الاختلاف والبغي وتفريق الدين

الدكتور عادل عامر
السبت05 محرم1435 الموافق9 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

إن الاختلاف والبغي وتفريق الدين من علل أهل الكتاب التي كانت سببا في هلاكهم ونسخ أديانهم وبقاء قصصهم وسائل إيضاح للدرس والعبرة لمن ورثوا الكتاب والنبوة ذلك أنة للاسبيل للاستبدال والنسخ في عالم المسلمين وهم أصحاب الرسالة الخاتمة  وإنما هي الإمراض التي لا تقضي علي الجسم نهائيا  فأما إن تعالج فيكون التصويت وتكون المعافاة ويكون النهوض وإيقاف التآكل الداخلي وهذا من خصائص الرسالة الخاتمة.
إن مايعانية عالم المسلمين اليوم لايخرج عن إن يكون أعراضا للمشكلة الثقافية وخلالا في البنية الفكرية التي يعيشها العقل المسلم وأثارا للازمة الأخلاقية التي يعاني منها السلوك المسلم وما من سبيل إلي خروج إلا بمعالجة جذور الأزمة الفكرية وتصويت الفهم وإعادة  صياغة السلوك الخلقي كضمانة ضرورية وإلا كالذي يضرب في حديد بارد.
إن الاختلاف في وجهات النظر بدل إن تكون ظاهرة صحة تغني العقل المسلم بخصوبة في الرأي والاطلاع علي عدد من وجهات النظر ورؤية الأمور من إبعادها وروياها كلها وإضافة عقول إلي عقل انقلب عند المسلم عصر التخلف إلي وسيلة للتناكل الداخلي والإنهاك وفرصة للاقتتال حتى كاد الأمر إن يصل ببعض المختلفين إلي حد التصفية الجسدية والي الاستنصار والتقوى بأعداء الدين علي صاحب الرأي المخالف لقد  وصلت حدة الاختلاف إلي مرحلة أصبح المشرك معها بأمن علي نفسه عند بعض الفرق الإسلامية التي تري إنها علي الحق المحض أكثر من المسلم المخالف لها بوجهي النظر والاجتهاد حيث أصبح لا سبيل معها للخلاص من التصفية الجسدية إلا بإظهار صفة الشرك.
إن أزمتنا أزمة فكر ومشكلتنا في عدم صدق الانتماء والأمة المسلمة عندما سلم لها أفكارها وكانت المشروعية العليا  الأساسية في حياتها للكتاب والسنة استطاعت إن تحمل رسالة وتقيم حضارة علي الرغم من شظف العيش وقسوة الظروف المادية فكان مع العسر يسر ذلك الحيدة عن الكتاب والسنة موقع في التنازع والفشل لقد أوقف الإسلام التشرذم والتآكل الداخلي ووجه العرب وجهه الإله الواحد الحق والغي الالهه المزيفة حيث كان لكل قبيلة إلهها الذي تتجه إلية ولكن هناك أمراض تعاني منها هذه الأمة والغريب لو نظرت لمرض من هذه الأمراض في مصر لوجدت نفس المرض تعاني منه دول المشرق. وبالرغم من علاج جميع هذه الأمراض التي سأصفح عنها ألآن وهي الطائفية التي تمزق العراق والطائفية التي يراهن عليها الحكم لتمزيق سوريا والطائفية التي تراهن عليها أمريكا لتمزيق اكبر وأقوى دولة عربية ألا وهي مصر. والمرض الأخر الذي تعاني منه جميع دول المنطقة في المشرق والمغرب وهو الولاء للعشيرة والقبيلة وهذا تعاني منه ليبيا ويراهن عليه الغرب لإفشال الثورة اللبيبة وتمزيق ليبيا وهذا المرض الذي راهن علية الرئيس اليمني علي عبد الله صالح لتمزيق الثورة اليمنية وعسكرتها والتي سرعان ما بدأت تظهر بعض هذه العلامات بالولاء للقبيلة والعشيرة والطائفة مع كل أسف في اليمن وهذا ما سمعناه بالفضائيات العربية. بالرغم من كثرة هذه ألأمراض المزمنة ولكن علاجها واحد ويمكننا القضاء عليها كلها بأقل من ثلاثة عقود من الزمن وهذا ليس بكثير بالنسبة للأمم والدول وفي هذه الحالة ينمو الولاء للوطن رويدا رويدا و تنامي ظاهرة “التكفير” واستفحالها يعني – وهذه مفارقة ساخرة – أنها تفقد خطورتها. تنامي ظاهرة مصادرة الكتب، واللوحات، والأغاني، وإغلاق الصحف والمجلات، نكتة غير مضحكة في عصر الإنترنت والسماوات المفتوحة. كل هذا يعني أن الظاهرة تتفكّك، وهذا ما يفسّر حالة “الهياج” و”السعار” في دوائر مرتزقة الفضائيات.
 
لكن يجب أيضا أن أنبّه إلى الظاهرة المقابلة – ولا أقول النقيضة – وهي صراخ مدّعي الحداثة في نفس الفضائيات. المسلمون اليوم لا سيما الإخوان المسلمين منغلقين يرفضوا شرعية الاختلاف شكلوا قطيعة مع تيار الإصلاح الديني الأول ” الأفغاني وعبده وعلي عبد الرزاق ” الذين استندوا إلى التراث العقلاني في الفلسفة العربية وانفتحوا على التنوير الأوربي وتصدوا لمحاولات معارضة الدين بالعلم وأكدوا على الاجتهاد في الدين وآمنوا بالتطور والتغيير وأباحوا التأويل وحاربوا البدع وتسلط الحكام وأكدوا حرية التفكير والاعتقاد وركزوا على فصل الدين عن الدولة ورفضوا التقليد الأعمى وآمنوا بوحدة الأديان لكن أفكار محمد رشيد رضا وحسن البني وسيد قطب مضادة لفكر رواد الإصلاح الديني حيث يعتبر محمد رضا : فصل الدين عن الدولة وتوحيد القضاء وتحرير المرأة حربا على الدين وهدفا لحكم الإسلام . والْمُلاحَظ أنَّ الأزمات في عصر العولَمة تنمو نُموًّا مُتسارعًا غيْرَ طبيعي، تتداخل فيه مؤثِّراتٌ متعدِّدة، بما لا يدَعُ الفرصة لأيِّ انتباه، خاصَّة عندما يسود جوٌّ من المشاحنة، وتبَلُّدِ الإحساس، والانتصار للمصلحة على حساب المبدأ، والعاجلِ على حساب الآجل، فإنْ وقَع ذلك سيكون مضاعفًا على الفِكر، الذي يُمثِّل حلقة الوصْل بين الواقع والمثال، وبين الممكن والْمَأمول. إنَّ المناعة الفكرية هي سِرُّ الصُّمود في الأزمات، وتِرْياقُ العلاج لِمُختلف الْهزَّات، فبعض الأفراد مثلاً بقي أسيرَ مرَضِ الكمال والأوهام، مع هزَّةٍ خفيفة تَهاوى؛ لأنَّ البيت الذي بَناه نُسِج من خيال الكتب والمُحاضرات والخُطَب الرنَّانة. إنَّ أزمة وهْم الكَمال هي التي تَجعل صاحِبَها يتهاوى عند كمال الأزمة واشتدادِها؛ فهو لا يضع للتجربة معنًى، ولا للزَّمَن دَوْرًا، ولا للنمُوِّ والتطوُّر قيمةً، فقد غفل عنْ أنَّ الوعي يُولد مع الحركة، ويَنمو بنمُوِّها، ويتطوَّر بتطوُّرِها. عند الأزمة يجب أن تتَّسِع الرُّؤَى لتتلمَّس الآفاقَ البعيدة؛ لأنَّ المرحلة تقْتَضي أن ينشغل الناسُ حينَها بالباب المفتوح، عِوَضَ الانشغالِ بالباب الذي أُغلق، ولكنَّ أزمة الفكر في العقل العرَبِيِّ هي أزمة اختزال، فالأزمة الواحدة قد تَشْتمل على عدَّة حوادث مُختلفة مِن حيث ما تَحويه من الخير والشَّر، فهل مِن المنطق السَّليم أن نعمِّم الخيْرَ الْمُطلَق فيها، أو الشرَّ المطلق؟ن الظُّلم الذي ناله التحرُّر الفكريُّ، والتبعيَّة للغير التي تفنَّنَت الأنظمة التربويَّة في التمكين لها، خلَقَتْ عند الأمة الإسلامية أزمةَ قيادة، فالأُمم عند الأزمات تبحث عمَّن يقودُها نَحو النَّصر، ولعلَّ المرَض الأكبر عند أمَّتِنا أن أشعَّة النَّقد دائمًا موجَّهةٌ نَحو الخارج، أمَّا الداخل فهو من المقدَّسات التي لا يتحدَّث عنها، إنَّ الفكر المنيع فِكْر قادرٌ على الاستمرار حتَّى في عصر العولمة الذي يتَسارع فيه الضخُّ الثقافي، وتتعدَّد فيه الأفكار، فإذا لم يتغيَّر الإنسان ويتطوَّر فسوف يفْنَى؛ لذلك كان من الواجب السَّيْرُ في تنمية قدرات الإنسان الفكريَّة؛ لينسجم ومتطلَّبات الْمَرحلة، ويتحصَّن عن كلِّ اغتراب فكري، أو استلاب حضاري. .
تعاني بلداننا الإسلامية من أزمة سياسية حادة تتميّز بالاستقطاب بين سلطة فاسدة ومفسدة ، عاجزة وظالمة من جهة و معارضة سيطر عليها التيار الإسلامي المتخبط في تناقضاته و إفلاس شعاراته . أدّى فشل النخب الحاكمة لبلداننا و ضعف و تناقض المعارضة التي سيطر عليها التيار الإسلامي إلى تعطيل إقامة الدولة الوطنية ببلداننا . إن ما يحدث الآن في مصر في إطار الانتخابات الرأسية الأولى بعد سقوط مبارك، من استقطاب بين بقايا النظام الفاسد من جهة و بين الإسلاميين من جهة أخرى، لهو نموذج لانغلاق الطريق حاليا أمام شعوبنا لإقامة الدولة الوطنية الديمقراطية.

اقرأ أيضا  الأمم المتحدة: قلقون إزاء سلامة موظفي الأناضول بالقاهرة

المصدر:دنيا الرأي

 

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.