بأيِّ إسلاميين سيقبلون؟
بسام ناصر
الثلاثاء08 محرم1435 الموافق12 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
تحت وقع ضربات الثورة المضادة، توشك شمس الربيع العربي على الغروب، فالقائمون على محاصرة الانتفاضات العربية أزعجتهم مطالبة الشعوب باسترداد حقوقها المنتهكة والمهدورة، فكيف يسحب البساط من تحت أقدامهم وهم يتفرجون، وكيف تهدم عروشهم وهم صامتون، فأجمعوا أمرهم، وحشدوا قواتهم، ورصدوا ملياراتهم، لإجهاض الثورات العربية، وإفشال الربيع العربي.
ومع أن الثورات العربية أظهرت قدرة الشعوب العربية على كسر حواجز الخوف المضروبة عليها منذ عقود طويلة، وامتلاكها الإرادة الصلبة للتمرد على أنظمة الفساد والاستبداد، إلا إن اشتداد ضربات الثورة المضادة، جعلت الشعوب تتراجع عما كانت عليه في بداية الانتفاضات من قوة وعنفوان، ومما ساعد على تراجع المد الشعبي المتمرد على أنظمة الاستبداد، حمل الثورات السلمية على التحول إلى العمل العسكري المسلح، ما أدخل البلاد في أتون حرب أهلية طاحنة، كما في الحالة السورية والليبية.
بعد إسقاط رأسي النظام في كل من تونس ومصر، فُتحت الأبواب لمسار ديمقراطي جديد، شاركت فيه حركات إسلامية، وافقت على المشاركة السياسية وفق قواعد اللعبة الديمقراطية، وقد واجهت عنتا شديدا، واتهامات جارحة، من قبل جماعات وحركات إسلامية رافضة للعملية الديمقراطية برمتها، باعتبارها نبتا غربيا شيطانيا، تتعارض –من وجهة نظرهم– مع أصول عقائدية، وكليات شرّعية، بتخويلها البشر حق التشريع الذي لا يكون إلا لله تعالى.
من يتابع آراء ومواقف الاتجاهات الإسلامية الرافضة العملية الديمقراطية، يدرك مدى سخطها وغضبها من تلك المشاركة، وكأن الحركات المشاركة في العملية الديمقراطية قد تلبست بعمل كفري ينقض عرى الإسلام، أحد نماذج ناقدي الإخوان المسلمين، وهو المتحدث باسم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، أبو محمد العدناني، وصف جماعة الإخوان المسلمين –عبر تسجيل صوتي- بأنها «حزب علماني بعباءة إسلامية، بل هم أشر وأخبث من العلمانيين». إسلامي آخر ينتمي لحزب التحرير علق على تجربة الإخوان في مصر بقوله: «نقول لجماعة الإخوان المسلمين، ملك لم تحافظوا عليه كالرجال، فلا تبكوا عليه كالنساء». وكأن الإخوان قد حازوا ملكا حقيقيا بحسب رأي المعلق المسكون بروح التشفي من إخوانه.
المرونة التي أبدتها الحركات الإسلامية في منهجيتها الإسلامية فهما وتطبيقا، المتمثلة بمبدأ التدرج المرحلي في تطبيق أحكام الشريعة، كانت موضع نقد شديد، ورفض أكيد من الحركات الإسلامية الداعية إلى التطبيق الفوري للشريعة الإسلامية. كما أن ما نادت به الحركات الإسلامية المشاركة في الديمقراطية من الدعوة إلى الإسلام الوسطي المعتدل، كانت هي الأخرى محل نقد ورفض، لأنها لا تعني في عرف الجماعات والأحزاب الرافضة إلا تمييع المفاهيم الشرعية، وتطويع أحكام الشرع للواقع ليفعل بها فعله تشويها وتدميرا.
بعد الإطاحة بالتجربة الإخوانية في مصر، استغلت الجماعات والأحزاب الرافضة المشاركة الديمقراطية الحالة، باعتبارها شاهدا جديدا، ودليلا واضحا على رؤيتها وموقفها، وكأنها تريد أن تقول للإخوان المسلمين، رغم تساهلكم ومرونتكم وقبولكم «بما هو غير إسلامي وشرعي» إلا أن القوم لم يرضوا عنكم، ولم يقبلوا بكم، وثاروا على تساهلكم ومرونتكم واعتدالكم، فلماذا لا تتمكسون بالأحكام الشرعية تمسكا ظاهرا وواضحا، ولماذا تعطون الدنية في دينكم وشريعة ربكم؟
من الواضح أن سلوك الانقلابيين، ومن يقف في ظهورهم ويساندهم من القوى الإقليمية والدولية، يشي بأن القوم لا يرضون عن الإسلاميين مهما أبدوا من مرونة في التعامل مع قضايا الواقع، ولا يقبلون بهم مع كل ما أظهروه من الاعتدال والوسطية، مفارقين بذلك مناهج الغلو والتشدد، وهو ما يحمل طوائف واسعة من الإسلاميين على الخروج بقناعات قوية، تخلص إلى القول بأن الديمقراطية طريق فاشل ومسدود، ولن يوصل الإسلاميين إلى شيء من أهدافهم، ولن يحقق شيئا من غاياتهم.
كما أن مواقف القوى المحلية والإقليمية والدولية، من ظهور الإسلاميين «المعتدلين والوسطيين» في الانتخابات، والانقلاب عليهم، والإطاحة بهم، رفعت أسهم الاتجاهات الإسلامية الراديكالية المتشددة، لأنها جاءت لتؤكد رؤيتها القائلة: إن الحرب في حقيقتها ليست ضد الإسلاميين –على اختلاف توجهاتهم-، بل هي حرب تستهدف الإسلام بعقائده وشرائعه، لذا فإنه لا سبيل للالتقاء معهم في منتصف الطريق، ولا طريق للتغيير –من وجهة نظرهم– إلا بالانقلاب الجذري.
كل الوقائع والأحداث بعد الانقلاب العسكري في مصر، تصب في مصلحة الاتجاهات الإسلامية ذات المنهجيات الراديكالية في التغيير، التي لا تنفك عن ترداد مقولاتها إن الآخرين لن يرضوا عن أي اتجاهات إسلامية مهما كانت معتدلة ووسطية ومتسامحة، ما يقوي تلك التوجهات انسداد الأفق السياسي، وعلو الحلول الأمنية، التي ستدفع إلى مزيد من التشدد والراديكالية والغلو.
المصدر:السبيل