العجل ( قصة واقعية من وحي كتاب الله )

الخميس 17 محرم1435 الموافق21 تشرين الثاني / نوفمبر.2013 وكالة معراج للأنباء (مينا).

د. أحمد رزق شرف 

ما كادوا يعبُرونَ البحر بعد أن شقَّ الله لهم طريقًا فيه يَبَسًا، حتى عاد النبضُ إلى قلوبهم بعد أن توقَّف، وعادتِ الأنفاسُ إلى صدورِهم بعدما هجرَتْها، وثبَتَت أعينُهم في محاجرها بعد أن كانت تدورُ كالرادار ترصُدُ جنود فرعون في أثرِهم، وبعدما رأَوْا بأعينهم هلاكَ الظالم الذي طالما سامهم سوءَ العذاب، فقتلهم واعتقلهم، وذبَّح أبناءهم، واستحيا نساءهم، وكدَّر حياتهم، وأهدر كرامتهم الإنسانية، وسلبهم الحرية التي طالما تاقوا إليها.

 

• خلّصهم الله من الفرعون الذي حرمهم عيشَهم وحريتهم وكرامتهم الإنسانية، وبدؤوا عهدًا جديدًا، عهدًا بزغت فيه شموسُ الحرية، وأضاءت الأرض بنورِها، وهبَّت فيه نسائم العدل والحرية والمساواة، وطُوِيَت فيه صفحات العبودية التي سطَّرها الزمن لسنواتٍ طويلة، سنوات عِجافٍ من الكرامة والعدالة، سمانٍ بالجُثَث والدماء وصرخات المعذَّبين.

اقرأ أيضا  الحج والتربية الإيمانية

 

لكنهم كانوا أدمَنوا العبودية لغير الله، واستساغوا طعمَ القهر والطغيان، فما لبثوا يبحثون لهم عمَّن يعبدونه من دون الله، ويُمجِّدونه ويُعظِّمونه، فالعبودية واضحٌ أن لها لذَّةً كبيرة في أفواه العبيد.

 

• فجاءهم السَّامِريُّ يلمس فيهم ضيقَهم بحريَّتهم واشتياقهم لأغلال الذلِّ، فسحرهم بكلماته المدوية الرنَّانة، وسلَّط عليهم أبواقه الإعلامية، فلبَّست عليهم الحقائق، فرأَوا الحق باطلاً والباطل حقًّا، وزيَّن لهم هذا الإعلاميُّ الفاسدُ حياةَ العبودية من جديد، وأقنعهم أن موسى – عليه السلام – الذي أراد حريَّتهم، إنما جاء ليشق عليهم، وليفسد عليهم حياتهم الرتيبة المستقرة.

 

• صنع لهم السامِريُّ بأموالِهم وذهبِهم وكنوزِهم عجلاً قدَّسوه تقديسًا لا نظير له، إذا سمِعوا خُوارَه الحنون خشَعوا كأنهم في محرابِ الصلاة!

 

نعم لقد كان خُوارُه حنونًا، ليس كخُوارِ الثِّيرانِ، تُحِسُّ إذا سمعتَه أنه صوت حَمَلٍ وديع، لكنه يُخفِي في جوفه ثعبانًا يلدَغُ!

اقرأ أيضا  دروس من الهجرة النبوية

 

• كان لهذا العجل فتحتانِ: فتحة في فمه يدخل منها الهواء، وفتحة في دُبُرِه لتسريب الهواء الذي دخل، كلما هبَّ الهواء أحدث تسريبُه ذلك الصوتَ الذي سحَر هؤلاءِ العبيدَ، هم يعرفون أنه عجلٌ لا يعقل، لكنهم قدَّسوه، هم يعرفون أنه سيُلقَى في جهنم يومًا ومعه مَن أحبَّه وقدَّسه، لكنهم أحبوه ورضُوا أن يكونوا عبيدًا له، ورغم أنهم يعلمون أن خُوارَه هو هواء يحدُثُ له من دبره (تسريب)، إلا أن خُوارَه كان ساحرًا لقلوبهم وعقولهم.

 

• وحينما حاول بعضُ إخوانِهم هدايتَهم وإرشادَهم وتبيين الحقائق لهم، وصَفُوهم بالخيانة والعمالة وعدم الفَهم، وأنهم يريدون تدمير حياتهم وكَبْت حريتهم!

 

• هكذا هم العبيد يَحِنُّون دائمًا لمَن يُقدِّمون له فروض الولاء والطاعة ومظاهر العبودية، لا تهمُّهم حريتهم ، ولا تَعْنِيهم كرامتهم!

 

لكنهم سيُدرِكون يومًا ما أن مصيرَ العجل هو أن يُحرَق ثم يُنسَف في اليم نسفًا، حينها سيندمونَ أشدَّ الندم على ما فرَّطوا من عبودية للهِ وحدَه، ومن نعمة الحرية والكرامة التي لم يحفظوها، ولم يرعَوْها حق رعايتِها، وسيكون للسامِريِّ الذي صنَع لهم العجلَ موعدٌ لن يُخلَفَه، سيلقى فيه جزاءَ ما صنعت يداه، لكنهم جرَّاء ما اقترفوه سيظلُّون في التيهِ أربعين سنةً، وسيتمنَّون أن يعودَ الزمن إلى الوراء، وساعتها لن نأسى على القوم الفاسقين.

اقرأ أيضا  فضل أيام عشر ذي الحجة والأعمال الوارِدة فيها

المصدر : الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.