في أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأربعاء 02 محرم1435 الموافق6 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل 

الحمد لله معزِّ مَن أطاعَه واتَّقاه، ومذلِّ مَن خالَف أمرَه وعَصاه، وناصرِ مَن نصره وحاميه من أعدائه، أحمده – سبحانه – حمْد عبدٍ قام لله بما أمره به وانتهى عمَّا عنه نهاه، وأحبَّ في الله وأبغض في الله، ووالى في الله وعادَى في الله، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فنال رضا مولاه، وأشكره والشكر له من نعمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، الذي جاهَد في سبيل الله وصبر على ما ناله من الأذى حتى نصَرَه الله، ففاز في دُنياه وفي أُخراه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الداعين بدعوته والمهتدين بهديه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أمَّا بعدُ:

فيا عباد الله، اتَّقوا الله – تعالى – فبتقواه تحصل لكم النجاة، واحذَرُوا من التفريط والإهمال وترك الحبل على الغارب للعُصاة، فتُعرِّضوا أنفسكم لسخط الله، واعلَموا أنَّ ممَّا تهاوَنَ الناس به اليوم الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا شكَّ أنَّ هذا من علامات النقص والخذلان، ومن أسباب العُقوبات المتوقَّعة التي لا تصيبنَّ الذين ظلَمُوا منكم خاصَّة.

 

وقد أمَر الله – سبحانه وتعالى – هذه الأمَّة بأنْ يكون منها مَن يدعو إلى الخير وينهى عن المنكر: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران: 104].

 

ومدَح الداعين إليه والعامِلين الصالحات؛ قال – سبحانه وتعالى -: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت: 33].

 

وحذَّر من عُقوبات التساكُت والتخاذُل فقال: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَكَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة: 78-79].

اقرأ أيضا  حكومة مقاطعة نوسا تينجارا الشرقية تبذل جهودا لمكافحة التقزم في مرحلة الطفولة

 

فقد فشَت المنكرات، وخُصوصًا التكاسُل عن الصلوات التي هي الرُّكن الثاني من أركان الإسلام، وآخِر ما يُفقَد من الدِّين؛ ففي الحديث: ((أوَّل ما تفقدون من دِينكم الأمانة، وآخِر ما تفقدون من دِينكم الصلاة))[1].

 

فقد اشتغل أكثرُ الناس عنها بأمور دُيناه وتساهَل وغفل عن أدائها في أوقاتها، وقد توعَّد الله الساهين عنها؛ قال – سبحانه وتعالى -: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون: 4-5].

 

تجدُ المتاجر مفتوحة أوقاتَ الصلاة في كثيرٍ من الأماكن، وملاعب الكرة ومحلات الأعمال تعمل بدون خوفٍ ولا خجَل، وعمَّال المباني مستمرُّون في أعمالهم أوقاتَ الصلاة، حتى ولو كان المسجد أمامهم وبين أيديهم.

 

وما ذاك إلا من قلَّة التنبيه والتذكير خُصوصًا من قِبَل رجال الحِسبة الذين التزَمُوا بهذا الأمر وطوَّقوا به أعناقهم.

 

فيا عباد الله:

إنَّ الأمر عظيم، والواجب كبير، وأسباب العقوبات المتوقَّعة كثيرة، إنْ لم تتدارَكوا الأمر وتنتَبِهوا، وارجِعُوا إلى ربكم قبل أنْ يحلَّ بكم ما حَلَّ بغيركم ممَّن عصى وطغى، ثم لا تدفع عنكم الأموال التي شغلَتْكم عمَّا خُلِقتم له.

 

ويا رجال الحسبة، إنَّكم قد تقلَّدتم أمرًا عظيمًا، وتحمَّلتم أمانةً لا بُدَّ لكم من أدائها، وإنَّه لَشَرفٌ كبيرٌ وفضل عظيم لو احتسَبتُم وقُمتُم بواجبكم، وجمعتم بين خيري الدُّنيا والآخرة، إنَّ عملكم لهو أشرفُ الأعمال، فلا تستَهِينوا به وتُضيِّعوه فتُعرِّضوا أنفسكم وأمَّتكم للعقوبات.

 

قال – سبحانه وتعالى -: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة: 71].

 

أنا لا أقولإنَّ الأمر والنهي يقتصر على رجال الحسبة فقط، بل الكلُّ مسؤول بحسبه؛ يقول – صلَّى الله عليه وسلَّم – في حديثٍ متفق عليه:((كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته))[2].

اقرأ أيضا  أكاديميون: العالم تغير مجتمعيا وحقوقيا بعد هجمات إسرائيل على غزة

 

وحكومتنا – وفَّقها الله وأيَّدها بنصره – قد عرفت أنَّ عزَّها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأسنَدت الأمور إلى مَن يقومُ بها وآزرَتْهم وشجَّعَتْهم على القيام بواجبهم؛ قال – سبحانه وتعالى -: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج: 41].

 

فجزا الله حُكومتَنا عن الإسلام والمسلمين خيرًا، وأعزَّها بالإسلام وأعزَّ الإسلام بها.

 

فيا رجال الحسبة، يا رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا تظنُّوا أنَّ ما حملتم سهل، إنها رسالة أمانة لا بُدَّ من أدائها، فاعرفوا رسالتكم، وأدُّوا أمانتكم، فقد تصدَّيتُم لهذا الأمر والتزَمتُم به، وأصبح طوقًا في أعناقكم، ولا صَلاح ولا قوام للأمَّة ولا عزَّة ولا كَرامة لها إلا بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بالأمر بالمعروف تُقام شَعائرُ الإسلام من صلاةٍ وزكاة، وصيامٍ وحج، وغير ذلك ممَّا أوجب الله على العباد، وبالنهي عن المنكر يُقمَع الباطل من ظُلم وأكلٍ للأموال بالباطل وانتهاكٍ للأعراض، وغير ذلك من الشرور التي تفشو وتنتشر بترْك الإنكار على مَن يرتكبها فإنَّ التساهل والإهمال من الأسباب المؤدِّية إلى ترك الواجبات وانتهاك المحرَّمات.

 

فالأمَّة لا تصلح إلا بالأمر والنهي، والحياة لا تستقيم إلا بذلك، ولا سلامة ولا نجاة للأمَّة إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الحديث عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((والذي نفسي بيده لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر أو ليوشكنَّ الله أنْ يبعث عِقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم))[3].

 

فاتَّقوا الله يا عباد الله، وتآمَروا بالمعروف وتناهَوْا عن المنكر قبل أنْ يحلَّ بكم ما حلَّ بمَن أهمل ذلك، ويا رجال الحسبة، اعرفوا واجبكم وأدُّوا أمانتكم؛ ليسلم الجميع من العقوبات المتوقَّعة بسبب التساكُت والإهمال.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

اقرأ أيضا  حصار قطر.. ماذا وراء المطالب البائسة؟!

قال الله العظيم: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104].

 

بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، وتاب عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنَّه هو التوَّاب الرحيم.

 

واعلَموا – رحمكم الله – أنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سهمان من سهام الإسلام، ووقايةٌ للأمَّة من الوقوع في المهالك وعِلاجًا لها ممَّا وقعتْ فيه من منكرات ومحظورات، لا بُدَّ من تفقُّد الأحوال وتحسُّس مواقع الضعف والإهمال؛ فأنَّ الناس في حاجةٍ ماسَّة إلى التنبيه والتذكير والموعظة الحسنة بحكمةٍ وصدقٍ في العمل ونية صالحة؛ حتى تحصل الفائدة وتظهر الثمرة المرجوَّة، وتَبرَأ ذمَّة الجميع، ويشعُر الراعي والرعيَّة أنَّ هناك إحساسًا وتألمًا بالداء، وأنَّ هناك اهتمامًا وتنبُّهًا لمعالجة الأدواء وتناصُحًا وتكاتفًا بين الجميع لإصلاح ما وهى.

 

فعند ذلك تُقبَل النصيحة وتظهَر الفضيلة وتنعدم الرذيلة، وتسعد الأمَّة بالحياة الطيِّبة، ويظهر التآلُف والتآخِي في المجتمع فما أسعد تلك الحياة!

 


[1] مجمع الزوائد: 7/329، وكنز العمال: (5496)، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، في الفتاوى: 10/356.

[2] سبق تخريجه.

[3] أخرجه الترمذي (2169)، قال الأرناؤوط: للحديث شاهدٌ عند الطبراني في الأوسط عن ابن عمر، وآخَر عند الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة، انظر: جامع الأصول (1/332).

المصدر : الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.