المقاطعة هي الحل !

شريف عبد الرحمن سيف النصر (كاتب مصري)

الأربعاء 25 ذوالحجة1434 الموافق30 تشرين الأول / أكتوبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

بطبيعة الحال لا يمكن اعتبار أن ما يجري في مصر حاليا يمت للديمقراطية بأي صلة، ولكن على افتراض أن خارطة الطريق المفروضة قسرا على المصريين في أعقاب انقلاب الثالث من يونيو استمرت في إفراز نتائجها في المرحلة المقبلة، فهل سيكون على مؤيدي الشرعية التعاطي معها إيجابيا، وخاصة فيما يتعلق بالاستفتاء على الدستور المعدل!

بطبيعة الحال تتمثل الإجابة بالنفي، فديمقراطية الانقلابيين هي آخر ما يمكن الوثوق به، فهؤلاء أظهروا نواياهم منذ اليوم الأول عندما أخذوا قرار الإطاحة بالإرادة الشعبية، واستعاضوا عنها بأسلوب الحشد أمام الكاميرات. هذه النوايا تجعل من العسير التعاطي مع أي استحقاقات تصويتية على نحو يتسم بحسن النية، خاصة أن أصحابها لم يظهروا أي احترام للديمقراطية في الماضي لكي يمكن الظن أنهم سيحترمونها في المستقبل.

كما أن المؤسسات التي تمخضت عما يسمى خارطة الطريق، تشكلت بالأمر المباشر، ولم يكن لعموم المصريين أي دور في تكوينها، والنموذج الأبرز على ذلك هو لجنة الخمسين التي تمارس عملها حاليا في تعديل الدستور في سرية تامة، وكأن ما يقوم به أعضاؤها هو عمل من أعمال السحر الأسود وليس تعديلا شفافا لنصوص يصفونها بالمعيبة.

أما عن تعهد الانقلابيين بضمان نزاهة الاستحقاقات التصويتية القادمة فلا يعدو أن يكون ذرا للرماد في العيون، فالانقلابيون يخافون من الديمقراطية، لأنها يمكن أن تتمخض عن فوز نفس الفصيل الذي انقلبوا عليه. والأسوأ أن أي تصويت نزيه يمكن أن يكشف زيف الكثير من الادعاءات التي انبنى عليها الانقلاب وتأسست عليها “شرعيته”، وعلى رأسها خرافة الـ33 مليونا الذين نزلوا إلى الشوارع في يوم 30 يونيو، والـ 22 مليونا الذين وقعوا استمارات تمرد.

اقرأ أيضا  طبول الحرب الطائفية تدعونا للانتحار

ويفهم المحللون أنه لم يتم عرض خارطة الطريق على الاستفتاء الشعبي خوفا من كشف هذا الزيف، كما لم يتم عرض تشكيل لجنة الخمسين على الجماهير لنفس هذا السبب. بل يمكن القول إن الانقلابيين قد فضلوا تسمية ما تقوم به هذه اللجنة تعديلا للدستور السابق وليس صياغة لدستور جديد لتجنب الحرج إذا ما سجلت المشاركة في التصويت على الدستور المعدل نسبة أقل من التصويت على الدستور الأصلي عام 2012. وسيحاول الانقلابيون الخروج من هذه الورطة عبر احتساب جميع المصوتين — سواء بنعم أو لا— على أنهم مؤيدون للشرعية الانقلابية.

والحقيقة أن هذا الفخ يمكن أن يحرج مؤيدي الشرعية، فمشاركتهم بالتصويت (لرفض الدستور المعدل) سوف يستغلها الانقلابيون على أنها اعتراف بالأمر الواقع، وانخراط في العملية السياسية، أما امتناعهم عن المشاركة فسوف يتيح تمرير التعديلات، والمضي قدما فيما يسمى خريطة الطريق، التي ترسخ من شرعية الانقلاب. وفي كل الأحوال يملك الانقلابيون صناعة النتيجة التي يريدونها. خاصة أن تزوير أي انتخابات أو استفتاءات قادمة أصبح أسهل في ظل التعديلات المقترحة والتي تعفي موظفي الدولة من المسؤولية حال حدوث التزوير فعليا.

اقرأ أيضا  حق الإحسان إلى الخلائق حق مُركب

وفي ضوء هذه الحقائق يصبح الامتناع عن المشاركة هو الأسلم، فمن تدخل بالقوة لفرض واقع قسري على المصريين، ومن اعتبر أن احتشاد بضعة آلاف في الشارع مبررا كافيا لشن حملة تطهير دموي بحق فصيل من الشعب، لن يتورع عن ممارسة كافة أشكال التلاعب لصناعة النتيجة التي تلائمه.

من ناحية أخرى فإن أحد أبرز نقاط ضعف النظام الانقلابي هو حالة العزلة التي يعيش فيها إقليميا ودوليا، والمشاركة في التصويت على الدستور المعدل سوف تعني كسر هذه العزلة، ومن ثم تقدم طوق إنقاذ إلى الانقلابيين بإظهارهم أمام العالم كأنهم قد حازوا الرضا الشعبي الذي دفع الناس إلى المشاركة في الاستفتاء الذي نظموه. فالورقة الوحيدة التي يملكها معارضو الانقلاب حاليا هي الشرعية، وهذه يمكن أن تمتهن بالاشتراك في أي مسار سياسي لا يتضمن إعادة الاعتبار لها.

صحيح أن البعض يعتبر أن مقاطعة العملية السياسية سوف تخدم الانقلابيين “الذين سيحشدون أنصارهم لضمان نسبة تصويت مرتفعة بالموافقة، لتبدأ بعدها حملة دولية لتجميل صورة ما حدث في الثالث من يوليو”، إلا أن الانقلابيين في حقيقة الأمر يمكنهم فعل ذلك سواء تمت المشاركة أو تم التمسك بالمقاطعة.

اقرأ أيضا  موجات إدانة إسلامية وعالمية لمحاولة استهداف مكة.. باستثناء إيران!

كما أنه حتى لو افترضنا أن التصويت بـ “لا” مطلوب لإبطال التعديلات، فإن معنى ذلك أن يتجمد المشهد السياسي، الأمر الذي يفيد الانقلاب والانقلابيين، ذلك أن خارطة الطريق لم تنص على آليات واضحة حال رفض المصريين للدستور المعدل، الأمر الذي سيعفي الانقلابيين من عقد أي انتخابات رئاسية أو برلمانية، ومن ثم سوف تستمر تركيبة السلطة على وضعها الحالي، فتظل قوى الانقلاب ممسكة بزمام الأمور بحكم الأمر الواقع، في الوقت الذي لا تتحمل فيه بأي التزامات بحكم غياب أي صياغة مؤسسية أو دستورية للبلاد.

وعلى أي حال يظل كل ما سبق مجرد حسابات نظرية، وربما يؤدي الحراك الشعبي في الشارع إلى إحداث نتائج تغير من ملامح المشهد السياسي المصري بأكمله، من يدري؟

المصدر: بوابة الشرق

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.