ألا أبلغ الأحلاف عني رسالة!
السبت05 محرم1435 الموافق9 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
بقلم: د. محمد عناية الله أسد سبحاني- الهند
كم كان فرح أهل مصر- مسلمين وغير مسلمين- حينما فاز فخامة الرئيس الدكتور محمد مرسي في الانتخابات التي عُقدت في مصر في العام الماضي لرئاسة الجمهورية.
كان ذلك اليوم يوم عيد في مصر، وكان يومًا مشهودًا! فإن مصر كانت تئنّ وترزح منذ أحقاب طويلة تحت سيطرة الفراعنة الطغاة المجرمين، الذين كانوا يزعمون أنهم مسلمون، ولم يعرفوا من الإسلام إلا اسمه، ولم يعرفوا من القرآن إلا رسمه! وكانوا من أشد أعداء الله وأشد أعداء رسوله وأوليائه!.
وكانوا يزعمون أنهم يحرصون على مصالح الشعب، ويودون أن يخدموا الوطن، وهم امتصّوا دماء الشعب من غير رأفة، وابتزّوا ثروات الوطن من غير خجلٍ ولا حياء، فأصبحوا أغنياء بمال الفقراء، وأصبحوا أصحاب المليارات وقومهم يكدحون في ليلهم ونهارهم لأجل اللقيمات، وكانوا شرّ البرية، وأعداء البشرية جمعاء من غير شك!.
والشعب كان يعاني معاناةً شديدة من ظلمهم وبطشهم، وقهرهم واستبدادهم، وكانوا يعيشون عيشة الذل والهوان، عيشة العبيد والأغنام!
والأحرار الأنجاد من حركة الإخوان المسلمين، الذين كانوا يقومون ضد هذا الظلم وهذا الطغيان، وكانوا يوقظون الناس من سكرتهم، ويكرّهون إليهم ما هم فيه من بؤس وشقاء، وذلة وهوان، ويدعونهم إلى النهوض لاستعادة الحرية والكرامة، كانوا يُسجنون ويهانون، وكانوا يعذبون أشد العذاب.
ففوز الدكتور محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية كان عيدًا عظيمًا لشعب مصر العظيم، حيث فرحوا به فرحًا عظيمًا، وحُقّ لهم أن يفرحوا؛ فإنهم ارتدوا رداء الكرامة بعد ذلّ ذليل طويل، وذاقوا طعم الحرية بعد عبودية قاتلة خانقة مخزية.
وكان فخامة الرئيس محمد المرسي- حرسه الله وحماه من كيد الأعداء- عند ظن الناس به، وكان وفيّا بعهوده ومواثيقه، فإنه كان من الأبرار الصالحين، وكان من الأحرار الأتقياء، ولم يكن كمن سبقوه على مقعد الرئاسة من العملاء الأشقياء، ومن الفجار الأغبياء، فسهر على خدمة الوطن، وسهر على خدمة الشعب بكل جدّ، وبكل إخلاص، ووصل ليله بنهاره تفكيرًا وتخطيطًا، وجهدًا وسعيًا لتقدم الشعب ولازدهار الوطن، ولمساعدة الجيران الأشقاء المقهورين المضطهدين، ولحماية المنطقة من القوات الأجنبية الغاشمة.
وكان الرئيس محمد المرسي موفّقًا فيما فعل، فقد أنجز أعمالاً كبارًا عظامًا في وقتٍ قصير جدّ قصير! أنجز في بضعة شهور ما لا يُنجزه غيره في عشرين سنة!
وذلك أقلق بال الملوك والرؤوساء في الممالك والإمارات المجاورة، وأقضّ عليهم مضاجعهم، فإنهم أدركوا أن أمانة الرئيس محمد المرسي ونزاهته قد كشفت خيانتهم وأثرتهم، وعرفوا أن كفاءته وشجاعته قد فضحت عجزهم عن الحفاظ على كرامة شعبهم وبلدهم، وفضحت خنوعهم واستكانتهم لأعدائهم! حتى جعل الناس يقولون: إن فخامة الرئيس محمد المرسي ليس رئيس مصر فقط، بل هو رئيس العالم الإسلامي كله!.
ولم يكن في مقدورهم أن يباروا الرئيس محمدًا المرسي، ويسابقوه إلى العلى، ويحلّقوا معه في أجواء عالية سامقة، فليس للغربان أن تباري الصقور، وليس للثعالب أن تجاري الأسود!.
ولم يكن بإمكانهم أن يتخلصوا من الأدواء التي قد أنشبت أظفارها في جلودهم وقلوبهم، فالأدواء إذا مرّت عليها الدهور، واستقرّت جراثيمها في العروق، حتى استأنس بها المريض، واستوحش من الطبيب البارع الناصح إذا أراد أن يعالجها، فأنّى لذلك المريض المغرور أن يشفى من مرضه! ويشفى من دائه!
هكذا كان شأن الملوك والأمراء الفاسدين الجاثمين على رقاب الشعوب منذ عشرات السنين، فقالوا لن ندع هذا الرجل حتى يستمرّ في الحكم، ويفضحنا أمام العالم، ويجعل الشعوب تثور ضدنا! وتنغّص علينا عيشنا، وتفسد علينا ملكنا وكرامتنا!
وما كان هذا الحنق، وهذه الكراهية إلا بسبب كفاءة الرئيس محمد المرسي وتميّزه الملموس على نظرائه ، وشعوره الدائم بضخامة المسئولية، وثقل الأمانة، وجهده الجبار المتواصل لأداء المسئولية والخروج من العهدة، ونجاحه الباهر في سياساته الداخلية والخارجية بتوفيق من الله!
ولو كان المرسي رئيسًا عاديّا لا يملك كفاءة عالية شامخة، ولا يحمل همًّا يحمله الأحرار لدينهم ورعيتهم ووطنهم، ولا يخاف حسابًا ولا عقابًا من ربه، وكان يأكل أموال الرعية أكلاًّ لمًا، ويحب المال حبًّا جمًّا، كأمثاله ونظرائه فيما حوله من الأمارات والممالك لم يكن هناك أي حنق وأي كراهية، بل انهالت عليه التهاني من كل جانب، وكان حبيبًا محببًا عند كل مَن كرهوه، وائتمروا به!.
وأعداء المسلمين من اليهود والنصارى أيضًا كانوا يتوجسون خيفةً من الرجل المؤمن التقيّ النقيّ الرئيس محمد المرسي، وكانوا يرونه خطرًا على سياستهم الماكرة الخادعة!
لسياسة القائمة على استضعاف المسلمين واستعبادهم في بلادهم، وفي عقر دارهم، بتفريق كلمتهم، وتشتيت شملهم، وتمزيق جمعهم، وضرب بعضهم ببعض!.
فحينما أدرك هؤلاء الأعداء ذلك الصراع النفسيّ العنيف، الصراع الذي كان يعاني منه تلك الملوك والأمراء، وكانوا من جراء ذلك على أحرّ من الجمر، انتهزوا هذه الفرصة السانحة قبل أن تفوتهم، وأعدوا لهم خطة ماكرة خبيثة! خطة فيها غدر وخيانة! خطة فيها قسوة وإهانة! خطة فيها تزوير وخداع! خطة فيها قتل النفوس، وسفك الدماء، وهتك الأعراض! خطة فيها هدم للقيم العالية السامقة، ونقض للقوانين الشرعية والدولية!
وعملاؤهم وأذنابهم من الملوك والأمراء المتسلطون على رقاب المسلمين من غير حق تلقفوا تلك الخطة الماكرة الجائرة، من أعدائهم الماكرين الظالمين، ظانين أنها تضمن لهم كرامتهم، وتضمن لهم بقاء ملكهم وسلطانهم على شعوبهم، وكانوا خاطئين فيما ظنوا، فهل دام لملك ملكه وسلطانه؟
كم من الملوك والأمراء قبلهم أثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها، وأوتوا من خزائن الأرض ما لم يؤتوه، وما بلغوا معشار ما أوتوه، قد طحنهم الثرى بكلكله، ومزّقهم بتطاوله، فهل ترى لهم من باقية؟!
وليس حديث معمرالقذافي في ليبيا، وحديث صدّام حسين في العراق، وحديث بهوتو في باكستان، وحديث مجيب الرحمن في بنجلاديش عنا ببعيد. قال ربنا سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) (سورة الدخان:37)
ولكن هؤلاء الأمراء والملوك نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ففتنوا وزير الدفاع ووزير الداخلية وعصابة الشياطين في مصر، ومنّوهم الأماني، وطمّعوهم في المال والجاه، وفتحوا لهم أفواه خزائنهم تشجيعًا لهم على سفك دماء الأبرياء الأتقياء!
وهكذا نفّذوا تلك الخطة الإجرامية الظالمة المشئومة على شعب مصر العظيم بإغراء القوات المسلحة ورجال الشرطة بشعبهم، وتحريضهم على سفك دمائهم وانتهاك حرماتهم، فكانت الكارثة! ووقع ما لم يكن في الحسبان! ووقع مالم يقع قطّ في أي بلد من بلاد العالم!
وهنا نحب أن نسأل الذين تحالفوا وتعاضدوا على إسقاط الرئيس الصالح التقيّ محمد المرسي، الذي كان موضع حب وتقدير وإجلال وثقة لدى الأغلبية الساحقة من شعب مصر، نحب أن نسألهم:
ماذا نقموا من الرئيس محمد المرسي حتى تحالفوا وتظاهروا عليه ؟ وهل نقموا منه غير أنه كان يحب الله ورسوله، و كان يريد أن يحكم بما أنزل الله؟ نزولاً عند قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (سورة المائدة: 44)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (سورة المائدة:45)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (سورة المائدة:47)
فما المبرر إذاً لما تحالفوا وتعاضدوا عليه ؟ وما المبرر لقتل أناس خرجوا في مظاهرة سلمية بريئة يظهرون ولاءهم لرئيس ربانيّ يريد أن يحكم بما أنزل الله ؟ ومن المسئول عن تلك الأنهار من الدماء الزاكية الطاهرة التي سالت على شوارع مصر وسككها، وميادينها ومساجدها بغيرحق؟
وما ذنب هؤلاء الرجال والنساء والولدان الذين كانوا يطالبون بالإفراج عن رئيسهم محمد المرسي، حتى انفجرت عليهم الجنود والشرطة، وأمطروا عليهم الرصاصات من كل جانب!
أمطروا عليهم الرصاصات، وهم ركّع سجّد أمام ربهم! ألم يسمع هؤلاء الأحلاف؟ قوله سبحانه: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) ( سورة النساء:93)
أيها الأحلاف! كم تحملون على ظهوركم من دماء المؤمنين الصالحين الأبرياء الأتقياء ؟ فحمل دماء المؤمنين ثقيل جدّ ثقيل، يوم لاينفع مال ولابنون، ولاجنود ولاجيوش، ولاخلة ولاشفاعة إلا من أتى الله بقلب سليم!
أيها الأحلاف! كم يدوم لكم الملك، وكم تدوم لكم الحياة حتى نسيتم يوم الحساب ؟ واحذروا مجانيق الضعفاء، وهي آهاتهم ودعواتهم! اتقوا دعوة المظلومين؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب!
احذروا دعوة المظلومين المنكوبين، واحذروا دعوة الصالحين من المؤمنين في العالم كله، فهم مع إخوانهم المسلمين المظلومين في مصر وفي سوريا، يحزنون لحزنهم، ويبكون لبكائهم، ويغضبون لغضبهم!
أيها الأحلاف! احذروا تلك الآهات الشجية، والصيحات الضارعة، والدعوات الخاشعة، والعبرات المسكوبة؛ فإنها لاتخطئ ولاتطيش، وإن لم تصبكم في الدنيا، فلتصيبنّكم في الآخرة!والآخرة ليست ببعيد؛ فهي أدنى إلى أحدكم من شراك نعله!
توبوا إلى ربكم من قبل أن يأتي يوم لامردّ له من الله، واحذروا من خزي يومئذ، وكفّروا عن جريمتكم بإعادة الأمور إلى نصابها، وإعادة المياه إلى مجاريها. توبوا وأصلحوا قبل أن تفوتكم فرصة التوبة والإصلاح.
كفّروا عن جريمتكم الفادحة الحالقة بمسح دموع آلاف مؤلفة ممن آذيتموهم من أولياء الرحمن! كفروا عن جريمتكم بمسح دموع من فجعتموهم بأبنائهم وبناتهم وآبائهم وأمهاتهم وإخوانهم وأخواتهم، وأخلائهم وأصدقائهم من غير حق!
أيها الأحلاف!استحيوا من ربكم! كيف طابت أنفسكم أن تسموا الأبرياء الأتقياء إرهابيين ؟
كيف طابت أنفسكم أن تساندوا الظالمين، وتضحكوا على المظلومين ؟
كيف طابت أنفسكم أن تبغضوا الرئيس التقي محمدا المرسي، وترحبوا بالرئيس الشقي عدلي منصور ؟ فليس لكم الآن – إذا أحببتم أن تنجوا من عذاب الله، وتنجوا من خزي يوم القيامة- إلا أن تعترفوا بذنوبكم، وتعترفوا بسوء ما فعلتم، وتقولوا للرئيس محمد المرسي بكل صراحة، كما قال إخوة يوسف لأخيهم سيدنا يوسف عليه السلام بكل خشوع وإخلاص:
تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ) (سورة يوسف:91)
فالبدار! البدار! إلى التوبة والندم، والبدار! البدار! إلى الإصلاح وترشيد المسير!! وربنا يهديكم إلى الحق والرشاد، ويغفر لكم جريمتكم التي تستحيي منها الذئاب! ويحفظكم من خزي يوم البعث ويوم الحساب! وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر : الإخوان المسلمون