علم النفس والقرآن الكريم
الإثنين 30 ذوالحجة1434 الموافق4 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
رحيل بهيج
حثّ القرآن الكريم الإنسان إلى التفكُّر في نفسه، وإلى دراستها ومعرفة أسرارها: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 20، 21]. وفي هذا المعنى جاء في الأثر: “من عرف نفسه فقد عرف ربه“.
وفضلاً عن ذلك، فإن معرفة الإنسان لنفسه تساعده على ضبط أهوائها ووقايتها من الانحراف وتوجيهها إلى طريق الإيمان والعمل الصالح والسلوك السليم، مما يهيِّئ للإنسان الحياة الآمنة المطمئنة، ويحقّق له السعادة في الدنيا والآخرة.
وقع قبل أيام بين يدي كتابٌ اسمه: [علم النفس الإسلامي].. تصفّحته، فرأيت فيه العجب العجاب، رأيت أنّ كلّ مصطلحات علم النفس في الأعمّ والأغلب قد وردت بشكل أو بآخر في القرآن الكريم!
وقد تضمن القرآن الكريم كثيراً من الآيات التي تعرضت لوصف أحوال النفس المختلفة، وبيّنت أسباب انحرافها ومرضها، وطرق تهذيبها وتربيتها وعلاجها.
إن الحروب والأزمات الاقتصادية وكثرة الأمراض والتفكك الأسري والانحلال الأخلاقي وغيرها من التحديات التي تهدد مصير الأمّة الإسلامية أدت إلى تفشي الأمراض النفسية كالقلق والاكتئاب والخوف وغيرها بين غالبية الناس, وإن حاول كثيرون إخفاءها.
ومع ذلك, فالعلاج النفسي في العالم العربي ما يزال نبتة صغيرة جداً, وعدد المتخصصين المتمرسين في العلاج النفسي الحديث يُعَدّون على الأصابع.
وهكذا فالأمراض النفسية كثيرة، متشعّبة، ومنتشرة، ويقابلها قلّة من المعالجين النفسيين. فلا بدّ من تقديم بعض العون المتواضع لمن لا يجد معالجاً نفسياً أو للذي يظل دافناً مشكلاته النفسية في أعماق نفسه، يخشى البَوْح بها أو التماس عَوْن المعالج النفسي خوفاً من الافتضاح، إذ ما زال المرض النفسي – وللأسف – في مجتمعنا العربي “وصمة عار“، لأن العقل معيار مكانة الإنسان في مجتمعه قبولاً أو رفضاً واستخفافاً, فلا يزال عدد كبير من الناس في مجتمعنا الإسلامي العربي يعتقدون أن المرض النفسي ما هو إلا شكل من أشكال الجنون!!
إن هذا العَوْن يقدمه هذا الباب… إنّه بحقّ المعالج النفسي في بيتك من دون أن يراك أحد، يقدم لك التثقيف والحلول لمشكلاتك النفسية من غير تكلفة تُذكر.
في هذا الباب، نضع بين أيديكم جُملة من المقالات التي تدور حول مفهوم النفس في ضوء القرآن والسُّنة الشريفة. سنلقي الضوء بداية على أنواع النفس في القرآن الكريم، ومن ثم ننتقل إلى شرح بعض أمراضها، ونختم في توضيح أسس المعالجة النفسية بواسطة الإيمان؛ حيث سنفصّل الحديث عن أثر العبادات من صلاة وصيام وغيرهما في الوقاية من كل مرض نفسي إذ لا يوجد شيء اكتشفه العلماء في مجال الصحة النفسية والعلاج النفسي إلا وقد سبقهم القرآن إلى ذكره، فقد وردت كلمة النفس في القرآن الكريم في مئتين وخمس وتسعين آية كريمة!
وفي كتابه [من علم النّفس القرآني]، يشير الدكتور عدنان الشريف إلى أنّ كلّ الناس غير المؤمنين قولاً واعتقاداً وعملاً بالله واليوم الآخر وتعاليمه، هم من المرضى العصابيين أو من مضطربي الشخصية سواء ظهرت أعراضهم للعيان أو تستّرت تحت كثير من التصرفات التعويضية التستّرية التي لا تخفى على لبيب، فالمقياس الذاتي للصحة النفسية هو السعادة، أي هذا الشعور الداخلي شبه الدائم بالطمأنينة، وشعور كهذا لا يوجد إلا عند المؤمنين حقاً، بل ومَن أصدق من الله قيلاً في تحديد مقياس السعادة والصحة النفسية:﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس:62-64].
وأخيراً…
نريد أن تتضافر جهود المؤمنين من علماء الاجتماع والنفس والإحصاء ليبينوا للجميع كيف أن أتعس الأمم والأفراد هم أولئك الذين ابتعدوا عن تطبيق تعاليم الله الحق كما بيّنها في كتابه الكريم.
المصدر:الألوكة