خطر التساهل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأربعاء 02 محرم1435 الموافق6 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز الدهيشي 

الحمد لله الذي قال في كتابه العزيز ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران: 110]، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى أصحابه.. أما بعد:

 

فيا عباد الله أوصيكم وإياي بتقوى الله تعالى، عباد الله.. وصف الله هذه الأمة في كتابه المبين أنها خير الأمم التي أخرجت للناس وقيد هذه الخيرية بأمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فإذا تركت هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أضاعت نصيبها من هذه الخيرية، قال ابن كثير – رحمه الله- عند تفسير هذه الآية روى البخاري في صحيحه بسنده إلى أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: كنتم خير أمة أخرجت للناس أي خير الناس للناس تأتون بهم والسلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام. وقال ابن عباس ومجاهد وعطية العوفي وعكرمة وعطاء والربيع بن أنس: كنتم خير أمة أخرجت للناس يعني خير الناس للناس، والمعنى أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس؛ لأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

اقرأ أيضا  النبي الأمي صلى الله عليه وسلم

 

عباد الله.. وصفكم الله بهذه الخيرية وفرطتم فيها بتساهلكم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمركم الله بالتعاون على البر والتقوى وتناسيتم أمره، فظهرت المعاصي في مجتمعكم وألفها السواد الأعظم منكم، وأخلدتم إلى المداهنة في الإنكار، فكأن الخاطب بزواجر القرآن والسنة غيركم.

 

يقول تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [محمد: 33] هذا أمر من الله عز وجل لجميع المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله، وأعظم أمر، الأمر بالصلاة: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور: 56]، كان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يرون شيئًا من الأعمال تركه الكفر إلا الصلاة لقوله – صلى الله عليه وسلم -: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)[1]، ويقول – صلى الله عليه وسلم – (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)[2].

اقرأ أيضا  العثماني: انشغال وضعف العرب شجّع إسرائيل على مزيد من الانتهاكات

 

ومع هذا فترك الصلاة مع جماعة المسلمين كأنه شيء طبيعي وكأنه غير منكر فأين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!

 

يا أمة محمد، نبيكم – صلى الله عليه وسلم – يقول: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)[3]، ويا ليتنا نأمر أنفسنا وأولادنا بطاعة الله، فإنه لو أصلح كل واحد منا نفسه ومن تحت يده لصلح مجتمعنا كله، ولكن ضيعنا أنفسنا وتركنا واجبنا حتى عم البلاء وعظمت المصيبة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، أقفرت مساجدنا من أبنائنا، والربا يتعامل به في أموالنا، والرشوة والخيانة والكذب ديدن غالب قومنا، وتعاطي المسكرات والمفترات تلبس به الكثير من سفهائنا، وحلق اللحى وجر الثياب والتختم بالذهب تفشى في معظم شبابنا، وتبرج النساء، كل هذا مشاهد ولاتسمع آمرًا ولا ناهيًا، فلا حول ولا قوة إلا بالله، يقول بعض الحكماء إذا كثر الإمساس قل الإحساس، واستحسنت القبائح فلم تنفع المواعظ والنصائح. يقول إذا كثر التلبس بالمحظورات قل الإحساس بها وعدم استنكارها، وعند ذلك تستحسن القبائح من الأفعال فإذا استحسنت لدي سواد الناس ما نفعتهم المواعظ والنصائح أي لا تؤثر فيهم ولا يبالون بها، عند ذلك يكون شأن العقلاء منهم التلاوم والتحسر وتوقع حلول مقت الله بهم، يقول – صلى الله عليه وسلم -: (لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم)[4] أي حتى

اقرأ أيضا  نهج الرسول في الدعوة إلى الله

 

يتيقنوا أتهم مستوجبين للهلاك يقول تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال: 25]

 

والحمد لله رب العالين.

 


[1] صحيح ابن حبان ح (1254) والمستدرك ح (11) وأصله في الصحيحين.

[2] المستدرك على الصحيحين ح (898) وسنن البيهقي الكبرى ح (4721).

[3] صحيح مسلم (49).

[4] مسند الإمام أحمد ح (18315).

المصدر: الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.