إنهم يحاكمون الله!!

عبدالرحمن الدويري

الخميس 03 محرم1435 الموافق7 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

أعلم أن العنوان سيكون مادة دسمة لشقائق الذُّباب مِن أدعياء الثقافة والعلم واللِّحى والتجارة، ولكنها الحقيقة، لا أجد أدنى تردُّد في إبرازها لمن يتهرّبون منها، ويتسلّلون لِواذا !!
مَثَلَ الشرف د. محمد محمد مرسي عيسى العياط الرئيس المصري الشرعي الأول في زمن العروبة المتعوس من محيطها إلى خليجها شامخا أبيّا، أمامَ مَحكمة الانقلاب، بتهمة قتل المتظاهرين والتخابر مع جهات خارجية معادية(حماس)!!! وتهديدِ الأمن القومي السيسي العربي، في زمنِ المنكوس المتعوس على رأي الشريف د. محمد الجوادي.
وليست الحكاية طبعا كما يدّعون، ولكن الحكايةَ نهضةُ أمة، وتصويبُ وَضع، وتحريرُ إرادة، وحُضورُ منهج الله، وبوادرُ تطبيقه في واقع الحياة، وخوف انتشارِ عَدْواه لِمَن انتظروه على جوعٍ طويل واشتهوه !!!
لا مرسي ولا الإخوان المسلمون هم المشكلة، لكنها منحصرة في قرار دولي، يتلاقى مع قرار سُلطوي مِمَّن جَلسوا على عُروشنا، وعلى عَين مُستعمرنا في حقبة الرُّزُوح تحت حُمّى الجهل والتخلف، وما زالوا يرتعُون فوقنا، ونرزح تحتهم، وتختنق بين الرّتع والرُّزوح أُمَّة، ويئنُّ تاريخٌ، وتتوجع حضارةٌ تعالج الموت بأيدي أبنائها، قبل أيدي أعدائها !!
المحاكمة ليست لمرسي، ولا للإخوان، لكنها محاكمة لمشروع الله سبحانه، الذي أراده منهاج حياة، وهو لا يرضى دينا سواه، ولا تعقيبا على حُكمه، ولا تبديلا لنهجه، ولا إلغاء لتعاليمه ونظرته للحياة، وطريقة إدارتها.
المحاكمة لله ذاته سبحانه؛ لأنه لا يُريدُ له المنقلبون وداعِميهم، ومُسَهّلي مَهَمَّتهم، أن يظهرَ في عالمهم وسِياستهم ومَصالحهم ومَكاسبهم، على اعتبار أن ظهورَه هذا سيكون على حساب تلك الامتيازات التي يحظون بها، وهم في سدّة الحكم يقبعون!!
هم لا يريدون حتى أن يذكر اسم الله في الدّستور، ولا حتى في خفايا الصدور، لأنه يُعكّر صفو المجتمع، ويُصنف الناس، ويُثير بواعث العُنصرية والطّائفية، فَلْيَبْقَ غائبا إذن، وليُعزلَ عن حياة الناس، ويَترك الناس يعيشون بسلام، فلا دين في الدستور، ولا الله، ولا نبي، ولا ما يحزنون!!!
المحاكمة إذن ليست لمرسي، فما مرسي، وما أتباعه، وما نبيّه – صلّى الله عليه وسلم – من قبله إلا نَقَلَةٌ، ينقلون ميراث السماء، ويُبشرون بشريعة الربّ الحقّ، كمخلّص للإنسان وللإنسانية من أمراضها، التي يَسْمَنُ عليها طواغيت الحكم الكبار، وخدمهم من الصغار.!!!
 
سيحتج سيسيٌّ أو أكثر على هذا الكلام، ويقول: أنت تجعل من مرسي إلها، ومن الإخوان أنبياء، وتصفنا بالكفر وتحتكر الإيمان لهم؟!! ونحن مُؤمنون مثلهم، ونتعبّد والله ونُصلي!!
وأنا أقول له: كذبت، فما مرسي بإله، ولا الإخوان أنبياء، ولكنهم يُعلنون أنهم نذروا أنفسهم لتحقيق مُراد الله من الرسالة والكتاب، ويُضحوُّن في سبيل ذلك، ويُجاهدون تلبية لنداء الله :{ يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله} فحين تواجهوانهم وتحاربونهم، فإنما تواجهون مشروعهم ورسالتهم، التي هي رسالة الله وأمره ومنهاجه، في إدارة الحياة!!! ويَرُدُّ الله عليكم وعليه بقوله:{ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ، فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ، وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}.
أقول لكل سيسي يعترضُ، ويقول: أنا مسلم أصدقُ من الإخوان، وأحرصُ على الرسالة، وأكثر احتراما لها منهم!! نقول له: يقول لك الإخوان احملها إذن، ونحن لك جنود، ولك فداء!!
أما ألا تحملها أنت، ولا تسمح لهم بحملها، وتظل تدعي أنك أحق بالله منهم، على رأي السيسي (علي جمعة)، فهذا هو الكذب والتزوير والبهتان والجحود، يُبطله المنطق والعقل والنّص: { وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون}.
في الحقيقة مرسي لا يُحاكم، وإنّما يُحاكَم اللهُ ودينُه في مُرسي، أمامَ مَحْكَمَة الجحود والفسق، والتّزييف والانقلاب.!!
ولو كانت اختيار الصندوق وقع على قوميّ أو علماني، أو لبرالي، أو مشغوف بأغنية (علــمَاني يابا علـماني) – بتفخيم العين واللّام – !! لقامت له الزفّة بالتطبيل والتّزمير، لا بالتكبير والتهليل، لأن التكبير والتهليل لا يكونان إلا اضطرارا عندهم في العيدين العظيمين قدرا، والمحتفلُ بهما جَبرا وقهرا، في وقتٍ يتربّع على عرشِ أعيادِ سياستنا وحُكمِنا أعيادُ العمِّ (سَمْسُومي)، ووصاياه العجيبة، بل ولَها الأوليويّة عليهما !!! لكن، لأن مرسي مع الله أطاحت به العاصفة.
وجاء في كتاب الحَيْدَةِ: أن ناظر الإمام الكناني بشر المريسي، فوصف المريسي الكناني بأنه قبيح الوجه، وكان المأمون قد انزعج من انتفاخ بقعة جِصِّ في المجلس، وكان عمرو(أحد جلسائه) ينتقد البنَّاء الذي بنى. فقال الكناني : «يا أمير المؤمنين أطال الله بقاك، سمعت عمرا يعيبُ ذلك(العيب)، ويدعو على صانعه، ولا يعيبُ الجصَّ، ولا يدعو عليه، فقال المأمون: العيبُ لا يقعُ على الشيء المصنوع، وإنما يقع العيبُ على الصانع. قلت: صدقت يا أمير المؤمنين، ولكن هذا يعيب ربّي لِمَ خلقني قبيحا؟! فابتسم حتى ظهرت (ثناياه).
نقول هنا: فإن كانت نِقمتكم من مرسي وجماعته لتقصيرهم في تحقيق معنى العدالة والنزاهة والربانية في عام حكمهم، فلكم ذلك، لكن على شرط أن تُكملوا المشوار أنتم بمنهاج الله وشريعته، أما أن تصبّوا عليهم جام غضبكم، وتستبدّوا بهم وتلغوا أصل مشروعهم، فما هذا في الحقيقة إلا ذريعتكم لترفضوا فكرة السماء وتردّوها لصاحبها، حين تتوصّلون بهجمتكم من تصفية حملة المشروع إلى تصفية المشروع نفسه؟!!!
باختصار الإخوان المسلمون بردُ اليقين الذي لا يريدون له أن يهبط على قلب الأمة المحزونة ليُعافيها، ويُبلسم جِراحها، وينفض الغبار عن وجهها الجميل!
نعم قد يُحاكم مرسي، ويُضغط عليه ليتنازل للانقلاب عن الشرعية، لكنه قرّر مبكرا أن يكون ثمن ذلك حياته، وأنه سيموت شريفا كما عاش شريفا، ورَمزا أمَمّيا تذكره الأجيال ويمجّده التاريخ، وسيموت قاتلوه – إن استطاعوا قتله – بلا شرف، تَلفُّهم أثوابُ النذالة والعار، وتلعنهم الأجيال والتاريخ!!

اقرأ أيضا  حرب البوسنة.. مرارة تطبع الذاكرة ودموع لم تجف رغم مضي 22 عامًا

المصدر : السبيل

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.