينبوعُ الحضارة المادية، ومن ثَمَّ يستنكره الإسلام، وينكره التاريخُ الإسلامي، والتاريخ جزءٌ مِن العلم، فهو عِلمي وصفي؛ إذ يصف مواقفَ المفكِّرين المسلمين الداعين إلى العلم”[13].

اقرأ أيضا  التكفير إلى أين ؟" بقلم: الشيخ سعيد سطل "أبو سليمان"

 

إنَّ الإسلامَ في جانب الإعجاز العِلمي، تضمن حقائقَ علمية، لم يدركْها المسلمون في القرون الأولى، فيما كشفتْ عنها العلومُ الحديثة بصورة تكشِف عن التطابُق التام بين حقائقه وبيْن النتائج العِلمية الحديثة، الأمر الذي بَهَر المنصِفين من علماء الغرْب، فاستسلموا لحقيقتِه وآمنوا به، بناءً على أنَّ كثيرًا مِن “النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، التي تُشير إلى حقائقَ عِلميَّة – لم تكن معروفةً للناس وقتَ نزول القرآن، وكشفتِ العلوم الحديثة عن صحَّتها؛ مصداقًا لقوله – تعالى -: ﴿ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [سبأ: 6]، وقدْ صنَّف العالِم الفَرنسي “موريس بوكاي” كتابًا في المقارنة بين الكُتب المقدَّسة وبيْن العلم الحديث، فخرَج بنتيجةٍ مذهِلة مسكتة؛ إذ كشَف عن التناقضات الكثيرة بيْن نصوص التوراة والإنجيل، وبيْن الكشوفات العلميَّة الحديثة، الأمر الذي لا يوجد في آياتِ القرآن الكريم، بل العكس تمامًا؛ فقد ذهل بمدى التوافُق والتناسق بين الحقائق التي أشار إليها القرآنُ الكريم، وبيْن ما توصَّل إليه العلماءُ في جميع العلوم التجريبيَّة”[14].

 

ولهذا الغرَض دعا القرآنُ إلى استعمال العقْل بالتفكير، في غير ما موضِع، وذلك بعدَ أن هيَّأ له المساحة التي يمارس فيها هذا التفكير، ووضع له الحدود التي لا يَنبغي أن يتجاوزها، ووجَّهه إلى الضوابط التي يمارس بها تفكيرَه، وأعفاه مِن الموضوعات التي لا يُطيق الخوض فيها، وحتى إنْ فعل، سيظل حائرًا في بحْرها دون التوصُّل إلى الغاية والنتيجة التي قصَدها مِن تفكيره وبحثه هذا، فـ”دعوة القرآن إلى استخدامِ الإنسان لملكاتِ تفكيره أمرٌ صريح لا يحتاج إلى تأويل، فالعقل مِن مقاصد الشرع، ومِن وظائف العقْل والتفكير في منظورِ الإسلام، أنَّه قضى على الخُرافات، وأبْطَل الكهانة والشعوذة، وركَّز على المسؤوليَّة الفردية كتركيزِه على المسؤولية الجماعية، وجعل الأمن على العقل مِن المقاصِد الضروريَّة، ووَفْقَ ذلك كفَل الإسلام المناخَ للعقل والحقل الخصب؛ ليتأمل ويعي ويفكِّر ويفهم… ووظيفة العقْل في الإسلام هي أساسُ معنى الفِكر الحر والتأمُّل في الكون، وكان للعقل أو للعقلية الإسلاميَّة أساس صياغة الحضارة الإسلاميَّة، وتأكيد ذلك في قوله – تعالى -: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 13]، فإنها تُشير إلى ممارسة الإنسان لوظيفةِ عقْله، ومزاولة نشاطِه المادي والرُّوحي.

 

والتفكير في الكون وما خلَق الله – تعالى – من نِعم، أمرٌ جوهري مقصود، فلا بدَّ للإنسان أن يمارسَ دورَه ومسؤوليته، والمقياس في ذلك هو العقلُ والتفكير، فلا يَنبغي أن يبقى الإنسان مكتوفَ اليدين، فعليه التدبُّر والتفكير باستخدام العقْل، وألاَّ يقِف من الكون موقفَ اللامبالاة، فيحسن تأمُّله ويبْحث فيه ليستفيدَ منه، والاستفادة مِن هذه المسخَّرات في الكون لا تكون إلا بالعِلم والدِّراسة، والنَّظَر والتأمُّل، وكلُّها وسائل للعقل”[15].

 

وما هذا إلا دعوة منه – أي: القرآن – إلى النظرِ في حقيقة الوجود، باستخدام النَّظَر الحِسي والحواس، فعليها يقَع ثقلُ البحث والتأمُّل والتجريب، فبعبارات صريحة: دعا “القرآن الناسَ إلى التبصُّر بحقيقة وجودِهم وارتباطاتهم الكونية عن طريق (النظر الحِسي) إلى ما حولهم، ابتداءً مِن مواضع أقدامهم، وانتهاءً بآفاق النَّفْس والكون… وأعطى (للحواس) مسؤوليتَها الكُبرى عن كلِّ خُطوة يخطوها الإنسان المسلِم في مجال البحْث والنظر والتأمُّل والمعرِفة والتجريب؛ فقال له: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، (و) إلى خلْقه: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾ [الطارق: 5]”[16].

 

فلمَّا استجاب المسلمون لهذه الدَّعوة، ونظروا إلى الكون ومباحِث الطبيعة، وفقًا للمنهج الذي حدَّده، وضمن المساحات التي بيَّنها، كانتْ نتيجة ذلك أنْ نبغ في الإسلام “عظماء جمعوا بين الحِكمة والشريعة، ونظَّموا بين الحديث والرياضة، وإنَّ أكبر فيلسوف عربي اشتهر اسمه في أوربة هو القاضي ابن رشد، وقد كان مِن أكابر الفقهاء”[17].

 

وهذا الأمرُ في مقابل الجمود الذي عاشَه النصارى وبعضُ المسلمين، والذي يرفُض – بل يحارب – كلَّ علم لا يعتدُّ فيه بالكتاب والسُّنة، فأغْفل أن باقي العلوم الأخرى، وإن لم تكن دِينيَّة بشكل مباشر، فهي دِينيَّة من حيث النتيجة، ما دامتْ تقوم على المبادئ الإسلامية وأُسس الكتاب والسُّنة، فالحقيقة “أنَّ هؤلاء الجامدين هم الذين لا تأتلِف عقائدُهم مع المدنيَّة، وهم الذين يحولون دون الرُّقي العَصْري، والإسلام بَراءٌ مِن جماداتهم هذه.

 

إنَّ الإسلام هو مِن أصله ثورةٌ على القديم الفاسد، وجبٌّ للماضي القبيح، وقطعٌ لكل العلائق مع غير الحقائق”[18]، وهذا الإسلام الذي يظنُّه الجامِدون لم يأتِ لبناء الحضارة ومسايرة التمدُّن وصناعة التقدُّم، ويعتقد فيه المتغرِّبون أنه لا يناسب الإنسان العصري، ولا يفتح الآفاقَ أمام عقل الإنسان لتطوير علومه، وتنمية قُدراته التقنية – هو الذي حوَّل العرَب مِن مجرَّد قبائل تعيش على هامش الحضارة، إلى أمَّة قادتِ العالَمَ وأسعدته لقرون طويلة، فبعد أنْ كان الإنسان العربي “مغلَّف القلْب والعقل، انفتح له طريقُ الإيمان والعمل، فحَكَم واستنتج، وشارَك الأمم في معلوماتها، وأخَذ مِن العلم والمعرفة ما مزَج به ما عندَه مِن حِكمة وأدب، وعِلم وتاريخ، فكوَّن بذلك مجدًا عربيًّا، انصبَّتْ فيه كلُّ جداول الأمم العريقة في العِلم والحضارة”[19].

 

فانظرْ إلى فضْل الإسلام على الإنسان العربي خاصَّة، وعلى بني البشر عامَّة، بل حتى على الحيوان والطبيعة، والأدلَّة الصريحة في الرِّفْق بالحيوان ومعاملة الطبيعة أكثرُ من أن تُحصَى، فكل أسباب السعادة والارْتِقاء التي عرفتها “كانتْ عائدةً في مجملها إلى الدِّيانة الإسلامية، التي كانتْ قد ظهرت جديدًا في الجزيرة العربية، فدان بها قبائلُ العرب، وتحوَّلوا بهدايتها من الفُرْقة إلى الوحدة، ومِن الجاهلية إلى المدنيَّة، ومن القسوة إلى الرحمة، ومِن عبادة الأصنام إلى عبادة الواحِد الأحد، وتبدَّلوا بأرواحهم الأولى أرواحًا جديدة، صيَّرتهم إلى ما صاروا إليه؛ مِن عزَّة ومَنَعة، ومجد وعرفان وثروة، وفتحوا نِصفَ كرة الأرض في نِصف قرن”[20].

اقرأ أيضا  تجليات الرحمة في شخص الرسول الرحيم ” صلى الله عليه وسلم”

 

فكلُّ ما يُسعِد البشريةَ، ويُحسِن إلى الحيوان، ويحافظ على الطبيعة هو مِن أكبر مقاصِد الإسلام، فالوسائلُ التي توصل إلى هذه الغايات هي مِن صميمِ الإسلام كذلك، حتى وإنْ كانتْ جديدة مستحدثة لم تعرِف القرون الأولى شيئًا عنها، وهذه صورة واضحة مِن صور شموليَّة وعالمية الإسلام؛ ولذلك فـ”الذين يفهمون الإسلامَ حقَّ الفَهْم يُرحِّبون بكلِّ جديد لا يعارض العقيدة، ولا تُخْشَى منه مفسدة، ولا أظن شيئًا يفيد المجتمع الإسلامي، يكون مخالفًا للدين المبني على إسعادِ العباد”[21].

 

وهذا هو المقصودُ بعالمية الإسلام، فهو مسايرٌ للتاريخ، بل التاريخ هو المساير له، وموافق لكلِّ التغيرات والتطورات التي يعرِفها الكون والعالَم، وهو كذلك دِينٌ يتميَّز بالشمولية؛ أي: هو شامل للمجتمع وللأُسرة، وشامل للفرْد بمادته ورُوحه؛ ولذلك كان الدِّين هو فطرةَ الإنسان، فبقدر شموله “لجميع ما يكبح النفسَ الإنسانية، ويحجزها عن أن تزيغَ عن الفِطرة السويَّة العادِلة، وبقدْر تغلغله إلى أغوار النفس تغلغلاً يجعل صاحبَها قادرًا على ضبْط الأهواء الجائِرة، ومريدًا لهذا الضبْط – بقدْر هذا الشمول وهذا التغلغُل في بنيان الإنسان، تكون قوَّة العواصم التي تعصِم صاحبَها من كلِّ عيب قادح”[22].

 

ولذلك قُلْنا من قبل: إنَّ المجتمعات التي أبعدتِ الدينَ عن حياتها وأقصَتْه نهائيًّا – كما هو حال الغرْب – أو جزئيًّا – كما هو حال الدول العربية – أصابها الفقرُ والفاقة في أخلاقِها وفي سلوكها ومعاملاتها، وفي علاقاتها الاجتماعيَّة والفرديَّة، وأصابها الكسل والخمول في حرَكاتها وتفاعلاتها، وأصابها الفراغُ والوحدة القاتلان، مما صبَغ عليها الحياةَ بالسواد في كلِّ جوانبها وفي كلِّ مجالاتها، فكان “الإسلام وحْدَه هو المنقِذَ من هذه الأمراض، فهو النِّظام الذي يستطيع أن يحرِّك وجودَ الإنسان بشكلٍ دائم، وأن يجعله يحسُّ بإنسانيته، ويتفاعَل مع كلِّ القِيَم بشكل مستمر، وأن يشغل نفسَه رُوحيًّا، دون أن يدعَه يستسلم للفراغ والكسل، فبما يملكه مِن برامجَ أخلاقيَّة ورُوحيَّة، وبما يُقدِّمه من نظْرة متفتِّحة على الكون والحياة، بهذا كله  – وغيره كثير – يحوِّل إنسانه – فردًا أو جماعة – إلى حرَكة حيَّة متفاعِلة ثائِرة على الانحراف، يملؤها الشوقُ للقِيم الكبرى، وبهذا وحْده يقضي على الفَراغ، ويدفَع الإنسان في سبيلِ العطاء الدائِم، الذي يقدِّم لكل حضارة عناصرَ الاستمرار والبَقاء؛ ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ﴾ [آل عمران: 191 – 193][23].

 

وبعدَ هذا، يكون عيبًا على مَن يدَّعي العقل، أو حتى مَن ينتمي إلى قبيلة العقلاء، أن ينعتَه بالجمود والقصور، وأن يصفَه بالهامشيَّة واللاانتماء، وأن يصوِّره بالعداء للعِلم وإعمال الفِكر، ثم يطالب بإقصائه وإبعاده، وحصْره داخلَ المسجد، كما أُبعدتْ وأُقصيت النصرانية، وحُصِرت داخل غرفة الكنيسة.

 

أليس الدِّين الإسلامي هو “الذي أنْقَذ البشرية وأباح لهم التفكيرَ في الملكوت، يومَ كانت الكنيسة تحرِّم على الناس النظرَ وتمعّنَهم في التفكير؟!… (أليس) هو الذي دقَّ عليهم جرسَه من باب الأندلس، فأنقذَهم من الهمجيَّة، وفتَح أعينهم على حضاراتٍ، ما كانوا ليعرفوها لولا العربُ والمسلمون؟!”[24]، فالتاريخ يؤكِّد أنه لا يُنكر هذا مَن يملك مسكةَ عقل، بل لا ينكره مَن شمَّ رائحة التاريخ في يومٍ من الأيام.

 

وفي خلاصة هذا البحث أقول: إنَّ الأفكار المتطايرة فوقَ رؤوسنا التي تسلب الحياةَ بُعْدَها الدِّيني، ما هي إلا محاولة لعَلْمَنة ما بقي من صور الإسلام في مجتمعاتنا، بعد أنِ اعتقدت بيقين قاطع أنَّ الإسلام يسير في اتِّجاه معاكس للعِلم والنظر الفكري، هذه الأفكار في حقيقتها وهميَّةٌ وخيالية، حوَّلها دعاةُ التغريب في البلدان العربية الإسلامية إلى حقيقية طبيعية، وإذا كان الحق ما شهِد به المخالِف، فهذا أ.د/ فتزو جوالد، يقول: “ليس الإسلامُ دِينًا فحسبُ، ولكنَّه نِظام سياسي أيضًا، وعلى الرغم مِن أنه ظهَر في العصر الأخير بعضُ أفراد المسلمين ممَّن يصفون أنفسهم بأنهم عصريون، يحاولون أن يفصلوا بين الناحتَيْن، فإنَّ صرْح التفكير الإسلامي كله مبنيٌّ على أساس أنَّ الجانبين متلازمانِ لا يمكن أن يُفصَل أحدهما عن الآخَر”[25].

 

وهذه الحقيقة منه تأكيدٌ على وهميَّة الصِّراع بيْن الدِّين والعِلم، ومِن ثَمَّ تأكيد على وهمية إقْصاء الدِّين عن تدبير أمور السياسة والحياة والاقتصاد، و…، والله أعلم.

 

فمَن أدرَك ذلك وعاه، ومَن فهِمه استرضاه، واللهَ أسال أن يُوفِّقنا لملامسةِ الصَّواب، ومفارقة الزَّلل والخطأ والهوى، وأن يجعلنا من أتْباع السنة ظاهرًا وباطنًا، إنَّه بكلِّ جميل كفيل، وهو حسبنا ونِعم الوكيل.

 

وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمَّد، وعلى آله وصحْبه أجمعين.

 


[1] الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام، ص227 (بتصرف).

[2] تهافت العلمانية، ص27، (بتصرف).

[3] نفسه، ص25.

[4] الفكر الإسلامي في مواجهة الحضارة الغربية، ج.1، ص164-165.

[5] الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام، ص222.

[6] الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام، ص233.

[7] الأساليب الحديثة، ص (220 – 221).

[8] نفسه، ص223.

[9] تهافت العلمانية، ص26، (بتصرف).

[10] نقلاً عن “تهافت العلمانية”، ص99.

[11] الإسلام دين ودولة ونظام، ص117.

[12] تهافت العلمانية، ص37.

[13] الفكر الإسلامي في مواجهة الحضارة الغربية، ج.1، ص168.

[14] فقه السياسة الشرعية، ص16.

[15] الفكر الإسلامي في مواجهة الحضارة الغربية، ج.1، ص306.

[16] تهافت العلمانية، ص30.

[17] لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟ ص117.

[18] نفسه، ص113.

[19] الإسلام دين ودولة ونظام، ص146.

[20] لماذا تأخر المسلمون؟ ص41.

[21] نفسه، ص115.

[22] رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ص31.

[23] تهافت العلمانية، ص171.

[24] الإسلام دين ودولة ونظام، ص48.

[25] فقه السياسة الشرعية، ص23.


المصدر : الألوكة

 

 

 

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.