هجرة ونصرة

                                   رمزي السعيد (داعية مصري)

الجمعة 04 محرم1435 الموافق8 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

إن التاريخ الهجري له ارتباط وثيق بالعبادات التي فرضها الخالق سبحانه وتعالى على هذه الأمة المفضلة عند الله عز وجل حيث أننا نصوم منه شهرا ونحج في شهر آخر وللمسلم فيه ذكريات وعبر وأيام مباركة وتظلنا خلاله مناسبات دينية عظيمة ،فأيام الله بين الناس دول ؛فعام يمضي وعام يأتي والناس في غفلة إذا ماتوا انتبهوا, فيحاسب الله الناس على كل صغيرة وكبيرة لا يخفى على الله شيء سبحانه هو القاهر فوق عباده ، فهل نعتبر بالأيام ونحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبنا جبار السموات والأرض, فما من يوم يمر إلا ويذهب معه جزء من عمر الإنسان وما من يوم ينشق فجره إلا وينادي يا بن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني فإني لا أعود, ومع هذه الأيام المباركة نطوي صفحة العام الماضي ، حينئذ يتذكر المسلمون على بقاع المعمورة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك إنها تمثل مرحلة هامة وخطيرة في حياة الدولة الإسلامية، ونحن نغتنم مثل هذه المناسبات لنقف من خلالها على أهم الدروس المستفادة ، وذلك لأن الله لم يشرع أو يأمر بشيء لينتهي بانتهاء وقته، فسبحانه وتعالى يسوق إلينا الأمور لنقف عندها ،ونتدبر في أسرارها ومعانيها، ولنستفيد من كل الجوانب العطرة في السيرة النبوية الشريفة . فهجرته تعد نصرة للأمة فمنها يستقي المسلم بعض الدروس التي يستفيد منها في حياته فيستمد منها القيم والمثل العليا والآفاق التربوية التي تكون نورا يضئ له طريقه ومعبرا يوصله للجنة يقول الله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنه لمن كان يرجو الله  واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) الأحزاب : 21.

اقرأ أيضا  النعمة المسداة محمد صلى الله عليه وسلم

 فللمسلم في هجرة الحبيب ذكريات لا يمل حديثها ولا تسأم الآذان من سماعها بل ترتاح النفوس وتطمئن القلوب عندما تعي بكل حكمة وتدبر خطوات الحبيب في سبيل بناء أمة تكون لها الريادة بما تكتسب من إيمان راسخ وعقيدة سليمة ,لذا فقد تحلو ذكريات السيرة العطرة إذا أعيدت وتكررت كما يحلو مذاق الشهد وهو يكرر، فإنها متعلقة بحياة محمد صلى الله عليه وسلم إمام البشرية وسيد ولد آدم فهي من الذكريات الغالية التي تتجدد آثارها وعظمتها كلما سلك المرء سبيله إلى الاعتبار والتذكر والعبد المؤمن إذ يغشى معالم سيرته ,فهو كعابد يغشى مصلاه ومن حسن حظ المؤمن أنه ما قلب سيرة المصطفى يوما فأخطأ دمع العين مجراه، وفي أيام النبي صلى الله عليه وسلم الجليلة تتألق غرة الزمان ولعل من أسطعها وأروعها يوم الهجرة الذي تهب علينا نسمات ذكراه في كل عام من أعوام الزمن ومن شواهد عظم حادث الهجرة أنه يزداد بهاء وسناء كلما تناوله المتحدثون بالحديث والكتاب بالكتابة ، فهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم كانت فاتحة الأمل وبارقة النصر له ولأمته فلْيعِشْ كل مسلم صادق مع هدي النبي صلى الله عليه وسلم يتعلم القيم والآداب, والأسس السليمة التي قام عليها بناء المجتمع الإسلامي الذي استطاع أن ينير مشارق الأرض ومغاربها وذلك من خلال هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وحسن التوكل على الله يقول الله تعالى : (وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) آل عمران : 122 النبي صلى الله عليه وسلم ينشر النور في بقاع مكة وأرجائها ويبلغ رسالة ربه وقريش لم تزدد إلا عنادا وهجرا فيترصدون للمسلمين الضعفاء وينزلون بهم أشد أنواع العذاب، ونفس الحبيب تتقطع ألما على أصحابه , وتأتي اللحظات الحاسمة وينطلق لسانه إليهم بالفرار بدينهم إلى أرض يأمنون فيها بعد أن أعد لهم جوا مناسبا في يثرب ونجحت دعوة الإسلام في تأسيس موطن آمن لهم فيقول لهم :إن الله عز وجل جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها, فينطلق الصحابة رضوان الله عليهم ممتثلين أمر النبي صلى الله عليه وسلم متوكلين على الله عز وجل تاركين بيوتهم وأموالهم وأهليهم فرارا بدينهم , فهم على استعداد لبيع الغالي والنفيس تلبية لنداء العقيدة , ولم يبق في المدينة سوى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق والبطل المقدام علي بن أبي طالب رضي الله عنه والرسول ينتظر الأمر من ربه بالهجرة , وفي هذه الأثناء كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن الاستعداد متوكلا على ربه مقدما أسباب النصر فيبقى النبي صلى الله عليه وسلم في مكانه حتى كان الثلث الأخير من الليل , فقام متوكلا معتزما وخرج في غفلة من تلك الجماعة التي نصبتها قريش حراسا عليه وأعدتها زمرة كافرة لقتله وهو يتلو: “وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون”( يس 9- ) ,ثم أخذ قبضة من تراب ونثرها صوب القوم فغشيت الأبصار وشاهت الوجوه إنها آية من آيات الله العظمى.

اقرأ أيضا  إن هذه أمتكم أمة واحدة

المصدر: بوابة الشرق

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.