كيف يكون الإسلاميون كباراً يخوضون المعارك الكبيرة؟

بسام ناصر
السبت12 محرم1435 الموافق16 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

“نحن صغار نخوض المعارك الصغيرة بحماس لا نظير له”، تلك هي كلمات تغريدة الداعية السعودي المعروف الدكتور سلمان العودة، التي علق فيها على المشهد السعودي غداة احتدام الصراع بين المؤيدين قيادة المرأة السعودية للسيارة، والمعارضين لها، تغريدة العودة أثارت ردود فعل ساخطة وغاضبة، بعض تلك الردود صنفت التغريدة وصاحبها في دائرة من يتهجمون على أهل العلم والحسبة، ويقعون فيهم باللمز والإيذاء.

ففي مقاله المعنون بـ «يا دكتور سلمان كف عن أهل العلم والفضل والحسبة أذاك»، هاجم الأكاديمي والداعية السعودي الدكتور وليد الرشودي الشيخ العودة بسبب تغريدته تلك وغيرها من التغريدات، يقول الرشودي: «ومع تتابع أهل العلم والفضل والوجاهة والاحتساب في العمل الجاد المشروع للرفض (يعني حملة 26 اكتوبر للمطالبة بقيادة المرأة السعودية للسيارة)، يغرد الدكتور سلمان بن فهد العودة تغريدات يلمز بها هؤلاء الأفاضل، حراس الفضيلة والوحدة الحقيقية تغريدات آذى بها الأخيار، وأفرح به من يكيد لهذا البلد وأهله..»، ذاكرا التغريدة أعلاه وغيرها من تغريدات العودة الأخرى.
كم كنت أتمنى لو تتاح لي فرصة لقاء الدكتور العودة ومقابلته، لأوجه له السؤال التالي: من وحي تغريدتك الآنفة الذكر، وفي الاتجاه المقابل لها، كيف نكون كباراً، نخوض المعارك الكبرى، بما تستحقه من جدية حماس؟ يخيل إلي وفق قراءتي للمشهد السعودي -عن بعد- ومحاولة قراءة الخريطة الذهنية لرجالات الإصلاح في السعودية، والدكتور العودة أحد أكابر أولئك، أن تأتي الإجابة متضمنة الرؤى والمعاني الآتية.
أولى المعارك الكبرى، تتجسد في حشد قوى سائر الاتجاهات الفكرية، وتوحيد جهودها واجتهاداتها لانتزاع حق الإنسان في الحرية التي لا معنى للحياة بدونها، فكيف للإنسان أن يعيش حياة هانئة وكريمة يفتقد فيها حرية الكلمة والتعبير، وحرية العمل والحركة، كم يكون طعم الحياة مرًا علقما في أجواء الخنق والكبت والقهر، وإلزام الشعب بما يراه ويرضاه صانع السياسات الرسمية، مع تحريم وتجريم كل ما يخالفها ويخرج عن أطرها الضيقة الخانقة، من حق الشيخ العودة -على سبيل المثال- أن يعرف سبب إيقاف برنامجه «لك حق» الذي كان يهدف من ورائه إلى إشاعة ثقافة الحقوق، فما السبب الذي يجعل صاحب القرار يضيق ذرعا ببرنامج تلفزيوني يتحدث عن الحقوق بتنوعها وشمولها؟
من مفردات المعارك الكبرى التي تتطلب أن يخوضها الكبار بقوة وحماس، مساءلة المسؤولين عن سر السلوك القمعي المتمثل في اعتقال معارضي الرأي، وتوقيفهم لسنوات طويلة، دون تهم محددة، ولا محاكمات عادلة، فأين هي دولة القانون، وأين هي الأحكام الشرعية التي تجيز للحاكم أن يعتدي على حرية مواطنيه ليودعهم السجون هكذا لفترات مفتوحة، لا يعلم فيها الموقوف تهمته، ولا يعرف متى تنتهي محكوميته (كحالة الشيخ سلمان العلوان الذي أُفرج عنه بعد تسع سنوات قضاها في السجن، وحالة الشيخ خالد الراشد الذي ما يزال يقبع في السجن منذ عدة سنوات).
كيف يأمن الناس على حقوقهم، وهم يرون بلدانهم تدار بقبضة فولاذية صارمة، لا يسمح فيها لمعارض أن ينبس ببنت شفة، وإن تكلم بما يخالف السياسات الرسمية العامة، كان مصيره السجن المفتوح الذي يُرغم من خلاله، على مراجعة أفكاره ورؤاه، ويحُمل حملا للتخلي عنها أو إظهار ذلك على الأقل، ليتمكن من الخروج من ظلمات المعتقلات، ومفارقة أقبية السجون؟
أليس من واجب العلماء والدعاة القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتصويب مسيرة السلطات الحاكمة ونقدها، وتنبيه أولي الأمر على الأخطاء والتجاوزات التي تقع في المجتمعات؟ فلماذا إذا قاموا بممارسة وظيفتهم في إنكار منكرات السلطان، ونصحه بالتي هي أحسن، ثارت ثائرة السلطان عليهم، فلم يكن لهم مكان إلا السجون والمعتقلات؟ فهل وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محصورة فقط في مخالفات النساء في الأسواق، أم تجاوزات الشباب في الأماكن العامة؟ هل الطبقة السياسية محصنة من النقد والنصح والمراجعة فلا يحق للعلماء والدعاة توجيه النقد وإسداء النصح لهم؟
أليس العدل مفقودا في تلك الممارسات والسلوكيات؟ فأين هو العدل قرين التوحيد في ظل نسق حكم يقال إنه قام على العقيدة ونابع من تطبيق أحكام الشريعة؟ أليس العدل هدفا عاليا وساميا في بعثة الرسل عليهم السلام، كما قال تعالى: }لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ..{ (الحديد: 25)؟ فهل كل من يمارس نصح ولي الأمر، وتنبيهه على الأخطاء والتجاوزات والمخالفات يكون بذلك متمردا على ولي الأمر، وخارجا عليه؟ ليحاكم بعدها بالأحكام القاسية التي تغيبه عن الحياة والناس لعشرات السنين؟
أين هي ثروات البلاد، وهل يتم توزيعها بعدل بين أبناء الشعب؟ تظهر الأرقام أن عدد المليارديرات في الشرق الأوسط عام 2013، بلغ 157 مليارديرا، بثروة مجموعها 354 مليار دولار، احتلت السعودية الرقم الأعلى بـ46 مليارديرا بما مجموعة 204 مليارات دولار، مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظة الهامة التي أشار إليها الكاتب «الرسالي» والمحلل السياسي ياسر الزعاترة عبر تغريدة له على «تويتر»، من أن «هناك أعدادا كبيرة منهم لا يُذكرون في الإحصاءات إياها؛ لاستحالة حصر ثرواتهم لأسباب سياسية!».
أمام تلك القضايا المذكورة أعلاه -وغيرها كثير- يغدو الاشتغال بقضية قيادة المرأة السعودية للسيارة، خوضا للمعارك الصغيرة بحماس لا نظير له كما قال العودة في تغريدته، في الوقت الذي يغيب فيه غالب القوم عن خوض المعارك الكبيرة؛ إيثارا للسلامة، وطمعا في راحة البال، وهدوء الحال.

اقرأ أيضا  يونسكو تعتمد قرارين لصالح فلسطين

المصدر:السبيل

 

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.