من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله )
الأربعاء 02 محرم1435 الموافق6 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
محمد محمود صقر
فعن قتادة عن رجل من خثعم قال قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: “الإشراك بالله”، قال قلت: يا رسول الله! ثم مه؟ قال: “ثم قطيعة الرحم”، قال: قلت يا رسول الله! ثم مه؟ قال: “ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف” الحديث[1].
وعن أبي أمامة – رضى الله عنه – قال: أتى رجل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو يرمى الجمرة؛ فقال: يا رسول الله! أي الجهاد أحب إلى الله؟ قال: فسكت عنه، حتى إذا رمى الثانية عرض له فقال: يا رسول الله! أي الجهاد أحب إلى الله؟ قال: فسكت عنه، ثم مضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى إذا اعترض في الجمرة الثالثة عرض له فقال: يا رسول الله! أي الجهاد أحب إلى الله؟ قال: “كلمة حق تقال لإمام جائر”، قال محمد بن الحسن -في حديثه-: وكان الحسن يقول: لإمام ظالم [2].
وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾ [المائدة: 54]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4].
وفي حديث الثلاثة الذين يحبُّهم الله والثلاثة الذين يبغضُهم: و”رجلٌ غزا في سبيل الله فلقيَ العدو مجاهدًا محتسبًا فقاتل حتى قُتِل، وأنتم تجدون في كتاب الله – عز وجل – ﴿ إِنَّ الله يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً ﴾ [3].
وعن عبد الله بن مسعود – رضى الله عنه – قال: سألت النبي – صلى الله عليه وسلم -، أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين. قال ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله[4].
وعن عبد الله بن سلام – رضى الله عنه – قال: ذكرنا أحب الأعمال إلى الله، فقلنا: من يسأل لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فهبناه أن نسأله فيفردنا رجلاً رجلاً حتى اجتمعنا عنده سار بعضنا إلى بعض فلم ندر، ثم أرسل إلينا فقرأ علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هذه السورة: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ﴾ [الصف: 1] إلى قوله: ﴿ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4]. قال ابن سلام: فقرأ علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – السورة كلها من أولها إلى آخرها، قال أبو سلمة: وقرأ علينا عبد الله بن سلام السورة من أولها إلى آخرها[5].
وعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم؛ الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله، فإما أن يقتل وإما أن ينصره الله ويكفيه؛ فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه!”[6].
أولاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
سبق تعريف المعروف وتعريف المنكر، وأن المَعْرُوفُ ضد المنكر والعُرْفُ ضد النكر، وأن المعروف اسم لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع حُسْنه، والمنكر: ما ينكر بهما.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صفة المؤمنين.. قال تعالى: ﴿ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ ﴾ [آل عمران: 104]، وأمر من المولى – عز وجل -.. قال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ ﴾ [لقمان: 17]، وقال: ﴿ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ﴾ [الأحزاب: 32]، وقال: ﴿ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ﴾ [الأعراف: 199]؛ ولهذا قيل للاقتصاد في الجود: معروف لما كان ذلك مستحسنا في العقول وبالشرع؛ نحو ﴿ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 6]، ﴿ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ ﴾ [النساء: 114]، ﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 241]؛ أي: بالاقتصاد والإحسان، ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ [الطلاق: 2]، ﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ ﴾ [البقرة: 263]؛ أي: رد بالجميل ودعاء خير من صدقة كذلك، والعرف: المعروف من الإحسان[7].
وأن عدم التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر رذيلة، وسبب لغضب الله تعالى، وإيذان باستبداله من هذه حالهم، وسبب لبغضه – عز وجل – إياهم.. قال تعالى: ﴿ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾ [المائدة: 79]، وقال: ﴿ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنكَرَ ﴾ [العنكبوت: 29].
وأن أصل [المعروف] كل ما كان معروفا فعله جميلا مستحسنا غير مستقبح في أهل الإيمان بالله، وإنما سميت طاعة الله معروفا لأنه مما يعرفه أهل الإيمان ولا يستنكرون فعله، وأصل [المنكر] ما أنكره الله ورأوه قبيحًا فعله، ولذلك سميت معصية الله منكرا لأن أهل الإيمان بالله يستنكرون فعلها ويستعظمون ركوبها[8].
وإذًا فمن فرائض الإسلام [الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]؛ بل هو سمة المؤمنين والخيِّرين.. قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ﴾ [آل عمران: 110]، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “من رأى منكرا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان“[9].
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب محبته سبحانه فاعلهما:
1- فعن قتادة عن رجل من خثعم قال قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: “الإشراك بالله”، قال قلت: يا رسول الله! ثم مه؟ قال: “ثم قطيعة الرحم”، قال: قلت يا رسول الله! ثم مه؟ قال: “ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف” الحديث[10].
فقد نص هذا الحديث على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفضلاً عن كل فضائلهما التي ذكرناها سابقًا، هما أيضًا من أسباب تحصيل محبَّة الله – عز وجل – فاعلهما، ولم لا وما فتئ القرآن الكريم والسنة المشرفة يحثان عليهما، ويندبان إليهما، ويبينان فضلهما، ويزجران عن التخلي عنهما، ويتوعدان من تخلى عن ذلك باستبداله كائنًا من كان.. فردا أو جماعة أو أمة؟!!
2- وعن أبي أمامة – رضى الله عنه – قال: أتى رجل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو يرمى الجمرة؛ فقال: يا رسول الله! أي الجهاد أحب إلى الله – عز وجل -؟ قال: فسكت عنه، حتى إذا رمى الثانية عرض له فقال: يا رسول الله! أي الجهاد أحب إلى الله – عز وجل -؟ قال: فسكت عنه، ثم مضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى إذا اعترض في الجمرة الثالثة عرض له فقال: يا رسول الله! أي الجهاد أحب إلى الله – عز وجل -؟ قال: “كلمة حق تقال لإمام جائر”، قال محمد بن الحسن -في حديثه- وكان الحسن يقول: لإمام ظالم[11].
قال المناوي – رحمه الله تعالى -:
“أحب الجهاد إلى الله كلمة حق”؛ أي موافقٌ للواقع بحسب ما يجب وبقدر ما يجب في الوقت الذي يجب، والحق يقال لأوجه هذا أنسبها هنا، ذكره الراغب، وكلمة حق تجوز بالإضافة وبغيرها.
“تقال لإمام” سلطان “جائر” ظالم؛ لأن من جاهد العدو فقد تردد بين رجاء وخوف، وصاحب السلطان إذا قال الحق وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فقد تعرض للهلاك واستيقنه؛ فهو أفضل، والمراد أن أفضل أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا، فلا حاجة لتقدير من[12].
وقال: “كلمة حق” بالإضافة، ويجوز تركها وتنوينها وفي رواية للترمذي “عدل” بدل “حق“، وأراد بالكلمة الكلام، وما يقوم مقامه كالخط، “عند سلطان جائر” أي ظالم؛ لأن مجاهد العدو متردد بين رجاء وخوف، وصاحب السلطان إذا أمره بمعروف تعرض للتلف؛ فهو أفضل من جهة غلبة خوفه، ولأن ظلم السلطان يسري إلى جم غفير، فإذا كفه فقد أوصل النفع إلى خلق كثير بخلاف قتل كافر، والمراد بالسلطان: من له سلاطة وقهر[13].
وبذا يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزءًا لا يتجزَّأ من الجهادِ، ويكون أمرُ ونهيُ السلطان الجائر الظالم أفضلَ الجهاد؛ لأنه أفضل الأمر والنهي.
ثانيًا: الجهاد في سبيل الله:
الجهاد في سبيل الله تعالى يحتاج إلى كتابٍ ضخمٍ لتفصيلِه، وقد أُلِّفَت فيه المجلدات الكبار، ألَّفها العلماء قديمًا وحديثا فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا، ونرجُو أن يوفِّقنا الله تعالى لندلي بدلونا فيه بكتاب عقدناه بعنوان “خصام اللئام والكرام في ذروة السّنام”، نريد أن نبيّن فيه الاختلاف حول حكم الجهاد في زمنٍ ترك الناس فيه العمل وأخذوا في اللجاجة، ويكفِي الجهادَ فضلاً أن يقولَ الصادق المصدوق فيه: “رأسُ الأمرِ الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد“[14].
ونكتفي هنا بهذا الفصل الرائع – على صغَرِه – من الشيخ أحمد فريد في كتابِه الفريد “البحر الرائق في الزهد والرقائق“[15] قال:
الجهاد – لغة – معناه: بذل الجهد. وشرعا: هو بذل الجهد في مقاتلة المشركين والبُغاة. ولم يُشرَع الجهاد إلا بعد الهجرة، فقد كان المسلمون في مكة مأمورين بأن يكفُّوا أيديَهم ويقابلوا أذى المشركين بالعفو والصبر، فلما هاجروا إلى المدينة وانضموا إلى إخوانهم الأنصار قوِيَت شوكتُهم واشتدَّ جناحُهم فأُذِن لهم حينئذ في القتال ممن ظلموهم بمكة، ولكنه لم يُفرض عليهم فقالَ تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ [الحج: 39]، ثم فُرِض عليهم بعد ذلك قتالُ من قاتلَهم دون من لم يقاتلْهم فقال تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ [البقرة: 190]، ثم فُرِض عليهم بعد ذلك قتالُ المشركين كافّة فقال – عز وجل -: ﴿ قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ﴾ [التوبة: 36]؛ فهذه هي مراتب مشروعيَّة الجهاد، كان أوّل الأمر محرّمًا، ثم صار مأذونًا فيه، ثم مأمورًا به لمن بدأهم بالقتال، ثم مأمورًا به لجميع المشركين.
قال الشيخ حسن البنا – رحمه الله تعالى -:
وقد أجمع أهل العلم مجتهدين ومقلِّدين، سلفِيين وخلَفيين، على أن الجهاد فرضُ كفايةٍ على الأمة الإسلامية لنشر الدعوة، وفرْض عيْنٍ لدفع هجوم الكفار عليها، والمسلمون الآن -كما تَعلم- مستذلُّون لغيرهم.. محكومون بالكفار.. قد ديست أرضُهم، وانتُهِكَت حرُماتهم، وتحكَّم في شئونهم خصومُهم، وتعطلت شعائر دينهم في ديارهم فضلاً عن نشر دعوتهم، فوجبَ وجوبًا عينيًّا لا مناص منه أن يتجهز كل مسلم وأن ينطوي على نيَّةِ الجهاد وإعداد العدَّة له حتى تحين الفرصةُ ويقضي الله أمرًا كان مفعولا.
إن الأمة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموْتَة الشريفة يهبُ لها اللهُ الحياةَ العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة، وما الوهَن الذي أذلنا إلا حبُّ الدنيا وكراهية الموت.
وقال الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى -:
قال تعالى: ﴿ انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 41]، وعلَّق النجاةَ من النار به ومغفرةَ الذنب ودخول الجنة، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [الصف: 10-12]، وأخبرهم أنَّهم إذا فعلوا ذلك أعطاهم من النصر والفتح القريب، فقال: ﴿ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ﴾ [الصف: 13]، وأخبر سبحانه أنه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، وأن هذا الوعد قد أودَعه أفضل كتبه المنـزّلة من السماء وهي التوراة والإنجيل والقرآن، ثم أكّد ذلك بإعلامهم أنه لا أحدَ أوفى بعهده منه تبارك وتعالى، ثم أكد ذلك بأنْ أمرَهم بأن يستبشروا ببيعهم الذي عاقَدُوه، ثم أعلمهم أن ذلك هو الفوز العظيم، فليتأمَّل العاقد مع ربه عقد هذا التبايُع ما أعظم خطرَه وأجلَّه، فإن الله – عز وجل – هو المشتري والثمن جناتُ النعيم والفوز برضاه والتمتُّع برؤيته هناك، والذي جرى على يده هذا العقد أشرَف رسُلِه وأكرمهم عليه في الملائكة والبشر، وإن سلعةً هذا شأنها لقد هُيِّئَت لأمر عظيم وخطبٍ جسيم.
قد هيّأوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل |
مَهْر المحبة والجنة بذلُ النفس والمال لمالكهما الذي اشتراهما من المؤمنين، فما للجبان المعرِض المفلِس وَسَوْم هذه السلعة، بالله ما هزلت فيَسْتامها المفلسون ولا كسدت فيبيعها بالنسيئة المعسِرون، لقد أقيمت للعرض في سوق من يريد، فلَم يرض ربها لها بثمنٍ دون بذل النفوس، فتأخر البطَّالون وقام المحبُّون ينتظرون أيهم يصلح أن تكون نفسُه الثمن، فدارت السلعة بينهم ووقعت في يد ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 54].. لما كثُرَ المدعون للمحبة طُولِبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى، فلو يُعطَى الناسُ بدعواهم لادعى الخلِيُّ حرفة الشجِيِّ، فتنوع المدعون في الشهود، فقيل لا تُثبِتُ هذه الدعوى إلا بينةُ ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ ﴾ [آل عمران: 31]، فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الرسول – صلى الله عليه وسلم – في أفعاله وأقواله وهَدْيه وأخلاقه، فطولبوا بعدالة البينة وقيل لا تُقبل العدالةُ إلا بتزكية ﴿ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ﴾ [المائدة: 54]، فتأخّر أكثرُ المدعين للمحبة وقام المجاهدون، فقيل لهم: إن نفوسَ المحبين وأموالهم ليست لهم فسلِّموا ما وقع عليه العقد، فـ﴿ إِنَّ الله اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ ﴾ [التوبة: 111]، وعقْدُ التبايع يوجب التسليمَ من الجانبين، فلمّا رأى التجّار عظمة المشتري، وقدر الثمن، وجلالة قدر من جرى عقد التبايع على يديه، ومقدار الكتاب الذي أثبِتَ فيه هذا العقد، عرفوا أن للسلعة قدْرًا وشأنًا ليس لغيرها من السلع، فرأوا من الخسران البيّن والغبن الفاحش أن يبيعوها بثمنٍ بخسٍ دراهم معدودة تذهب شهوتُها وتبقى تَبِعَتُها وحسرتها، فإن فاعل ذلك معدودٌ في جملة السُّفَهاء، فعقدوا مع المشتري بيعةَ الرضوان رضاءً واختيارًا من غير ثبوت خيار، وقالوا والله لا نُقِيلك ولا نستقيلُك، فلما تم العقد وسلموا المبيعَ قيل لهم: قد صارت أنفسكم وأموالكم لنا والآن فقد رددناها عليكم أوفَرَ ما كانت وأضعافَ أموالكم معها.. ﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169].. لم نبتغِ منكم بنفوسكم وأموالِكم طلبًا للربح عليكم؛ بل ليظهر أثر الجود والكرم في قبول المعيب والإعطاء عليه أجلّ الأثمان، ثم جمعنا لكم بين الثمن والمثمَّن.
فحيَّهلا إن كنتَ ذا همة فقدْ حدا بك حادي الشوق فاطوِ المراحلا وقل لمنادي حُبِهم ورضاهُمُ إذا ما دعا لبيك ألفًا كواملا ولا تنظرِ الأطلالَ من دونهم فإنْ نظتَ إلى الأطلال عُدن حوائلا ولا تنتظرْ بالسير رفقة قاعدٍ ودعه فإنَّ الشوق يكفيك حاملا فما هي إلا ساعة ثم تنقضي ويُصبحُ ذو الأحزان فرحانَ جازلا |
أ- فضلُ الجهاد في سبيل الله:
1- الآيات: قال الله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، وقال تعالى: ﴿ انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ﴾ [التوبة: 41]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ﴾ [التوبة: 111]، وقال تعالى: ﴿ لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾ [النساء: 95-96].
وما أكثر الآيات، بل ما أكثر السُّوَر وما أطولها.. تلك التي تحثّ عليه وتبين فضله، ودرجة آتيه، وتلك التي تحذر من التقاعص عنه، وتفضل المجاهدين على القاعدين. بل وليست الآيات فقط…
2- الأحاديث: عن أبي هريرة – رضى الله عنه – قال: “جاء رجلٌ إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: دُلَّني على عملٍ يعدِل الجهاد قال: لا أجِدُه، قال هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدَك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر قال: ومن يستطيع ذلك؟”. قال أبو هريرة: إن فرَس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له حسنات[16]. وعن أبي سعيدٍ الخدْري – رضى الله عنه – قال: “قيل يا رسول الله أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: مؤمنٌ يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله، قالوا: ثم من؟ قال: مؤمنٌ في شِعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره“[17].
وعن أنس بن مالك – رضى الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “لغُدْوَة في سبيل الله أو روحةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها“[18].
وعن سلمانَ – رضى الله عنه – قال سمِعت رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “رِباطُ يومٍ وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات فيه جرى عليه عملُه الذي كان يعمل وأُجرِي عليه رزقُه وأمِن الفتان“[19].
وعن أبي هريرة – رضى الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “من مات ولم يغز ولم يحدِّث به نفسه مات على شُعبةٍ من النفاق“[20].
وعن أبي هريرة – رضى الله عنه – قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “مثَل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم، وتوكّل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخلَه الجنّة أو يُرجِعَه سالما مع أجرٍ أو غنيمة“[21].
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد، سلَّط اللهُ عليكم ذلاًّ لا ينـزعه حتى ترجعوا إلى دينكم“[22].
قال الألبانيّ:
فذكر أن تسليطَ الذل ليس هو لمجرَّد الزرع والحرث بل لِما اقترن به من الإخلاد إليه والانشغال به عن الجهاد في سبيلِ الله، فهذا هو المراد بالحديث، وأما الزرْعُ الذي لا يقترِن به شيءٌ من ذلك فهو المراد بالأحاديث المرغِّبة في الحرث فلا تعارُضَ بينها ولا إشكال.
3- الآثار: رَوى الذهبي أن ابن المبارك لمّا كان مرابِطًا بطرطوس سنةَ سبعٍ وسبعين ومئة أرسَل إلى الفضيل بن عِياض رسالَةً فيها هذه الأبيات:
يا عابِدَ الحرَمَين لو أبصرتَنا لعلِمتَ أنّك في العبادة تلعبُ من كان يخضب خدَّه بدموعه فنحورُنا بدمائنا تتخضّب أو كان يُتعِب خيله في باطلٍ فخيولنا يوم الصَّبِيحة تتعب ريحُ العبير لكم ونحن عبيرنا وهْج السنابِك والغُبار الأطيَب ولقد أتانا من مقال نبيِّنا قولٌ صحيح صادقٌ لا يكذب لا يستوي غبارُ خيلِ الله في أنفِ امرئٍ وغبارُ نارٍ تلهب هذا كتاب الله ينطق بيننا ليسَ الشهيدُ بميتٍ لا يكذب [23] |
فلما قرأها الفُضيل ذرَفت عيناه ثم قال: صدق أبو عبد الرحمن ونصح، ثم قال للرسول: أتكتب الحديث؟ قال: نعم. قال: فاكتب هذا الحديث كِراء حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا، ثم أملاه بسنده روايةً لحديث أبي هريرة المذكور آنفا في فضل الجهاد.
هذا، والجهادُ مناطُ الشهادة في سبيل الله التي هي أعلى المراتب بعد النبوّة والصدِّيقية، والتي هي أعجمُ الأماني وأجل الآمال..
ب- فضل الشهادة في سبيل الله:
عن أنس – رضى الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “ما أحدٌ يدخل الجنة يحبُّ أن يرجِع إلى الدنيا وأنَّ له ما على الأرض من شيءٍ إلا الشهيد، فإنّه يتمنَّى أن يرجع إلى الدنيا فيُقْتَل عشرَ مرات؛ لما يرى من الكَرامة“[24]. وعن أبي هريرة – رضى الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “والذي نفسي بيده لودِدْت أن أغزوَ في سبيل الله فأُقتَل، ثم أغزوَ فأُقتل، ثم أغزو فأقتل“[25].
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “يُغْفَر للشهيدِ كلُّ شيءٍ إلا الدَّيْن“[26].
وعن المقدام بن معد يكرب – رضى الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: “للشهيدِ عند الله ستُّ خِصال: يُغفرُ له في أوّل دفعةٍ من دمِه، ويرى مقعدَه من الجنة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمَن من الفزع الأكبر، ويحلَّى حُلَّة الإيمان، ويزوَّج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانًا من أقاربه“[27].
وعن رجلٍ من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – أن رجلاً قال: يا رسول الله ما بال المؤمنين يُفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: “كفى ببارقة السيوفِ على رأسه فتنة“[28].
ج- صورٌ من جهاد أصحابِ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورضي عنهم:
عن أنسٍ – رضى الله عنه – قال: غاب عمّي أنسُ بن النضر عن قتال بدرٍ، فقال: يا رسولَ الله غِبت عن أوَّل قتالٍ قاتلتَ المشركين، لئِن اللهُ أشهَدَني قتالَ المشركين ليَريَنَّ اللهُ ما أصنع، فلما كان يوم أُحُد وانكشف المسلمون، قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني أصحابَه- وأبرأُ إليك مما صنع هؤلاء -يعني المشركين- ثم تقدَّم فاستقبله سعدُ بنُ معاذ فقال: يا سعد بن معاذ الجنّة وربِّ النضر إني أجِدُ ريحَها من دون أحد، قال سعدٌ: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنسٌ: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربةً بالسيف أو طعنةً بالرمح أو رميةً بسهم، ووجدناه قد قُتِل وقد مثَّل به المشركون فما عرَفه أحَدٌ إلا أختُه بِبَنانِه، قال أنسٌ: كنا نرى أو نظنّ أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه ﴿ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ [الأحزاب: 23][29].
وعن أبي هريرة – رضى الله عنه – قال: انطلَق رسولُ الله وأصحابُه حتى سبقوا المشركين إلى بدرٍ وجاء المشركون فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “قوموا إلى جنة عرضُها السموات والأرض”، قال عُمير بنُ الحمام: بخٍ بخٍ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ما يحملُك على قولِك بخٍ بخ”؟ قال: لا يا رسولَ الله إلا رجاءَ أن أكون من أهلها، قال: “فإنَّك من أهلِها”، قال: فأخرج تمراتٍ من قرنه فجعَل يأكُل منهن ثم قال: لئِن أنا حييت حتى آكلَ تمراتي إنها لحياةٌ طويلة، فرمى ما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قُتل[30].
وعن ابنِ عمرَ أنَّه قال: كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفًّا عظيمًا من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلُهم أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبةُ بنُ عامر وعلى الجماعة فضالة بن عبيد، فحمل رجلٌ من المسلمين على صفِّ الروم حتى دخل بينهم، فصاح الناس وقالوا: سبحانَ اللهِ يُلقِي بيدِه إلى التهلكة، فقام أبو أيوب الأنصاريُّ فقال: أيُّها الناسُ أنتم تتأوَّلون هذه الآيةَ هذا التأويل وإنما نَزَلت فينا معشرَ الأنصار؛ لمَّا أعزَّ الله الإسلام وكثُر ناصروه قال بعضُنا لبعض سرًّا دونَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: إن أموالنا قد ضاعت وإن الله تعالى أعز الإسلامَ وكثر ناصره، فلو أقمنا في أموالنا وأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله تعالى على نبيِّه ما يرد علينا ما قلناه ﴿ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]، وكانتِ التهلكة الإقامة في الأموال وإصلاحها وتركَنا الغزوَ، فما زال أبو أيّوب شاخصًا في سبيل الله حتى دُفِن بأرض الروم[31].
والحق أن الجهاد ليس موقعَه في أسبابِ محبَّة الله تعالى العاشرَ؛ بل هو الأوَّل -والله أعلم- بدليل قوله – صلى الله عليه وسلم – عنه: “وذرْوَةُ سنامه الجهاد“[32]، وكثرةِ ذكر الله تعالى له وحثِّه عليه ومدحِه له والتحفيز بثوابه، لكننا جعلناه في آخر أسباب محبَّة الله التي تحدث عنها القرآن؛ كون جميعِ الأسبابِ قبله إنما هي مقدمات له؛ إذ الجهاد ليس سهلاً، وإنما يستوجب مجاهداتٍ كثيرةً وصعبة حتى يؤهَّل الإنسانُ للجهاد في سبيل الله.. مقدامًا غير هياب، صابرًا غير جزِع.. مخلِصًا غير مراءٍ؛ فينبغي أن يُرَبي نفسه بالإحسان والتقوى والإقساط ومتابعةِ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – إلى آخر الأسباب، حتى الذلة للمؤمنين بما يسهل الانقياد لأميرهم والانتظام في صفوفهم، والعزة والشدة على الكافرين بما يسبب الاندفاع في قتالهم بلا هوادة، ولهذا يجيء الجهاد في آخر الأسباب كونه قمةً لها؛ فهو يحتاج إلى صعودٍ إليه والثبات فيه والشهادةِ نهايته، وهذه لا تكون إلا بعد محبة الله تعالى التي تجلبُها الأسبابُ المتقدِّمةُ أو بعضُها، وكذلك الأسبابُ الآتية، فموقع الجهادِ لهذا السبب هو الأخير من حيث أنه الخاتَم، خاصةً إذا كانت خاتمتُه شهادة رزقنا الله وإيّاك إيّاها إنه نعم المولى ونعم النصير.
وقد ورَد الجهادُ كسببٍ لمحبة الله تعالى في آياتٍ كثيرةٍ سبقَت، وبقِيَ الحديثُ عنه في آيتي المائدة [54] والصف [4] وحديثِ أبي ذرٍّ العُمْدة في بابِ محبة اللهِ العباد.. ونتناول جميعها طبقًا للمنهج الذي اتّبعناه من قبل…
1- قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 54]:
قال السعدي: ﴿ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ﴾ بأموالهم وأنفسِهم، بأقوالهم وأفعالهم. ﴿ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ﴾، بل يقدِّمون رضا ربهم والخوف من لومه على لوم المخلوقين. وهذا يدلّ على قوة هممهم وعزائمهم؛ فإن ضعيفَ القلب ضعيفُ الهمة تنتقض عزيمتُه عند لوم اللائمين، وتفتُر قوته عند عذل العاذلين، وفي قلوبهم تعبُّدٌ لغير الله بحسب ما فيها من مراعاة الخلق وتقديم رضاهم ولومِهم على أمر الله. فلا يسلم القلب من التعبّد لغير الله حتى لا يخافَ في الله لومةَ لائم.
ولكن مدحَهم تعالى بما منّ به عليهم من الصفات الجميلة، والمناقب العالية، المستلزِمة لما لم يذكر من أفعال الخير – أخبر أن هذا من فضله عليهم وإحسانِه لئلا يعجبوا بأنفسهم، وليشكروا الذي منّ عليهم بذلك ليزيدَهم من فضله، وليعلم غيرُهم أن فضلَ اللهِ تعالى ليس عليه حجابٌ؛ فقال: ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾؛ أي واسع الفضل والإحسان، جزيل المنَن، قد عمَّت رحمتُه كلَّ شيء، ويوسع على أوليائه من فضلِه ما لم يكن لغيرِهم. ولكنّه عليمٌ بمن يستحِقُّ الفضلَ؛ فالله أعلم حيثُ يجعلُ رسالتَه أصلاً وفرعًا[33].
2- وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4]، وعن عبد الله بن سلام – رضى الله عنه – قال: ذكرنا أحب الأعمال إلى الله، فقلنا: من يسأل لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فهبناه أن نسأله فيفردنا رجلاً رجلاً حتى اجتمعنا عنده سار بعضنا إلى بعض فلم ندر، ثم أرسل إلينا فقرأ علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هذه السورة: ﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ﴾ إلى قوله: ﴿ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾. قال ابن سلام – رضى الله عنه -: فقرأ علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – السورة كلها من أولها إلى آخرها، قال أبو سلمة: وقرأ علينا عبد الله بن سلام السورة من أولها إلى آخرها[34]:
قال الصابوني: أي يحب المجاهدين الذين يصنَعون أنفسَهم عند القتال صفًّا، ويثبتون في أماكنهم عند لقاء العدو ﴿ كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾؛ أي كأنهم في تراصِّهم وثُبُوتهم في المعركة بناءٌ قد رُصَّ بعضُه ببعض، وألصق وأحكم حتى صار شيئًا واحدا[35].
وقال القرطبيُّ: ومعنى الآيةِ: يحب من يثبت في الجهاد في سبيلِ الله، ويلزم مكانَه كثبوت البناء، وقال سعيد بن جبير: وهذا تعليمٌ من الله تعالى للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوِّهم[36].
وقال السعدي – في تفسيرها -:
هذا حثٌّ من الله لعبادِه على الجهاد في سبيله، وتعليمٌ لهم كيف يصنعون، وأنه ينبغي لهم أن يُصَفُّوا في الجهاد صفًّا متراصًّا متساويًا، من غير خلل يقع في الصفوف، وتكون صفوفهم على نظامٍ وترتيب به تحصُل المساواة بين المجاهدين والتعاضُد وإرهابُ العدوّ وتنشيطُ بعضِهم بعضًا، ولهذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا حضر القتال صفَّ أصحابه، ورتَّبهم في مواقفهم؛ بحيث لا يحصل اتكالُ بعضِهم على بعض، بل تكون كل طائفة منهم مُهِمَّةً لمركزها وقائمةً بوظيفتها، وبهذه الطريقة تتم الأعمال ويحصُل الكمال[37].
وإذًا تحصلُ محبَّة الله تعالى للعبد بسبب الصبرِ في الجهاد، والثباتِ فيه، وعدم خوف لومِ اللائمين على إلقائه بنفسِه في التهلكة كما يقال للمجاهدين والغزاة دائمًا: اقعُدْ ولا تهلِك نفسك.. إن وراءك أبناءً ونسوة، ماذا يفعلون بعدَك؟ هل أنت من سيُصْلِحُ الكون؟ عِش كما يعيش الناس؟ إلى آخر ما يثبِّط به المنافقون والقاعدون والجهلةُ المجاهدينَ والغزاةَ.
3- وفي حديث الثلاثة الذين يحبُّهم اللهِ والثلاثة الذين يبغضهم: “ورجلٌ غزَا في سبيل الله فلقِيَ العدوَّ مجاهدًا محتسبًا فقاتل حتى قُتِل، وأنتم تجدون في كتاب الله – عز وجل – [إن الله يحبُّ الذين يقاتلون في سبيله صفًّا]”[38]:
وهذا الحديث فيمن نال الشهادةَ مقبلاً غير مدبر؛ ولذا تكلَّمنا عنها وعن فضلِها أعلاه، وقد حدَّد الحديثُ جملةَ أعمالٍ لهذا الشهيد المحبوب من ربِّ العالمين سبحانَه، هي:
1- أن يغزُوَ، ومن لم يغزُ ولم تحدثْه نفسُه بالغزو ماتَ على شعبةٍ من النفاق كما في صحيح مسلم.
2- أن يلقَى العدوَّ مجاهدًا لا مرائيًا، وليس أن ينضمَّ لمن له الغلَب.
3- أن يحتسِبَ خروجَه في سبيل الله وحدَه، وأن يقطَع العلائق بغير سبيل الله. وفي هذا والذي قبله حديثُ أبي موسى قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – فقال: “يا رسول الله ما القتال في سبيل الله؛ فإن أحدَنا يقاتل غضبًا ويقاتِل حميّة، فرفع إليه رأسه -قال: وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائمًا- فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله“[39].
وفي روايةٍ أخرى عن أبي موسى – رضى الله عنه – أيضًا قال: “جاء رجلٌ إلى النبيّ – صلى الله عليه وسلم – فقال: الرجلُ يقاتل للمغنم والرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل ليُرى مكانه فمن في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكونَ كلمةُ الله هي العليا فهو في سبيل الله“[40].
وفي رواية عن أبي موسى قال: جاء رجلٌ إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: “الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة ويقاتل رياءً فأي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي الله العليا فهو في سبيل الله“[41].
4- أن يقاتِل أعداء اللهِ بالفعْل لا يخافُ ولا يخنَع، وأن يقاتِل حتى يُقتَل؛ أي يستمرَّ في القتال مادام القتالُ مستعِرًا.
5- أنه إذا قُتِل على هذه الحال كان من أحبَّاء الله تعالى، مخالفًا اليهود الملاعين في قولهم لنبي الله موسى – عز وجل -: ﴿ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24]، ثم بعد ذلك يدَّعُون محبّة اللهِ إيّاهم.
4- وعن عبد الله بن مسعود – رضى الله عنه – قال: سألت النبي – صلى الله عليه وسلم -، أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين. قال ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله[42]:
قال الحافظ – رحمه الله تعالى -: قال ابن بزيزة: الذي يقتضية النظر تقديم الجهاد على جميع أعمال البدن؛ لأن فيه بذل النفس؛ إلا أن الصبر على المحافظة على الصلوات وأدائها في أوقاتها والمحافظة على بِرِّ الوالدين أمر لازم متكرر دائم، لا يصبر على مراقبة أمر الله فيه إلا الصديقون والله أعلم[43].
5- وعن أبي أمامة – رضى الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين؛ قطرة من دموع في خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله، وأما الأثران فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله“[44].
قال المناوي:
“ليس شيء أحب إلى الله تعالى من قطرتين وأثرين: قطرة دموع”؛ أي قطراتها، فلما أضيفت إلى الجمع أفردت ثقة بذهن السامع نحو كلوا في بطنكم، “من خشية الله”؛ أي من شدة خوف عقابه أو عتابه، “وقطرة دم تهراق في سبيل الله” أفرد الدم وجمع الدمع تنبيها على تفضيل إهراق الدم في سبيل الله على تقاطر الدموع، “وأما الأثران فأثر في سبيل الله وأثر في فريضة من فرائض الله” قال ابن العربي: الأثر ما يبقى بعده من عمل يجري عليه أجره من بعده ومنه قوله ﴿ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾ [يس: 12]، وقال غيره: الأثر ما يبقى من رسوم الشيء، وحقيقته ما يدل على وجود الشيء، والمراد خطوة الماشي وخطوة الساعي في فريضة من فرائض الله، أو ما بقي على المجاهد من أثر الجراحات وعلى الساعي المتعب نفسه في أداء الفرائض والقيام بها والكد فيها؛ كاحتراق الجبهة من حر الرمضاء التي يسجد عليها، وانفطار الأقدام من برد ماء الوضوء ونحو ذلك[45].
6- وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله: “ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم؛ الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله – عز وجل -، فإما أن يقتل وإما أن ينصره الله ويكفيه؛ فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه“[46].
أي قاتل في سبيل الله، فانكشفت فئة من أصحابه أو جماعة وانهزمت؛ فثبت هو وقاتل من ورائها صابرا محتسبا، يحمي حوزة المسلمين فلم يفر ولم يجبن ولم يضعف؛ لأنه موقن بنصر الله أو الموت في سبيله، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ﴾ [التوبة: 52]؛ يعني: إما النصر وإما الشهادة. ولذلك قال في الحديث: “فإما أن يقتل وأما أن ينصره الله ويكفيه”؛ يعني: يكفيه عدوه، ويحفظه ويكلؤه، قال تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]؛ فيقول الله – عز وجل -: “انظروا إلى عبدي كيف صبر لي نفسه”؟ أي كيف حبسها لله، وهيأها للقتل في سبيله!!
خلاصة هذا السبب:
أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم أبواب الخير في الدنيا والآخرة.. في خاصة نفس المسلم وعامة الأمة المسلمة، وأنه لذلك أحد أخطر أسباب تحصيل محبة الله عبادَه، وأن مرتبته في الأسباب هي الثالثة مع الجهاد في سبيل الله تعالى، وبعد الإيمان وصلة الأرحام، وأنه مناط التمكين للأمة في الأرض.
وأما الجهاد في سبيل الله فالواجب فيه يلي:
• اتباع النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – في الجهاد.
• الإنفاق في الجهاد، وهو الجهاد بالمال.
• عدم الضعف والاستكانة والهوان أثناء اللقاء.
• الصبرُ في الجهاد وعليه فإنه من أعظم الصبر.
• دعاء الله سبحانه في الجهاد بالثبات والنصرة والمغفرة.
• التوكل على الله في أثناء الجهاد، وقبل الخروج إليه.
• الذلة على المؤمنين والعزة على الكافرين في الجهاد.
• عدم خشية لوم اللائمين حين يلومونه على الجهاد.
• الثبات في الجهاد.
• القتال ملتزمًا صفّ المؤمنين.
• الغزو بالفعل، أو على الأقلّ تحديث النفس به لمن لا يستطيعه.
• لُقيا العدوِّ مجاهدًا لا مرائيًا المسلمين ولا مواليًا للكافرين.
• الاحتساب في الخروج أنّه في سبيل الله وقطْعُ العلائق بغير ذلك.
• مقاتلة أعداء الله بالفعل بلا خوفٍ أو رهبة.
• الشهادة في سبيل الله.
• أمرُ الحاكم الجائر بالمعروف ونهيُه عن المنكر فإنه أفضل الجهاد.
• الكَلْمُ في سبيل الله حتى يقطر الدم وينزف.
وبذا يكون الجهاد جامعًا لكل أسباب محبة اللهَ تعالى عبيدَه، من اتباعٍ وإحسانٍ وتقوى وإقساطٍ وتطهُّر وتوَّابيّة وصبرٍ وتوكُّل وذلّة على المؤمنين وعزة على الكافرين.. إلى آخر الأسباب كما سيأتي؛ إلا أن مرتبته في الأسباب الثالث بعد الصلاة لوقتها وبر الولدين؛ لظاهر نص الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن مسعود – رضى الله عنه -.
وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزءٌ لا يتجزَّأ من الجهادِ، وأمر ونهي السلطان الجائر الظالم أفضل الجهاد؛ لأنه أفضل الأمر والنهي.
[1] [إسناده جيد] سبق تخريجه.
[2] [حسن لغيره] أخرجه أحمد في “المسند” [ح22212]، والطبراني في “الكبير” [5/251]، والبيهقي في “السنن الكبرى” [10/91]، وقال شعيب الأرنؤوط في حديث أحمد: “حسن لغيره”، وقال الألباني في “صحيح الجامع” [رقم 168]: “حسن”، وقال المناوي في “فيض القدير” [1/171]: “ورواه النسائي عن جابر بلفظ “أفضل” وإسناده صحيح“.
[3] [صحيح] تقدم تخريجه مرارًا.
[4] [متفق عليه] سبق تخريجه.
[5] [صحيح] أخرجه أبو يعلى في “مسنده” [13/408 ح7499]، والبيهقي في “الشعب” [4/6]، والحاكم في “المستدرك” [2/248 ح2899] من طريق: “عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة حدثني عبد الله بن سلام”. قال الحاكم: “هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه” وقال الذهبي في “التلخيص”: “على شرط البخاري ومسلم“.
[6] [حسن] سبق تخريجه.
[7] انظر: “مفردات القرآن” للراغب [ص969 بتصرف.
[8] انظر: “تفسير الطبري” [ج3 ص389].
[9] أخرجه مسلم في الإيمان، باب/ بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان [ح49] من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
[10] [إسناده جيد] سبق تخريجه.
[11] [حسن لغيره] سبق تخريجه قريبا.
[12] انظر: “فيض القدير” [ج1 ص171].
[13] انظر: “فيض القدير” [ج2 ص39].
[14] [حسن صحيح] وهو جزء من حديث معاذ بن جبل أخرجه الترمذي [ح2616]، والنسائي في “الكبرى” [ح11330]، وابن ماجه [ح3973]، وأحمد [5/231 ح22366]، وعبد بن حميد [ح112] من طرق: عن معمر، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل عن معاذ بن جبل – رضى الله عنه -، فذكره. قال الترمذي: “هذا حديث حسن صحيح”. وراجع كلام الحافظ ابن رجب على الحديث في “جامع العلوم والحكم” [ح29] إسنادًا ومتنًا.
[15] منهجنا -في هذا الكتاب وغيره – هو البدء من حيث انتهى العلماء، وليس من غايتنا الهرولة وادعاء الابتكار، فليس من غايتنا الافتخار؛ لذا لم نر إعادة بحث ما بحثه العلماء جزاهم الله عنّا وعن المسلمين خيرا، ثم لنفرغ لغيره.
[16] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري في الجهاد والسير [ح 2785]، ومسلم في الإمارة [ح1878] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[17] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري في الجهاد والسير [ح 2786]، ومسلم في الإمارة [ح 1888] من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[18] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري في الجهاد والسير [ح 2792]، ومسلم في الإمارة [ح 1880] من حديث أنس رضي الله عنه.
[19] أخرجه مسلم في الإمارة [ح 1913]، والنسائي في الجهاد [3168]، وابن ماجه [2767] من حديث سلمان الفارسي – رضى الله عنه -. و”الفتان”: منكر ونكير.
[20] [صحيح] أخرجه مسلم في الإمارة [ح1910] من حديث أبي هريرة – رضى الله عنه -. وفيه “قال عبد الله بن المبارك: فنرى أن ذلك كان على عهد رسول – صلى الله عليه وسلم -“. قال النووي: وهذا الذي قاله ابن المبارك محتمل، وقد قال غيره إنه عام، والمراد أن من فعل هذا أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف؛ فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق. وقال مسلم: قال ابن سهم قال عبد الله بن المبارك: فنرى أن ذلك كان على عهد رسول – صلى الله عليه وسلم -. وانظر: “البحر الرائق” [ص182 هامش1].
[21] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري في الجهاد والسير [ح2787]، ومسلم مطولا في الإمارة [ح1876] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[22] [صحيح بمجموع طرقه] أخرجه أبو داود في البيوع [ح3462] عن إسحق أبي عبد الرحمن قال سليمان عن أبي عبد الرحمن الخراساني أن عطاء الخراساني حدثه أن نافعا حدثه عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فذكره.
• قال الزيلعي في “نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية” [9/111]: “ورواه أحمد، وأبو يعلى الموصلي، والبزار في “مسانيدهم”، قال البزار: وأبو عبد الرحمن هذا هو عندي إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهو لين الحديث. انتهى. قال ابن القطان في “كتابه”: وهذا وهم من البزار، إنما اسم هذا الرجل إسحاق بن أسد أبو عبد الرحمن الخراساني، يروي عن عطاء، روى عنه حيوة بن شريح، وهو يروي عنه هذا الخبر، وبهذا ذكره ابن أبي حاتم، وليس هذا بإسحاق بن أبي فروة، ذاك مديني، ويكنى أبا سليمان، وهذا خراساني، ويكنى أبا عبد الرحمن، وأيهما كان فالحديث من أجله لا يصح”، ثم ذكر له طرقا أخرى أحسن من هذا، لذلك صححه الألباني بمجموع هذه الطرق كما في “الصحيحة” رقم [11].
• قال الرافعي: وبيع العينة هو أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه المشترى ثم يشتريه قبل قبض الثمن نقدا أقل من ذلك القدر. انظر: “عون المعبود” [ج7 ص336-337].
[23] هنا عيب شعري يسميه النقاد “الإيطاء”، وهو تكرار القافية قبل سبعة أبيات، واعلم أن ابن المبارك – رحمه الله تعالى – بعد علمه وزهده وجهاده، شاعرٌ مجيدٌ وله ديوان رائع.
[24] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري في الجهاد والسير [ح 2817]، ومسلم في الإمارة [ح 1877]، والترمذي [1661] من حديث أنس رضي الله عنه.
[25] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري في الجهاد والسير [ح 2797]، ومسلم في الإمارة [ح 1876] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[26] أخرجه مسلم في الإمارة [ح 1886] من حديث عبد الله بن عمرو – رضى الله عنه – بلفظ “يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدَّيْن“. [قلت]: ويشترط لتكفير الخطايا أن يكون المجاهد صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر، لما رواه مسلم كذلك أن رجلا قال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر خطاياي؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “نعم؛ إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر”. وفي قوله: “في سبيل الله” اشتراط الإخلاص، وهذا فيما عدا حقوق الآدميين كما دل عليه قوله “إلا الدَّيْن”، نسأل الله شهادة في سبيله مقبلين غير مدبرين. وانظر: “البحر الرائق” [ص184 هامش1].
[27] [حسن صحيح] أخرجه الترمذي في فضائل الجهاد [1663]، وابن ماجه [2799]، وأحمد [4/131] من حديث المقدام بن معد يكرب – رضى الله عنه -، وقال الترمذي: “هذا حديث حسن صحيح”. وانظر “علل ابن أبي حاتم” [1/328].
[28] [رجاله ثقات] أخرجه النسائي في الجنائز [ح2053] من حديث رجل من الصحابة رضي الله عنهم. [قلت]: الإسناد صحيح غير أن راشد بن سعد ثقة لكنه كثير الإرسال، كما قال ابن حجر. وجهالة الصحابي لا تضر فإنهم عدول كلهم.
[29] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري في الجهاد والسير [ح 2806]، ومسلم في الإمارة [ح 1903] من حديث أنس رضي الله عنه.
[30] أخرجه مسلم في الإمارة [ح 1901] من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
[31] [صحيح] أخرجه أبو داود في الجهاد [ح2512]، والترمذي في تفسير القرآن [ح 2972]، وصححه ابن حبان [2711] من حديث أسلم أبي عمران التجيبي عن أبي أيوب الأنصاري – رضى الله عنه -. وقال الترمذي: “حسن صحيح غريب“.
[32] [صحيح] سبق تخريجه.
[33] انظر: “تيسير الكريم الرحمن” [ص215].
[34] [صحيح] أخرجه أبو يعلى في “مسنده” [13/408 ح7499]، والبيهقي في “الشعب” [4/6]، والحاكم في “المستدرك” [2/248 ح2899] من طريق: “عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة حدثني عبد الله بن سلام”. قال الحاكم: “هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه” وقال الذهبي في “التلخيص”: “على شرط البخاري ومسلم“.
[35] انظر: “صفوة التفاسير” [ج3 ص371].
[36] انظر: “تفسير القرطبي” [ج20 ص438].
[37] انظر: “تيسير الكريم الرحمن” [ص819].
[38] [صحيح] سبق تخريجه.
[39] أخرجه البخاري، كتاب العلم/ باب من سأل وهو قائم عالما جالسا [ح123] من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
[40] [متفقٌ عليه] رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير/ باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا [ح2655]، وأبواب الخمس/ باب من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره [ح2958]، ومسلم، كتاب الإمارة/ باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا [ح1904] من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
[41] أخرجه البخاري، كتاب التوحيد/ باب [ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين] [ح7020] من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
[42] [متفق عليه] سبق تخريجه.
[43] انظر: “فتح الباري” [ج2 ص10-11].
[44] [حسن] أخرجه الترمذي في فضائل الجهاد [ح1669]، والطبراني في “الكبير” [8/235 ح7918]، وقال: “هذا حديث حسن غريب”، وابن أبي شيبة في “مصنفه” [7/88 ح34409] بلفظ: “ما من قطرتين أحب إلى الله من قطرة في سبيله أو من قطرة دموع قطرت من عين رجل قائم في جوف الليل من خشية الله، وما من جرعتين أحب إلى الله من جرعة محزنة موجعة ردها صاحبها بحسن صبر وعزاء أو جرعة غيظ كظم عليها”، والبيهقي في “الشعب” [6/314 ح8308]، وعبد الرزاق في “مصنفه” [11/188 ح20289 ]، والبيهقي في “الشعب” [6/319 ح8325] موقوفا.
• وقال العراقي في “تخريج أحاديث الإحياء” [4/49]: “أخرجه أبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق من حديث علي بن أبي طالب دون ذكر الجرعتين، وفيه محمد بن صدقة وهو الفلكي [في “ميزان الاعتدال” [3-585-7703] الفدكي وهو الصحيح] منكر الحديث. وروى ابن ماجه من حديث ابن عمر بإسناد جيد: ما من جرعة أعظم عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله. وروى أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي أمامة “ما قطر في الأرض قطرة أحب إلى الله – عز وجل – من دم رجل مسلم في سبيل الله أو قطرة دمع في سواد الليل”… الحديث، وفيه محمد بن صدقة وهو الفدكي المنكر الحديث”، وقال فيه [4/71]: “حديث “ما من قطرة أحب إلى الله من قطرة دمعة من خشية الله تعالى أو قطرة دم أهريقت في سبيل الله – سبحانه وتعالى -” أخرجه الترمذي من حديث أبي أمامة، وقال: حسن غريب وقد تقدم” ا.ه.
• وقال الألباني في “صحيح الترمذي”: “حسن“.
[45] انظر: “فيض القدير” [ج5 ص365].
[46] [حسن] سبق تخريجه.
المصدر : الألوك