دلالات تربوية على سورة الكوثر
الإثنين14 محرم1435 الموافق18 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).
د. أحمد مصطفى نصير
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}
الفائدة الأولى: أن حنق الكفار على التزام المسلمين السنَّة بشارة بنصرهم:
هذه السورة هي بشارة من بشائر النصر، فكلما ازداد حنق الكفار على سنتنا وعلى نبينا – صلَّى الله عليه وسلَّم – حتى بعد وفاته – صلَّى الله عليه وسلَّم – كلَّما دلَّ ذلك على اقتراب النصر، لذا فإن هذه السورة تؤكِّد أن أعداءنا يزدادون حنقًا وكرهًا كلَّما ازداد المسلمون قوة إلى قوتهم، فعندما قال الصحابة للنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((والله ليتمنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون))[1].
ويظهر ذلك بصفة خاصة عندما يتمسَّك المسلمون بشعائرهم ويعلنونها، وهو الأمر الذي يبدو للوضوح في صلاة العيد – وبخاصة عيد الأضحى – حينما يتجمَّع المسلمون بعد صلاة الفجر حتى شروق الشمس، وبعدها يصلون صلاة العيد جماعةً في الخلاء أمام الناس جميعًا، وليس بداخل المساجد، فيراهم الكفار والمشركون، وعندما يرونهم كذلك وهم يذبحون ذبيحتهم بعد عام طويل من الإنتاج الحيواني، والعمل الإسلامي المنتج الذي يهتم بالثروة الزراعية والحيوانية في مقام واحد، فهنا يبدون للعيان قوة المسلمين في عددهم، وفي توحدهم وعبادتهم، وفي اقتصادهم وإنتاجهم، وفي امتثالهم لشرع لربهم، هنا فحسب يدحض الإسلام الكفر ويصفه بالأنقص، فهو دائما الأدنى، وهو الأقل شأنًا كذلك؛ يقول سبحانه: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33]، وقال – عز وجل -: {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يونس:65]، وقال سبحانه: {وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ* نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} [لقمان: 23، 24].
فهنا يعلِّمنا الله – عز وجل – كيف يقيس المسلمون قوتهم؟ إنهم يقيسونها بإظهارهم لشعيرتهم وإعلانها، ويقيسونها بقوة اقتصادهم الحقيقي المنتج في مجال السلع الضرورية والغذائية لا الترفيهية والكمالية، فطالما أنهم يستطيعون أن يطعموا أنفسهم أجود الطعام، ويطعموا غيرهم هذا الطعام، وهو اللحم شهرًا كاملاً، ويستمرُّون على ذلك أعوامًا عديدة، حتى تتوارث الأجيال القادمة هذه العادة ولا ينقطعون عنها أبدًا – دلَّ ذلك على أنهم أقوياء إيمانيًّا واقتصاديًّا، فلا غرو أن يهابهم أعداؤهم عسكريًّا، لذا كانت النتيجة الطبيعية أن يصفهم القرآن بالخذلان والذل والهوان؛ قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33].
الفائدة الثانية: التطبيق العملي لسنة النبي – صلي الله عليه وسلم -:
ما هو الكوثر؟ وما علاقته بتطبيق السنة؟
عن أنس قال: بينا رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسمًا، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: ((أنزلت عليَّ آنفًا سورة))، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ* إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر}، ثم قال: ((أتدرون ما الكوثر؟))، فقلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإنه نهر وَعَدنيه ربي – عز وجل – عليه خير كثير، وحوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيتُه عدد النجوم، فيُختَلَج العبد منهم، فأقول: ربّ، إنه من أمتي، فيقول: ما تدري ما أحدَثَتْ بعدك))[2].
إذن؛ العلاقة ظاهرة وواضحة بين قوة المسلمين في تمسُّكهم بشعائرهم، والجزاء والمثوبة والخير الكثير المدَّخر لهم في الآخرة، فمعنى ذلك: أن من كان على نهج نبيِّنا – صلَّى الله عليه وسلَّم – ولم يبتدع نهجًا محدثًا، فهو ملتزم بسنة نبيِّه وهو ناصر له، وبالتالي يكون له نصيب من هذا الخير، أما من أحدث وابتدع وخالف شرع ربِّه وسنةَ نبيِّه – صلَّى الله عليه وسلَّم – فهذا محروم من أن يهتدي إلى هذا الخير في الآخرة، فالكوثر خيرٌ لا يناله إلا من تمسَّك بسنة نبيِّه – صلَّى الله عليه وسلَّم – وشريعة الإسلام، والتزم هذا النهج دون ابتداع؛ قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من صلَّى صلاتنا، واستقبل قِبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تحقروا الله في ذمته))[3].
فهذا هو رسول الله يعلِّمنا كيف يكون التطبيق العملي للالتزام بحرفية سنّته، فلا يكون ذلك بالإدعاء؛ وإنما بالفعل وَفْق صحيح السنة، فحدد وقت الذبح، فأجاز ذبح الأضحية بعد انقضاء الصلاة، وحدد نوع الذبيحة فأمر بذبح المُسِنَّة، وفي ذات الوقت رخَّص لبعض أصحابه في نوع الذبيحة؛ لأنه استعجل الذبح قبل أن تنقضي صلاة العيد، ولم يرخِّص لغيره بعده في ذلك، ليكون مثالاً عمليًّا لنا للالتزام بسنته – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من صلَّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، فلا يذبح حتى ينصرف))، فقام أبو بردة بن نيار، فقال: يا رسول الله فعلت، فقال: ((هو شيء عجلته))، قال: فإن عندي ج1جذعة، هي خير من مسنتين، أذبحها؟ قال: ((نعم، ثم لا تجزي عن أحد بعدك)))[4]
ـــــــــــــــ
[1] رواه البخاري في صحيحه، (3/1322)، رقم (3416).
[2] رواه مسلم في صحيحه، (1/300)، رقم (400).
[3] رواه البخاري في صحيحه، (1/153)، رقم (384).
[4] رواه البخاري، (5/2114)، رقم (5243).
المصدر: الألوكة