قطر.. قبلة المصالحات العربية

محمد علي الهرفي (كاتب وأكاديمي سعودي)

الإثنين 16 ذوالحجة1434 الموافق21 تشرين الأول / أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

لعل الله أراد الخير لقطر فجعلها تنفرد في تقريب وجهات النظر بين المتخاصمين في الدول العربية، كما وفقها كذلك لتقف مع الشعوب العربية المضطهدة رغم ما يكلفها ذلك من تضحيات كثيرة، ولكن أصحاب الأهداف السامية والهمم العالية لا يفكرون في العواقب كثيرا مادام المقصد والهدف ساميا والوسائل تنسجم مع تلك الأهداف.

إن المتتبع لما قامت به قطر في ملف المصالحات العربية يندهش كثيرا من حجم العمل الكبير والدؤوب الذي قامت به قطر وأدى إلى نتائج إيجابية مبهرة على صعيد التقارب فيما بين عدد من المتخاصمين في الدولة الواحدة أو فيما بين دولة وأخرى!! وهنا لابد من الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أن هناك من يعمل لإفساد بعض هذه الجهود وهذا ما يفسر تأخر بعض النتائج بعد أن يكون قد تم الاتفاق علي تنفيذها.

جهود كبيرة بذلت من أجل إنهاء النزاع بين الحكومة السودانية وثوار دارفور، ووقعت (وثيقة الدوحة للسلام في دارفور)، وقعها آنذاك الرئيس البشير ومجموعة من قادة الحركات المقاومة في دارفور، ولم تكتف قطر بمجرد توقيع هذه الاتفاقية ولكنها كانت تدرك أهمية العامل الاقتصادي في تحقيق السلام فقامت بتقديم حزمة من المساعدات الاقتصادية لتحقيق مفهوم السلام بصورة عملية.

اقرأ أيضا  مصرع شخصين جراء انهيارأرضي في طريق الأبطال في مانوكواري بابوا الغربية

جهود أخرى اتجهت إلى فلسطين، واجتماعات كثيرة عقدت من أجل تحقيق المصالحة بين فتح وحماس، ولكن بعض الأيدي النجسة وقفت حائلا دون تحقيق تلك المصالحة مع أهميتها الكبيرة ليس للفلسطينيين وحدهم بل للعرب جميعا وللسلام والأمن الدوليين، ومعروف حجم المساعدات الكبيرة التي قدمتها قطر لغزة خاصة بعد الاعتداء الصهيوني الوحشي عليها، ومعروف أيضا أن الأمير الوالد زار غزة في أجواء محمومة وقدم لها الكثير من المساعدات خاصة في مجال إعادة الإعمار وكذلك إعادة بناء المدارس والمستشفيات.

لم تقف جهود قطر عند هذا الحد فكان لها جهود متعددة في مجال المصالحة في اليمن ولبنان وكذلك فيما بين الإمارات وإيران، وآخر ما قامت به تلك المصالحة الموفقة التي انتهت بإطلاق سراح اللبنانيين التسعة الذين كانوا أسرى لدى المعارضة السورية في مدينة (أعزاز) ولمدة سنة ونصف تقريبا، وكذلك شملت هذه المصالحة إطلاق سراح الطيار التركي ومساعده اللذين خطفتهما مجموعة من المسلحين اللبنانيين بهدف الضغط على تركيا للمساعدة في إطلاق الأسرى اللبنانيين مع أن تركيا لا علاقة لها بهذا الموضوع!! هذه الصفقة – أيضا – كان من ضمن بنودها إطلاق سراح مجموعة من النساء الذين سجنتهن حكومة بشار الأسد ظلما وعدوانا، ولكن وحتى كتابة هذا المقال لم يتم إطلاق السجينات والأمل أن تواصل قطر الضغط من أجل تحقيق كافة البنود المتفق عليها.

اقرأ أيضا  شاهد رسالة محمد علي كلاي لدونالد ترامب حول الاسلام والمسلمين

عاد الأسرى إلى لبنان وبصحبة وزير الخارجية القطري – زيادة في الإكرام – ورأينا جميعا حجم الفرح الذي عم أهاليهم بصفة خاصة ومعظم اللبنانيين بصفة عامة، وسمعنا من خص قطر بالشكر ومن خصها وخص سوريا وتركيا بالشكر كذلك، ولكن الذي أود أن نراه انسحاب قوات حزب الله من سوريا، فتلك القوات لا تقوم بعمل مقدس هناك!! إنها تقوم بقتل السوريين ؛ رجالا ونساء وأطفالا، وهذا العمل أساء للحزب كثيرا وأفقده مكانته التي كان يحتلها في قلوب الكثير من العرب والمسلمين، ولعل الجميع يدرك الصلة بين أسر اللبنانيين التسعة وبين وجود مقاتلين للحزب في سوريا، وعملية الأسر قد تتكرر إذا بقي الحال على ما هو عليه لم يتغير.

قطر وقفت مع الحزب أكثر من مرة ؛ فالأمير الوالد زار الجنوب بعد الاعتداء الصهيوني على لبنان وقدم مساعدات كبيرة لإعادة إعماره وكذلك إعمار الضاحية الجنوبية، والمتوقع ألا ينسى الحزب كل تلك الوقفات الإنسانية وأن يسهم في إعادة موقعه الذي فقده ولن يتم ذلك إلا بانسحابه من سوريا وليلتفت إلى إسرائيل التي اتخذها عدوا ولكنه التفت بهذا العداء إلى السوريين.

اقرأ أيضا  مسار جديد للثورة

الجهود القطرية لا تحقق السلام للأطراف المتخاصمة وحدها، ولكنها تتعدى ذلك لتحقيق السلام والأمن للعالم كله؛ فما يحصل من خلاف كبير في بلد قد ينتقل إلى سواه وهكذا ومن هنا نرى أهمية الجهود القطرية في عمليات المصالحة، وتزداد هذه المصالحة أهمية عندما يكون العامل الاقتصادي واحدا من عناصرها المهمة لأنه يلامس احتياجات القطاع الأعرض من المواطنين وقد يكون أحيانا هو السبب الحقيقي في الاختلاف.

وأخيراً… ألا يفهم العرب جميعا أن الاختلاف الداخلي بينهم من أهم أسباب ضعفهم جميعا بل قد يشكل السبب الأهم في زوال حكوماتهم؟!! أولا يدرك حكام العرب أن الاختلاف الداخلي في بلدانهم ليس في صالحهم؟! الأمل أن يدركوا ذلك كله وأكثر منه قبل فوات الأوان.

المصدر : بوابة الشرق

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.